في عام 2001 صدر أول ترخيص رسمي لتأسيس أول جامعة خاصة في البحرين، ليشهد قطاع التعليم العالي الخاص منذ ذلك الحين تطورات ونموا مستمرا، وباتت المملكة تحتضن اليوم 14 جامعة خاصة تقدم مختلف البرامج والتخصصات والمنتجات الأكاديمية.
في الوقت الذي تلعب فيه الجامعات الخاصة دورا محوريا في رفع الأداء الأكاديمي وتطوير الخدمات التعليمية لا يمكن أن نغفل ان أداء بعض الجامعات الخاصة لدينا شابها الكثير من الملاحظات المتعلقة بالجودة وجدية العملية التعليمية، بل ووصفت بعضها بمتاجر لبيع الشهادات، وسحبت دول شقيقة الاعتراف من الجامعات الخاصة بالبحرين. وهنا كان مجلس التعليم العالي بالمرصاد، وعمل بشكل مدروس لتعديل الأوضاع ومنح الفرص للتصحيح.. أو الاغلاق.
ليبقى السؤال: هل تخلصت جميع الجامعات الخاصة من تلك الشبهات؟ ام ما زال البعض يعاني منها خلف الكواليس؟
الغريب أننا وخلال اعدادنا لهذا الموضوع رفضت بعض الجامعات المشاركة او الإجابة عن هذا التساؤل وفضلت الحديث عن إنجازاتها هي! فيما رحبت جامعات أخرى مشكورة بالمشاركة، وهو ما يعكس ثقتها بنفسها.
من القصص الغريبة التي مرت علينا ان تقوم جامعة خاصة بفصل أستاذ بسبب تجاوزات وسلوكيات غير سوية وطلب رشاوى ومساعدات من الطلاب. وبعد مدة يتلقى رئيس الجامعة اتصالا من جامعة أخرى يسألون عن هذا الأستاذ. فأخبرهم بسبب الفصل، وحذرهم من التعامل معه. وكانت المفاجأة، ان تم تعيين ذلك الأستاذ رئيسا للقسم في الجامعة الأخرى.
أستاذ آخر، طلب من طالبة ماجستير عنده ان تعد بحثا حول موضوع معين، ووعدها بنشره في مجلة علمية محكمة في دولة الكويت الشقيقة. وبالفعل اشتغلت الطالبة بجد على البحث مدة ستة أشهر. وسلمته إلى الأستاذ (القدوة). لتبدأ بعدها سلسلة المتابعات معه والتساؤلات عن موعد نشر البحث. وبعد أشهر صدمت الطالبة بأن البحث منشور فعلا في المجلة الكويتية، لكن باسم الدكتور وليس باسمها. وعندما راجعته نهرها وطردها من المكتب، من دون ان يبرر موقفه!. وهي تتساءل: هل هذه اخلاقيات أستاذ جامعي في التعليم العالي؟
أحد الطلاب أكد لنا ان لديهم أستاذة اسيوية، تأخذ هدايا رمزية مقابل 5-10 درجات إضافية للنجاح. وقد استفاد من هذا العرض الكثير من الطلاب خاصة فترة الجائحة!.
فيما أقر طلاب بإحدى الجامعات ان أستاذ مادة الرياضيات يمر عليهم واحدا واحدا ويعطيهم الإجابات في الامتحان، إلى حد أن حصل احد الطلاب على درجة كاملة وهو يعترف ان الفضل في ذلك إلى الأستاذ!.
القصص كثيرة ومتكررة، وبالمقابل تحدثنا إلى طلاب في جامعات خاصة أخرى، وكان الخبر المبهج تأكيدهم أن النظام صارم ولا تلاعب في الدرجات او الاختبارات ولا تهاون مع الغياب.
وهنا نعود إلى مقدمة حديثنا، إلى أي مدى ساهمت الجامعات الخاصة بالارتقاء بالتعليم العالي في البحرين؟ وبالمقابل إلى أي مدى استطاعت ان تتخلص من تلك الصورة السلبية التي لاحقتها في البداية والتي كانت سببا في الغاء بعض دول الجوار الاعتراف بشهادات الجامعات الخاصة البحرينية؟. والامر الذي لا يقل أهمية هو لماذا مازلنا عاجزين حتى الآن عن تسويق الجامعات الخاصة والاستثمار فيها؟ فوفقا لتقرير ديوان الرقابة المالية الذي صدر بداية هذا الشهر (نوفمبر 2023) فإن مجلس التعليم العالي لم يقم بأي اجراء ملائم لتنفيذ برنامج عمل الحكومة فيما يتعلق بالترويج لقطاع التعليم العالي وتشجيع الاستثمار فيه.
الجودة هي الرهان
الجامعة الأهلية هي أول جامعة خاصة أسست في البحرين، وكانت هي محطتنا الأولى لنقاش موضوعنا هذا، حيث التقينا المؤسس ورئيس مجلس الأمناء البروفسور عبدالله الحواج لنسأله عن مسيرة الجامعات الخاصة في البحرين.
وهذا ما أجاب عليه بقوله: بلا شك يمثل التعليم العالي المتميز مطلبا أساسيا إذا ما أردنا أن نكون جزءا من التطور الحضاري. وهنا يمكنني القول انه منذ تأسيس التعليم العالي الخاص في البحرين وانطلاق الجامعة الأهلية قبل 22 عاما، وعلى الرغم من كل الصعوبات والتحديات والسلبيات التي واجهناها في هذا الطريق، إلا ان التعليم العالي الخاص بلغ مستويات عالية وهو في وضع أفضل بكثير مما كان عليه في السنوات الأولى. كما بدأت الصورة تتغير تماما، بحيث بات ينظر إلى البحرين بأنها جادة في تطوير التعليم العالي وان هناك جامعات خاصة وصلت إلى مستويات اكاديمية متقدمة بل وتنافس بعض الجامعات الخاصة جامعات عالمية. وحتى منظومة التعليم العالي بشكل عام أصبحت أكثر وضوحا وتنسيقا وتكاملا، بما في ذلك مجلس التعليم العالي وهيئة ضمان الجودة والإطار الوطني للمؤهلات وغيرها.
* بعد هذا المشوار لأكثر من عقدين، ماذا اضافت هذه الجامعات للتعليم العالي؟
** أضافت الكثير، فمن جانب أصبح لدى المواطن والمقيم خيارات أكبر سواء من حيث الجامعات او التخصصات بعد ان كان الخيار منحصرا في بوتقة واحدة. والأمر الآخر ان بعض الجامعات الخاصة تتمتع بعلاقات ممتازة مع جامعات عالمية، وهذا ما يعني تبادل الخبرات الامر الذي ينعكس على تطوير منظومة التعليم العالي. أضف إلى ذلك انه بات للبحرين وجود في قاعدة البيانات المتعلقة بالبحث العلمي. ثم ان التعليم العالي أضاف جودة للتعليم وللمخرجات بشكل عام.
* لا ننكر ذلك، ولكن ألم تواجه بعض هذه الجامعات مشكلات كبيرة في السنوات الأولى خاصة فيما يتعلق بالجودة؟
** لا يمكن ان ننكر وجود حديث عن هذا الامر في فترة من الفترات، ولكني بنفس الوقت أؤكد ان الوضع حاليا أفضل بكثير من السابق، ولدينا أجهزة رسمية ممتازة في ضبط المنظومة التعليمية وتقييم برامج الجامعات ونظمها.
ثم أن هذه المشكلة ليست حصرية في جامعاتنا وانما في جميع الدول. فكل تجربة تمر بتحديات وعقبات ثم تنهض وتتطور. ومن لا يتجاوز هذه العثرات لا يمكنه الاستمرار لان الطالب والمجتمع وسوق العمل يعرفون الجامعات الجادة والصادقة والمتطورة.
وانا على يقين الآن بأن الجامعات الخاصة على وعي بأن أسوأ ما تتعرض له هو إيقاف أحد برامجها عندما يثبت عدم الجودة. فهذه كما ذكرت تعتبر مرحلة سيئة في تاريخ أي جامعة. لذلك يجب ان تكون الجهود متكاملة لعلاج أي مشكلة، ما يعني أنه من الخطأ ان نلجأ إلى سياسة نشر الغسيل، وخطأ جامعة ما يجب الا يستغل بالإساءة إلى المنظومة التعليمية ككل، لأننا كلنا في بوتقة واحدة، وفي حال وجود أي خطأ يجب ان توجه الجامعة لإصلاح الخطأ وليس بالتشهير بها.
وبنفس الوقت لابد ان تعي الجامعات أن الرهان في النجاح والمنافسة هو جودة التعليم، وهو ليس خيارا وانما واجب يفرضه الواقع. وآخر ما نتمناه هو أن يتحول التعليم إلى عملية بيع شهادات.
ولكن بالمقابل لابد ان يكون لدى الجهات المعنية قناعة بأن تعطى هذه الجامعات مساحة أكبر من الاستقلالية في إدارة برامجها ونظمها الاكاديمية في حدود القانون ومعايير الجودة، وهذا ما يشمل التوظيف واختيار الكوادر الاكاديمية وتنظيم الأنشطة وغيرها. فالعلاقة بين الجهات الرسمية والجامعات الخاصة يجب ان تكون علاقة مراقبة وليس جهة مشغلة. وللأمانة نحن نتجه في هذا الاتجاه فعلا.
* إلى جانب التطوير والارتقاء بالجودة، ما هي أهم التحديات التي تواجهكم في هذه المرحلة؟
** هناك تحديات عديدة، ولكن في اعتقادي ان أهمها هو العدد. فالجامعات تحتاج إلى وقود كي تستمر في تطوير برامجها وتنجح في خططها. وهذا ما يعني ان يكون العدد متناسبا مع الطاقة الاستيعابية لكل جامعة.
وعندما ننظر إلى البحرين، نجد ان هناك حوالي 14 جامعة خاصة و3 جامعات حكومية، وما نحتاجه هو وجود توازن بين القطاعين العام والخاص، وأن تعمل الجهات الرسمية في نفس الإطار لتسويق الجامعات الخاصة. فالتعليم العالي (الدولي) يمكن ان يلعب دورا هاما في دعم الاقتصاد الوطني. وهذا ما شاهدته مثلا في استراليا التي تدخل مليارات الدولارات من التعليم العالي الدولي. ويمكن للبحرين بموقعها ومميزاتها وبناها التحتية المتكاملة والتشريعات المتطورة أن تلعب دورا جيدا في هذا الجانب وأن تكون مطلبا للتعليم العالي خاصة من قبل اشقائنا في دول مجلس التعاون.
ولكن للأسف يمكنني القول أنه على الرغم من اننا في وضع جيد جدا فيما يتعلق بمستوى التعليم العالي ولكننا في وضع صعب جدا فيما يتعلق بأعداد الدارسين. فمثلا جامعة البحرين والبوليتكنك تستقبل سنويا حوالي 10 الاف طالب. فماذا تبقى للجامعات الـ 14 جامعة خاصة؟.
* هل افهم من ذلك ان الترخيص لهذا العدد من الجامعات لم يكن بالخطوة الموفقة؟
** لا أقول ذلك، ولكن ربما كان التعامل مع هذا الأمر من منطق الاقتصاد الحر، بحيث يسمح للمشاريع بان تنطلق ويكون البقاء للأفضل والأكثر قدرة على التطور. ولكني في رأيي الشخصي ان هذا الأمر ليس صحيحا لأنه لا يمكن التعامل مع التعليم العالي كمشروع تجاري، فهو استثمار مكلف، والفائدة الحقيقية ليست العائد في نهاية السنة وإنما تخريج مهندس جيد ومحاسب متميز وطبيب متمكن.
* منذ سنوات طويلة وانت شخصيا تنادي بالسياحة التعليمية، ولا نجد تطورا في هذا الجانب. أين المشكلة؟
** هذا سؤال هام، فهناك فرص كثيرة للاستثمار في هذا الجانب، ولكننا لا نستثمرها. ولا أدرى السبب. هل لأننا نعمل بشكل منفرد؟ أحيانا نجد جهودا في هذا الجانب ولكنها سرعان ما تتوقف. ومجلس التنمية الاقتصادية يهتم بالاستثمارات، ومؤخرا بدأ يلتفت إلى الاستثمار في التعليم، ولكن نحتاج إلى خطط أكثر جرأة وجدية تنطلق من الايمان التام بأهمية السياحة التعلمية والصحية.
تخطينا مرحلة التجاوزات
من الجامعة الأهلية انتقلنا إلى جامعة البحرين للتكنولوجيا وهي من أوائل الجامعات الخاصة في البحرين. وكان لقاؤنا مع رئيس الجامعة الدكتور حسن الملا، وأول تساؤلاتنا له: إلى أي مدى استطاعت جامعة البحرين للتكنولوجيا أن تستثمر في تطوير التعليم العالي بالبحرين.
في الواقع - يجيبنا رئيس الجامعة - بعد استحواذ مجموعة «جي أف أتش» المالية ومجموعة من الشركاء الاستراتيجيين على الجامعة، أصبحت جامعة البحرين للتكنولوجيا مؤسسة تعليمية بحرينية بالكامل. ووضع مجلس الإدارة خطة واضحة لتطوير الجامعة منذ يناير 2021. وركزت الخطة على عدة محاور أهمها:
- تطوير البرامج الاكاديمية واستحداث برامج جديدة تواكب التطورات مع مراجعة البرامج القائمة للتأكد من تلبيتها احتياجات سوق العمل.
- تطوير الكادر الأكاديمي.
- تطوير الحرم الجامعي والمرافق والخدمات الطلابية والأنظمة الإلكترونية والمعلوماتية وتطوير مركز عالمي للرياضات المائية وغيرها من المرافق.
- تطوير الحوكمة والإدارة.
ومع تطوير هذه الجوانب شهدت الجامعة استثمارات وتطورات كبيرة بوقت قياسي، وحصلنا على اعتمادات دولية لبرامجنا. والحق يقال ان وزير التربية ومجلس التعليم العالي كانوا الداعم الأكبر لنا.
* من المبشر ان نشهد هذا التطور في جامعاتنا الخاصة بالمملكة، ولكن السؤال هنا ماذا اضافت هذه الجامعات للتعليم العالي بشكل عام؟
** هناك الكثير من الجوانب التي لعبت فيها هذه الجامعات الخاصة أدوارا بارزة. وفي مقدمة ذلك دعم الاقتصاد الوطني من خلال المخرجات البشرية الكفؤة. فعندما تنظر إلى الشركات وكبريات المؤسسات في مختلف القطاعات تجد ان نسبة كبيرة من قياداتها متخرجة من الجامعات الخاصة.
الأمر الثاني هو أن الجامعات الخاصة وفرت تخصصات نوعية تجاري متطلبات سوق العمل، وخلقت تنوعا في التخصصات والخيارات، وبل وأصبح بعضها متخصصا في مجالات معينة كما هو الحال بالنسبة لنا في جامعة البحرين للتكنولوجيا التي تركز على تخصصات التكنولوجيا. وهذا ما يتيح خيارات متعددة امام الطلبة، وبنفس الوقت يخلق نوعا من التنافس على جودة التعليم.
كما ان وجود هذه الجامعات أثرى الحركة الثقافية والبحثية بالمملكة، ووضعت الجامعات لنفسها بصمات بارزة في خدمة المجتمع.
وبنفس الوقت ساهمت الجامعات الخاصة في تخفيف العبء على الجامعات الحكومية. ولا تنسى هنا ما تتميز به هذه الجامعات من مرونة في الدراسة والدوام، الامر الذي أتاح الفرصة للموظفين لمواصلة تعليمهم سواء الجامعي الأساسي أو الدراسات العليا.
أضف إلى ما سبق ما نشهده من تحالفات بين الجامعات الخاصة مع جامعات عالمية مرموقة، ما يعتبر إضافة نوعية لتطوير التعليم العالي تساهم في استقطاب الطلاب من الخارج.
* اسمح لي أن أتحدث بصراحة في هذا الجانب. ألم تكن أعداد الطلاب غير البحرينيين أكبر في السنوات الأولى لتأسيس الجامعات الخاصة؟ ولكن تقلص العدد بعد بروز مشكلات في (بعض) الجامعات أو سحب الاعتمادية والاعتراف من بعض الدول؟
** لا ننكر ذلك، ولكن لنكن منصفين ولا نقسوا على جامعاتنا، فعمر الجامعات الخاصة لا يتجاوز العقدين من الزمن، وهي فترة لا يمكن اعتمادها للحكم على الجامعات، فعمر الجامعات المعروفة على مستوى العالم يمتد إلى قرون.
وبالتالي من الطبيعي ان تكون هناك أخطاء في بداية المشوار، وما أشرت اليه من وجود عثرات أمر طبيعي. ولكني أؤكد لك ان ذلك الوضع لا يمكن ان يتكرر اليوم، وقد تخطينا تلك المرحلة تماما لأسباب منها قيادة مجلس التعليم العالي والضوابط التي يضعها، وقدرة الجامعات الخاصة على تجاوز اخطائها وتطوير جودتها، فالمعيار هنا هو مدى قدرة هذه الجامعات على سرعة التطور وتلافي هذه المشكلات وتحقيق المعايير الدولية. بل أن الإنجازات التي حققتها خلال هذه المدة القصيرة كبيرة جدا ونجحت في خلق صورة إيجابية وثروة علمية وثقافية للبحرين.
وهنا لابد من الإشارة إلى مسألة هامة هي لأن ما نشهده من تحالفات بين الجامعات الخاصة مع جامعات عالمية مرموقة بحد ذاته يعكس قوة هذه الجامعات. لأنه لا يمكن لجامعة مرموقة حريصة على سمعتها أن تعقد شراكة مع جامعة أخرى إلا إذا كانت على ثقة بجودتها وقوة برامجها. فعلى سبيل المثال بعد التطوير الذي شهدته برامجنا الأكاديمية في جامعة البحرين للتكنولوجيا، عقدنا تحالفات مع جامعات عالمية عريقة مثل الجامعة الأمريكية بواشنطن دي سي. كما ان برامجنا معتمدة عالميا من ABET (مجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا بالولايات المتحدة)، وكذلك اعتمادات المجلس الأوروبي، ونحن بصدد الحصول على اعتمادات علمية أخرى مثل AACSB (اعتماد خاص بكليات إدارة الأعمال في الجامعات العالمية).
الخلاصة ان جامعاتنا الخاصة تخلصت من ذلك الوضع وباتت اليوم تتمتع ببيئة تعليمية راقية، بدليل ان المملكة العربية السعودية مثلا صنفت الجامعات الخاصة في البحرين ضمن الجامعات الموصى بها. وكل ذلك جاء نتيجة استثمارات هائلة لتطوير التعليم العالي الخاص.
* بالمقابل ما هي أبرز التحديات التي تواجهها هذه الجامعات لاسيما في تحقيق أهدافها التعليمية؟
** ربما تمثل الاستدامة المالية أحد أبرز التحديات. فالجامعات الخاصة تعتمد في ميزانيتها بشكل أساسي على أعداد الطلبة، وأي انخفاض في الاعداد يعني انخفاضا في المدخول، وبالتالي تتأثر قدرة الجامعة على التطوير بشكل عام. وقد واجهت الجامعات الخاصة مشكلة في هذا الجانب خلال السنوات الماضية خاصة مع الجائحة والمشاكل الاقتصادية في العالم ككل.
ومن التحديات كذلك استقطاب الطلبة من خارج البحرين. فعدد سكان البحرين محدود، وهناك فرص لاستقطاب الطلاب الخليجيين بشكل خاص، لاسيما من السعودية. فمثلا في جامعتنا قمنا بربط نظام الطلبة بجسر الملك فهد، بحيث يبين النظام مباشرة ان المسافر طالب، وبالتالي يمكنه استخدام المسار السريع ويحصل على التخفيض. وفترة عبور الجسر والوصول إلى الجامعة لا تتجاوز نصف ساعة. وبالتالي هناك فرص، وما نحتاجه هو خطة وطنية للاستثمار في التعليم وزيادة عدد الطلبة غير البحرينيين خاصة وان البحرين تمتلك جميع المقومات لاستقطاب طلاب الجامعات.
ومن التحديات أيضا تحقيق الأهداف التعليمية، والتحدي يكمن هنا في أن هذه الأهداف متحركة وليست ثابتة. فمثلا من مهام الجامعة تزويد سوق العمل بكوادر مؤهلة تدعم مختلف القطاعات، وإذا شهد أي قطاع تطورا متسارعا، فإن الجامعة لا يكفي ان تواكب هذا التغير، بل ينتظر منها أن تسبقه بخطوات.
ارتباطات دولية
محطتنا الثالثة كانت في الجامعة العربية المفتوحة، وهي من الجامعات المؤسسة للتعليم العالي الخاص في البحرين. وفي حرم الجامعة كنا في ضيافة رئيسها الدكتور غرم الله بن عبدالله الغامدي، الذي مهد لحديثه بالتأكيد على أن الجامعات الخاصة في أي بلد تعتبر رافدا أساسيا وحيويا للتعليم العالي بل وتقود مسيرة هذا التعليم في الكثير من الدول. وساق على ذلك مثالا بجامعة هارفارد العريقة التي تعتبر جامعة خاصة، وهي في صدارة الجامعات بالعالم.
وأضاف: من هذا المنطلق يمكن التأكيد على أن الجامعات الخاصة في البحرين أضافت الكثير لمسيرة التعليم العالي، وكل منها يعتبر رافدا هاما أضاف إلى التعليم العالي، لاسيما وان جميع هذه الجامعات تخضع لرقابة وأنظمة صارمة من قبل الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي. كما أن معظم هذه الجامعات لديها ارتباطات دولية من خلال شراكات واستضافات برامج، كما هو الحال بالنسبة لنا في شراكتنا مع الجامعة البريطانية المفتوحة، وهذا ما أثمر في ادخال تخصصات هامة يحتاجها سوق العمل مثل الامن السيبراني والتقنية والذكاء الاصطناعي وغيرها.
* في رأيك ما هي أبرز التحديات التي تواجهها الجامعات الخاصة والتي تحد من تحقيق أهدافها؟
** يمكنني القول إن الجامعات الخاصة في البحرين وصلت إلى أهدافها التعليمية بشكل عام، ولكن ربما تبقى هناك إشكاليات تحد من التوسع في تحقيق هذه الأهداف، ومن ذلك العوائق المالية التي تمثل تحديات رئيسية. وهذا ما يرتبط بعدة عوامل منها عدد الطلاب. فمثلا حدد مجلس التعليم العالي وكإجراء تنظيمي سقفا لعدد الطلاب في كل جامعة حتى يضمن عدالة التوزيع بين الجامعات في بلد محدود العدد السكاني.
وفي حين انه كلما ارتفع عدد الطلاب في أي جامعة كلما ارتفع المدخول، فإن الجامعة التي لا تحقق نسبة مقبولة من الطلاب (قد) تتعرض إلى خسارة مالية، وهنا فإن التحدي يكمن في تحقيق الموازنة بين العوائد وبين ألا يكون الهدف ربحيا.
* هل استشف من ذلك ان عدد الجامعات الخاصة في البحرين يفوق طاقة واحتياجات السوق؟
** الأمر يعتمد على التخصصات التي تطرحها هذه الجامعات. فإذا تميزت كل جامعة بتخصصات مختلفة فإنها تمثل إضافة هامة. ولكن لو كانت التخصصات متكررة ومتشابهة بين الجامعات هنا قد تبرز مشكلة العدد لأنها ستتحول إلى نسخ مكررة.
ويمكنني تأكيد أن الكثير من الجامعات الخاصة تقدم برامج متميزة ومختلفة. فمثلا في الوقت الذي لدينا في الجامعة العربية المفتوحة تخصصات موجودة في الجامعات الأخرى، فإننا نقدم تخصصات كثيرة خاصة تلبي احتياجات سوق العمل مع التركيز على نوعية المخرج، وعلينا رقابة ليس فقط من مجلس التعليم العالي وانما من شريكنا الاستراتيجي وهو الجامعة البريطانية المفتوحة.
* بصراحة، هل استطاعت الجامعات الخاصة في البحرين أن تتخلص من تلك الصورة السلبية التي ظهرت في السنوات الأولى لها بسبب تساهل (بعض) هذه الجامعات؟
** شخصيا لا اعرف الجامعات التي أشرت اليها، حيث انتقلت إلى البحرين لرئاسة الجامعة العربية المفتوحة في سبتمبر 2019، وقد سمعت عن بعض هذه المشاكل، وما اعرفه هو أن مثل هذه الجامعات أغلقت ولم تستمر.
نعم ربما في البدايات ظهرت بعض المشاكل بسبب نقص الخبرة أو عدم وجود متخصصين بشكل كاف، ولكن في اعتقادي أن جميع الجامعات الخاصة بالبحرين تجاوزت هذا الأمر. وما أستطيع أن أجزم به الآن هو أن هناك نوعية مخرجات متميزة للجامعات الخاصة في المملكة، ومجلس التعليم العالي يعتبر نقطة قوة وزخم لهذه الجامعات، بل هو شريكنا الاستراتيجي في هذا الجانب.
ليس هذا فحسب بل ان الكثير من الجامعات الخاصة تخضع لتقييمات من جامعات عالمية. ودعني هنا اسوق لك مثالا وهو انه لا يمكن ان تعتمد نتائج الجامعة العربية المفتوحة ما لم يوافق عليها ممتحنون خارجيون. حيث أن الاختبارات والتقييمات تتم بشكل متزامن تماما مع تسعة أفرع للجامعة في الوطن العربي وذلك لضمان جودة ونوعية المخرج. ولا يتم اعتماد النتائج إلا عن طريق ممتحنين خارجيين من جامعات أخرى في بريطانيا مثل جامعة نوتنغهام وأكسفورد وستراثكلايد وجلاسكو ومانشستر وغيرها.
* في رأيك ما الذي يعيق جهود تعزيز السياحة التعليمية لاستقطاب طلاب من دول الجوار؟
** السياحة التعليمية جانب هام جدا. والأمر اجمالا يحتاج إلى خطة متكاملة للتسويق واستقطاب الطلاب من الدول الأخرى بعد الحصول على الموافقات اللازمة. وربما ما ينقصنا في المرحلة الحالية هو هذه الخطة. علما بأن استقطاب طلاب من خارج البحرين يجب الا يرتبط بالسقف الداخلي المحدد لقبول الطلاب المحليين طالما امتلكت الجامعة الإمكانيات الكافية.
* ماذا عن البحث العلمي؟ ألا تعتقد أن هذا الدور مازال شبه مغيب عند الجامعات الخاصة؟
** لا اعتقد انه مغيب، فرسالة أي جامعة تستند على ثلاثة أركان هي التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ووفقا لنظم مجلس التعليم العالي يجب ان تخصص كل جامعة 3% من ميزانيتها للبحث العلمي. ولدينا أساتذة نشطاء في اعداد البحوث العلمية التي تنشر في مجلات محكمة ومصنفة دوليا. ولكن ربما الإشكالية هو اننا مازلنا نطمح بكم ونوعية أفضل. ربما أن الكثير من الأساتذة يعتمدون على البحوث من اجل الترقيات، صحيح ان هذا جانب مهم، ولكننا بحاجة إلى أبحاث علمية تفيد المجتمع. وبالتالي أقول نعم لازال هناك قصور في جانب البحث العلمي على الرغم من تخصيص ميزانيات له، وما زلنا بحاجة إلى بحوث أكثر قوة ونفعا للمجتمع.
التعليم العالي
عقب جولتنا في بعض الجامعات الخاصة من الطبيعي ان نتوقف عند طرف أساسي وهو الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي، الجهة المعنية والمسؤولة عن الجامعات الخاصة في المملكة. وسؤالنا الأول هنا: ماذا أضافت الجامعات الخاصة للتعليم العالي بالبحرين؟
* نستطيع القول وبكل فخر أن مؤسسات التعليم العالي الخاصة تعمل إلى جانب نظيراتها من الجامعات الحكومية وكلاهما يقف على مسافة واحدة من تلبية الاحتياجات المتجددة للقطاعات الحيوية في سوق العمل، وفي تعزيز التعليم العالي وتحقيق التقدم المنشود لمسيرة التنمية الشاملة. ومن أبرز الإضافات النوعية التي أحدثتها مؤسسات التعليم العالي الخاصة:
- توسيع نطاق وصول الطلبة المحليين والإقليميين والدوليين إلى التعليم العالي، بسبب ما وصلت إليه مؤسسات التعليم العالي الخاصة من سمعة وحصولها على العديد من التصنيفات والاعتمادات الدولية.
- تعدد خيارات التعليم والتعلم من خلال مجموعة متنوعة من البرامج الأكاديمية النوعية مما يتيح للطلبة فرصا متنوعة تحقق تطلعاتهم المستقبلية.
- تعزيز التنافسية الإيجابية بين مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة.
- الشراكة المتينة مع القطاع الخاص وربط الحياة الأكاديمية بالصناعة، مما يفتح الآفاق أمام الطلبة للحصول على فرص التدريب الميداني واكتساب مهارات سوق العمل وزيادة فرص التوظيف وتبادل الخبرات.
- فتح آفاق أوسع للتعاون المشترك بين مؤسسات التعليم العالي الخاصة ونظيراتها العربية والدولية، وبيوت الخبرة العالمية.
- تعزيز البحث العلمي والابتكار على المستوى المحلي والإقليمي والدولي
- التنافسية العالمية لمؤسسات التعليم العالي الخاصة التي أثبتت قدرة أغلبها على المنافسة على المستوى العالمي. بالإضافة إلى حصولها على الاعتراف الإقليمي والدولي.
* بالمقابل هل هناك عثرات واخفاقات في مسيرة هذه الجامعات ولابد من التعامل معها؟
** أثبتت معظم مؤسسات التعليم العالي الخاصة وبحسب نتائج مراجعة البرامج الأكاديمية تحقيق أهدافها التعلمية المنشودة وتطوير جودة مخرجاتها، إلا أن هناك عددا من البرامج الأكاديمية المطروحة في عدد من المؤسسات التي تحتاج لمزيد من التطوير، ومن هذا المنطلق تأتي مراجعة السياسات والتشريعات المتعلقة بالتعليم.
وفي الواقع يولي مجلس التعليم العالي حوكمة قطاع التعليم العالي اهتماماً بالغاً، ويعمل على تعزيز الرقابة والإشراف على مؤسسات التعليم العالي الخاصة. كما أن البرامج الأكاديمية المطروحة تخضع لعدة مراجعات وتقييمات للتحقق من جودة تحقيقها للمعايير الأكاديمية والأهداف التعلمية المعتمدة في أطر المراجعة، وذلك من خلال:
- الدور الرقابي الذي يضطلع به مجلس التعليم العالي والتحقق من التزام الجامعات بقانون التعليم العالي واللوائح المنظمة وتحقيق المعايير الأكاديمية والأهداف التعلمية.
- البرامج الأكاديمية المستضافة من جامعات أجنبية مرموقة، مع إجراء تقييم دوري ومنتظم لهذه البرامج من قبل أكاديميين متخصصين ومعتمدين من الجامعة الأم.
- مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون الأكاديمي مع مؤسسات عالمية مرموقة لتبادل الأكاديميين والطلبة وإجراء البحوث العلمية المشتركة، وقياس جودة المخرجات، مما أسهم بشكل كبير في تحسين مخرجات التعلم العالي والبحث العلمي.
- الاعتماد الدولي للبرامج الأكاديمية، ما يعتبر اعترافا دوليا بجودة البرامج الأكاديمية المطروحة.
- التصنيف العالمي للجامعات. فتصنيف (3) مؤسسات تعليم عالٍ في مملكة البحرين ضمن التصنيف العالمي للجامعات يعتبر اعترافاً عالمياً بنظام التعليم العالي في مملكة البحرين.
- الزمالة الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي، في ضوء مذكرة التفاهم المبرمة بين مجلس التعليم العالي وأكاديمية التعليم العالي البريطانية.
* من خلال التقييم الدوري لأداء هذه الجامعات، ما هي أبرز المشكلات المتكررة التي تصادفونها؟.
** أظهرت نتائج المراجعة والتقييم لمؤسسات التعليم العالي الخاصة، وجود عدد من الجوانب التي تتطلب تحسينا لدى عدد من مؤسسات التعليم العالي الخاصة، ومن أبرزها بما يلي:
- فرص توظيف الخريجين، فقد تبين من نتائج تحليل البيانات والمعلومات حول توظيف الخريجين أن بعض مؤسسات التعليم العالي الخاصة تواجه صعوبات في توفير فرص التوظيف لخريجيها ومساعدتهم في الاندماج في سوق العمل.
- البحث العلمي والابتكار.
- عدد الطلبة الدوليين. حيث إن نسبة النمو في عدد الطلبة الدوليين الدارسين بمؤسسات التعليم العالي الخاصة ما زالت بحاجة للمزيد من التطوير عبر وضع آليات يعمل عليها المجلس حاليًا.
- التصنيف العالمي والاعتماد الدولي للجامعات، كما تم ذكره سابقًا، نعمل حاليًا على تشجيع مؤسسات التعليم العالي على طلب الإدراج على التصنيفات العالمية للجامعات وزيادة عدد الجامعات الحاصلين على اعتماد دولي. وعلى مؤسسات التعليم العالي الخاصة أن تعمل على تحسين مواقعها في التصنيفات العالمية المختلفة، لأن عدم مشاركة مؤسسة التعليم العالي الخاصة في التصنيفات العالمية واحراز مراتب متقدمة يضعها أمام تحديات كبيرة لكسب ثقة الطلبة وأولياء الأمور بتلك المؤسسة، واستقطاب الطلبة والأكاديميين والباحثين.
- معدلات استبقاء الطلبة على مقاعد الدراسة بمؤسسات التعليم العالي الخاصة، أظهرت نتائج قياس معدلات التخرج واستبقاء الطلبة على مقاعد الدراسة، أن نسبة الاستبقاء ما زالت بحاجة إلى تحسين، وذلك في إطار تقليل معدلات الهدر، وتحسين الكفاءة الداخلية لمؤسسات التعليم العالي الخاصة.
- أضف إلى ذلك أن مواكبة التقنية وتطوير الأطر والأنظمة الخاصة بالتعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد يعد تحديا آخر يتطلب التعامل معه.
* يرى البعض أن بعض جامعات خاصة في المملكة تركز على جذب أكبر عدد من الطلاب على حساب جودة التعليم والمخرجات، ما مدى صحة ذلك في رأيكم؟
لا نتفق مع هذا القول حيث لا يوجد ارتباط بين عامل أعداد الطلبة وعامل الجودة، بسبب وجود لوائح وتشريعات تنظم عمل مؤسسات التعليم العالي، ووجود تكامل بين عمل مجلس التعليم العالي وهيئة جودة التعليم والتدريب في الرقابة والإشراف على مؤسسات التعليم العالي، وقيام مؤسسات عالمية تمنح الاعتماد الدولي للبرامج الأكاديمية على مستوى العالم، بالتحقق من استيفاء مؤسسات التعليم العالي الخاصة للمعايير العالمية، كل هذه الممارسات تسهم في تقليل الفجوة في معامل الارتباط بين عدد الملتحقين بالتعليم العالي وبين جودة التعليم وينفي تلك التكهنات بأن مؤسسات التعليم العالي الخاصة تسعى لزيادة أعداد الطلبة بغض النظر عن جودة التعليم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك