العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وللحمير شرف

على‭ ‬ذمة‭ ‬قصاصة‭ ‬في‭ ‬أرشيفي‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬خليجية‭ ‬إليكم‭ ‬خبر‭ ‬لمراسلها‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأردنية‭ ‬عمان‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬رجلاً‭ ‬مثل‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬بتهمة‭ ‬قتل‭ ‬حمار‭ ‬جاره‭. ‬نعم‭ ‬والله‭ ‬العظيم،‭ ‬هكذا‭ ‬قالت‭ ‬الصحيفة،‭ ‬بل‭ ‬ذكرت‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القاتل‮»‬‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الحمار‭ ‬الأعزل‭ ‬فأرداه‭ ‬قتيلا‭. ‬والسبب؟‭ ‬الحمار‭ ‬القتيل‭ ‬الذي‭ ‬مات‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬شبابه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أتى‭ ‬أمراً‭ ‬منكرا‭.. ‬كيف؟‭.. ‬يقول‭ ‬الجاني‭ ‬إن‭ ‬القتيل‭ ‬أي‭ ‬الحمار‭ ‬اعتدى‭ ‬على‭ ‬شرف‭ ‬حمارته،‭ ‬فلم‭ ‬يتمالك‭ ‬أعصابه‭ ‬فتناول‭ ‬بندقيته‭ ‬وأطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الحمار‭ ‬وهو‭ ‬متلبس‭ ‬بالجرم‭ ‬المشهود،‭ ‬عملاً‭ ‬بقول‭ ‬الشاعر‭ ‬الحداثي‭ ‬المعاصر‭:‬

لن‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬شرف‭ ‬الحُمر

حتى‭ ‬يراق‭ ‬على‭ ‬جوانبه‭ ‬دم‭ ‬البشر

والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الشرف‭ ‬أمر‭ ‬تكفله‭ ‬جميع‭ ‬القوانين‭ ‬السماوية‭ ‬والوضعية،‭ ‬ولكني‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يطلق‭ ‬صاحبنا‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬حمارته‭ ‬أيضاً‭ ‬لأنها‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬الجريمة،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬القتيل‭ ‬لقي‭ ‬تشجيعاً‭ ‬من‭ ‬جارته‭ ‬الحمارة،‭ ‬وأن‭ ‬علاقة‭ ‬محرمة‭ ‬نشأت‭ ‬بينهما‭. ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬شجعت‭ ‬الحمارة‭ ‬حبيبها‭ ‬الراحل‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬بها‭ ‬سراً‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬صاحبها‭ ‬لن‭ ‬يوافق‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الزيجة‭. ‬يعني‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬جداً‭ ‬أنهما‭ ‬تزوجا‭ ‬عرفياً،‭ ‬ولكن‭ ‬الاحتمال‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬الحمارة‭ ‬لن‭ ‬تعترف‭ ‬بذلك‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ترملت‮»‬‭ -‬وفي‭ ‬عالم‭ ‬الحمير‭ ‬تعتبر‭ ‬الحمارة‭ ‬التي‭ ‬يموت‭ ‬عشيقها‭ ‬الحمار‭ ‬أرملة‭- ‬المهم‭ ‬ترملت‭ ‬الحمارة‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬شبابها،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬مصلحتها‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬عائلها‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬صاحبها‭ ‬لينطبق‭ ‬عليها‭ ‬المثل‭ ‬‮«‬ميتة‭ ‬وخراب‭ ‬ديار‮»‬‭.‬

وأجد‭ ‬نفسي‭ ‬متعاطفاً‭ ‬مع‭ ‬الحمارة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تسترت‭ ‬على‭ ‬القاتل‭ ‬لضمان‭ ‬قوت‭ ‬يومها،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أتعاطف‭ ‬كثيراً‭ ‬مع‭ ‬صاحبها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوان،‭ ‬والذي‭ ‬وضع‭ ‬نهاية‭ ‬مأساوية‭ ‬لقصة‭ ‬حب‭ ‬صاخبة،‭ ‬أليس‭ ‬وارداً‭ ‬أنه‭ ‬قتل‭ ‬الحمار‭ ‬المسكين‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬عنصري‭ ‬أو‭ ‬استعلائي‭ ‬أو‭ ‬طبقي؟‭ ‬يعني‭ ‬ربما‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬حمارته‭ ‬بنت‭ ‬ذوات‭ ‬وأكابر‭ ‬وأن‭ ‬عشيقها‭ ‬أو‭ ‬زوجها‭ ‬‮«‬السري‮»‬‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬تعبانة‭ ‬بروليتارية‭! ‬وربما‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬حمارته‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬الآري‭ ‬أو‭ ‬‮«‬شعب‮»‬‭ ‬الله‭ ‬المختار‭ ‬فراعه‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬حميمة‭ ‬مع‭ ‬حمار‭ ‬بلدي‭ ‬شرق‭ ‬أوسطي‭ ‬عادي‭! ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬يعد‭ ‬حمارته‭ ‬للاقتران‭ ‬بحمار‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬خالته‭ ‬فجن‭ ‬جنونه‭ ‬عندما‭ ‬ضبطها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬شائن‭ ‬مع‭ ‬حمار‭ ‬عديم‭ ‬الحسب‭ ‬والنسب‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وارد‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يغفر‭ ‬لصاحبنا‭ ‬التشبث‭ ‬بنزعات‭ ‬استعلائية‭ ‬عفا‭ ‬عليها‭ ‬الزمان،‭ ‬لقد‭ ‬انتهى‭ ‬زمن‭ ‬التعالي‭ ‬العرقي‭ ‬والطبقي‭ ‬وأصبحت‭ ‬الحمير‭ ‬ومعظم‭ ‬الحيوانات‭ ‬مصونة‭ ‬الحقوق،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أشيد‭ ‬للمرة‭ ‬العاشرة‭ ‬بعد‭ ‬الألف‭ ‬بالجهد‭ ‬المقدر‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬تبذله‭ ‬بريجيت‭ ‬باردو‭ (‬بي‭. ‬بي‭.) ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الحمير‭ ‬المدنية،‭ ‬ولعل‭ ‬معاداتها‭ ‬للعرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وتفضيل‭ ‬الحمير‭ ‬والقطط‭ ‬عليهم‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بُعد‭ ‬النظر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تتحلى‭ ‬به،‭ ‬ويا‭ ‬ويل‭ ‬الأردني‭ ‬قاتل‭ ‬الحمار‭ ‬العاشق‭ ‬إذا‭ ‬سمعت‭ ‬بفعلته‭ ‬الشائنة‭ ‬بنت‭ ‬باردو‭.‬

ياما‭ ‬نهق‭ ‬جيلنا‭ ‬كلما‭ ‬ظهرت‭ ‬بي‭. ‬بي‭. ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬شبابها‭ ‬الغض‭ ‬وجسمها‭ ‬البض،‭ ‬ولكننا‭ ‬تخلينا‭ ‬عنها‭ ‬لأننا‭ ‬متعصبون‭ ‬وشوفينيون‭ ‬فتحولنا‭ ‬بعواطفنا‭ ‬إلى‭ ‬فيفي‭ ‬عبده‭ ‬وليلى‭ ‬علوي‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬محلي‭. ‬ولأنها‭ ‬بعيدة‭ ‬النظر‭ ‬فإن‭ ‬بي‭. ‬بي‭. ‬أدركت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬يرجى‭ ‬في‭ ‬العرب‭ ‬العاربة‭ ‬والمستعربة،‭ ‬فإذا‭ ‬انفضوا‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬وفيها‭ ‬بقية‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬فماذا‭ ‬سيكون‭ ‬حالهم‭ ‬معها،‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬بفعل‭ ‬الزمان‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬أشبه‭ ‬بضفادع‭ ‬الأمازون؟

وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فإذا‭ ‬أفلت‭ ‬الجاني‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬باردو‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يفلت‭ ‬من‭ ‬عقاب‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬إذا‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الحمار‭ ‬القتيل‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬سلالة‭ ‬أوروبية،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬يفلت‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬لأن‭ ‬شعار‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الحمار‮»‬‭ ‬وباعتبار‭ ‬الحمار‭ ‬أكثر‭ ‬قربا‭ ‬من‭ ‬الانسان‭ ‬من‭ ‬الفيل‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬بأفيال‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا