العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

سماوية الأخلاق

الجمعة ٢١ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

العبادة،‭ ‬ليست‭ ‬محصورة‭ ‬بالشعائر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬والشعائر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬الرسالي‭ ‬للرسل‭ ‬والأنبياء‭ ‬تغيرت‭ ‬وتبدلت‭ ‬منذ‭ ‬سيدنا‭ ‬نوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشرائع‭ ‬مرت‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الخط‭ ‬الزمني‭ ‬للرسل،‭ ‬وكانت‭ ‬متماشية‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬أما‭ ‬الأخلاق‭ ‬فلم‭ ‬يتغير‭ ‬منها‭ ‬شيء،‭ ‬ولم‭ ‬يُنسخ‭ ‬منها‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬تراكمت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الدعوي‭ ‬لكل‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء،‭ ‬فما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬نوح‭ ‬من‭ ‬قيم،‭ ‬لم‭ ‬ينسخه‭ ‬شعيب،‭ ‬بل‭ ‬زاد‭ ‬عليه،‭ ‬وهكذا‭ ‬حتى‭ ‬نزول‭ ‬الوحي‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬الغار،‭ ‬فأكمل‭ ‬المنظومة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وأجملها،‭ ‬وصاغها‭ ‬بأحسن‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬الصياغة،‭ ‬ومن‭ ‬مصدرها‭ ‬العلوي‭ ‬هذا‭ ‬نكمل‭ ‬ما‭ ‬انتهى‭ ‬به‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬قيم‭.‬

حتى‭ ‬يشيع‭ ‬التآلف‭ ‬والتقارب‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وينحسر‭ ‬النفور‭ ‬بينهم،‭ ‬نبهنا‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬إلى‭ ‬التواضع‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭: (‬ولا‭ ‬تمش‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬مرحا‭) ‬فالمتبختر‭ ‬المتعالي‭ ‬تنبذه‭ ‬النفوس،‭ ‬وتولي‭ ‬منه‭ ‬هاربة،‭ ‬فهذا‭ ‬توجيه‭ ‬رباني‭ ‬يُقصد‭ ‬به‭ ‬طرد‭ ‬ما‭ ‬ينفر‭ ‬النفوس‭ ‬ويباعد‭ ‬بينها،‭ ‬ليحل‭ ‬محلها‭ ‬التآلف‭ ‬والتقارب‭.‬

وزيادة‭ ‬في‭ ‬حرص‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬على‭ ‬تهذيب‭ ‬النفوس‭ ‬وإزالة‭ ‬عوامل‭ ‬الفرقة‭ ‬والنفور‭ ‬أمرنا‭ ‬ربنا‭ ‬بقيمة‭ ‬جليلة،‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ولا‭ ‬تصعر‭ ‬خدك‭ ‬للناس‭) ‬وهي‭ ‬متكاملة‭ ‬مع‭ ‬القيمة‭ ‬السابقة،‭ ‬وهما‭ ‬قد‭ ‬وردتا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآية‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬لقمان،‭ ‬حيث‭ ‬النص‭ ‬الكامل‭: (‬ولا‭ ‬تصعر‭ ‬خدك‭ ‬للناس‭ ‬ولا‭ ‬تمش‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬مرحا‭) ‬ويختم‭ ‬الله‭ ‬قوله‭ ‬هذا‭ ‬بتنفير‭ ‬شديد‭ ‬وذلك‭ ‬بقوله‭: (‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬كل‭ ‬مختال‭ ‬فخور‭).‬

وملامح‭ ‬الوجه‭ ‬الأخلاقي‭ ‬للمسلم‭ ‬تزداد‭ ‬إشراقاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬واغضض‭ ‬من‭ ‬صوتك‭) ‬وقوله‭ ‬تعالى‭: (‬واقصد‭ ‬في‭ ‬مشيك‭) ‬حث‭ ‬متتال‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬للناس‭ ‬باتباع‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬مقبولين‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬وتنفير‭ ‬مستمر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬يثير‭ ‬النفوس‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬كتاب‭ ‬كريم‭ ‬يريدها‭ ‬حياة‭ ‬أنيقة‭ ‬وحضارية،‭ ‬وهينة‭ ‬ملؤها‭ ‬المودة‭ ‬والرحمة‭.‬

يقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بتوجيه‭ ‬حكيم‭: (‬وأعرض‭ ‬عن‭ ‬الجاهلين‭) ‬وهذه‭ ‬القيمة‭ ‬مسبوقة‭ ‬بقيمتين‭ ‬أُمر‭ ‬النبي‭ ‬الكريم‭ ‬بهما‭ ‬أمراً‭ (‬خذ‭ ‬العفو‭ ‬وأُمر‭ ‬بالعرف،‭ ‬وأعرض‭ ‬عن‭ ‬الجاهلين‭) ‬أمران‭ ‬ونهي‭ ‬بآية‭ ‬واحدة،‭ ‬فالإعراض‭ ‬عن‭ ‬الجاهلين،‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬صيانة‭ ‬للنفس‭ ‬والسمو‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬المهاترات‭ ‬والجدال‭ ‬العقيم،‭ ‬وفيه‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬الطاقة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬صرفه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬آخر‭ ‬ينفع‭ ‬الناس،‭ ‬وذلك‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬الخوض‭ ‬مع‭ ‬الجاهلين‭ ‬في‭ ‬أحاديث‭ ‬لا‭ ‬تسمن‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬من‭ ‬جوع‭.‬

وسورة‭ ‬الحجرات‭ ‬تطفح‭ ‬بالقيم،‭ ‬وتفور‭ ‬بالإرشادات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الحياة‭ ‬صافية‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬عموماً،‭ ‬والمسلمين‭ ‬خصوصاً،‭ ‬ولها‭ ‬تأثير‭ ‬إيجابي‭ ‬هائل‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬اتبعنا‭ ‬تلك‭ ‬الأوامر‭ ‬والنواهي‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الحجرات،‭ ‬ففيها‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬ولا‭ ‬يسخر‭ ‬قوم‭ ‬من‭ ‬قوم‭) ‬وفيها‭ (‬ولا‭ ‬نساء‭ ‬من‭ ‬نساء‭) ‬ولعمري‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬الهدم‭ ‬لأسس‭ ‬البنيان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ودعائمه،‭ ‬فأي‭ ‬حياة‭ ‬وأي‭ ‬علائق‭ ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬السخرية‭!‬،‭ ‬وفي‭ ‬الحجرات‭ ‬نهي‭ ‬عن‭ ‬التنابز‭ ‬بالألقاب‭ ‬والغيبة‭ ‬والتجسس،‭ ‬ويقرر‭ ‬الله‭ ‬المعيار‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الأوامر‭ ‬والنواهي‭ ‬بأن‭ ‬التقوى‭ ‬هي‭ ‬الأصل‭ ‬وهي‭ ‬المعيار‭ ‬في‭ ‬التفاضل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا