العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

البشرية والقدسية (3)

الجمعة ١٧ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭/ ‬أ‭. ‬د‭. ‬أمين‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬المليجي

نواصل‭ ‬حديثنا‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬بشرية‭ ‬الرسل‭ ‬وقدسيتهم،‭ ‬في‭ ‬المقالة‭ ‬الماضية‭ ‬تكلمنا‭ ‬عن‭ ‬لقاء‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بالرجل‭ ‬الصالح‭ ‬الخضر‭. ‬وكان‭ ‬اللقاء‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬حتى‭ ‬يرى‭ ‬موسى‭ ‬ويسمع‭ ‬ممن‭ ‬هو‭ ‬أعلم‭ ‬منه،‭ ‬وهذا‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬قد‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬درسا‭ ‬في‭ ‬التواضع،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬أعلم‭ ‬أهل‭ ‬الأرض،‭ ‬ومنه‭ ‬نتعلم‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ظن‭ ‬أنه‭ ‬عالم‭ ‬وملم‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬فقد‭ ‬جهل‭ ‬ولا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬تعلمه‭.‬

فعندما‭ ‬تم‭ ‬اللقاء‭ ‬بأمر‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬وسيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬عند‭ ‬مجمع‭ ‬البحرين،‭ ‬كما‭ ‬حكى‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الكهف،‭ (‬فَلَمَّا‭ ‬بَلَغَا‭ ‬مَجْمَعَ‭ ‬بَيْنِهِمَا‭ ‬نَسِيَا‭ ‬حُوتَهُمَا‭ ‬فَاتَّخَذَ‭ ‬سَبِيلَهُ‭ ‬فِي‭ ‬الْبَحْرِ‭ ‬سَرَبًا‭ (‬61‭) ‬فَلَمَّا‭ ‬جَاوَزَا‭ ‬قَالَ‭ ‬لِفَتَاهُ‭ ‬آتِنَا‭ ‬غَدَاءَنَا‭ ‬لَقَدْ‭ ‬لَقِينَا‭ ‬مِن‭ ‬سَفَرِنَا‭ ‬هَذَا‭ ‬نَصَبًا‭ (‬62‭) ‬قَالَ‭ ‬أرَأيْتَ‭ ‬إِذْ‭ ‬أَوَيْنَا‭ ‬إِلَى‭ ‬الصَّخْرَةِ‭ ‬فَإنِّي‭ ‬نَسِيتُ‭ ‬الْحُوتَ‭ ‬وَمَا‭ ‬أنسانيه‭ ‬إلَّا‭ ‬الشَّيْطَانُ‭ ‬أنْ‭ ‬أذْكُرَهُ‭  ‬وَاتَّخَذَ‭ ‬سَبِيلَهُ‭ ‬فِي‭ ‬الْبَحْرِ‭ ‬عَجَبًا‭ (‬63‭) ‬قَالَ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬مَا‭ ‬كُنَّا‭ ‬نَبْغِ‭  ‬فَارْتَدَّا‭ ‬عَلَى‭ ‬آثَارِهِمَا‭ ‬قَصَصًا‭ (‬64‭) ‬فَوَجَدَا‭ ‬عَبْدًا‭ ‬مِّنْ‭ ‬عِبَادِنَا‭ ‬آتَيْنَاهُ‭ ‬رَحْمَةً‭ ‬مِّنْ‭ ‬عِندِنَا‭ ‬وَعَلَّمْنَاهُ‭ ‬مِن‭ ‬لَّدُنَّا‭ ‬عِلْمًا‭ (‬65‭).‬

مقام‭ ‬العبودية‭ ‬لله‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬المراتب،‭ ‬ولذلك‭ ‬وصف‭ ‬الحق‭ ‬به‭ ‬عبده‭ ‬الصالح،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬صفات‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬رحماء،‭ ‬وتلك‭ ‬الرحمة‭ ‬تمنع‭ ‬صاحبها‭ ‬من‭ ‬التكبر‭ ‬بعلمه‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬ولذلك‭ ‬قال‭ ‬الحق‭ (‬فَوَجَدَا‭ ‬عَبْدًا‭ ‬مِّنْ‭ ‬عِبَادِنَا‭ ‬آتَيْنَاهُ‭ ‬رَحْمَةً‭ ‬مِّنْ‭ ‬عِندِنَا‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬أول‭ ‬درس‭ ‬لأهل‭ ‬العلم،‭ ‬الرحمة‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليها‭ ‬اليوم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكالبنا‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ‬وأنهكتنا‭ ‬بشهواتها،‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬العفو‭ ‬والعافية،

ثم‭ ‬يأتي‭ ‬مقام‭ ‬العلم،‭ ‬ويأتي‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يجتهد‭ ‬في‭ ‬طلبه،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬عقيدته‭ ‬أو‭ ‬جنسيته،‭ ‬فالعلم‭ ‬لا‭ ‬وطن‭ ‬له،‭ ‬فوطنه‭ ‬الجد‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬وطالب‭ ‬العلم‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬مثابرا‭ ‬مجتهدا،‭ ‬متأدبا‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬العلم،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الدرس‭ ‬الثاني‭ ‬لسيدنا‭ ‬موسى،‭ ‬ومنه‭ ‬نتعلم‭ ‬التأدب‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬العلم،‭ ‬فقال‭ ‬الحق‭ ‬مؤكدا‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى،‭ (‬قَالَ‭ ‬لَهُ‭ ‬مُوسَى‭ ‬هَلْ‭ ‬أَتَّبِعُكَ‭ ‬عَلَى‭ ‬أن‭ ‬تُعَلِّمَنِ‭ ‬مِمَّا‭ ‬عُلِّمْتَ‭ ‬رُشْدًا‭ (‬66‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬التأدب‭ ‬أكده‭ ‬الحق‭ ‬عندما‭ ‬ذكر‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬موسى‮»‬‭ ‬منكرا‭ ‬ومجردا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬لقب،‭ ‬فهو‭ ‬الرسول‭ ‬النبي‭ ‬ومن‭ ‬أولى‭ ‬العزم‭ ‬من‭ ‬الرسل،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬العلم‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ألقاب،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬رسولا‭ ‬أو‭ ‬كنت‭ ‬ملكا‭ ‬أو‭ ‬أميرا‭. ‬فطلب‭ ‬بسؤال‭ ‬فيه‭ ‬أدب‭ ‬وتواضع‭ ‬ورجاء‭ ‬من‭ ‬المعلم‭ ‬أن‭ ‬يقبل،‭ ‬فقال‭ ‬‮«‬هَلْ‭ ‬أتَّبِعُكَ‮»‬،‭ ‬ونسي‭ ‬أنه‭ ‬الرسول‭ ‬النبي‭ ‬الذي‭ ‬يكلم‭ ‬الله‭ ‬وليس‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الله‭ ‬واسطة،‭ ‬فلا‭ ‬تكن‭ ‬متعاليا‭ ‬متكبرا‭ ‬وأنت‭ ‬تطلب‭ ‬العلم،‭ ‬

وقد‭ ‬روى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬خلفاء‭ ‬المسلمين‭ ‬وهو‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد،‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬ما‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد،‭ ‬كان‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬للأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬علما‭ ‬وخلقا‭ ‬وقوة،‭ ‬جاء‭ ‬بمعلم‭ ‬لأولاده‭ ‬الأمين‭ ‬والمأمون،‭ ‬وقد‭ ‬أوصى‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ ‬المعلم‭ ‬قائلًا‭: ‬أقرئهما‭ ‬القرآن،‭ ‬وعرفهما‭ ‬الأخبار،‭ ‬وروهما‭ ‬الأشعار،‭ ‬وعلمهما‭ ‬السنن،‭ ‬وبصرهما‭ ‬بمواقع‭ ‬الكلام‭ ‬وبدئه،‭ ‬وامنعهما‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أوقاته،‭ ‬ولا‭ ‬تمرن‭ ‬بك‭ ‬ساعة‭ ‬إلا‭ ‬وأنت‭ ‬مغتنم‭ ‬فائدة‭ ‬تفيدهما‭ ‬إياها‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬يتابع‭ ‬حالهم‭ ‬مع‭ ‬معلمهم،‭ ‬فوجدهم‭ ‬يفعلون‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬يفعلونها‭ ‬معه،‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أنهى‭ ‬المعلم‭ ‬الدرس‭ ‬ونهض‭ ‬ليخرج،‭ ‬فتسابق‭ ‬الأمين‭ ‬والمأمون‭ ‬من‭ ‬منهما‭ ‬سيحمل‭ ‬حذاء‭ ‬المعلم،‭ ‬وتشاجرا‭ ‬ثم‭ ‬اتفقا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬فردة‭ ‬من‭ ‬الحذاء،‭ ‬وتصادف‭ ‬وأن‭ ‬رأى‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬فتعجب‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬أدبهما‭ ‬مع‭ ‬المعلم،‭ ‬وأثنى‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

العلم‭ ‬هو‭ ‬طريق‭ ‬الأمم‭ ‬للنهوض‭ ‬والتقدم،‭ ‬وسيظل‭ ‬الإنسان‭ ‬يتعلم‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬علمية‭ ‬رفيعة،‭ ‬وصفات‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬التواضع‭ ‬والتأدب‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬العلم،‭ ‬ولنتذكر‭ ‬دائما‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬يوسف‭ (‬نَرْفَعُ‭ ‬دَرَجَاتٍ‭ ‬مَّن‭ ‬نَّشَاءُ‭ ‬وَفَوْقَ‭ ‬كُلِّ‭ ‬ذِي‭ ‬عِلْمٍ‭ ‬عَلِيمٌ‭ (‬76‭)). ‬ونواصل‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬المقالة‭ ‬القادمة‭ ‬بمشيئة‭ ‬الله‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا