بقلم: عاطف الصبيحي
جملة مباركة من الآيات التي تصف لنا بدقة متناهية موقف يوم القيامة، وما به من موازين بالغة الدقة، وقواعد بمنتهى الصرامة، وتحديد لا يُجدي معه تأويل، فهي من الوضوح مما لا يُعذر فيه أحد، كما قال ابن عباس رضي الله عنه «ومن القرآن لا يُعذر فيه أحد» فالآيات التالية التي نستحضرها والتي فيها ما فيها من التحديد، والوضوح ما يرعب وما يُثلج الصدر في عين الوقت، وهي كثيرة لذا سنورد منها ما يفي بالغرض حتى نتمكن من استعراض أكبر قدر ممكن من الشواهد، في محاولة لتغطية الموضوع ما وسعتنا المحاولة.
مسؤولية النفس عن نفسها فقط يقول الله تعالى: (فمن أبصر فلنفسه) 104الأنعام، ويقول: (من عمل صالحا فلنفسه) 15 الجاثية، ويقول تبارك وتعالى: (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه)40النمل، ويقول الحق سبحانه: (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) 18 فاطر، ويقول تبارك وتعالى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه)6 العنكبوت، وغيرها من الآيات التي تحدد تحديداً صارماً مسؤولية النفس.
فالنجاة يوم المحشر مسؤولية شخصية بحتة، فلا عُذر للإنسان، ولا يؤخذ بجريرة غيره، ولا ارتباط بين الفرد وفجور الناس أو تقواهم. لأن القوانين الناظمة ليوم الحشر لم تدع عذرا لمعتذر، يقول الله سبحانه وتعالى بوضوح وعلى الملأ: (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا)13الإسراء، ويكون ذلك الإخراج تحت حراسة مشددة حيث يقول رب العزة والمنعة: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد)21 ق، ويُدعى للتعرف على نتيجته بنفسه: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) 14 الإسراء.
ويتابع الكتاب الكريم بتحديد وتوضيح الأمور بما يدع مجالاً للشك أو الريب، فيقول سبحانه وتعالى: (وما كان ربك نسيا)64 مريم، طمأنينة للمؤمن وانشراح صدر، وغمة وضيق وحرج للمجرم المعاند بأن كل شيء حاضر عند ربه، ولا يجوز عليه النسيان ولا يصح.
هناك لا أهمية ولا اعتبار لما كان له اعتبار في الحياة الدنيا من متاع الغرور وقُرة الأعين، التي كان الناس يتفاخرون بها ويتيهون على بعضهم من خلالها: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)88 الشعراء، كذلك تكرر البشارة لأصحاب القلوب السليمة، وكدر وجزع لأصحاب القلوب المظلمة المعتمة.
لا مجال ولا أمل في محاولة التبديل أو التغيير فتلك أمنية بعيدة المنال، حيث هناك قوانين غير القوانين، فيقول الله تعالى بحزم: (ما يبدل لدي القول وما أنا بظلام للعبيد)29 ق، كما لا يوجد هناك غياب لأي أحد: (وإن كل لما جميعا لدينا محضرون) 32 يس، لا مفر من الحضور على رؤوس الأشهاد، لتشهد عليهم كل الأعضاء: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون)24 النور، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فمن نسي شيئاً فالله لا ينسى وحاشاه: (أحصاه الله ونسوه) 6 المجادلة.
وغيرها من الآيات التي لا تدع مجالاً لأحد بالتهرب من مسؤولياته وما جنته يداه في حياته الدنيا، أمام هذه المنظومة الصارمة بدقتها وشموليتها، ألا يستوجب على الإنسان التوقف عن السدور في غيه، والتراجع عن السبل المتفرقة ليسلك سبيلا واحداً هو سبيل الصراط المستقيم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك