العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

نـمـوذج فـريـد فـي الـعـفـة والقـنـاعـة

الجمعة ١٢ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬مروة‭ ‬سلامة‭ ‬إبراهيم

العفة‭ ‬والقناعة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬الروافع‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬المتحلي‭ ‬بهما‭ ‬إلى‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭. ‬وهذا‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬حكيم‭ ‬بن‭ ‬حزام‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬شقيق‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬بنت‭ ‬خويلد‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭)‬،‭ ‬فهي‭ ‬عمته،‭ ‬وكان‮ ‬الزبير‭ ‬بن‭ ‬العوام ابن‭ ‬عمه،‭ ‬وورد‭ ‬أنه‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬الكعبة،‭ ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬أمه‭ ‬دخلت‭ ‬الكعبة‭ ‬وهي‭ ‬حامل‭ ‬فجاءها‭ ‬المخاض،‭ ‬فولدت‭ ‬حكيما‭ ‬فيها‭.‬

وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أشراف‭ ‬قريش‭ ‬ووجوهها‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬والإسلام،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬مولده‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬الفيل‭ ‬بثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬وكان‭ ‬عفيفا‭ ‬متعففا،‭ ‬شهما‭ ‬كريما،‭ ‬سيدا‭ ‬مُطاعا،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أشراف قريش وعقلائها‭ ‬ونبلائها‭. ‬

وكان‭ ‬شديد‭ ‬الحب‭ ‬لسيد‭ ‬الخلق‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬بنو‭ ‬هاشم‭ ‬وبنو‭ ‬المطلب‭ ‬في‭ ‬الشِعْب‭- ‬محاصرين‭-‬‮ ‬لا‭ ‬يبايعون‭ ‬ولا‭ ‬يناكحون،‭ ‬كان‭ ‬حكيم‭ ‬بن‭ ‬حزام‭ ‬يُقبل‭ ‬بالعير‭ ‬يقدم‭ ‬من‭ ‬الشام‭ ‬فيشتريها‭ ‬بكمالها،‭ ‬ثم‭ ‬يذهب‭ ‬بها‭ ‬فيضرب‭ ‬أدبارها‭ ‬حتى‭ ‬يدخل‭ ‬الشعب‭ ‬وهي‭ ‬محملة‭ ‬بالطعام‭ ‬والكسوة‭ ‬إكراما‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ولعمته‭ ‬السيدة‭ ‬خديجة‭ ‬بنت‭ ‬خويلد‭.‬

وهو‭ ‬الذي‭ ‬اشترى‭ ‬زيد‭ ‬بن‭ ‬حارثة،‭ ‬فابتاعته‭ ‬منه‭ ‬عمته‭ ‬خديجة‭ ‬فوهبته‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬أعتقه‭.‬

وتأخر‭ ‬إسلام‭ ‬سيدنا‭ ‬حكيم‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬الفتح،‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬ستين‭ ‬سنة،‭ ‬وفي‭ ‬الإسلام‭ ‬مثلها،‭ ‬وتوفي‭ ‬بالمدينة‭ ‬في‭ ‬خلافة‭ ‬معاوية‭ ‬سنة‭ ‬أربع‭ ‬وخمسين‭ ‬من‭ ‬الهجرة،‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬مائة‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭.‬

ومن‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬خلدها‭ ‬التاريخ‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وسأله‭ ‬أن‭ ‬يعطيه،‭ ‬فأعطاه‭. ‬ثم‭ ‬سأله‭ ‬ثانية،‭ ‬فأعطاه‭. ‬ثم‭ ‬سأله‭ ‬ثالثة،‭ ‬فأعطاه‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭). ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬مُعلِّمًا‭: (‬يا‭ ‬حكيم،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المال‭ ‬خَضِرٌ‭ ‬حلو‭ -‬أي‭ ‬إن‭ ‬الإنسان‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬المال‭ ‬كما‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الفاكهة‭ ‬الحلوة‭ ‬اللذيذة‭-‬،‭ (‬فمن‭ ‬أخذه‭ ‬بسخاوة‭ ‬نفس‭ -‬أي‭ ‬بغير‭ ‬سؤال‭ ‬ولا‭ ‬طمع‭- ‬بورك‭ ‬له‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬أخذه‭ ‬بإشراف‭ ‬نفس‭ ‬لم‭ ‬يبَارَكْ‭ ‬له‭ ‬فيه،‭ ‬وكان‭ ‬كالذي‭ ‬يأكل‭ ‬ولا‭ ‬يشبع،‭ ‬واليد‭ ‬العليا‭ -‬أي‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭- ‬خير‭ ‬من‭ ‬اليد‭ ‬السفلي‭) (‬متفق‭ ‬عليه‭). ‬أي‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭.‬

فعاهد‭ ‬حكيم‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭) ‬ألا‭ ‬يأخذ‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أبدًا‭ ‬حتى‭ ‬يفارق‭ ‬الدنيا‭.‬

وبعد‭ ‬وفاته‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬يطلبه‭ ‬ليعطيه‭ ‬نصيبه‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬فيرفض،‭ ‬وعندما‭ ‬تولى‭ ‬عمر‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬الخلافة‭ ‬دعاه‭ ‬ليعطيه‭ ‬فرفض‭ ‬حكيم،‭ ‬فقال‭ ‬عمر‭: ‬يا‭ ‬معشر‭ ‬المسلمين،‭ ‬أشهدكم‭ ‬على‭ ‬حكيم‭ ‬بن‭ ‬حزام‭ ‬إني‭ ‬أعرض‭ ‬عليه‭ ‬حقه‭ ‬الذي‭ ‬قسمه‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬في‭ (‬الغنيمة‭)‬،‭ ‬فيأبى‭ ‬أن‭ ‬يقبله‭..!! ‬وظلَّ‭ ‬حكيم‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬قانعًا،‭ ‬لا‭ ‬يتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المال‭ ‬بعد‭ ‬نصيحة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقه،‭ ‬ويعيش‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬وجهده‭.. ‬راضيا‭ ‬وقانعا‭. ‬فهنيئا‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬أروع‭ ‬الأمثال‭ ‬في‭ ‬البذل‭ ‬والعفاف‭ ‬والقناعة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا