العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

الغزالي.. أديب الدعوة

الجمعة ٠٢ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

الذين‭ ‬يتصدون‭ ‬للشأن‭ ‬الديني‭ ‬ويكتبون‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬كُثر،‭ ‬وهم‭ ‬إما‭ ‬حافظ‭ ‬جامع‭ ‬لما‭ ‬قيل‭ ‬سابقا‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬الفكري‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ناءٍ‭ ‬بنفسه‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬التراث‭ ‬التي‭ ‬وعاها‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬فينقلها‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬تدخل‭ ‬أو‭ ‬محاكمة‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬تساؤل‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬كُتب،‭ ‬وإما‭ ‬حافظ‭ ‬مثل‭ ‬الطائفة‭ ‬الأولى،‭ ‬لكن‭ ‬لذاته‭ ‬بصمة،‭ ‬بصمة‭ ‬خاصة،‭ ‬أودعها‭ ‬في‭ ‬نصه‭ ‬المكتوب،‭ ‬موافقة‭ ‬أو‭ ‬معارضة‭ ‬أو‭ ‬تساؤل‭ ‬غير‭ ‬مطمئن‭ ‬لما‭ ‬ذُكر‭ ‬وكُتب،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬استعمل‭ ‬البصر‭ ‬والسمع‭ ‬والفؤاد‭ ‬الذي‭ ‬أودعه‭ ‬الله‭ ‬فيه‭ ‬كأول‭ ‬وأهم‭ ‬نعمة‭ ‬أولاها‭ ‬الله‭ ‬للناس‭. ‬

‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزالي‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العمالقة‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تمت‭ ‬المقارنة‭ ‬مع‭ ‬مثقفي‭ ‬اليوم،‭ ‬زمن‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفارق‭ ‬جيله‭ ‬ومعاصريه،‭ ‬زمن‭ ‬الصالونات‭ ‬الأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬عموماً،‭ ‬زمن‭ ‬الجلد‭ ‬والتجلد‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬وتحصيل‭ ‬العلم،‭ ‬بالرغم‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬عاشوها‭ ‬أو‭ ‬جُلها‭ ‬لم‭ ‬تسعفهم‭ ‬فيها‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬الاستزادة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬ولكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬أحدهم‭ ‬واسع‭ ‬الاطلاع‭ ‬غزير‭ ‬المعرفة،‭ ‬والغزالي‭ ‬أحد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرواد،‭ ‬فليس‭ ‬عبثاً‭ ‬ولا‭ ‬تكرماً‭ ‬لُقب‭ ‬بأديب‭ ‬الدعوة،‭ ‬فالملكة‭ ‬الأدبية‭ ‬إن‭ ‬وُهبت‭ ‬لأحد‭ ‬إنما‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬سِعة‭ ‬الاطلاع،‭ ‬وتفصح‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬المنتج‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬تخطه‭ ‬اليد،‭ ‬يد‭ ‬الغزالي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬مثالاً‭ ‬ونموذجاً‭.‬

أهم‭ ‬ما‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬الشيخ‭ ‬الجليل‭ ‬أنه‭ ‬أبحر‭ ‬في‭ ‬التراث،‭ ‬واستعصم‭ ‬بالثوابت،‭ ‬وكان‭ ‬قوله‭ ‬مطابقاً‭ ‬لفعله،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬عاملاً‭ ‬معملاً‭ ‬لعقله‭ ‬فيما‭ ‬يقرأ،‭ ‬فحين‭ ‬تسكن‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬تدقيق‭ ‬لفكرة‭ ‬فلا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬تدوينها‭ ‬والبوح‭ ‬بها،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬تماماً‭ ‬فلا‭ ‬تهدأ‭ ‬له‭ ‬نفس‭ ‬ولا‭ ‬يقر‭ ‬له‭ ‬قرار‭ ‬إن‭ ‬طافت‭ ‬به‭ ‬فكرة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حديث‭ ‬نبوي‭ ‬ولم‭ ‬تطمئن‭ ‬له‭ ‬نفسه،‭ ‬ويسكن‭ ‬له‭ ‬عقله،‭ ‬بسبب‭ ‬معارضته‭ ‬للثابت‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬–‭ ‬القرآن‭- ‬فيقلب‭ ‬فيه‭ ‬الوجوه،‭ ‬ويمحصه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب،‭ ‬ولا‭ ‬يخشى‭ ‬في‭ ‬رفضه‭ ‬الحديث،‭ ‬أو‭ ‬دحض‭ ‬الفكرة،‭ ‬لومة‭ ‬لائم،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ليكون‭ ‬لولا‭ ‬احترامه‭ ‬لعقله‭.‬

وثاني‭ ‬النعوت‭ ‬التي‭ ‬أُطلقت‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬مجدد‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وما‭ ‬أحوج‭ ‬هذه‭ ‬الأجيال‭ ‬للمجددين،‭ ‬وما‭ ‬أحوجنا‭ ‬لمفكرين‭ ‬مخلصين‭ ‬للحقيقة‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬ليميزوا‭ ‬الغث‭ ‬من‭ ‬السمين‭ ‬لهذه‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬تكالبت‭ ‬عليها‭ ‬الأفكار‭ ‬والفتاوى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬فأصبحوا‭ ‬في‭ ‬تيه‭ ‬لا‭ ‬يحسدون‭ ‬عليه‭.‬

أقصى‭ ‬غاية‭ ‬منشودة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬هي‭ ‬إبراز‭ ‬الصفة‭ ‬الأبرز‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭- ‬والتي‭ ‬تهمني‭- ‬وهي‭ ‬عدم‭ ‬التسليم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يطوف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬أو‭ ‬أقوال‭ ‬تكلم‭ ‬بها‭ ‬السابقون،‭ ‬ويقيناً‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬لأمر‭ ‬لا‭ ‬يتأتى‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬ساح‭ ‬سياحة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬بطون‭ ‬الكتب،‭ ‬ليس‭ ‬حفظاً‭ ‬وسرداً‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تلقيناً‭ ‬وحشواً‭ ‬في‭ ‬أدمغة‭ ‬القُراء‭ ‬أو‭ ‬المستمعين‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬ممن‭ ‬تلقوا‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬سياحته‭ ‬في‭ ‬الأسفار‭ ‬كانت‭ ‬مضنية‭ ‬لأنها‭ ‬سياحة‭ ‬بحث‭ ‬ومقارنة‭ ‬وتفكر،‭ ‬سياحة‭ ‬مكنت‭ ‬صاحبها‭ ‬من‭ ‬محاكمة‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬بشري‭ ‬قديم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتراث‭ ‬الذي‭ ‬اكتسب‭ ‬عند‭ ‬الكثيرين‭ ‬صفة‭ ‬القداسة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لنا‭ ‬إنشاء‭ ‬قول‭ ‬على‭ ‬قولهم،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مناقشة‭ ‬أقوالهم،‭ ‬لعمري‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لنا‭ ‬تصور‭ ‬ازدهار‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التسليم‭ ‬المُطلق‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬بالتراث؟،‭ ‬ولعمري‭ ‬هل‭ ‬المنتج‭ ‬الفكري‭ ‬التراثي‭ ‬إلا‭ ‬منتج‭ ‬بشري‭ ‬عرضة‭ ‬للخطأ‭ ‬والسهو؟

إن‭ ‬أُمة‭ ‬مؤمنة‭ ‬بالقرآن‭ ‬إيماناً‭ ‬مطلقاً‭ ‬كيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬السمع‭ ‬والبصر‭ ‬والفؤاد‭ ‬كل‭ ‬أولئك‭ ‬كان‭ ‬عنه‭ ‬مسئولا‭) ‬الإسراء‭ ‬36‭ ‬وقوله‭ ‬تعالى‭ ‬سبحانه‭: (‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أنشأكم‭ ‬وجعل‭ ‬لكم‭ ‬السمع‭ ‬والبصر‭ ‬والفؤاد‭ ‬لعلكم‭ ‬تشكرون‭) ‬الملك‭ ‬23،‭ ‬أحسب‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزالي‭ ‬كان‭ ‬ممن‭ ‬شكر‭ ‬النعمة‭ ‬الجزيلة‭ ‬التي‭ ‬وُهبت‭ ‬له،‭ ‬فعمل‭ ‬بها‭ ‬شكراً‭ ‬لخالقها‭ ‬وواهبها،‭ ‬مستحضراً‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬اعملوا‭ ‬آل‭ ‬داود‭ ‬شكرا‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬عبادي‭ ‬الشكور‭) ‬سبأ‭ ‬13،‭ ‬والشكر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬ابن‭ ‬كثير‭ ‬يكون‭ ‬بالفعل‭ ‬والقول‭ ‬والنية،‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزالي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا