العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

التجديد في المنظور الإسلامي.. ضرورة فقهية وحاجة عصرية

بقلم: فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر الشريف

الجمعة ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬‮«‬التجديد‮»‬‭ ‬وضرورته‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أمراً‭ ‬قابلاً‭ ‬للأخذ‭ ‬والرد،‭ ‬فهو‭ ‬حقيقة‭ ‬شديدة‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭: ‬نصًّا‭ ‬وشريعة‭ ‬وتاريخاً،‭ ‬وربما‭ ‬تفرد‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬سائر‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية‭ ‬بالإشارة‭ ‬إليه،‭ ‬وألهمت‭ ‬إشاراته‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬المتكلمين‭ ‬والفلاسفة،‭ ‬وأمدتهم‭ ‬بأنظار‭ ‬فلسفية‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬يُسبقوا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فأئمة‭ ‬الفقه‭ ‬والأصول‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الصحابة‭ ‬مارسوا‭ ‬الاجتهاد‭ ‬في‭ ‬تجديد‭ ‬أحكام‭ ‬الشريعة‭ ‬كلما‭ ‬مست‭ ‬حاجة‭ ‬التجديد‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

والتجديد‭ ‬خاصة‭ ‬لازمة‭ ‬من‭ ‬خواص‭ ‬دين‭ ‬الإسلام،‭ ‬نبَّه‭ ‬عليها‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬الشريف‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬يَبْعَثُ‭ ‬لِهَذِهِ‭ ‬الْأُمَّةِ‭ ‬عَلَى‭ ‬رَأْسِ‭ ‬كُلِّ‭ ‬مِائَةِ‭ ‬سَنَةٍ‭ ‬مَنْ‭ ‬يُجدّدُ‭ ‬لَهَا‭ ‬دينَهَا‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬دليل‭ ‬النقل‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬أما‭ ‬دليل‭ ‬العقل‭ ‬فهو‭ ‬أنَّنا‭ ‬إذا‭ ‬سَلَّمنا‭ ‬أن‭ ‬رسالة‭ ‬الإسلام‭ ‬رسالة‭ ‬عامَّة‭ ‬للنَّاس‭ ‬جميعاً،‭ ‬وأنها‭ ‬باقية‭ ‬وصالحة‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬وأن‭ ‬النُّصوص‭ ‬محدودة‭ ‬والحادثات‭ ‬لا‭ ‬محدودة‭.. ‬فبالضَّرورة‭ ‬لا‭ ‬مفرَّ‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬إقرار‭ ‬فرضية‭ ‬التَّجديد‭ ‬آلة‭ ‬محتَّمة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬حُكم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭.‬

والتجديد‭ ‬الذي‭ ‬ننتظره‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬خطين‭ ‬متوازيين‭:‬

1-‭ ‬خط‭ ‬ينطلق‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة‭ ‬أولاً،‭ ‬وبشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬ثم‭ ‬مما‭ ‬يتناسب‭ ‬ومفاهيم‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬كنوز‭ ‬التراث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬وليس‭ ‬المطلوب‭ - ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭- ‬خطاباً‭ ‬شمولياً‭ ‬لا‭ ‬تتعدد‭ ‬فيه‭ ‬الآراء‭ ‬ولا‭ ‬وجهات‭ ‬النظر،‭ ‬فمثل‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬لم‭ ‬يعرفه‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عصر‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬الازدهار‭ ‬أو‭ ‬الضعف،‭ ‬وإنما‭ ‬المطلوب‭ ‬خطاب‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬‮«‬الصراع‮»‬‭ ‬ونفي‭ ‬الآخر‭ ‬واحتكار‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬مذهب،‭ ‬ومصادرتها‭ ‬عن‭ ‬مذهب‭ ‬آخر‭ ‬مماثل‭.‬

2-‭ ‬وخط‭ ‬موازٍ‭ ‬ننفتح‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬بهدف‭ ‬استكشاف‭ ‬عناصر‭ ‬التقاء‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬إطار‭ ‬ثقافي‭ ‬عام‭ ‬يتصالح‭ ‬فيه‭ ‬الجميع،‭ ‬ويبحثون‭ ‬فيه‭ ‬معاً‭ ‬عن‭ ‬صيغة‭ ‬وسطى‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬المرض‭ ‬المزمن‭ ‬الذى‭ ‬يستنزف‭ ‬طاقة‭ ‬أي‭ ‬تجديد‭ ‬واعد،‭ ‬ويقف‭ ‬لنجاحه‭ ‬بالمرصاد،‭ ‬وأعني‭ ‬به‭: ‬الانقسام‭ ‬التقليدي‭ ‬إزاء‭ ‬‮«‬التراث‭ ‬والحداثة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تيار‭ ‬متشبث‭ ‬بالتراث‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬وتيار‭ ‬متغرب‭ ‬يدير‭ ‬ظهره‭ ‬للتراث،‭ ‬ثم‭ ‬تيارٍ‭ ‬إصلاحي‭ ‬خافت‭ ‬الصوت‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يبين‭.‬

لقد‭ ‬اتسعت‭ ‬أروقة‭ ‬الأزهر‭ ‬وكلياته‭ - ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تتسع‭ ‬ليوم‭ ‬الناس‭ ‬هذا‭ - ‬لدراسة‭ ‬المذاهب‭ ‬الفقهية‭ ‬السُّنيَّة‭ ‬وغير‭ ‬السُّنيَّة،‭ ‬دراسة‭ ‬علمية،‭ ‬لا‭ ‬انتقاص‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مذهب‭ ‬ولا‭ ‬إغضاء‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أو‭ ‬شأن‭ ‬أئمته،‭ ‬وبنفس‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬الذي‭ ‬يتسع‭ ‬للرأي‭ ‬والرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬بل‭ ‬الآراء‭ ‬الأخرى،‭ ‬درَّس‭ ‬الأزهر‭ ‬للدنيا‭ ‬كلها‭ ‬مذاهب‭ ‬علم‭ ‬الكلام‭ ‬والأصول،‭ ‬وكل‭ ‬علوم‭ ‬التراث‭ ‬النقلي‭ ‬والعقلي‭.‬

من‭ ‬جديد‭ ‬نقول‭ ‬إننا‭ ‬نحسب‭ ‬إن‭ ‬التيار‭ ‬الإصلاحي‭ ‬‮«‬الوَسَطى‮»‬‭ ‬هو‭ ‬المؤهل‭ ‬لحمل‭ ‬الأمانة،‭ ‬والجدير‭ ‬بمهمة‭ ‬‮«‬التجديد‮»‬‭ ‬الحقيقي،‭ ‬الذي‭ ‬تتطلع‭ ‬إليه‭ ‬الأمة،‭ ‬وهو‭ - ‬وحده‭ - ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬الدين‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬إلغائه‭ ‬أو‭ ‬تشويهه،‭ ‬ليكون‭ ‬تجديدا‭ ‬وليس‭ ‬تبديدا،‭ ‬ولكن‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬يتفادى‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يستنزف‭ ‬طاقته‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬ومن‭ ‬اليسار‭.‬

هذا‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬قائمة‭ ‬إحصائية‭ ‬بكبريات‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬السَّاحة‭ ‬الآن‭. ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأولوية‭ ‬للقضايا‭ ‬التي‭ ‬شكَّلت‭ ‬مبادئ‭ ‬اعتقادية‭ ‬عند‭ ‬جماعات‭ ‬التكفـــير‭ ‬والعنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬المسلح،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬ســبيل‭ ‬المثـــال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬قضايا‭: ‬الجهاد‭ - ‬الخلافة‭ - ‬التكفير‭ - ‬الولاء‭ ‬والبراء‭ - ‬تقسيم‭ ‬المعمورة‭ ‬وغيرها‭.‬

وأرى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاجتهاد‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬هذه‭ ‬المسائل‭ ‬اجتهاداً‭ ‬جماعيًّا‭ ‬وليس‭ ‬فرديًّا،‭ ‬فالاجتهاد‭ ‬الفردي‭ ‬فات‭ ‬أوانه،‭ ‬ولَمْ‭ ‬يَعُد‭ ‬مُمْكِناً‭ ‬الآن‭ ‬لتعدُّد‭ ‬الاختصاصات‭ ‬العلمية،‭ ‬وتشابك‭ ‬القضايا‭ ‬بين‭ ‬علوم‭ ‬عدة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا