كتب أحمد عبدالحميد:
جاء التوجيه الملكي السامي من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، بأهمية تحري الدقة عندما يُكتب تاريخ البحرين وأهل البحرين، وأن يتم الاعتماد على المصادر الموثوقة، ليؤكد أهمية كتابة وتوثيق تاريخ البلاد بصورته الصحيحة والواقعية، وهو ما شدد عليه عدد من الباحثين والمؤرخين في تصريحات خاصة لـ «أخبار الخليج»، مؤكدين أن الحرص على المصادر الموثوقة من أهم متطلبات الكتابة التاريخية تفاديا لتغيير وتزييف الحقائق التاريخية.
وأكدوا السرديات التاريخية المؤسسة عِلميًّا والموثقة تاريخيًّا تُمثل الأساس المتين والدعامة الرئيسة التي تقف عليها الهويّة الوطنية التاريخية لمملكة البحرين، والتي تزداد الحاجة إليها في الوقت الحاضر، وتتعاظم أهميتها أكثر من أي وقت مضى.
وشددوا على أن السمة الأساسية للمؤرخ أنه يجب أن يكون محايدًا من جميع الأحداث التاريخية، وان لا يصدر أحكامًا على الأحداث بناءً على نزعته الشخصية أو منطلقاته الفكرية والأيديولوجية، فالمؤرخ يجب أن يتجرد من كل ذلك عند تدوينه للتاريخ.
الالتزام الصارم بالصدق في النقل
في البداية أكد د. منصور محمد سرحان باحث ومؤرخ أن توجيهات صاحب الجلالة الملك المعظم بأهمية تحري الدقة والاعتماد على المصادر الموثوقة عند الكتابة عن تاريخ البحرين وأهل البحرين، للتأكيد على مدى أهمية الكتابة في مجال التاريخ بصورته الصحيحة والواقعية.
وقال في تصريح خاص لـ«أخبار الخليج»: تختلف الكتابة في مجال التاريخ عن بقية المجالات الأخرى، باعتبارها توثيقا لتاريخ الوطن وللعصور التي مرت عليه بما فيها من تطورات وأحداث ومواقف. وعلى المؤرخ الالتزام الصارم بالصدق في النقل، مع الاعتماد على المصادر الموثوقة، وعدم الانجرار لرغباته أو ميوله، بل عليه التجرد التام من تلك الميول والرغبات.
وأوضح د. سرحان أن التشديد على النقل من المصادر الموثوقة هو من بين أهم متطلبات الكتابة التاريخية وذلك تفاديًا لتغيير الحقائق وبالتالي تزييف التاريخ. فالكتابة في مجال التاريخ تختلف اختلافًا جذريًا عن الكتابة في المجالات الأخرى، باعتبار كتابة التاريخ هي عبارة عن بحوث ودراسات تعتمد اعتمادًا كليًا على عدة مصادر معتبرة.
وأردف قائلا: يحدثنا التاريخ أن ابن خلدون امتدح مجموعة محددة من المؤرخين الأوائل ومن بينهم الطبري، والواقدي، وابن اسحاق وذلك لما كانوا يتمتعون به من الأمانة المعتبرة فذاع صيتهم. وهذا يعني كتابة التاريخ توثيق للحقائق، وإن التلاعب بتزييف الحقائق التاريخية ضرره كبير جدًا.
واختتم د. منصور سرحان حديثه: وانطلاقًا من تلك المعطيات فان خطورة الاعتماد في كتابة التاريخ على مصادر غير موثوقة هي تزييف للتاريخ وخيانة للوطن.
السرديات التاريخية والهوية الوطنية
بدوره أكد الدكتور محمد أحمد عبدالله مدير إدارة الدراسات التاريخية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» أن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، في لقائه بمستشاريه في قصر الصافرية وضع بجلاء النقاط على الحروف حين أشار جلالته إلى أهمية تحري الدقة في كتابة تاريخ البحرين بالاعتماد على المصادر الموثوقة، وعدم الاعتداد ببعض ما كُتب في ظروف وأوقات معينة بتناول جوانب تاريخية معينة، كمراجع تاريخية لا تستند إلى مصادر موثوقة، ولا تحظى بالإجماع.
وأضاف الدكتور محمد أحمد عبدالله مدير إدارة الدراسات التاريخية أن السرديات التاريخية المؤسسة عِلميًّا والموثقة تاريخيًّا تُمثل الأساس المتين والدعامة الرئيسة التي تقف عليها الهويّة الوطنية التاريخية لمملكة البحرين، والتي تزداد الحاجة إليها في الوقت الحاضر، وتتعاظم أهميتها أكثر من أي وقت مضى، في ظل ما تشهده بعض الكتابات السائدة في عددٍ من الأوساط الثقافية الشعبية من انفلات في تدوين سرديّات لا تقوم على أي أساس علمي، تتعارض مع الهويّة والانتماء الوطني. ولذا فإن إيلاء مسألة تدوين التاريخ الوطني لمملكة البحرين ما تستحقه من الأهمية القصوى للحفاظ على الهويّة الوطنية التاريخية للمملكة، وإناطة أمر هذا التدوين بأهل الرواية والدراية من ثُقات المشتغلين بالتأريخ والتاريخ، لتثبيت السرديات التاريخية لمملكة البحرين ضرورةٌ في غاية الأهمية، ليستند عليها باحثو التاريخ الوطني. ولا يُعدّ هذا الأمر بِدعًا من القول، فكثير من الأمم والدول تسعى لتأكيد سردياتها التاريخية لدعم الهويّة والانتماء الوطني لشعوبها.
التاريخ أمانة تنقل للأجيال
بدوره قال الباحث والمؤرخ راشد الجاسم انه في وقت كثرت خلاله عمليات التزوير والتحريف لتاريخ مملكة البحرين، وشخصيتها العربية الاسلامية، يأتي التوجيه الملكي بالدرجة الأولى لحماية ارثنا وتاريخنا الوطني، حيث ان دستور مملكة البحرين وفي المادة السادسة منه اكدت «تصون الدولة التراث العربي والإسلامي»، وجلالة الملك المعظم الحامي الأول للتاريخ والتراث الوطني.
وأضاف ان سيدي جلالة الملك المعظم هو من أمر بإنشاء مركز الوثائق التاريخية عام 1978م والذي يعد من أعرق المراكز التاريخية في المنطقة، وساهم المركز في حفظ التاريخ، وفند علميًا عمليات التزوير التاريخي، مما حافظ على عراقتها وصان سيادتها.
وبشأن دور المؤرخ في كتابة تاريخ بلاده أوضح الجاسم أن السمة الأساسية للمؤرخ أنه يجب أن يكون محايدًا من جميع الأحداث التاريخية، وان لا يصدر أحكامًا على الأحداث بناءً على نزعته الشخصية أو منطلقاته الفكرية والأديولوجية، فالمؤرخ يجب أن يتجرد من كل ذلك عند تدوينه للتاريخ.
وبشأن السرديات التاريخية أشار الجاسم إلى أهمية السرديات التاريخية الوطنية التي تؤسس للباحث الخطوط العريضة عندما يقوم بتحليل الوثائق الأجنبية والتي لا تخلو غالبًا من وجهة نظر كاتبها، فالتعامل معها يجب أن يكون وفق اعتبارات ومعايير لا تجعلها كمسلمات، وهنا تكمن أهمية تحقيق النص التاريخي.
وشدد على أن خطورة بعض المصادر تكمن بإنها كتبت في سياقات وظروف معينة، لا يجب ان يعتد بها كونها لا تستند الى مصادر موثوقة وغير رصينة ولا تحظى بالإجماع. وأوضح أن كتابة التاريخ أمانة تنقل للأجيال، ولكن كتابة التاريخ ليس عبارة عن فن الاستناد للروايات او الوثائق التي تخالف الإجماع العام، فقط لأنها مخالفة حتى وان كانت مغايرة للواقع، مؤكدا أن التاريخ ليس عبارة عن سلعة أو مانشيت مثير، يستهدف من خلاله الترزق والربح، فتاريخ البحرين وأهلها وأمانة نقله هو أغلى من الشهرة والتكسب. وأكد الجاسم أن للتاريخ فوائد جمة، فتوثيق المكتسبات الوطنية يكرس لنا جيلا واعيا بأهمية الحفاظ على هذه المكتسبات والعمل على الارتقاء بها، فنستذكر الاستفتاء الشعبي الكبير على ميثاق العمل الوطني (بنسبة 98.4%) والذي أسس وتضمن الكثير من المبادئ السياسية والاقتصادية التي تؤكد النهج الديمقراطي الانفتاحي لمملكة البحرين، وما تم في عهد جلالة الملك المعظم أدى للارتقاء بالبلاد في كافة مجالات، انعكست في النهوض بالإنسان في البحرين، فعملت على الارتقاء بالتعليم، وأصبح الانسان في البحرين هو أساس وركيزة المشاريع التنموية الكبرى.
ومن الجدير ذكره في هذا المقام بأن ميثاق العمل الوطني أسس في مقدمته نبذة عن «شخصية البحرين التاريخية»، التي أسست الهوية الجامعة التي توافق عليها شعب البحرين.
ومن جانب آخر، تطرق راشد الجاسم إلى التوثيق التاريخي للتحديات التي مرت بها البلاد، والتي من المهم توثيقها، من منطلق أن «التاريخ يعيد نفسه»، ونستدل على ذلك بأهمية توثيق التحديات التي مرت عليها مملكة البحرين، ومنها على سبيل المثال دور الفريق الوطني في مواجهة جائحة كورونا بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وعن أهمية التدوين التاريخي لهذه التجربة الرائدة لتكون مصدر إلهام للأجيال ويستديم هذه الريادة في التعامل مع أي ظرف مماثل «لا قدر الله»، بكفاءة وبجاهزية عالية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك