العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

فقه الواقع

الجمعة ٢٦ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬ينبغي‭ ‬تقعيد‭ ‬قواعد‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليها‭ ‬اثنان،‭ ‬هكذا‭ ‬يُفترض،‭ ‬فهي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬العقيدة‭ ‬حسبما‭ ‬أرى،‭ ‬أول‭ ‬تلك‭ ‬القواعد،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هالك‭ ‬إلا‭ ‬وجهه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬والهالك‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬بسلسلة‭ ‬تطورات‭ ‬تقوده‭ ‬إلى‭ ‬الهلاك‭ ‬والزوال،‭ ‬والتاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬ثم‭ ‬الإنساني،‭ ‬ثم‭ ‬الرسالي‭ ‬كله‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬مصداقية‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الصارم‭ ‬السرمدي،‭ ‬شرائع‭ ‬نسخت‭- ‬ألغت‭- ‬شرائع،‭ ‬وأخلاق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬عند‭ ‬رسول‭ ‬من‭ ‬الرسل،‭ ‬نزلت‭ ‬مع‭ ‬الرسول‭ ‬الذي‭ ‬تلاه‭ ‬لتناسب‭ ‬تطور‭ ‬ما‭ ‬طرأ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجودا‭ ‬عند‭ ‬الرسول‭ ‬السابق،‭ ‬فشريعة‭ ‬موسى،‭ ‬شريعة‭ ‬الإصر‭ ‬والأغلال‭ ‬نسختها‭ ‬شريعة‭ ‬الرحمة‭- ‬شريعة‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬انسجاماً‭ ‬مع‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬للناس،‭ ‬وثاني‭ ‬القواعد‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ماض‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬حاملاً‭ ‬معه‭ ‬حزمة‭ ‬مستحدثات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقبة‭ ‬تاريخية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬السابقة،‭ ‬وعليه‭ ‬ورضوخاً‭ ‬لسنة‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬ولا‭ ‬تتبدل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬فالنوازل‭ ‬لا‭ ‬تتوقف،‭ ‬أي‭ ‬لكل‭ ‬حقبة‭ ‬تاريخية‭ ‬نوازلها،‭ ‬وثالث‭ ‬القواعد‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬البديهيات‭ ‬أن‭ ‬رسالة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬هي‭ ‬الرسالة‭ ‬الخاتمة،‭ ‬فكونها‭ ‬خاتمة‭ ‬فتلك‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يميزها،‭ ‬وأنها‭ ‬عالمية‭ ‬كونية‭ ‬فتلك‭ ‬ثاني‭ ‬المميزات،‭ ‬وثالث‭ ‬مميزاتها‭ ‬أنها‭ ‬شمولية‭. ‬

أمام‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬البدهية‭ ‬فالرسالة‭ ‬المحمدية‭ ‬المتصفة‭ ‬بالشمولية‭ ‬والعالمية‭ ‬والخاتمية‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تُجيب‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬نازلة،‭ ‬وتكون‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يستجد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬لأنها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬بالضرورة‭ ‬أنها‭ ‬وُجدت‭ ‬لتبقى،‭ ‬وصُممت‭ ‬لتهندس‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬حسب‭ ‬التوجيه‭ ‬الرباني،‭ ‬وقد‭ ‬فعلها‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬تطبيق‭ ‬عملي‭ ‬للشريعة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬فكانت‭ ‬التجسيد‭ ‬العملي‭ ‬الأول‭ ‬للهدي‭ ‬الرباني،‭ ‬والتي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأولى‭ ‬أنموذجا‭ ‬لفقه‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬وصياغة‭ ‬صحيفة‭ ‬المدينة‭- ‬دستور‭ ‬المدينة‭- ‬لخير‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

بعد‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬جاء‭ ‬الخليفة‭ ‬الأول‭ ‬وحافظ‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬وحكومة‭ ‬صاحبه،‭ ‬حيث‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬أُحيط‭ ‬بها‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬معلومة‭ ‬للجميع،‭ ‬وقِصر‭ ‬مدة‭ ‬خلافته‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬ثم‭ ‬تلاه‭ ‬ابن‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬خير‭ ‬تعامل،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬العقاد‭: ‬حين‭ ‬تدرس‭ ‬خلافة‭ ‬الرجل‭ ‬–‭ ‬عمر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬ستجد‭ ‬نفسك‭ ‬أمام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاجتهادات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬الأول،‭ ‬ويستطرد‭ ‬العقاد‭ ‬قائلاً‭: ‬ستجد‭ ‬نفسك‭ ‬مضطراً‭ ‬للقول‭ ‬بأنه‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬كذا‭ ‬أو‭ ‬أنشا‭ ‬كذا،‭ ‬أول‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬استحداث‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬والزمن‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬فالنوازل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬حاصلة‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يتصدى‭ ‬لها،‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الهدي‭ ‬القرآني،‭ ‬والنموذج‭ ‬النبوي،‭ ‬والرسول‭ ‬الكريم‭ ‬كان‭ ‬يحثهم‭ ‬على‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬والاجتهاد،‭ ‬ليحيا‭ ‬الناس‭ ‬بسِعة‭ ‬شريعة‭ ‬الله،‭ ‬ولعل‭ ‬قوله‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: ‬‮«‬أنتم‭ ‬أعلم‭ ‬بشؤون‭ ‬دنياكم‮»‬‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المعنى،‭ ‬ووصيته‭ ‬لمعاذ‭ ‬بن‭ ‬جبل‭ ‬حين‭ ‬أرسله‭ ‬لليمن،‭ ‬تؤكد‭ ‬منهجية‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬التصدي‭ ‬للمستجدات‭ ‬والنوازل‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬القرآن‭ ‬وأبعاد‭ ‬معانيه،‭ ‬حين‭ ‬سأله‭ ‬سؤال‭ ‬الطمأنينة،‭ ‬بم‭ ‬تحكم‭ ‬يا‭ ‬معاذ‭ ‬؟‭ ‬فأجابه‭: ‬بكتاب‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬بسنة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬أجتهد‭ ‬برأيي،‭ ‬اجتهاد‭ ‬الرأي‭ ‬من‭ ‬معاذ‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬أن‭ ‬يسمعه‭ ‬ليطمئن،‭ ‬فأقره‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬جاء‭ ‬عصر‭ ‬التدوين‭ ‬والفقه،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬علم‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الفقه‭ ‬يتصدى‭ ‬لنوازل‭ ‬عصره،‭ ‬فدونوا‭ ‬فقههم‭ ‬بعد‭ ‬اجتهاد،‭ ‬وتأني‭ ‬وصبر،‭ ‬لإصابة‭ ‬الحكم‭ ‬الصحيح‭ ‬لما‭ ‬نزل‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬أمور،‭ ‬والنوازل‭ ‬سنة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬مع‭ ‬تعاقب‭ ‬الليل‭ ‬والنهار،‭ ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬الفقه‭ ‬أداروا‭ ‬حياتهم‭ ‬خير‭ ‬إدارة،‭ ‬فجزاهم‭ ‬الله‭ ‬خيراً،‭ ‬ولكن‭.‬

‭ ‬هل‭ ‬توقف‭ ‬الزمن‭ ‬عندهم؟‭ ‬هل‭ ‬توقفت‭ ‬النوازل؟‭ ‬هل‭ ‬تجمدت‭ ‬التطورات‭ ‬بعدهم؟

هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬العون‭ ‬والتوفيق‭ ‬في‭ ‬الإجابة‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬التالي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا