أجمع عدد من علماء الدين والفعاليات الوطنية على أهمية عدم تسييس المنابر الدينية، وعلى ضرورة أن يكون الخطاب الديني معتدلاً وداعيًا إلى كل ما يسهم في الحفاظ على سلامة المجتمع وأركانه وصيانة السلم الأهلي، وألا يكون أداة لنشر الفتنة والتناحر وتشتيت الكلمة وتفريق الصف بين أبناء الوطن.
وقالوا إن بيوت الله تعالى يجب أن تظل دائمًا منارة للهداية والنور ومكانًا للسلام والتسامح والسكينة، مضيفين أن علماء الدين تقع على عاتقهم مسؤولية عظيمة في أن تكون كلماتهم، داعمة لكل ما يحافظ على المكتسبات الوطنية التي تشهدها مملكة البحرين في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم على مختلف الأصعدة، منوهين بالجهود الحثيثة للحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في تشييد دور العبادة وتهيئتها لتمكين المصلين من أداء عباداتهم في أجواء من السكينة والراحة.
وفي هذا الصدد، قال فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان خطيب جامع الفاتح الإسلامي، إن بيوت الله تعالى هي منارة للهداية والنور ومكان للسلام والتسامح والسكينة، وإن على الخطباء والدعاة التركيز في خطبهم ودروسهم ومحاضراتهم على ما ينفع الناس، يرققوا قلوبهم بالمواعظ القرآنية والأحاديث النبوية التي تصلح ما فسد منها وتعالج أمراضها التي أصيبت بها بسبب بعدها عن هدي القرآن والسنة، وانشغالها بما لا ينفعها في دينها ودنياها.
وأكد أن الخطباء عليهم واجب كبير ومسؤولية عظيمة في تعليم الناس أمور دينهم وتذكيرهم بالآخرة وتصحيح عباداتهم وتنقية عقائدهم، مبينًا أن خطبة الجمعة عبادة، والعبادة مبنية على التوقيف، أي ما ورد بالنص عن الله تعالى وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فلها ضوابطها وشروطها التي لا يجوز الخروج عنها.
وأكد القطان أن تسييس المنابر الدينية له أثر كبير وخطير على المجتمع، فهو يؤدي إلى الفتنة والتناحر وتشتيت الكلمة وتفريق الصف وإيجاد الفرصة للأعداء لنيل مرادهم من المسلمين وتكالبهم عليهم، نظرًا إلى هذا التشتت والفرقة، كما أن له آثارا عظيمة في الانحراف الفكري لدى المتلقين، لاسيما أن هذا التسييس قد تم إلباسه لبوس الدين من خلال هذه المنابر والفتاوى.
من جانبه، شدد جميل المصلّي عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية على أهمية دور الخطاب الديني في الحفاظ على الوحدة والدعوة إلى قيم التعددية والتعايش في إطار من الوسطية والاعتدال، والابتعاد عن لغة خطاب التشنج والنظر في العواقب، وقال: «فإذا خلصت النوايا ظهرت بركاتها».
وأكد أهمية الدور الذي يقوم به المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة معالي الشيخ عبد الرحمن بن راشد آل خليفة في دعم الخطاب الديني الوسطي المعتدل وكل ما من شأنه أن يسهم في توطيد الوحدة الوطنية، والتي تعد واحدة من أبرز معالم المجتمع البحريني المتعايش جنبًا إلى جنب.
أما علي عبد الله العرادي عضو مجلس الشورى، فأكد أهمية ومكانة المنبر الديني، إذ إنه يعبر عن رسالة ديننا الحنيف وشريعتنا السمحة، لاسيما عبر اضطلاعه بدور إيجابي في دعوة المسلمين إلى الهدى والرشاد، وإعلاء القيم الأخلاقية، والدعوة إلى تهذيب النفس وتنقيتها، عبر ترجمته أحكام ومبادئ الدين إلى واقع معاش، فهو المدرسة الروحية والأخلاقية التي توحد صفوف المسلمين وتعلي شأنهم.
وقال إن الحفاظ على مكانة المنبر الديني ورسالته بشكل خاص، وقدسية دور العبادة بشكل عام تكون بعدم تسييسه وتنزيهه عن العمل السياسي، وأن يكون بعيدًا عن خطابات الكراهية والتأزيم، وألا يتحول إلى منصة لزرع الفتن والسموم، أو مكانًا لبث روح الكراهية والتنافر والاختلاف، أو تبني أفكار ومبادرات خارجية تسعى إلى شق الصف وتمزيق المجتمع، حيث إن ذلك النهج مرفوض، وأن الدول التي انتهج المنبر الديني فيها خطاب الكراهية باتت كما هو معروف بؤرة للإرهاب وغيرها من ضروب الجرائم الخطيرة على الأمن والسلم.
بدوره أعرب النائب محمد جناحي عن رفضه تسييس المنابر الدينية في بلد عرف بالتسامح منذ الأزل كمملكة البحرين، وقال: «إن تسييس المنابر الدينية أمر غير مقبول، وبخاصة وأن وطننا معروف بالتسامح وبالتعددية والتعايش بين جميع المعتقدات الدينية وفق نسيج مجتمعي متآلف، حيث يعيش الجميع جنبا إلى جنب في ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، ولدينا إرث من القيم الوطنية الثابتة التي تحث على التآخي والتكافل ونبذ الكراهية والفتنة».
من جهته، أكد الدكتور عبد الله الدرازي نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سابقا، أن المنبر الديني يلعب دورا أساسيا في تثقيف المجتمع بكل فئاته وأطيافه كبارا وصغارا، ولذا فإن من المهم أن يكون خطابه معتدلا ومركزا في الحفاظ على سلامة المجتمع وأركانه ويصون السلم الأهلي، كما ينبغي أن يبتعد الخطاب الديني عما يثير الفتنة، وأن يدعو أفراد المجتمع إلى التسامح والتكافل واحترام القيم الأخلاقية والمجتمعية وإلى التكاتف مع بعضهم البعض.
وقال د. الدرازي إن الخطاب الديني تقع عليه مسؤولية الحفاظ على المكتسبات العديدة التي تحققت لمملكة البحرين على مختلف الأصعدة الإنسانية والاقتصادية والثقافية والحقوقية وحرية الرأي والمعتقد، التي تعد من أعمدة مشروع التطوير والتحديث التي أرسى قواعدها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم.
وشدد على ضرورة أن يستخدم علماء الدين، باختلاف طوائفهم، خطابهم في نشر مبادئ المحبة والسلام والتعايش بعيدًا عن التصعيد والتوتر والتأزيم، لكي يعيش أفراد المجتمع في وئام ورقي، وأن يبتعدوا عن كل ما يسبب الفرقة والتعصب الأعمى والحقد والكراهية.
من ناحيته، شدد الدكتور حسن العريض رئيس مأتم العريض على دور المنابر الدينية في مجال التوعية والإرشاد والتوجيه ومساعدة الناس في القيام بكل أوامر الله سبحانه تعالى وما جاءت به السنة النبوية الشريفة في مجال تهذيب الإنسان وهدايته وتقويمه، مؤكدًا أن تعاليمنا الدينية هي مرجعيتنا، والمنابر وجدت لنشر التوعية وليس لهدف آخر.
وأضاف أن المساجد والمآتم وجدت للعبادة والصلاة والشعور بالأمان والسكينة، ويجب على الجميع العمل على تنفيذ توجيهات الدين الحنيف وأن يحمل كل فرد قدسية الدين في قلبه، وأن يتحلى بالأخلاق والمحبة والتواد والتعاون في الخير، لأن عدا ذلك من أمور خارجة قد تؤدي إلى العنف والقطيعة والعداء بين أبناء ديننا الإسلامي، الذي يدعو إلى احترام الآخرين وعقائدهم.
من جهته أكد غالب مختار العلوي رئيس مأتم القصاب أهمية المنبر الديني، كونه يحتل مكانة مميزة في قلوب المؤمنين مشيرا إلى أن الخطابة والتوعية الدينية تسهم في تثبيت أسس العقيدة والتحلي بالقيم العليا وتسهيل شؤون العباد في التقرب إلى الله ورسوله الكريم وتسليط الضوء على المعاملات الحياتية وفهم العقيدة.
وأشار رئيس مأتم القصاب إلى الدور المهم للإمام والخطيب في المساجد والمآتم ويضطلع بدوره في لم شمل المؤمنين وتوحيد كلمتهم وصفهم في كل ما فيه خير لهم ولمجتمعاتهم من خلال بيان أمور الدين والدنيا للمسلمين، ما يستوجب الالتزام بالصفات الدينية النبيلة، فمن المهم أن يتناول الخطيب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والعقيدة الإسلامية التي تهدف إلى وحدة الشعب وتعاونه وتكاتفه بما لا يثير الفرقة والطائفية والبغضاء.
وأكد هادي السيد هاشم آل أسعد رئيس مأتم عين الدار، أهمية التزام الأئمة والخطباء في المساجد والمآتم بروحانية وقداسة الدين الإسلامي كون ذلك أمرًا نابعًا من العقيدة الإسلامية السمحة الداعية إلى المحبة والتآخي والتآلف بين الناس جميعًا.
وقال: «نحن في مملكة البحرين وفي ظل العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، نحصل على كل الدعم والرعاية من قبل جلالته، وبخاصة خلال إحياء الشعائر والمناسبات الدينية».
بدوره، أكد المستشار الحقوقي المحامي فريد غازي، أن المنبر يجب أن يكون بمنأى عن أي تجاذبات سياسية في كل مكان في العالم، لأن المنبر الديني له قدسيته من خلال ارتباطه بمسائل روحانية متعلقة بالعبادة لله سبحانه تعالى، ويجب أن يجمع الناس ولا يفرق بينهم، وبالتالي فإن المنبر الديني عليه ألا يكون موضعًا للتجاذبات السياسية التي تفرق بين المواطنين، أو أداة للتحريض على أنظمة أو سياسات أو أفراد، أو أن يكون وسيلة لإلحاق الضرر والمس بالسلم الأهلي في مملكة البحرين.
وأوضح أن الانحراف بدور المنبر الديني وجره إلى دائرة التجاذبات السياسية لا يجوز من الناحية القانونية، وإن كان القانون يحمي المنبر الديني إلا أنه أيضا يمنع أي تجاوز من خلاله سواء بالتحريض القولي أو الفعلي، لأن غاية القانون وهدفه هو حماية المواطنين والسلم الأهلي من أية تجاوزات.
من جانبه أكد الحقوقي عطية الله روحاني أهمية تعزيز الأمن والسلم في المجتمعات عبر نبذ الخطابات التحريضية وكل ما قد يؤجج نفوس الناس ويؤولها ضد بعضها البعض.
وقال: «إن الأمن والسلم هما دعائم وركائز الحياة السليمة في المجتمعات المتوازنة، ولابد من التزام علماء الدين والخطباء في المنابر بدورهم المسؤول تجاه المجتمع والأفراد، فهم ذوو تأثير كبير على الرأي العام، والالتزام بالدعائم السلمية والمبادئ والقيم التي يحث عليها الدين الإسلامي الحنيف له دور كبير في تعزيز التعايش السلمي والأمن بين مختلف فئات المجتمع بالإضافة إلى توعية الناس بمسؤوليتهم تجاه بلدانهم وأوطانهم».
من ناحيته، قال رئيس جامعة البحرين الدكتور فؤاد محمد الأنصاري: «منذ فجر الإسلام كانت المنابر الدينية أدوات للدعوة إلى الخير والسلام، والتعاون على البر والتقوى، ولطالما ارتقى المنابر الوعاظ والخطباء، للتذكير بالقيم الإسلامية الجامعة على الألفة والمحبة، ونبذ العنف في مختلف مستوياته، وذم البغضاء والشحناء والكراهية».
وأضاف: «من المستهجن أن تتخذ بعض المنابر – رغم ما يحمله المنبر من رمزية – منهجًا مغايرًا لطبيعة المنبر الإسلامي، ودوره في المجتمع، وأخلاقياته وقيمه، فيدور في دائرة الفئوية أو التفرقة، أو يبتعد عن الموضوعية والصدق فيما يطرحه ويبثه لعامة الناس».
ونوه رئيس جامعة البحرين بما توليه مملكة البحرين بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، من عناية بدور العبادة وعمارتها، لأداء دورها المحوري في تقديم الخطاب المعتدل المسؤول، الرامي إلى النهوض بالمملكة في مختلف الأبعاد، لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء.
أما الكاتب الصحفي محميد المحميد، فأكد أن للمنبر الديني تاريخا عريقا ومشهودا، ومكانة خاصة في نفوس المسلمين تمامًا كما لعالم الدين وخطيب الجمعة من مكانة رفيعة ومقدرة عند الناس، وذلك لأن للمنبر الديني رسالة سامية ونبيلة، ولعالم الدين دور ومسؤولية عظيمة، حددها الإسلام ورسم حدودها القانون، وأهمها الدعوة إلى وحدة المجتمع والفضيلة، والسمو بالإنسان ونبذ الفرقة، ومحاربة العنف والفوضى.
وقال: «لذلك كان الحفاظ على مكانة المنبر الديني وعدم تسييسه واجبا وطنيا ومسؤولية مشتركة من الدولة والمجتمع معا، فالمنبر الديني يجب أن يكون بعيدا عن خطابات الكراهية والتأزيم وشق الصف الوطني، وألا يتحدى القانون، أو يقوم بتعطيل مصالح الوطن والمواطنين والمقيمين».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك