القراء الأعزاء،
أهنئكم جميعاً بحلول شهر رمضان المبارك، جعلنا الله من صائميه وقائميه، وتقبّل منا جميع أعمالنا الصالحة، ويهمني أن أبدأ مقالي بنصيحة ثمينة من نصائح الإمام الشافعي رحمه الله لتلميذه يونس الصفدي عندما وقع خلاف بينهما في إحدى المسائل فقال له: يا يونس تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة واحدة، لا تحاول أن تنتصر في كل خلاف، إن كسب القلوب أولى من كسب المواقف، يا يونس لا تهدم جسراً شيدته بنفسك فربما تحتاج العبور عليه، يا اكره الخطأ ولا تكره المخطئ، واكره المعصية وارحم العاصي، وانتقد القول واحترم القائل، فأن مهمتنا أن نقضي على المرض لا ان نقضي على المريض.
والنصيحة تختزل الكثير من الأخطاء التي يقع فيها الكثير عند الخلاف، والتي قد تُقوّض أواصر العلاقة الإنسانية بينهما، مستبعدين تماماً بأن الخلاف يجب ألا يُفسد للود قضية، فالخلاف هو وليد اختلاف الأفكار والثقافات ووجهات النظر والمصلحة.
ومن المعلوم أنه من أهم تداعيات وسائل التواصل الاجتماعي، أنها مساحة تتكدس فيها الأخبار والمعلومات، حيث تنقل لمستخدمها كمّا كبيرا جداً من المعلومات، بعضها صحيح وأكثرها عكس ذلك، فهي فضاء التعبير الذي تستطيع أن تُحلق فيه المعلومة مُتحررة – إلى حد كبير – من الرقابة، لذا فإن إعمال الفكر في قبولها وتصديقها منوط بالمتلقي، فليس كل ما يُنشر صحيحاً ولاسيما الأفكار المغلوطة أو الأخبار غير الموثوقة، تلك التي تكون مجهولة المصدر.
وضمن رسائل الواتساب قرأت مقالاً مؤخراً استوقفتني فكرته بعنوان (ثقافة التسول ونزعتنا التسولية) للكاتب د.عبدالله بن حمد العويشق، استقى فكرته من ذاكرة مقاعد الدراسة، إذ أنه في إحدى الحصص كلّف المدرس جميع الطلبة مختلفي الجنسيات بمن فيهم الكاتب نفسه، بواجب دارسي يتمثل في كتابة خطاب موجه إلى مسئول في بلدته لتزويدها بالكهرباء، وانتهى من الاستماع إلى واجبات جميع الطلبة إلى أن: (خطابات العرب جميعها تسوليّة تبدأ بالثناء على المسؤول وجهوده القيمة، ثم تتوسل إليه - وتتسول - بأن يتكرم بالتوجيه لإجراء اللازم لتوفير هذه الخدمة - تفضلاً منه وإحساناً، ثم يختم الخطاب بمثل ما بدأ به ثناءً، أما خطابات زملائه من الجنسيات الأخرى فتختلف جذرياً، فيبدأ الخطاب بإشعار المسؤول بمسؤوليته المباشرة، وتقصيره في عدم توفير هذه الخدمة، وأن من واجبه تصحيح الأمر في أقرب وقت، ويختم الخطاب بأن أي تباطؤ في تحقيق الخدمة سيؤدي إلى رفع الأمر إلى المسؤول الأعلى منه - بل بعض الطلاب ذكر أنه سيرسل نسخة من خطابه إلى المرجع المباشر للمسؤول).
والحقيقة بأنه للكاتب حرية التعبير عن رأيه، ولنا أيضاً حريّة الاختلاف مع هذا الرأي، ذلك أنني أرى بأنه من المخالف لأصول البحث العلمي تعميم تجربة ضيقة النطاق في صفٍّ دراسي قد لا يفوق عدد طلابه عن ثلاثين طالباً مختلفي الجنسيات، وربما لم تتجاوز نسبة العرب منهم الربع، من غير المعلوم مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، ليقوم الكاتب بتعميم ما أسماه بثقافة التسول ونزعتنا التسوليّة على جميع العرب، وهم من أكثر الجماعات البشرية التي تعتزّ بكرامتها وعزّة نفسها.
وربما أغفل الكاتب، أو لم يضع بحسبانه، أن الأصل في اختلاف لغة وصيغة الخطاب قد جاء من أصل ثقافة العرب الخاصة والقائمة على الأدب والاحترام والتقدير والرُقيّ في التعامل والخطابة، والتي تميّزنا كعرب وكمسلمين، أوَ ليس نحن أصحاب ثقافة (ولئن شكرتم لأزيدنّكم)؟! أليس من الواجب علينا أن ندفع بالتي هي أحسن؟ أليست من طباعنا لطافة المعاملة وحسن المعشر ولطف المحادثة؟ ولماذا قد نحتاج أن نلجأ إلى الصلافة في الخطاب في حين أن نتاج اللطافة أكثر فاعلية؟!
وإن كان الكاتب قد اعتبر بأن العبارات اللطيفة والمعاملة الحسنة نزعة تسوليّة، فإنه قد جانب الصواب في رأيه، باعتبار أن خصوصية مجتمعاتنا العربية وأخلاقها وآدابها وقيمها وشيمها هي التي تفرض علينا البدء بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، وهي ميزة إيجابية تحتسب لمجتمعاتنا وربما تفتقر إليها مجتمعات زملائه من الجنسيات الأخرى.
وأخيراً، قد ألتقي مع الكاتب في فكرة واحدة وهي ضرورة التزام المصداقية والشفافية في الطرح وكشف مواطن الضعف والتنبيه إلى مواضع التقصير بحيادية وموضوعية كوسيلة لتحسين الأداء ولبناء المجتمع، والابتعاد عن التملق ووصف المسئول بما ليس فيه، ولكنني أؤمن أيضاً بضرورة الشكر والتقدير إن كان هناك مُنجز يستحق ذلك،، فالإنجاز يقتضي المدح والشكر لمزيد من التحفيز على العطاء كما أن النقد البنّاء هو أيضا دافع للإصلاح وتصحيح الأوضاع وتحسينها.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك