تركزت الجلسة الثالثة من جلسات حوار المنامة على التهديدات التي تواجه العالم أمنيا وعسكريا، والبحث عن أفضل الاستراتيجيات العسكرية لمواجهة تلك التهديدات ودور التكنولوجيا الحديثة ونماذج الدفاع والتحديث، حيث قال الدكتور خالد البياري مساعد وزير الدفاع والشؤون التنفيذية في المملكة العربية السعودية إن السعودية رسمت خارطة طريق منذ أكثر من سبع سنوات نحو الطريق لتنمية وطنية مستقبلية مستدامة وخطت لها مسارا نهضويا طموحا تمثل في المشروع الوطني لرؤية المملكة 2030، مضيفا أن رؤية المملكة ترتكز على ثلاثة محاور هي: العمق العربي والاسلامي للمملكة، والرؤية الاستثمارية، والموقع الجغرافي، فيما تعتمد على محاور أساسية لتحقيق تلك الرؤية وهي: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، مؤكدا أنها محاور تتكامل مع بعضها البعض وتعظم الاستفادة من تلك الرؤية.
وقال إنه على الرغم من الزخم الكبير لهذه الرؤية وتأثيرها ونتائجها الإيجابية في كافة المجالات، إلا أن أحد أهم تلك المجالات لم يتم الحديث عنه بتوسع، وهو البداية في تنفيذ أكبر عملية تطوير لقطاعها الأمني والعسكري استجابة للتهديدات المتغيرة والمتسارعة وضمان حماية مصالحها وأمنها، واستعرض آلية التطوير وتحديث القدرات الدفاعية وتوطين ما يزيد على 50% من إنفاقها على معدّاتها العسكرية، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع السعودية تشهد أكبر عملية تطوير في تاريخها خلال تحول تدريجي في طريقة عملها.
وأوضح أن تلك التحولات أسست على مبادئ حديثة تستشرف المستقبل وتسعى في نفس الوقت للانفتاح على كافة الأطراف المعنية بالدول الصديقة، وتعزيز التعاون مع الأصدقاء وتطوير قدرات تكريس الأمن والاستقرار، وهي رحلة بدأت في عام 2015، وكان ولي العهد وزيرا للدفاع، وهي عملية تطوير مستمرة، وأطلق البرنامج في 2018 بأمر ملكي.
وأشار إلى أن الوزارة قطعت شوطا مهمّا من خلال 300 مبادرة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الخمسة لعملية التطوير والتحديث، والتي تمثلت أولا في: تحقيق التفوق العملياتي المشترك وتطوير الأداء التنظيمي لوزارة الدفاع، وتطوير الأداء الفردي وتحسين كفاءة الإنفاق ودعم التصنيع المحلي وتحديث المعدات والأسلحة، مؤكدا أنه تم تفصيل كل مبادرة من الـ300 مبادرة بوثيقة شاملة تتضمن الوقت والمنفذ والميزانية.
وأشار إلى أن النموذج التشغيلي الذى جرى تطويره هو أحد العوامل المساعدة الاساسية لإنجاز تلك الأهداف التي حملتها استراتيجية الدفاع الوطني، وهذا تطلب هيكلا جديدا للقوات المسلحة بالإضافة إلى حوكمة فعالة وقرارات سريعة ومؤثرة ومتطلبات شاملة وتحديد إجراءات عمل واضح، واعتمد الهيكل الجديد على فصل مسؤولية إعداد وتدريب وتجهيز القوات عن مسؤولية قيادة العمليات، والفصل بين وظائف وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط عن إدارة التنفيذ، وجمع الخبرات الوظيفية لضمان الفعالية والعمق في تطبيق آلية جديدة تعزز الشفافية وتدعم فصل السلطات.
واستكمل أنه تم تصميم الهيكل الوظيفي للوزارة في ثلاث وكالات متخصصة: الأولى وكالة الوزارة للشؤون الاستراتيجية، والتمكين من خلال وكالة الوزارة لخدمات التميز، وكالة الوزارة للمشتريات، كذلك تم بناء القوات المشتركة وإعادة هيكلة رئاسة الاركان العامة، والآن نحن في طور هيكلة القوات المرتبطة برئاسة الأركان، كما تم تفعيل مجالس الحوكمة التي تتكون من مجلس الدفاع وعدد من المجالس التخصصية التي تسهم في التحسين.
وأشار إلى أنه تزامن مع تطوير برنامج الوزارة عمل متواز يهتم بمجال توطين الصناعات العسكرية من خلال إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية وإنشاء الهيئة العامة للتطوير الدفاعي والشركة السعودية للصناعات العسكرية بهدف زيادة الجاهزية العسكرية وتعظيم الأثر الاقتصادي للعقود العسكرية والاستفادة من القوة الشرائية الموحدة للقوات العسكرية والأمنية.
«الناتو والصراع الروسي»
بدوره بدأ الادميرال روب باور رئيس اللجنة العسكرية لقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) مداخلته بالصراع الروسي الأوكراني، واصفا إياها بأنها حرب عدوانية من روسيا كانت بمثابة إشارة مؤسفة إلى الدخول في عصر جديد من الدفاع الجماعي، وقال: هذا يعني أننا لسنا من يحدد الجدول الزمني لانتهاء تلك الحرب، ولا يمكننا تحديد مستوى الطموح لنا إلى متى وأين نشارك في نزاع ويجب أن نكون مستعدين لأي نوع من الهجمات وفي أي منطقة.
وأشار إلى أن الحلف يراقب العدوان لسنوات، ولديه العديد من الخطط العسكرية التي تحدد كيف نحمي أنفسنا الآن وفي المستقبل ضد التهديد الروسي والجماعات الإرهابية. ومع ذلك لا يمكننا أن نتوقف عند هذا الحد، وقال: يجب إنقاذ مليار شخص على أراضي الحلفاء، وعلينا الاستفادة من الوقت والطاقة عبر التعاون مع الشركاء، وهو أمر بالغ الأهمية لكونه يشكل مهمة أساسية للحلف ويدعم مهامه الأساسية في الدفاع الجماعي وإدارة الأزمة.
وقال إن التعاون العسكري مع الشركاء يجعل الحلف أكثر قدرة على العمل ووضع التصورات المختلفة للتهديدات، مشيرا إلى تخلص الحلف من بعض التحييز اللاوعي بفضل ذلك التعاون، وقال: هناك أمر تعلمناه خلال الفترة الماضية، وهو أن الأمور التي نظن أنها لن تحصل أبدا يمكن أن تقع بالفعل، لهذا تم اختيار موضوعات المؤتمر بشكل مميز ومناقشة المخاطر المحتملة.
وأضاف أن الحلف دائما يبحث عن تعزيز شراكات في جواره الجنوبي، وقال: لا نبدأ من الصفر ولدينا عقود من التعاون نبني عليها، بداية من تبادل المعلومات والتدريب العسكري والعمل جنبا إلى جنب في مهمة أو عملية تابعة للحلف، ونتعاون بشكل وثيق مع الشركاء في إطار مبادرات اسطنبول للتعاون والحوار المتوسطي، وقال: لدينا العديد من الحلفاء في المنطقة، والحلف لن ينسى الشركاء، قائلا: «الصديق وقت الضيق».
وقال إنه على ضوء تقلبات البيئة الأمنية العالمية إأن الوقت حان لتكثيف الشراكة لأن لدى الجميع مصلحة في الابقاء على النظام الدولي القائم على القواعد، وهو النظام الذي أنشئ بعد حرب عالمية. وبعد أن بدأت الصفائح التكتونية للقوى تتحرك مجددا علينا ألا أن ننسى دروس الماضي، والمنافسة بين القوى العظمى يجب ألا تتم في ساحة المعركة وأن يكون ذلك دبلوماسيا أو في قاعات المحكمة.
وقال: أعتقد أن السعي لارتداء الملابس العسكرية لا يعني أن الحرب هي الحل وإنما يجب أن تكون للردع للقوى لجميع الأطراف المعنية، لهذا يريد الحلف تعميق شراكته، ونحن حريصون على التعاون في مجالات الأمن البحري ومكافحة الارهاب وأمن الحدود والدفاع السيبراني ومكافحة المتفجرات المرتجلة وتغيير المناخ والهجرة وأمن الغذاء والطاقة، وقال إن جلسة النقاش تدور حول تحديث الدفاع، وأود أن اتطرق إلى مسألة ناقشتها مع الدكتور البياري الامس، وهي أن الحرب الحديثة تتعلق بالقطع الآلية والروبوتات أكثر من الدماء، حيث إنه يجب الموازنة الصحيحة بين كمية الاسلحة المنخفضة الجودة والعالية التقنية، وقال: رأينا ذلك في اوكرانيا، بين أسلحة قديمة وطائرات بدون قائد تتم عملياتها عبر الذكاء الاصطناعي، ولذلك الكمية بدأت في مواجهة الجودة وكي تكون فعالا يجب أن يكون لديك الاثنتان.
وأشار إلى أن ذلك وضح خلال 7 أكتوبر الماضي، فأنظمة الدفاع الاسرائيلي الأكثر تطورا في العالم لم تتمكن من رصد هجمات حماس ذات التقنية المنخفضة، والحرب الحديثة لا يمكن أن تقتصر على الذكاء الاصطناعي، وأن العامل البشري لا يقلّ أهمية، وهذه هي الطريقة الوحيدة لتقييم الوضع وما يحدث.
خطورة روسية وضعف إسرائيلي
فيما بدأ الادميرال توني راداكين رئيس الاركان البريطاني الجلسة بالحديث عن الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل الشهر الماضي واصفا إياها بأنها أظهرت التهديد الكبير لإسرائيل، وتظهر أيضا انعدام المساواة في فلسطين.
وأشار إلى أن المنطقة تشهد أوضاعا خطيرة والوضع حاليا يقود إلى عالم مضطرب ونظام دولي يتعرض لضغوط متزايدة، وقال: لا بد أن تعود استراتيجيتنا لاكتشاف قدرات فن الحكم ووضع أنفسنا بشكل يعمل على مواءمة الجهود الاقتصادية والدبلوماسية بأفضل شكل، وقال: أود أن أستطلع رأي الحضور في استراتيجية المملكة المتحدة الدفاعية، وكيف يغير ذلك من تلك الاستراتيجية عبر التعاون مع الشركاء والأصدقاء.
وعاد الادميرال للحديث عن الوضع في غزة وأكد موقف المملكة المتحدة بدعم حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهزيمة هذا التهديد الوجودي الذي تشكله حماس، وقال: لكننا ايضا ضغطنا على اسرائيل لتكون حملتها تستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس والسماح بدخول المساعدات للمواطنين وتكون الأعمال متوازنة وتخفيف الضرر عن المدنيين.
وأشار إلى أن الصراحة المتبادلة مع الاصدقاء سمحت لنا بمناقشة تلك الأوضاع المعقدة، وهو أمر مطمئن، وأولوية القوات المسلحة البريطانية هي التعاون مع الشركاء منعا للتصعيد، وقمنا بزيادة الوجود العسكري لمنع الساعين لتأجيج الأزمات والتوترات، عن طريق مجموعة عمل بحري توفر المساعدات الانسانية وتقدم بعض المساعدات عبر الطائرات لتقديم المساعدة، وهي جزء من زيادة قدرها 30 مليون جنيه استرليني.
وأضاف ان تلك الالتزامات تعكس مصالحنا الأمنية، كما أن الوجود العسكري البريطاني في المنطقة دليل على ذلك، وقال: نحن نواجه عدم استقرار من خليج عمان وهو أمر خطير جدا، إلا أن أحداث الاشهر القليلة الماضية لا تحدث بعزلة عن غيرها، وتحدث في وقت تصاعد التطورات في غرب البلقان والمواجهات المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى الخطابات العدائية من طهران، والانقلابات في مختلف أنحاء افريقيا تأتي في هذا السياق وآخرها في الجابون.
كما تطرق إلى الأزمة الروسية بعد عامين، مشيرا إلى أن الشعب الأوكراني لم يسمح بالعودة إلى فلك موسكو مجددا، ومع ذلك وعلى الرغم من تضاؤل نفوذ روسيا اقتصاديا وتزايد خسائرها فإن الرئيس بوتين يمضي قدما على أمل أن يفقد المجتمع الدولي مساعدته لأوكرانيا بغضّ النظر عن تكلفة الحرب على الشعبين الروسي والأوكراني والمجتمع العالمي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك