العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

الإلحاد السياسي والإلحاد الديني

الجمعة ٣١ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

السفير‭ ‬د‭. ‬عبدالله‭ ‬الأشعل

الإلحاد‭ ‬السياسي‭ ‬مصطلح‭ ‬جديد‭ ‬ويعني‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬الإلحاد‭ ‬الديني،‭ ‬مع‭ ‬الفارق‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬يتم‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الالحاد‭ ‬السياسي‭ ‬فيتم‭ ‬إنكار‭ ‬الحاكم‭ ‬أي‭ ‬إنكار‭ ‬مشروعيته،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عدم‭ ‬طاعته‭. ‬والتقليد‭ ‬شائع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬النظم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬مادامت‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ولكن‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬نستخدمه‭ ‬أول‭ ‬مرة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬بمعنى‭ ‬انكار‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬لا‭ ‬يقابل‭ ‬في‭ ‬تفاصيله‭ ‬معنى‭ ‬الالحاد‭ ‬السياسي،‭ ‬والفارق‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬أما‭ ‬الرابط‭ ‬بينهما‭ ‬فيتحصل‭ ‬بأن‭ ‬الحاكم‭ ‬المستبد‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬الشعوب‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬منافسة‭ ‬الإله‭ ‬له،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يعتبر‭ ‬عبادته‭ ‬واجبه‭ ‬وأن‭ ‬الشريك‭ ‬له‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الاله‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬يشتت‭ ‬إيمانه‭ ‬به،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬فاسدة‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الإيمان‭ ‬محله‭ ‬القلب‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للحاكم‭ ‬المستبد‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬القلوب،‭ ‬وانما‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬يسود‭ ‬النفاق،‭ ‬والنفاق‭ ‬هو‭ ‬التقلب‭ ‬بين‭ ‬سلوكين‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬السلوك‭ ‬والايمان،‭ ‬وهما‭ ‬متناقضان‭ ‬فقد‭ ‬يدرك‭ ‬المواطن‭ ‬أن‭ ‬نفاقه‭ ‬للحاكم‭ -‬وهو‭ ‬بالقطع‭ ‬ليس‭ ‬مطابقا‭ ‬لفكرته‭ ‬عن‭ ‬الحاكم‭ ‬وايمانه‭ ‬به‭- ‬النفاق‭ ‬يجلب‭ ‬المزايا‭ ‬والمنافع‭.. ‬لذلك‭ ‬معظم‭ ‬أتباع‭ ‬الحاكم‭ ‬المستبد‭ ‬منافقون‭ ‬وخاصة‭ ‬الذين‭ ‬يغدق‭ ‬عليهم‭ ‬الحاكم‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬الشعوب‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الانفاق‭ ‬قمة‭ ‬الفساد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬وظيفة‭ ‬وهي‭ ‬مساندة‭ ‬نظام‭ ‬الحاكم‭ ‬بالعطايا‭ ‬والمنافع‭. ‬وغالبا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتخلفة‭ ‬يسود‭ ‬الالحاد‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬مصالح‭ ‬شخصية،‭ ‬وليست‭ ‬هناك‭ ‬معارضة‭ ‬موضوعية‭ ‬للحاكم،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحاكم‭ ‬ليس‭ ‬مقتنعا‭ ‬بالمعارضة،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬فإن‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتخلفة‭ ‬لا‭ ‬مكانة‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحاكم‭ ‬يوزع‭ ‬المعارضة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام‭: ‬قسم‭ ‬مستأنس‭ ‬لعطاياه،‭ ‬وقسم‭ ‬آخر‭ ‬فر‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬أو‭ ‬آثر‭ ‬السكينة‭ ‬فليس‭ ‬له‭ ‬حراك،‭ ‬أما‭ ‬القسم‭ ‬الثالث‭ ‬فقد‭ ‬استعصى‭ ‬على‭ ‬الاختيارين‭ ‬السابقين‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬التي‭ ‬سيدخلها‭ ‬بمحاكمات‭ ‬هزلية‭.‬

الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬هو‭ ‬الشائع،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الالحاد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬يعتبر‭ ‬خيانة‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬توفر‭ ‬لكل‭ ‬المواطنين‭ ‬فرص‭ ‬التعبير‭ ‬المؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التغيير،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬حجة‭ ‬لمن‭ ‬يلحد‭ ‬سياسيا‭ ‬وإنما‭ ‬يباح‭ ‬له‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬لأن‭ ‬النظم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬توفر‭ ‬حرية‭ ‬الاعتقاد‭ ‬ولا‭ ‬يهمها‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الخالق‭ ‬والمخلوق‭ ‬وإنما‭ ‬يهمها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مواطنا‭ ‬صالحا‭ ‬بالمفهوم‭ ‬السياسي‭.‬

ولا‭ ‬تشجع‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬بطرق‭ ‬ملموسة،‭ ‬ولكن‭ ‬إطلاقها‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والاعتقاد‭ ‬أتاح‭ ‬لضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬أن‭ ‬يلحدوا‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتخلفة‭ ‬فيبدو‭ ‬أن‭ ‬الحاكم‭ ‬يشجع‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬لأن‭ ‬الملحد‭ ‬دينيا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحاكم‭ ‬بديلا‭ ‬للإله‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬به،‭ ‬وقد‭ ‬قابلت‭ ‬نماذج‭ ‬كسرت‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة،‭ ‬فهي‭ ‬تلحد‭ ‬دينيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬فإن‭ ‬الالحاد‭ ‬السياسي‭ ‬سابق‭ ‬على‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني،‭ ‬ويجوز‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬اثار‭ ‬الالحاد‭ ‬السياسي،‭ ‬فالعلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬ليست‭ ‬محسومة،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فإن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الالحاد‭ ‬الديني‭ ‬والالحاد‭ ‬السياسي‭ ‬والعلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬يتطلب‭ ‬بحثا‭ ‬معمقا‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬مكانه،‭ ‬ونأمل‭ ‬أن‭ ‬تلفت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬نظر‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الاجتماع‭ ‬وعلوم‭ ‬الدين‭. ‬فكما‭ ‬أن‭ ‬الملحد‭ ‬الديني‭ ‬شخصية‭ ‬شاذة‭ ‬كما‭ ‬قدمنا‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الملحد‭ ‬السياسي‭ ‬شخصية‭ ‬عادية‭ ‬أو‭ ‬ناضجة‭ ‬أو‭ ‬شاذة،‭ ‬وهذه‭ ‬نقطة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬معمق‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا