العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

أربعُ تعوّذاتٍ مهمّة

الجمعة ١٧ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬د‭. ‬خالد‭ ‬خليفة‭ ‬السعد

ما‭ ‬أكثر‭ ‬الأشياء‭ ‬الّتي‭ ‬يحتاج‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬إلى‭ ‬الحذر‭ ‬منها‭ ‬والتّحصّن‭ ‬من‭ ‬شرورها،‭ ‬فالحياة‭ ‬حافلة‭ ‬بمخاوف‭ ‬كثيرة،‭ ‬فهناك‭ ‬الخلائق‭ ‬الضّارّة‭ ‬والمؤذية‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وهناك‭ ‬الوساوس‭ ‬الشّيطانيّة‭ ‬والهواجس‭ ‬النّفسيّة‭ ‬الّتي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تفارقه‭.‬

والمسلم‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬الحفظ‭ ‬والأمان‭ ‬إلاّ‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى،‭ ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬وبيده‭ ‬وحده‭ ‬الضّرّ‭ ‬والنّفع،‭ ‬ولهذا‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬نبيّه‭ ‬عليه‭ ‬الصّلاة‭ ‬والسّلام‭ ‬أن‭ ‬يلتجئ‭ ‬إليه‭ ‬ويستعيذ‭ ‬به،‭ ‬فقال‭ ‬سبحانه‭: (‬وَإمَّا‭ ‬يَنْزَغَنَّكَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الشَّيْطَانِ‭ ‬نَزْغٌ‭ ‬فَاسْتَعِذْ‭ ‬بِاللَّهِ‭  ‬إنَّهُ‭ ‬هُوَ‭ ‬السَّمِيعُ‭ ‬الْعَلِيمُ‭) [‬فصّلت‭: ‬36‭]‬،‭ (‬قُلْ‭ ‬أَعُوذُ‭ ‬بِرَبِّ‭ ‬الْفَلَقِ‭. ‬مِنْ‭ ‬شَرِّ‭ ‬مَا‭ ‬خَلَقَ‭) [‬الفلق‭: ‬1‭-‬2‭]‬،‭ (‬قُلْ‭ ‬أعُوذُ‭ ‬بِرَبِّ‭ ‬النَّاسِ‭. ‬مَلِكِ‭ ‬النَّاسِ‭. ‬إلَهِ‭ ‬النَّاسِ‭. ‬مِنْ‭ ‬شَرِّ‭ ‬الْوَسْوَاسِ‭ ‬الْخَنَّاسِ‭) [‬النّاس‭: ‬1‭-‬4‭]. ‬فالاستعاذة‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬تعصم‭ ‬الإنسان‭ ‬الضّعيف‭ ‬من‭ ‬آفات‭ ‬كثيرة‭ ‬يغفل‭ ‬عنها،‭ ‬وتقيه‭ ‬ما‭ ‬يعترضه‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬عوائق‭ ‬وأشواك‭.‬

وللنّبيّ‭ ‬عليه‭ ‬الصّلاة‭ ‬والسّلام‭ ‬أدعية‭ ‬واستعاذات‭ ‬كثيرة‭ ‬وبليغة،‭ ‬لم‭ ‬يدع‭ ‬فيها‭ ‬منفذًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسلّل‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬شرّ‭ ‬أو‭ ‬بليّة‭ ‬في‭ ‬دينه‭ ‬أو‭ ‬دنياه‭ ‬إلاّ‭ ‬سدّه‭ ‬وحصّنه،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬مسنده‭ (‬13674‭) ‬أنّ‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلّى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلّم‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬اللّهمَّ‭ ‬إنّي‭ ‬أعوذُ‭ ‬بِكَ‭ ‬مِنْ‭ ‬علمٍ‭ ‬لا‭ ‬يَنفَع،‭ ‬وعملٍ‭ ‬لا‭ ‬يُرفَع،‭ ‬وقلبٍ‭ ‬لا‭ ‬يَخشَع،‭ ‬وقولٍ‭ ‬لا‭ ‬يُسمَع‮»‬‭. ‬

أوّل‭ ‬استعاذة‭ ‬تضمّنها‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭: ‬‮«‬اللهمّ‭ ‬إنّي‭ ‬أعوذ‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬علمٍ‭ ‬لا‭ ‬يَنفع‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التّمييز‭ ‬وحسن‭ ‬الاختيار،‭ ‬وتعلّم‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬تعلّم‭ ‬ما‭ ‬يضرّ‭ ‬منها‭ ‬ولا‭ ‬ينفع،‭ ‬كالسّحر‭ ‬والأفكار‭ ‬الّتي‭ ‬تلوّث‭ ‬العقول،‭ ‬وكالأدوات‭ ‬التّي‭ ‬تحرّض‭ ‬على‭ ‬الضّلال‭ ‬والانحراف‭. ‬فمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقتني‭ ‬كتابًا‭ ‬أو‭ ‬مجلّة‭ ‬أو‭ ‬رواية‭ ‬أو‭ ‬أيَّ‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التّعلّم‭ ‬والتّثقّف،‭ ‬فليحرص‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬ما‭ ‬يزيده‭ ‬إيمانًا‭ ‬بربّه‭ ‬وخشيةً‭ ‬له‭ ‬وتمسّكًا‭ ‬بشرعه‭. ‬وكذلك‭ ‬تتضمّن‭ ‬هذه‭ ‬الاستعاذة‭ ‬توجيهًا‭ ‬للقائمين‭ ‬على‭ ‬التّعليم‭ ‬بأن‭ ‬يُنقُّوا‭ ‬مناهجهم‭ ‬ويطهّروها‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬دخيل‭ ‬أو‭ ‬عليل،‭ ‬ويُقوّوا‭ ‬فيها‭ ‬جانب‭ ‬الخير‭ ‬والصّلاح،‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬التّربية‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬الّتي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬وتعمّر،‭ ‬وترسم‭ ‬للفرد‭ ‬وللمجتمع‭ ‬طريق‭ ‬السّعادة‭ ‬والنّجاح‭ ‬في‭ ‬الدّنيا‭ ‬والآخرة‭.‬

والاستعاذة‭ ‬الثّانية‭: (‬وعملٍ‭ ‬لا‭ ‬يُرفع‭) ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يُرفع‭ ‬إلى‭ ‬مقام‭ ‬القَبول‭ ‬والرّضى،‭ ‬إمّا‭ ‬لأنّه‭ ‬فاسد‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬أو‭ ‬لافتقاده‭ ‬شرط‭ ‬الإخلاص،‭ ‬ولهذا‭ ‬قرّر‭ ‬القرآن‭: ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬عمل‭ ‬لا‭ ‬يُبتغى‭ ‬به‭ ‬وجه‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬مشروعًا،‭ ‬لن‭ ‬يحوز‭ ‬القبول‭ ‬عند‭ ‬الله‭: (‬فَمَنْ‭ ‬كَانَ‭ ‬يَرْجُو‭ ‬لِقَاءَ‭ ‬رَبِّهِ‭ ‬فَلْيَعْمَلْ‭ ‬عَمَلًا‭ ‬صَالِحًا‭ ‬وَلَا‭ ‬يُشْرِكْ‭ ‬بِعِبَادَةِ‭ ‬رَبِّهِ‭ ‬أَحَدًا‭) [‬الكهف‭: ‬110‭] ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يرائي‭ ‬بعمله‭ ‬أحدًا‭ ‬من‭ ‬النّاس‭. ‬والعمل‭ ‬الصّالح‭ ‬ليس‭ ‬مقصورًا‭ ‬على‭ ‬الشّعائر‭ ‬الدّينيّة‭ ‬كالصّلاة‭ ‬والزّكاة‭ ‬والصّوم‭ ‬والحجّ‭ ‬والذّكر‭ ‬والدّعاء‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المقدّمة،‭ ‬ولكنّه‭ ‬يشمل‭ ‬كلّ‭ ‬عمل‭ ‬ونشاط‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المسلم‭ ‬فيحقّق‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬خيرًا‭ ‬ونفعًا‭ ‬مشروعًا‭ ‬لنفسه‭ ‬أو‭ ‬لأسرته‭ ‬أو‭ ‬لوطنه‭ ‬أو‭ ‬لأمّته‭ ‬أو‭ ‬للإنسانيّة‭ ‬كلّها،‭ ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬والمنافع‭.‬

أمّا‭ ‬الاستعاذة‭ ‬الثّالثة‭ ‬فهي‭: (‬وقلبٍ‭ ‬لا‭ ‬يَخشع‭) ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬لخالقه‭ ‬ولا‭ ‬يلين‭ ‬بوعد‭ ‬أو‭ ‬وعيد،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬القسوة‭ ‬الّتي‭ ‬حذّرنا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬منها‭: (‬أَلَمْ‭ ‬يَأْنِ‭ ‬لِلَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬أَنْ‭ ‬تَخْشَعَ‭ ‬قُلُوبُهُمْ‭ ‬لِذِكْرِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَمَا‭ ‬نَزَلَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْحَقِّ‭ ‬وَلَا‭ ‬يَكُونُوا‭ ‬كَالَّذِينَ‭ ‬أُوتُوا‭ ‬الْكِتَابَ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلُ‭ ‬فَطَالَ‭ ‬عَلَيْهِمُ‭ ‬الْأَمَدُ‭ ‬فَقَسَتْ‭ ‬قُلُوبُهُمْ‭) [‬الحديد‭: ‬16‭] ‬أي‭ ‬صلبت‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تنفعل‭ ‬لطاعة،‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬موعظة‭. ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬السّبب‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭: ‬الإعراض‭ ‬عن‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬وعن‭ ‬الصّلاة‭ ‬والاغترار‭ ‬بالدّنيا‭ ‬وتعاطي‭ ‬المقالات‭ ‬المفسدة‭ ‬للعقول‭ ‬والقلوب‭. ‬أمّا‭ ‬العلم‭ ‬النّافع‭ ‬فإنّه‭ ‬يورث‭ ‬الخشوع‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬والخضوع‭ ‬للرّبّ‭.‬

وأمّا‭ ‬الاستعاذة‭ ‬الرّابعة‭ ‬فهي‭: (‬وقولٍ‭ ‬لا‭ ‬يُسمع‭) ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬ألفاظ‭ ‬الحديث‭: (‬ودعاءٍ‭ ‬لا‭ ‬يُسمع‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يُستجاب‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬يرتفع‭ ‬فوق‭ ‬الرّؤوس‭ ‬شبرًا،‭ ‬فإنّ‭ ‬الله‭ ‬عزّ‭ ‬وجلّ‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الّذي‭ ‬رواه‭ ‬التّرمذيّ‭ ‬في‭ ‬سننه‭ ‬3488‭: (‬لا‭ ‬يستجيبُ‭ ‬دُعاءً‭ ‬مِنْ‭ ‬قلبٍ‭ ‬غافلٍ‭ ‬لاهٍ‭)‬،‭ ‬إنّما‭ ‬يستحقّ‭ ‬الدّعاءُ‭ ‬الاستجابةَ‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الدّاعي‭ ‬مخلصًا‭ ‬نيّته،‭ ‬مُحْضِرًا‭ ‬قلبه،‭ ‬مؤدّيًا‭ ‬للطّاعات،‭ ‬متعفِّفًا‭ ‬عن‭ ‬الحرام،‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬عليه‭ ‬الصّلاة‭ ‬والسّلام‭ ‬لسعد‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬وقّاص‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬أَطِبْ‭ ‬مَطْعَمَك،‭ ‬تَكُنْ‭ ‬مُستجابَ‭ ‬الدَّعوة‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الطَبرانيّ‭ ‬في‭ ‬المعجم‭ ‬الأوسط‭ (‬6495‭).‬

اللّهمَّ‭ ‬إنّي‭ ‬أَعوذُ‭ ‬بِكَ‭ ‬مِنْ‭ ‬علمٍ‭ ‬لا‭ ‬يَنفَع،‭ ‬وعملٍ‭ ‬لا‭ ‬يُرفَع،‭ ‬وقلبٍ‭ ‬لا‭ ‬يَخشَع،‭ ‬وقولٍ‭ ‬لا‭ ‬يُسمَع‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا