العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

مقالات

جلجامش.. بين الأسطورة والتاريخ

بقلم: الدكتور حمد إبراهيم العبدالله

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يذكر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والسياسي‭ ‬والخطيب‭ ‬الروماني‭ ‬الشهير‭ ‬ماركوس‭ ‬توليوس‭ ‬سيسرو‭ (‬شيشرون‭) ‬أن‭ ‬‮«‬التاريخ‭ ‬هو‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬مرور‭ ‬الزمن،‭ ‬فهو‭ ‬يُنير‭ ‬الواقع،‭ ‬ويُنشط‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ويرشدنا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬ويبشرنا‭ ‬بأخبار‭ ‬من‭ ‬سبقونا‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬نقلت‭ ‬لنا‭ ‬المخطوطات‭ ‬والآثار‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬سبقنا،‭ ‬وتركت‭ ‬لنا‭ ‬حكاياتٍ‭ ‬وملاحم‭ ‬نتداولها‭ ‬اليوم‭. ‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬الملاحم‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬بـ«ملحمة‭ ‬جلجامش‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬للعصر‭ ‬البرونزي‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬ومازال‭ ‬الطلبة‭ ‬والقراء‭ ‬يتداولون‭ ‬الملحمة‭ ‬اليوم‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬الميلادية،‭ ‬والملحمة‭ ‬تعود‭ ‬للحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬مؤرخو‭ ‬الغرب‭ ‬بالتاريخ‭ ‬القديم،‭ ‬الذي‭ ‬امتد‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬3200‭ ‬ق‭.‬م‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الكتابة‭ ‬المسمارية‭ ‬في‭ ‬حضارة‭ ‬سومر‭ ‬حتى‭ ‬سقوط‭ ‬الشطر‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬القبائل‭ ‬الجرمانية‭ ‬عام‭ ‬476م،‭ ‬وهذه‭ ‬الملحمة‭ ‬مهمةٌ‭ ‬بمكانٍ‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬البحرين؛‭ ‬فيُعتقد‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬فصولها‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬دلمون‭. ‬

يُعالج‭ ‬المقال‭ ‬الملحمة‭ ‬من‭ ‬منظورٍ‭ ‬تاريخي،‭ ‬حيث‭ ‬يكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬أبرز‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬اكتشافها‭ ‬مع‭ ‬استعراضٍ‭ ‬لأبرز‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية،‭ ‬وتبيان‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأسطورة‭ ‬قد‭ ‬بُنيت‭ ‬على‭ ‬شخصيةٍ‭ ‬فعليةٍ‭ ‬حكمت‭ ‬إحدى‭ ‬المدن‭ ‬السومرية،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الملحمة‭ ‬قد‭ ‬تأسست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُعتقد‭ ‬أنها‭ ‬شخصيةٌ‭ ‬حقيقةٌ‭ ‬جابت‭ ‬الأرض،‭ ‬فإنها‭ ‬امتزجت‭ ‬بالأساطير‭ ‬والخرافات،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬دراسات‭ ‬الميثالوجيا‭. ‬

عرفت‭ ‬الأستاذة‭ ‬الدكتورة‭ ‬كاثرين‭ ‬ماكليموند‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬جورجيا‭ ‬الميثالوجيا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬قصةٌ‭ ‬لها‭ ‬معنى‭ ‬أو‭ ‬أهمية‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬القصة‭ ‬ذاتها‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬تحمل‭ ‬معاني‭ ‬عميقة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬وآراء‭ ‬القارئ‭ ‬لها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الميثالوجيا‭ ‬هي‭ ‬تعبيرٌ‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬الشعوب،‭ ‬وآمالها،‭ ‬وتطلعاتها،‭ ‬ومخاوفها،‭ ‬وأفراحها،‭ ‬وأتراحها‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مجموعةً‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬أساسٌ‭ ‬تاريخيٌ‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬شخصياتٍ‭ ‬أو‭ ‬أحداثٍ‭ ‬مثل‭ ‬معركة‭ ‬حصار‭ ‬طروادة،‭ ‬والملك‭ ‬آرثر،‭ ‬وبيوولف،‭ ‬وغيرها،‭ ‬حيث‭ ‬تمتزج‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬بالخيال‭ ‬لتُصبح‭ ‬مدعمةً‭ ‬بالظواهر‭ ‬الخارقة‭. ‬

علاوةً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقدم،‭ ‬تُعتبر‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فمشاعر‭ ‬الحب،‭ ‬والبغض،‭ ‬والحسد،‭ ‬والكراهية،‭ ‬والغيرة،‭ ‬والفضول‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬رجلٍ‭ ‬أو‭ ‬امرأةٍ‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الميلادي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬لذا‭ ‬فقراءة‭ ‬التاريخ‭ ‬تُبرز‭ ‬لنا‭ ‬مهما‭ ‬اختلف‭ ‬بنا‭ ‬الزمن‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬وكيف‭ ‬تعامل‭ ‬معها‭ ‬الأولون‭. ‬

مهدت‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والبحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬تبادلٍ‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬المتعددة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجارة،‭ ‬والأفكار،‭ ‬والتأثر‭ ‬بالمعتقدات‭ ‬السائدة‭ ‬فيها،‭ ‬والتأثر‭ ‬بالمنشآت‭ ‬المعمارية‭ ‬كما‭ ‬يُرى‭ ‬ذلك‭ ‬جليًا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬ملحوظٍ‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬المعمارية‭ ‬الإغريقية‭ ‬المتأثرة‭ ‬بمصر‭ ‬القديمة،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬لملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬حيث‭ ‬تناقلتها‭ ‬الحضارات‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم،‭ ‬واعتنت‭ ‬بها‭ ‬وأعادت‭ ‬تصوير‭ ‬أحداثها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فن‭ ‬النحت‭. ‬

تُعتبر‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬الشعرية‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬أصلها‭ ‬للحضارة‭ ‬السومرية‭ ‬أقدم‭ ‬ملحمةٍ‭ ‬شعريةٍ‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وذكر‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬جيسي‭ ‬روفوس‭ ‬فيرز‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أوكلاهوما‭ ‬أن‭ ‬جلجامش‭ ‬كان‭ ‬الحاكم‭ ‬الخامس‭ ‬لمدينة‭ ‬أوروك‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬2700‭ ‬ق‭.‬م،‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬الوركاء‭ ‬جنوب‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬عُرفت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإغريق‭ ‬باسم‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬ذكر‭ ‬جلجامش‭ ‬كحاكمٍ‭ ‬فعليٍ‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬أسطورةٍ‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬‮«‬صحيفة‭ ‬اثبات‭ ‬الملوك‭ ‬السومرية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اكتشافها‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الميلادي‭. ‬

وكانت‭ ‬أوروك‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬بـ«دول‭ ‬المدن‭ ‬السومرية‮»‬،‭ ‬وتقع‭ ‬جُغرافيًا‭ ‬على‭ ‬مقربةٍ‭ ‬من‭ ‬لكش،‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بكونها‭ ‬كانت‭ ‬موطنًا‭ ‬لحاكمها‭ ‬أور‭ ‬نانشي‭ ‬الذي‭ ‬عُثر‭ ‬على‭ ‬لوحٍ‭ ‬طينيٍ‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬حكمه‭ ‬والمحفوظ‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬اللوفر‭ ‬الفرنسي،‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُعتبر‭ ‬أول‭ ‬ذكرٍ‭ ‬مكتوبٍ‭ ‬لدلمون‭ ‬نحو‭ ‬عام‭  ‬2500ق‭.‬م،‭ ‬حيث‭ ‬ذُكر‭ ‬في‭ ‬اللوح‭ ‬الطيني‭ ‬أن‭ ‬الأخشاب‭ ‬كانت‭ ‬تُجلب‭ ‬من‭ ‬دلمون‭ ‬إلى‭ ‬لكش‭. ‬

ولو‭ ‬وضعنا‭ ‬الفترة‭ ‬المذكورة‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬جلجامش‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬التاريخي‭ ‬فإن‭ ‬فترة‭ ‬حكمه‭ ‬سبقت‭ ‬شخصياتٍ‭ ‬مرموقةً‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬سرجون‭ ‬الأكدي‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2334‭ ‬ق‭.‬م‭ ‬حتى‭ ‬2279‭ ‬ق‭.‬م،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬نحو‭ ‬الألف‭ ‬عامٍ‭ ‬ظهوره‭ ‬قانون‭ ‬حمورابي‭ ‬نسبةً‭ ‬إلى‭ ‬الحاكم‭ ‬البابلي‭ ‬الشهير‭ ‬من‭ ‬سلالة‭ ‬الأموريين‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1792‭ ‬ق‭.‬م‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1750‭ ‬ق‭.‬م‭. ‬

وصلت‭ ‬الملحمة‭ ‬إلينا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬12‭ ‬لوحًا‭ ‬مسماريًا‭ ‬باللغة‭ ‬الأكدية،‭ ‬دُونت‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬باللغة‭ ‬السومرية،‭ ‬وتوجد‭ ‬بعضٌ‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الألواح‭ ‬معروضةً‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬وخُطت‭ ‬الملحمة‭ ‬بعدة‭ ‬لغاتٍ‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬المسماري،‭ ‬وقد‭ ‬استخدمت‭ ‬مجموعةٌ‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الدارجة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الخط‭ ‬المسماري‭ ‬في‭ ‬الكتابة؛‭ ‬منها‭ ‬السومرية،‭ ‬والأكدية،‭ ‬والآشورية،‭ ‬والبابلية،‭ ‬والآرامية،‭ ‬والعيلامية،‭ ‬واللوية،‭ ‬والحثية،‭ ‬وغيرها‭.‬

فيما‭ ‬انتشرت‭ ‬أسطورة‭ ‬جلجامش‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭ ‬وحتى‭ ‬الأناضول،‭ ‬وعُرف‭ ‬بدايةً‭ ‬بطل‭ ‬الملحمة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬السومرية‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬بلجامس‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬الأكدية‭ ‬‮«‬جلجامش‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬واعتمده‭ ‬المؤرخون،‭ ‬وخبراء‭ ‬الآثار،‭ ‬والكتاب،‭ ‬والمترجمون،‭ ‬عندما‭ ‬يرد‭ ‬ذكر‭ ‬بطل‭ ‬الملحمة‭.‬

يُزعم‭ ‬أن‭ ‬والد‭ ‬جلجامش‭ ‬أو‭ ‬جده‭ ‬هو‭ ‬لوغالباندا‭ ‬الذي‭ ‬حكم‭ ‬أوروك‭ ‬قبله،‭ ‬وأمه‭ ‬المعبودة‭ ‬نيسون‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬إحدى‭ ‬زوجات‭ ‬لوغالباندا،‭ ‬حيث‭ ‬وصفه‭ ‬البعض‭ -‬أي‭ ‬جلجامش‭- ‬بأن‭ ‬ثلثيه‭ ‬مقدسٌ‭ ‬أو‭ ‬معبود،‭ ‬وقد‭ ‬أُعجب‭ ‬الأكديون‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الذين‭ ‬حكموا‭ ‬السومريون‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بالأسطورة،‭ ‬وقاموا‭ ‬بترجمة‭ ‬الملحمة،‭ ‬وكذلك‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬حضارات‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين‭ ‬ومنهم‭ ‬البابليون‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬استعراض‭ ‬خلفية‭ ‬إعادة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الملحمة‭ ‬الشعرية‭ ‬وكيف‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬أيدي‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬شاعرٌ‭ ‬بجمع‭ ‬وتدوين‭ ‬الأسطورة‭ ‬على‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬الطينية،‭ ‬وعُرف‭ ‬الشاعر‭ ‬باسم‭ ‬سين‭-‬لقي‭-‬ونيني‭ (‬أي‭: ‬المعبود‭ ‬‮«‬القمر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقبل‭ ‬صلاتي‭) ‬في‭ ‬قرابة‭ ‬عام‭ ‬1100‭ ‬ق‭.‬م،‭ ‬ويرجع‭ ‬الفضل‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬أفضل‭ ‬نسخةٍ‭ ‬من‭ ‬الملحمة‭ ‬وهي‭ ‬النسخة‭ ‬التي‭ ‬اعتمد‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬عليها،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬النساخ‭ ‬المذكور‭ ‬بتدوين‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬الألواح‭ ‬الطينية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬وفيها‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭. ‬

عبر‭ ‬العقود‭ ‬تمت‭ ‬إعادة‭ ‬نسخ‭ ‬الملحمة‭ ‬كما‭ ‬دونها‭ ‬سين‭-‬لقي‭-‬ونيني،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬النُّساخ‭ ‬يتدربون‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬نسخ‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬استكشاف‭ ‬الملحمة‭ ‬ضمن‭ ‬آثار‭ ‬مدينة‭ ‬نينوى‭ ‬شمالي‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1849م،‭ ‬وقد‭ ‬أتى‭ ‬ذلك‭ ‬بعدما‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬أوستن‭ ‬هنري‭ ‬لايارد‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬بالعثور‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬قصرٍ‭ ‬يتبع‭ ‬للحاكم‭ ‬سنحاريب،‭ ‬سادس‭ ‬حاكمٍ‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الآشورية‭ ‬الحديثة‭.‬

وفي‭ ‬القصر‭ ‬عُثر‭ ‬على‭ ‬مكتبة‭ ‬آشوربانيبال‭ ‬الشهيرة‭ (‬حفيد‭ ‬سنحاريب‭)‬،‭ ‬وعاش‭ ‬آشوربانيبال‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬وأرسل‭ ‬لايارد‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬1850م‭ ‬و1853م‭ ‬مجموعةً‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬الطينية‭ ‬إلى‭ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬وهذه‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬انطلاقة‭ ‬لما‭ ‬عُرف‭ ‬بعلم‭ ‬الآشوريات‭ ‬المعنية‭ ‬بدراسة‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تدوينه‭ ‬بالخط‭ ‬المسماري‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬دونت‭ ‬فيها‭. ‬

بعدها‭ ‬تمكن‭ ‬الخبير‭ ‬البريطاني‭ ‬جورج‭ ‬سميث‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬وفي‭ ‬يومٍ‭ ‬ما‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬يطلع‭ ‬على‭ ‬مجموعةٍ‭ ‬منها‭ ‬إذ‭ ‬به‭ ‬يُمزق‭ ‬ثيابه‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬فرحه‭ ‬وذهوله‭ ‬بعد‭ ‬اكتشافه‭ ‬أمرا‭ ‬عظيما‭ ‬في‭ ‬أحدها‭ ‬يعود‭ ‬تحديدًا‭ ‬إلى‭ ‬ملحمة‭ ‬جلجامش‭ ‬ويتعلق‭ ‬بذكر‭ ‬الملحمة‭ ‬طوفانا‭ ‬عظيما‭ ‬حل‭ ‬عليهم‭.‬

كما‭ ‬قام‭ ‬هُرمز‭ ‬رسام‭ ‬بعدة‭ ‬اكتشافاتٍ‭ ‬مهمةٍ‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النطاق،‭ ‬وأرسل‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬اللوائح‭ ‬إلى‭ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬فيما‭ ‬نُشرت‭ ‬أول‭ ‬ترجمةٍ‭ ‬للملحمة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1930م‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الباحث‭ ‬وعالم‭ ‬الآثار‭ ‬البريطاني‭ ‬ريجاند‭ ‬كامبل‭ ‬تومسن‭. ‬

وبين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬يتم‭ ‬إعادة‭ ‬ترجمة‭ ‬الملحمة‭ ‬وتنقيحها‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أحدث‭ ‬الاكتشافات‭ ‬الأثرية،‭ ‬ويوجد‭ ‬اليوم‭ ‬نحو‭ ‬266‭ ‬مصدرًا‭ ‬للملحمة،‭ ‬وعُرفت‭ ‬الملحمة‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬استكشافها‭ ‬بمسمًى‭ ‬آخر‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬هو‭ ‬من‭ ‬سبر‭ ‬أغوار‭ ‬الأعماق‮»‬،‭ ‬والمقصود‭ ‬فيها‭ ‬جلجامش‭ ‬نفسه‭. ‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الملحمة‭ ‬فهي‭ ‬تستعرض‭ ‬مغامرات‭ ‬البطل‭ ‬جلجامش،‭ ‬وكيف‭ ‬سعى‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الخلود‭ ‬الأبدي‭ ‬وفشله‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المهمة،‭ ‬وتذكر‭ ‬الملحمة‭ ‬الشعرية‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬أن‭ ‬جلجامش‭ ‬قد‭ ‬اشتُهر‭ ‬عنه‭ ‬جبروته‭ ‬وغطرسته،‭ ‬فشاءت‭ ‬المعبودات‭ ‬كبح‭ ‬جماحه،‭ ‬فأقدمت‭ ‬المعبودة‭ ‬آرورو‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬خصمٍ‭ ‬له‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬المدينة‭ ‬عُرف‭ ‬باسم‭ ‬إنكيدو،‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬بين‭ ‬الحيوانات‭ ‬والأرواح‭ ‬المتوحشة‭ ‬والشريرة‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬امرأةٌ‭ ‬بإغواء‭ ‬إنكيدو‭ ‬حدث‭ ‬تغيرٌ‭ ‬هائلٌ‭ ‬في‭ ‬شخصه‭ ‬فهجرته‭ ‬الوحوش‭ ‬والحيوانات،‭ ‬هنا‭ ‬قرر‭ ‬إنكيدو‭ ‬دخول‭ ‬أسوار‭ ‬مدينة‭ ‬أوروك،‭ ‬وهذه‭ ‬عبارةٌ‭ ‬عن‭ ‬انتقاله‭ ‬من‭ ‬العشوائية‭ ‬إلى‭ ‬التحضر‭ ‬والحياة‭ ‬المدنية،‭ ‬وعند‭ ‬دخوله‭ ‬المدينة‭ ‬وقعت‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬جلجامش‭ ‬مواجهةٌ‭ ‬فدب‭ ‬شجارٌ‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬انتهى‭ ‬بانتصار‭ ‬جلجامش‭ ‬بشق‭ ‬الأنفس‭ ‬على‭ ‬إنكيدو‭. ‬

تكونت‭ ‬بعدها‭ ‬صداقةٌ‭ ‬بين‭ ‬الشخصيتين،‭ ‬فقررا‭ ‬خوض‭ ‬مغامرةٍ‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬وحش‭ ‬غابة‭ ‬شجر‭ ‬الأرز‭ ‬الذي‭ ‬عُرف‭ ‬باسم‭ ‬خومبابا‭ ‬أو‭ ‬هومبابا،‭ ‬وقد‭ ‬تمكن‭ ‬الاثنان‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الوحش‭ ‬المذكور،‭ ‬الذي‭ ‬طلب‭ ‬منهما‭ ‬الرحمة‭ ‬بروحه‭ ‬فرفضا‭ ‬طلبه‭ ‬فلعنهما‭ ‬وقتلاه‭.‬

أُعجبت‭ ‬المعبودة‭ ‬عشتار‭ ‬بجلجامش‭ ‬الذي‭ ‬طلبت‭ ‬الزواج‭ ‬منه‭ ‬فرفض‭ ‬البطل‭ ‬السومري‭ ‬طلبها،‭ ‬هنا‭ ‬ألحت‭ ‬عشتار‭ ‬على‭ ‬آنو‭ ‬زعيم‭ ‬المعبودات‭ ‬بمعاقبة‭ ‬الرفيقين،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬فسوف‭ ‬تصرخ‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتها‭ ‬صرخةً‭ ‬تُعيد‭ ‬للموتى‭ ‬الحياة‭ ‬ليُسلطوا‭ ‬على‭ ‬الخليقة‭ ‬ليأكلوهم‭. ‬

بعدها‭ ‬تم‭ ‬تسليط‭ ‬ثور‭ ‬الجنة‭ -‬كما‭ ‬يزعمون‭- ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬لقتل‭ ‬الناس‭ ‬وتدمير‭ ‬المحاصيل‭ ‬كعقوبةٍ‭ ‬لجلجامش،‭ ‬فواجه‭ ‬جلجامش‭ ‬وإنكيدو‭ ‬الثور‭ ‬فقتلاه‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬المدينة،‭ ‬وجاء‭ ‬أمر‭ ‬المعبودات‭ ‬بقتل‭ ‬واحدٍ‭ ‬من‭ ‬الرفيقين،‭ ‬فوقع‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬إنكيدو،‭ ‬وتم‭ ‬لهم‭ ‬ذلك،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دب‭ ‬به‭ ‬المرض‭ ‬وتوفي‭ ‬فأرسلت‭ ‬روحه‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬السفلي،‭ ‬حزن‭ ‬جلجامش‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬برفيقه،‭ ‬ولم‭ ‬يرض‭ ‬أن‭ ‬يُصدق‭ ‬الأمر‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عدة‭ ‬أيامٍ‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬توفي،‭ ‬فقرر‭ ‬المُضي‭ ‬قدمًا‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬سبيلٍ‭ ‬للخلود،‭ ‬فجاب‭ ‬البراري‭ ‬وهذا‭ ‬مؤشرٌ‭ ‬لتركه‭ ‬الحياة‭ ‬الحضرية‭ ‬وانتقاله‭ ‬إلى‭ ‬العشوائية‭. ‬

جاب‭ ‬جلجامش‭ ‬أطراف‭ ‬الأرض‭ ‬وأنفاقها‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مكانٍ‭ ‬التقى‭ ‬فيه‭ ‬بحكيمةٍ‭ ‬عُرفت‭ ‬باسم‭ ‬سيدوري،‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬غير‭ ‬مُخلدين،‭ ‬وأن‭ ‬عليه‭ ‬الكف‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬فرفض‭ ‬جلجامش‭ ‬الاستسلام،‭ ‬فأرشدته‭ ‬سيدوري‭ ‬إلى‭ ‬شخصٍ‭ ‬حكيمٍ‭ ‬يُدعى‭ ‬أوتنابيشتيم،‭ ‬الذي‭ ‬يقبع‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬مكانٍ‭ ‬يعتقد‭ ‬مجموعةٌ‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬أنه‭ ‬دلمون،‭ ‬وقد‭ ‬خُلد‭ ‬هو‭ ‬وزوجته،‭ ‬وعُرف‭ ‬عنه‭ ‬صناعته‭ ‬سفينة‭ ‬بأمرٍ‭ ‬من‭ ‬المعبودات‭ ‬للنجاة‭ ‬من‭ ‬الطوفان‭. ‬

كما‭ ‬أخبرته‭ ‬أنه‭ ‬يُمكنه‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصٍ‭ ‬يُدعى‭ ‬أورشنابي،‭ ‬وهو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬أوتنابيشتيم‭ ‬عبر‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬فيما‭ ‬تمكن‭ ‬جلجامش‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أوتنابيشتيم‭ ‬الذي‭ ‬حثه‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬الكف‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬فأبى‭.‬

هنا‭ ‬أخبر‭ ‬أوتنابيشتيم‭ ‬جلجامش‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬مقاومة‭ ‬النوم‭ ‬عدة‭ ‬أيامٍ‭ ‬فلعل‭ ‬المعبودات‭ ‬ستهبه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الخلود،‭ ‬ففشل‭ ‬جلجامش‭ ‬في‭ ‬المهمة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أخبره‭ ‬الحكيم‭ ‬عن‭ ‬زهرة‭ ‬الخلود‭ ‬المغروسة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬منحه‭ ‬الخلود‭ ‬الأبدي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬ما‭ ‬عثر‭ ‬عليها‭. ‬

تمكن‭ ‬جلجامش‭ ‬من‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الزهرة،‭ ‬التي‭ ‬سرقتها‭ ‬منه‭ ‬الأفعى‭ ‬فتبدل‭ ‬جلدها‭ -‬أي‭ ‬أن‭ ‬الزهرة‭ ‬كانت‭ ‬ستهبه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتمناه‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الأسطورة‭- ‬فيما‭ ‬تذكر‭ ‬المنقبة‭ ‬الهولندية‭ ‬الدكتورة‭ ‬إليزابيث‭ ‬سي‭. ‬أل‭. ‬ديورنغ‭ ‬كاسبرس‭ ‬الآتي‭: ‬‮«‬وكانت‭ ‬دلمون‭ ‬الوجهة‭ ‬النهائية‭ ‬للبطل‭ ‬شبه‭ ‬المعبود‭ ‬جلجامش،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ (‬النبتة‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ستُريحه‭ ‬في‭ ‬مشواره‭ ‬الأخير‭ ‬كإنسانٍ‭ ‬يموت‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬في‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬ندوة‭ ‬الدراسات‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬المرجان‭ ‬واللؤلؤ‭ ‬وتجارة‭ ‬الخليج‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1983م‭.‬

هنا‭ ‬وصل‭ ‬جلجامش‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬الموت،‭ ‬ورجع‭ ‬إلى‭ ‬مدينته‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬يُصبح‭ ‬حاكمًا‭ ‬عادلًا‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭. ‬وتُشير‭ ‬الملحمة‭ ‬في‭ ‬نهايتها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أبرز‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬جلجامش‭ ‬هي‭ ‬أسوار‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬شيدها،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المرء‭ ‬يترك‭ ‬وراءه‭ ‬أثرًا‭ ‬ماديًا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مادي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الأزمنة‭ ‬وهذه‭ ‬وسيلةٌ‭ ‬للخلود،‭ ‬وقد‭ ‬قرر‭ ‬جلجامش‭ ‬تدوين‭ ‬حكايته‭ ‬ليقوم‭ ‬الجميع‭ ‬بقراءتها‭ ‬والعظة‭ ‬منها‭. ‬

 

{ المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬بمركز‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‭ ‬والطاقة‭ ‬‮«‬دراسات‮»‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا