العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

البشرية والقدسية (6)

الجمعة ٢١ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬أ‭. ‬د‭. ‬أمين‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬المليجى

نواصل‭ ‬حديثنا‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬البشرية‭ ‬والقدسية‭ ‬وخاصة‭ ‬عن‭ ‬الرسل‭ ‬حتى‭ ‬نؤكد‭ ‬أننا‭ ‬بشر‭ ‬نصيب‭ ‬ونخطئ،‭ ‬وأن‭ ‬بشرية‭ ‬الرسل‭ ‬تخفف‭ ‬علينا‭ ‬وطأة‭ ‬أخطائنا‭ ‬وذنوبنا‭ ‬التي‭ ‬نرتكبها‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬فيعترينا‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬وخز‭ ‬الضمير‭ ‬الذى‭ ‬يصل‭ ‬أحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬والضغط‭ ‬النفسي،‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬ما‭ ‬الضغط‭ ‬النفسي،‭ ‬ينهد‭ ‬الجسم‭ ‬إذا‭ ‬كثر‭ ‬وأصبح‭ ‬عبئا‭ ‬لا‭ ‬يحتمل،‭ ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان،‭ ‬فإذا‭ ‬اعتل‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسيا‭ ‬ولم‭ ‬يدرك‭ ‬نفسه،‭ ‬هزل‭ ‬بدنه‭ ‬وضعفت‭ ‬مناعة‭ ‬الجسم،‭ ‬فتهاجمه‭ ‬الأمراض،‭ ‬لأن‭ ‬خطوط‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الجسم‭ ‬قد‭ ‬وهنت،‭ ‬وأصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬مريضا،‭ ‬أما‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية‭ ‬ففيها‭ ‬الخير‭ ‬كله‭ ‬للإنسان،‭ ‬

فإذا‭ ‬اطمأن‭ ‬القلب‭ ‬وارتاحت‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬الهموم،‭ ‬أصبحت‭ ‬مناعة‭ ‬الجسم‭ ‬قوية‭ ‬ومعها‭ ‬تزداد‭ ‬قوة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭: (‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬وَتَطْمَئِنُّ‭ ‬قُلُوبُهُم‭ ‬بِذِكْرِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬ألَا‭ ‬بِذِكْرِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬تَطْمَئِنُّ‭ ‬الْقُلُوبُ‭) (‬28-الرعد‭) ‬،‭ ‬ففي‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬راحة‭ ‬واطمئنان‭ ‬جميل‭ ‬للنفس،‭ ‬فمن‭ ‬تعود‭ ‬لسانه‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬واستقر‭ ‬الذكر‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬وأصبح‭ ‬خارجا‭ ‬منه‭ ‬شعر‭ ‬الإنسان‭ ‬بلذة‭ ‬الذكر‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬وكذلك‭ ‬الاستغفار‭ ‬من‭ ‬الذنوب،‭ ‬يأتي‭ ‬بالخير‭ ‬والراحة‭ ‬النفسية‭ ‬ويزيل‭ ‬الهموم‭ ‬ويرفع‭ ‬الضيق‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬من‭ ‬لزم‭ ‬الاستغفار‭ ‬جعل‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هم‭ ‬فرجا‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬ضيق‭ ‬مخرجا‭ ‬ورزقه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يحتسب‮»‬‭. ‬

وكذلك‭ ‬الحزن‭ ‬الذي‭ ‬يعترينا‭ ‬عندما‭ ‬نتألم‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬حبيب‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬مضايقات‭ ‬العمل‭ ‬وما‭ ‬أكثرها،‭ ‬فإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الدعوة‭ ‬وجدنا‭ ‬أنه‭ ‬عانى‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬أذى‭ ‬المشركين،‭ ‬فلم‭ ‬يتركوه‭ ‬يهنأ‭ ‬بأي‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬أشد‭ ‬الأوقات‭ ‬ألما‭ ‬وحزنا‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬فقد‭ ‬فيه‭ ‬زوجته‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬وكذلك‭ ‬فقد‭ ‬عمه‭ ‬أبوطالب،‭ ‬حتى‭ ‬سمي‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬بعام‭ ‬الحزن‭.‬

ربما‭ ‬يسأل‭ ‬سائل‭: ‬وهل‭ ‬يحزن‭ ‬الرسول‭ ‬ويتألم‭ ‬بفقد‭ ‬الأهل‭ ‬والأحبة؟‭ ‬الجواب‭ ‬نعم‭ ‬يتألم‭ ‬ويحزن،‭ ‬أليس‭ ‬هو‭ ‬بشرا‭ ‬رسولا؟‭ ‬كما‭ ‬أخبر‭ ‬ربنا‭ ‬سبحانه،‭ ‬فهو‭ ‬يمشى‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬ويأكل‭ ‬الطعام،‭ ‬ويعتريه‭ ‬ما‭ ‬يعتري‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬وحزن‭ ‬ومرض،‭ ‬فإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬حزنه‭ ‬على‭ ‬موت‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬وجدنا‭ ‬الحزن‭ ‬كبير،‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬الرسول‭ ‬طيلة‭ ‬حياته‭ ‬يذكرها‭ ‬بالخير،‭ ‬ولا‭ ‬يتحمل‭ ‬أي‭ ‬كلمة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬عليها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬حبيبة‭ ‬الرسول‭ ‬وأقرب‭ ‬نسائه‭ ‬إلى‭ ‬قلبه،‭ ‬غارت‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬ذكر‭ ‬الرسول‭ ‬للسيدة‭ ‬خديجة،‭ ‬فقالت‭ ‬له‭ ‬مرة‭ ‬فيما‭ ‬معناه‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬امرأة‭ ‬عجوز‭ ‬عادية،‭ ‬فغضب‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وقال‭ ‬قولته‭ ‬المشهورة،‭ ‬متذكرا‭ ‬محاسنها‭ ‬ووقوفها‭ ‬بجانبه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الدعوة،‭ ‬فكانت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬‮«‬وواسته‭ ‬بمالها‭ ‬ورزقه‭ ‬الله‭ ‬منها‭ ‬الأولاد‭ ‬بنين‭ ‬وبنات،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬آمنت‭ ‬بي‭ ‬حين‭ ‬كذبني‭ ‬الناس،‭ ‬وواستني‭ ‬بمالها،‭ ‬ورزقني‭ ‬الله‭ ‬منها‭ ‬الولد‮»‬،‭ ‬فقالت‭ ‬السيدة‭ ‬عائشة‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬إلا‭ ‬بالخير‭.‬

وعندما‭ ‬مات‭ ‬عمه‭ ‬أبو‭ ‬طالب،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مسلما‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬مدافعا‭ ‬عنه‭ ‬ضد‭ ‬مشركي‭ ‬مكة،‭ ‬ولم‭ ‬يتركه‭ ‬لهم،‭ ‬عندما‭ ‬ذهبوا‭ ‬إليه‭ ‬وطلبوا‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يجعلوه‭ ‬ملكا‭ ‬عليهم‭ ‬ويعطوه‭ ‬المال‭ ‬الكثير،‭ ‬ثم‭ ‬أخبر‭ ‬الرسول‭ ‬بذلك،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الرسول‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬قولته‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬والله‭ ‬يا‭ ‬عمي‭ ‬لو‭ ‬وضعوا‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬يميني‭ ‬والقمر‭ ‬في‭ ‬يساري‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أترك‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬لن‭ ‬أتركه‭ ‬حتى‭ ‬يظهره‭ ‬الله‭ ‬أو‭ ‬أهلك‭ ‬دونه‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وقف‭ ‬مدافعا‭ ‬عنه‭ ‬بكل‭ ‬قوته،‭ ‬ولذلك‭ ‬حزن‭ ‬الرسول‭ ‬حزنا‭ ‬شديدا‭ ‬عندما‭ ‬مات‭.‬

هكذا‭ ‬هي‭ ‬الدنيا‭ ‬نتقلب‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬الفرح‭ ‬والحزن،‭ ‬فلا‭ ‬فرح‭ ‬يدوم‭ ‬ولا‭ ‬حزن‭ ‬يدوم،‭ ‬فاذا‭ ‬أدركنا‭ ‬أن‭ ‬الدنيا‭ ‬فانية‭ ‬هان‭ ‬علينا‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬أنه‭ ‬غفور‭ ‬رحيم،‭ ‬يقبل‭ ‬التوبة‭ ‬من‭ ‬عباده‭ ‬ويعفو‭ ‬عن‭ ‬كثير،‭ ‬ودائما‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬اليسر‭ ‬بعد‭ ‬العسر،‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬العفو‭ ‬والعافية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا