حمل تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية مؤشراتٍ وأرقاما مقلقة تتعلق بالخدمات المقدمة للمعاقين. ففي الوقت الذي تعدُّ البحرين من الدول السباقة والرائدة في الرعاية الاجتماعية، من المؤسف أن يحتوي التقرير على هذا الكم من الملاحظات التي تؤكد خلاصتها معاناة كبيرة يعانيها ذوو الإعاقة وأسرهم باختلاف نوع الإعاقة.
كشف التقرير أنه لم يبت في طلبات للحصول على مخصص الإعاقة لمدد تصل إلى ثلاث سنوات. وأكد أن لجنة البت في طلبات صرف الأجهزة التعويضية للأشخاص ذوي الإعاقة لم تبت في بعض الطلبات التي تعود إلى أكثر من 31 شهرا، أي أكثر من عامين ونصف العام! بل لم تقم وزارة التنمية الاجتماعية بصرف المعينات والأجهزة التي وافقت عليها اللجنة قبل 21 شهرا. من جانب آخر بيَّن تقرير ديوان الرقابة أن بعض ذوي الإعاقة الشديدة يضطرون إلى الانتظار 47 شهرا للالتحاق بمراكز التأهيل بسبب عدم قدرتهم على مواصلة التعليم الأكاديمي في المدارس العامة.
وفيما يتعلق بطيف التوحد، أفاد التقرير بأن المراكز ودور الرعاية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية لا تقدم أية خدمات رعاية وتأهيل لفئة المصابين بالتوحد. وهناك 359 مصابا على قوائم الانتظار لدى المراكز الأهلية. هذا عدا ملاحظات أخرى مثل عدم صيانة ثمانية مبان تابعة لمجمع الإعاقة بعد استخدامها للعزل فترة الجائحة، وعدم تطبيق القانون بإلزام المنشآت توظيف ذي الإعاقة بنسبة 2%.
بالمقابل كانت ردود وزارة التنمية الاجتماعية تتلخص في: التنسيق مع الأقسام المعنية، الترتيب مع الوزارات، التوجه إلى حصر حالات، الشروع في إعداد الدراسات، الأخذ بالتوصيات، النظر في الطلبات، التواصل مع الجهات، العمل على تخصيص مراكز تأهيل.
والسؤال هنا: نحن في أواخر عام 2023، فهل من المعقول أو المقبول أن تكون الوزارة الموقرة في بداية المشوار، ومازالت في طور دراسة الحلول أو البدء بها!. عقب صدور تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، طافت «أخبار الخليج» بعدد من الجمعيات والمراكز المعنية بفئات الإعاقة بالبحرين، وناقشنا معهم المشكلات التي يواجهونها بسبب ما ذكره التقرير من تأخر في توفير الخدمات والأجهزة. لنطرحها أمام المسؤولين أملا في أن يعاد النظر في جودة الخدمات المقدمة.
قوائم انتظار طويلة.. نقص في الخدمات.. سنوات للبت في الطلبات وصرف الأجهزة
31 شهرا للبت فـي طلبات الأجهزة التعويضية!
«الحراك»: مقاسات أغلب المعاقين تتغير وهم ينتظرون الكراسي التي فصّلت لهم
تدخّل العنصر البشري سبَّب الظلم فـي تطبيق القوانين.. وبعض الوزارات تفصّل كي توفر!
كما أسلفنا، أشار التقرير إلى أن بعض الطلبات للأجهزة التعويضية وغيرها تبقى تنتظر أكثر من عامين ونصف العام، وبعض الحالات تنتظر منذ 31 شهرا.
للوقوف على هذه المشكلة، اتجهنا إلى المركز البحريني للحراك الدولي الذي يعد أول مركز يعنى بشؤون المعاقين في البحرين، وتحدثنا إلى رئيس مجلس إدارة المركز عادل سلطان المطوع، وسألناه عن حقيقة هذا التأخر. وعلى ذلك أجاب:
«نعم هناك تأخير، ومن خلال تواصلي المستمر مع وزارة التنمية، أجد عدة تبريرات لذلك منها الميزانية أو لجنة البت في الطلبات، أو انتظار المناقصات أو تأخر الشركة المعنية بتوفير الأجهزة وغيرها. وأيا كانت الأسباب فإن المتضرر الوحيد هو المعاق.
لذلك نواجه في المركز الكثير من الحالات التي تشتكي من الانتظار سنوات على القائمة من دون الحصول على المساعدة المطلوبة. وللأسف لا نستطيع نحن في المركز أن نقدم شيئا. وأكثر مشكلة نواجهها هي الكراسي المتحركة. فهذه الكراسي يتم تفصيلها من قبل مختصين في وزارة الصحة حسب الإعاقة والعمر والوزن. وبعد البت بالموافقة على الطلب يتم جمع الطلبات وطرحها في مناقصة تأخذ وقتا ثم ترسل إلى الشركة المصنعة وهكذا.
في السابق لم يكن الأمر يستغرق أكثر من 3-6 أشهر، ولكن بات الأمر يتأخر سنوات. وهنا تبرز مشكلة أخرى، هل ستكون مقاسات الشخص عند تسلم الكراسي بعد هذه المدة الطويلة هي نفسها؟ هل سيكون بحاجة إلى نفس المواصفات التي كانت قبل عامين؟ في الواقع نسبة كبيرة منهم تكون مختلفة كأن يزيد وزن الشخص أو ينقص. وأحيانا يتسلمون كراسي غير التي طلبوها أو غير التي يحتاجونها، ولكنهم كما يؤكدون يجبرون على تسلمه أو عليهم انتظار أربع سنوات قادمة!
ويضيف المطوع: في الواقع الوزارة غير مقصرة معنا وهي تبذل جهودا كبيرة جدا، وأسعار بعض الكراسي تصل إلى ثلاثة آلاف دينار. ولكن هذه الجوانب والتفاصيل تمس الصورة الجميلة لهذه الخدمات».
* ماذا عن توظيف المعاقين في المؤسسات والمنشآت حسب القانون؟
** هناك كثير من الشباب والشابات ممن يحتاجون إلى العمل، والمشكلة ليست في التوظيف فقط، وإنما في عدم مطابقة بيئة العمل لوضع المعاق. أو ألا يمتلك مواصلات، وحتى لو توفرت المواصلات لا يجد في العمل مرافق صحية ومنحدرا خاصا للكراسي. لذلك نبادر في المركز بتوفير هذه المرافق قدر الإمكان في الشركات التي توظف مثل هذه الحالات بالتعاون مع المحسنين وبعض التجار.
وهناك جانب آخر هو الدعم المادي الذي هضم حق المعاقين، فلماذا التمييز مثلا بين الإعاقات طالما أن جميع المعاقين في أمس الحاجة إلى كل دينار. ولماذا حرمان النسبة الكبيرة منهم من إعانة 200 دينار واقتصارها على 100؟ هذا المبلغ لا يكفي أحيانا حتى الأدوية أو المستلزمات الخاصة بالمعاق. والأمر الآخر هو طريقة احتساب المدخول، حيث يجمع مدخول أفراد الأسرة ككل، وإذا وصل دخل جميع أفراد الأسرة 1500 دينار يحرم المعاق من العلاوة!.
مبلغ الإعانة
في المركز البحريني للحراك الدولي، التقينا أيضا بالنائب السابق وأمين سر المركز عبدالحميد النجار، حيث يعمل بالقرب من ذوي الإعاقة ويتعايش معهم منذ سنوات، وكانت له مع باقي النواب في الفصل التشريعي السابق جهود لإقرار ورفع علاوة المتقاعدين إلى 200 دينار. وكانت فرصة أن نسأله عما شاب تطبيق ذلك القرار. وهذا ما أجاب عنه بقوله: «عملنا في المجلس السابق على مراجعة وإقرار قوانين تعنى بذوي الإعاقة، وأقر المجلس مبلغا يعد رمزيا يغطي على استحياء جزءا من احتياج المعاق وهو 200 دينار.
وفي الواقع القيادة والحكومة غير مقصرة في هذا الجانب والتوجيهات موجودة. لذلك المشكلة ليست في القوانين وإنما في تفعيل هذه القوانين وتفصيلها بما يناسب هذه الوزارة أو تلك. بمعنى أن القانون صريح وواضح، ولكن تدخل العنصر البشري سبّب الظلم للمعاقين، وذلك من خلال معايير التقييم لمن يستحق مائة دينار أو مائتين. فنحن في مجلس النواب عممنا الأمر على جميع المعاقين، ولكن للأسف استخدمت القوانين الداخلية للوزارة للتفصيل على الرغم من وضوح القانون. وبعض الوزارات تفصل كي توفر. في المقابل نجد أن معاقين في دول مجاورة يصلون إلى مستوى الرفاهية وليس الحاجات الأساسية، بل توفر بعض الدول خادما خاصا للمعاق بجانب الامتيازات الأخرى. وبالتالي عندما نتحدث عن الدعم المالي المحدود وتوفير المرافق هي أمور تعتبر بسيطة جدا وأساسية من حقوق المعاق.
ثم انظر إلى مدد الانتظار الطويلة لتوفير الخدمات، فلدينا معاقون في مركز الحراك وصلوا إلى مرحلة اليأس وهم ينتظرون الأجهزة أو البت في طلباتهم. بل إن البعض بات يصاب باليأس والإحباط عندما نحدثهم عن تقديم طلب ما في الوزارة.
مكفوفون ينتظرون التوظيف.. وديوان الرقابة: لا إلزام للمنشآت بتوظيف ذوي الإعاقة بنسبة 2%!
يحدثنا رئيس جمعية الصداقة للمكفوفين حسين الحليبي عن معاناة ذوي الإعاقة البصرية، مؤكدا في مقدمة حديثه أننا محظوظون أن نعيش في البحرين التي تتسم بالقيادة الحكيمة والتعاون المجتمعي وتوفير كل الخدمات لذوي الإعاقة.
مضيفا: المشكلة أن الأجهزة والتقنيات الحديثة غالية تماما، ونحن نحصل على دعم من المؤسسات الرسمية والخاصة. ولكن بعض الأجهزة تصل قيمتها الى 2700 دينار أو أكثر. وبعض الحالات تحتاج إلى دعم سريع. فمثلا بعض من يعانون من ضعف شديد في البصر يحتاجون إلى نظارات طبية خاصة، هي مكلفة وقد تصل قيمة بعضها إلى أكثر من 300 دينار. ونحن في الجمعية نساعدهم قدر المستطاع، ولكن ليس جميعهم قادرين على توفير المبلغ المتبقي. وهناك حالات يعانون من مشاكل في السمع ويحتاجون إلى سماعات للأذن تتجاوز قيمتها 700 دينار، ولكنهم يبقون في قائمة الانتظار مدة طويلة.
لذلك فإن طموحاتنا هي الحصول على دعم أكبر وأسرع. وهذا ما يشمل التوظيف. فلدينا مؤهلون عاطلون عن العمل منذ سنوات، وهم بأمس الحاجة إلى العمل. ثم إن العلاوة التي أقرت بمبلغ 200 دينار لم تصرف إلا لفئة محدودة وليس للجميع، في حين أن الكفيف من أكثر الإعاقات التي تحتاج إلى متطلبات وتكاليف على الرغم من أن الإعاقة قد لا تكون شديدة. فالشخص العادي أو حتى المقعد من الممكن أن يقود سيارة مثلا، ولكن الكفيف لا يمكنه التنقل خطوات من دون مرافق. أضف إلى ذلك إننا نعاني من نقض الامتيازات والخدمات في عديد من الوزارات الخدمية مثل وزارة الإسكان. وهذا ما يشمل التخفيضات والمميزات لذوي الإعاقة. وهذا ما يعني أن المساندة للمعاقين موجودة من أعلى المستويات في الدولة، ولكننا ربما نعاني مشكلة في التطبيق.
أولياء أمور: نعيش حالة قلق وضغوطا نفسية.. وتأنيب ضمير
نموذج آخر للحالات التي عانت من تأخر توفير الأجهزة التعويضية هو الطفلة عائشة التي تعاني من إعاقة الصمم وتحتاج إلى سماعات خاصة.
يشرح والدها الحالة: «حدث خلل في سماعة الجهاز الداخلي في الأذن، وعندما راجعنا الوزارة أخبرونا أن القطع المطلوبة غير متوفرة. وهنا كان علينا الانتظار سنة ونصف السنة حتى توفرت القطع المطلوبة وتم استبدالها. ولكن المشكلة أنه قبل ذلك كانت ابنتي تخضع لبرنامج تأهيلي للنطق، وبسبب تعطل الجهاز توقف البرنامج وحدثت انتكاسة، وبعدها اضطررنا إلى العودة إلى الصفر».
ويضيف والد الطفلة عائشة: قبل مدة احتجنا إلى استبدال قطعة خارجية للسماعة. فتوجهت إلى مستشفى السلمانية وأخبروني أنها غير متوفرة، وبحثت في الصيدليات المتخصصة وكان نفس الرد.
واستمر الوضع شهرا كاملا حتى وفرتها لي المستشفى العسكري. وكل ذلك يجعلني شخصيا أعيش في حالة قلق مستمر وضغوط نفسية سواء بسبب التكاليف التي يتكبدها أو الوقوع في مشكلة بسبب تأخر توفير الأجهزة والقطع. فولي الأمر أمله بعد الله ثم في الجهات المعنية خاصة إذا كان من ذوي الدخل المحدود. وبنفس الوقت يشعر بتأنيب الضمير وهو يرى معاناة ابنته أو ابنه وهو عاجز عن المساعدة.
لا مراكز حكومية للتوحديين.. والانتظار يصل إلى ست سنوات!
كما أسلفنا، ذكر ديوان الرقابة المالية والإدارية أن المراكز التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية لا تقدم خدمات الرعاية للمصابين بالتوحد. وأن هناك 359 حالة على قوائم الانتظار.
هذا ما ناقشناه مع رئيس جمعية التوحديين البحرينية السيد زكريا السيد هاشم، الذي لفت إلى أن المشكلة تكمن في عدم وجود مراكز حكومية تحتضن المصابين بطيف التوحد، والمراكز الموجودة حاليا والبالغ عددها 37 مركزا كلها أهلية وهي استثمارية. وبعض هذه المراكز فيها شواغر كثيرة، ولكن الدعم المخصص من الوزارة والبالغ 1.2 مليون دينار يوجه إلى أربعة مراكز خاصة فقط، وهذه المراكز هي التي تعاني من قوائم انتظار طويلة. حيث تتكفل الوزارة بالنسبة الأكبر من الرسوم ويتحمل ولي الأمر النسبة الباقية. علما بأن قوائم الانتظار تصل إلى ست سنوات.
*إجمالا كم يبلغ عدد المصابين بالتوحد في البحرين؟
** هذا السؤال فيه جدل كبير حيث لا توجد إحصائيات دقيقة لذلك لأسباب منها أن الكثير من الحالات لا تشخص أو لا تدرج ضمن القوائم أو تكون مسجلة في وزارة الصحة وغير مسجلة في وزارة التنمية الاجتماعية أو العكس.
ولكني ومن خلال متابعتي الشخصية للحالات أؤكد أن العدد لا يقل عن 1500 حالة، وهو رقم كبير جدا بالنسبة إلى البحرين. والمقلق في الأمر إن الحالات تتزايد لدينا، والمقلق أكثر أن نجد عدة حالات في منزل واحد. فهذا ما يسبب عبئا كبيرا على رب الأسرة. فالحالة الواحدة تستنزف جهدا وميزانية كبيرة، فما بالك بعدة حالات؟!
ثم هناك مشكلة أخرى تتمثل في الإجراءات. فدور وزارة الصحة ينتهي عند تشخيص الحالة، وعندها يتم إرسال الحالة إلى وزارة التنمية للتقديم على الدعم المالي فقط. علما بأن مرحلة ما بعد التشخيص هي من أقسى المراحل على الأسرة وهي مرحلة الصدمة التي تتطلب دعما نفسيا ومعنويا. إلى جانب حاجة الطفل إلى الرعاية والتأهيل الذي كما ذكرنا قد يتأخر سنوات.
* ما المشكلات التي تعاني منها الأسر بسبب تأخر إدراج أبنائهم في المراكز؟
** التدخل المبكر هو أكثر ما يوصي به الاختصاصيون، وهو كالبذرة التي إن اعتنيت بها مبكرا فإنك تجني ثمارا أفضل مستقبلا. وهكذا الطفل كلما ابتدأت معه مبكرا كانت النتائج أفضل وأسرع. وبالمقابل فإن تأخير يوم واحد يؤثر سلبا في الخطة العلاجية، فما بالك بتأخر سنوات في وضع البرامج الخاصة والاندماج والتأهيل والتدريب. هذا فضلا عن المشاكل المادية التي تعاني منها الأسر. فنحن في الجمعية لدينا طلبات كثيرة ممن ليس لديهم القدرة على تحمل تكاليف المراكز. وبنفس الوقت لا تحصل هذه الأسر على مميزات أو تخفيضات من الجهات الأخرى. فمثلا رب الأسرة يدفع 25% من دخله لوزارة الإسكان، وعليه قروض وفواتير والتزامات، فكيف يدفع إلى المراكز؟. وحتى الدعم المقدم والبالغ في الحد الأقصى 200 دينار، هل يدفعها ولي الأمر لمستلزمات الطفل أم للمركز أم للأجهزة؟! فالطفل التوحدي له احتياجات خاصة ومراقبة مستمرة لضمان سلامته. أضف إلى ما سبق تكاليف المتابعة الطبية الدائمة خاصة الغذائية. فكثير من الحالات تعاني حساسية وتحتاج أغذية خاصة. وهذا ما يضاعف من التكاليف خاصة وأن هذه الأغذية لا تتوفر في المستشفيات الحكومية. هل تعلم أن كيس (الروتي) الذي يكلف في الغالب 100 فلس، قد يصل سعر بعض الأنواع الخاصة التي تناسب هذه الحالات إلى 3 دنانير؟ وكل ذلك له تكاليفه التي تنهك ميزانية ولي الأمر، وتأخر توفير الخدمات يعني استمرار هذه المعاناة. لذلك كثير من أولياء الأمور يعانون حالات نفسية سيئة خاصة أن التوحد لا علاج له. وهناك حالات وصلت إلى المحاكم بسبب تراكم الديون. وهناك حالات طلاق متزايدة بسبب المشاكل المترتبة على إعاقة أو مرض الابن وعدم تقبل الأب أو الأم للحالة لا سيما مع تأخر الخدمات. وهذا ما يضاعف من المشكلة. فأكثر ما يحتاجه الطفل العادي هو الاستقرار الأسري، فما بالك بمن يعاني من التوحد؟!
الإعاقات الذهنية.. حالات تنتظر 47 شهرا للالتحاق بمراكز التأهيل
المشكلة تبدأ من التشخيص.. والصدمة الكبرى هي العلم بعدم وجود مراكز متخصصة!
استثمرت مشكلة ابنتها لتطور من خبراتها في مجال الإعاقة الذهنية، انشغلت في مجال العمل التطوعي سنوات طوال، شاركت في عديد من المحاضرات والفعاليات التوعوية المعنية بمجال الإعاقة خاصة الذهنية، وتم تكريمها باعتبارها الأم المثالية.
من واقع خبرتها الطويلة في هذا المجال، تحدثنا المسؤولة الإدارية السابقة في الجمعية البحرينية للإعاقة الذهنية إيمان عبدالصاحب حول هذا الموضوع بعد أن سألناها عما أشار إليه التقرير من انتظار بعض الحالات 47 شهرا للالتحاق بالمراكز.
تجيبنا بقولها: «مشكلة التأخير لا تكمن في توفير المراكز أو الأجهزة التعويضية فحسب، بل تبدأ من التشخيص. فمثلا عندما لاحظت بعض المشاكل في تطور النمو لدى ابنتي بدأت بمراجعة الجهات الطبية ولكن لم أستفد شيئا. وبعد فترة طويلة تم التشخيص بأن لديها إعاقة ذهنية شديدة. وهنا برز السؤال: أين أذهب بها؟ ما الخطة؟ من أين أبدأ؟ أين أتجه؟ ما المراكز المتاحة؟
بقي الموضوع عائما من دون أن أجد أي دعم أو توجيه في تلك المرحلة. وحتى المراكز الموجودة لم تكن تقبل حالات مثل ابنتي وليس لديها برامج متخصصة لها. وكنت حينها موظفة ولا أملك من يرعى الطفلة. بقيت على هذا الوضع مدة طويلة حتى التقيت سيدة أمريكية في فعالية ضمن برنامج الأولمبياد الخاص وتحدثت معها عن الصعوبات التي أعاني منها. فطلبت مني التقارير وقامت بإرسالها إلى متخصصين، وبعد مدة ليست بالطويلة تواصلوا معي وأخبروني أن ابنتي تعاني من (توحد) شديد!. في حين كان التشخيص في البحرين هو إعاقة ذهنية. وعندما عدت إلى المستشفيات وأخبرتهم بالأمر، أعادوا التقييم، ثم أخبروني أن لديها إعاقة ذهنية شديدة مصاحبة للتوحد. وخلال لقاءاتي مع أولياء أمور اكتشفت أن الكثير منهم واجه مشكلة التشخيص هذه.
* بعد التشخيص، هل فعلا يتطلب الأمر كما أشار تقرير ديوان الرقابة أحيانا أكثر من 47 شهرا لإلحاق ذوي الإعاقات الذهنية الشديدة بمراكز التأهيل؟
** هذه الأرقام قد تكون قليلة أمام الواقع. فهناك حالات تنتظر مددا أطول بكثير خاصة في السنوات الأخيرة حيث تتزايد الأعداد. في حين كانت مدة الانتظار في السابق أشهرا معدودة. والمشكلة أن المراكز غير الربحية مثل مركز الوفاء ومعهد الأمل لديها طاقة استيعابية محدودة على الرغم من أنها مددت ساعات العمل، وبنفس الوقت تعتبر رسوم المراكز الأخرى الخاصة أعلى ولا تستطيع أغلب الأسر أن تلحق أبناءها بها. تصور أن بعض الأمهات لديهن ثلاث حالات توحد أو إعاقة ذهنية، وكل حالة تحتاج إلى طاقة ومراقبة ومجهود وتكاليف. لذلك نجد مئات الحالات على قائمة الانتظار.
* وما المشكلات التي يعانون منها بسبب هذا الانتظار؟
** أولا علينا أن نعي أن مرحلة الصدمة بعد التشخيص هي من أصعب المراحل. وفي هذه المرحلة يبدأ أولياء الأمور بالبحث عن حلول وبرامج ومراكز متخصصة. ولكن هنا تبدأ الصدمات النفسية عندما لا يجدون مراكز عامة أو برامج يمكن إلحاق أبنائهم بها. وبنفس الوقت لا يستطيعون تحمل تكاليف المراكز الخاصة. صحيح أنه يتم صرف 100 دينار كدعم للحالة، ولكن ماذا يقدم هذا المبلغ أمام متطلبات الإعاقة خاصة إذا كانت الإعاقة مركبة؟. ماذا لو احتاجت الأسرة مربية أو أجهزة تعويضية أو أدوية أو مراكز خاصة وغيرها؟ فضلا عن أنه مع الضغط من قبل أولياء الأمور والجمعيات تم رفع المبلغ إلى 200 لحالات الإعاقة الشديدة فقط، والسؤال هنا ماذا عن باقي الإعاقات مثل متلازمة داون وغيرها؟ فهذا الأمر سبب استياء كبيرا لدى أولياء الأمور.
أضف إلى ذلك أن تأخر الخدمات والتأهيل يجعل الأمر أكثر صعوبة مع الحالة. هذا فضلا عن مشاكل يواجهونها في المجتمع وحتى في المراكز الصحية وغيرها. فمثلا أطباء الأسنان في المراكز لا يملكون الأدوات المخصصة لحالات الإعاقة. كل ذلك يجعل الطفل وأولياء الأمور يعانون بشكل كبير خاصة في فترة انتظار إلحاق الطفل بالمراكز.
359 مصابا بالتوحد على قوائم الانتظار لدى المراكز الأهلية
دعاء عنان، ناشطة في مجال طيف التوحد، صممت ونفذت حملات توعوية في هذا المجال، داعية إلى توفير كل الحقوق لمن يعانون التوحد.
تؤكد عنان أهمية تسليط الضوء على فئة مهمة من المجتمع، وعلى التوعية باضطراب طيف التوحد، وعلى الحاجة الماسة إلى تحسين حياة الأطفال والبالغين الذين يعانون من هذا الاضطراب.
وبسؤالها عما أشار إليه تقرير «الرقابة» من وجود 359 مصابا بالتوحد على قوائم الانتظار لدى المراكز الأهلية أجابت: «فعلا هناك تأخر كبير في قبول وإدراج المصابين بالتوحد في المراكز المتخصصة. وهذا بحد ذاته يؤخر من فرص تحسين حالة التوحدي. حيث إن اضطراب طيف التوحد يعتمد اعتمادا كليا على التشخيص والتدخل المبكر ووضع الخطط المناسبة من قبل الاختصاصيين بطيف التوحد.
وربما تعود أسباب تأخر قبول أو إدراج التوحديين في المراكز إلى ارتفاع رسوم هذه المراكز الخاصة، مع الافتقار إلى المراكز الحكومية للتوحديين، مما يجعل الأهالي في قائمه الانتظار، بالإضافة إلى قلة أعداد هذه المراكز مقارنة بأعداد التوحديين داخل البحرين. حيث إننا بحاجة ماسة لتوفير مركز شامل لاستيعاب جميع المصابين بطيف التوحد، خاصة وأن أغلب الأسر تكون من ذوي الدخل المحدود.
ولا ننسى هنا أن الطفل التوحدي له حق في التعليم الذي كفله له الدستور كونه فردا من أفراد المجتمع من دون أي استثناءات أخرى».
بشكل عام -تضيف دعاء عنان-، تأخر تقديم الخدمات إلى التوحديين كفيل بمضاعفة المعاناة والمشكلات سواء للمصابين أو ذويهم سواء كانت مشكلات سلوكية أو لغوية أو اجتماعية أو تأهيلية وغيرها.
* ماذا عن الحملة التي أطلقتها «من أجلهم نتوحد»؟
** كانت الحملة جيدة ولاقت رواجا لافتا خصوصا في نشر مفهوم طيف التوحد وما يحتاج إليه المصاب، ولكن كنا نأمل أن يكون للجهات الحكومية والخاصة والقادرين دور أكبر لدعم هذه الحملة ودفعها من أجل وضع حلول جذرية لتغيير الوضع الراهن المتمثل في تأخر حصول المصابين على الرعاية المبكرة والدخول إلى المراكز أو وضع حلول صحيحة لدمجهم داخل المدارس الحكومية والمجتمع.
حالات التوحد تتزايد بشكل مقلق.. تقابلها حالات تفكك أسري وغياب مراكز الإقامة الطويلة
تستمر معاناة أولياء أمور المصابين بطيف التوحد، وقصتنا هذه المرة لأم عانت كثيرا من أجل رعاية ابنها. كانت تضطر أحيانا إلى الخروج مع ابنها بعد منتصف الليل وتقود سيارتها ساعات وساعات من دون هدف محدد، والسبب أن بقاءه في البيت لم يكن بالخيار الأصوب. وبنفس الوقت لم تجد مركزا متخصصا يمكنها إيداع ابنها فيه للحصول على الرعاية والتأهيل المطلوب.
تحدثنا الأم عن المعاناة في السنوات الأولى خاصة مع عدم إلحاق ابنها في مراكز التأهيل قائلة: ابني من ذوي التوحد، وهو يعاني من صعوبات وتحديات مختلفة، وله احتياجات خاصة، ومن ذلك أنه يحتاج أحيانا إلى الخروج من المنزل والتجول بالسيارة ساعات طويلة جدا تتجاوز أحيانا الخمس ساعات خاصة مع عدم التحاقه في مركز متخصص في ذلك الوقت، وهو قليل النوم. وكان إبقاؤه في البيت ينعكس سلبا على سلوكياته وقد يقوم بأمور خطرة.. وتخيل أن تقود السيارة من دون هدف ساعات طويلة! هو مر مرهق جدا، ولكن أمام عدم وجود مركز يلتحق به وانتظارنا سنوات طويلة كنت مضطرة إلى ذلك. فالبيت ليس البيئة المناسبة لكثير ممن يعانون من التوحد، حيث يحتاجون إلى أماكن مخصصة ومهيأة توفر مدربين متخصصين وكادرا طبيا يشرف عليهم. وللأسف ليس لدينا في البحرين مركز متكامل من هذا النوع، ولكن هذا لا يعني أننا لا نحصل على خدمات مميزة من قبل الجهات الرسمية.
* هل خاطبت الجهات الرسمية المعنية بهذا الشأن؟
- للأمانة هناك مطالب ومناشدات تم التواصل معنا بشأنها، ولكن هناك مناشدات مازلنا نحتاجها منذ سنوات مثل مراكز للإقامة الطويلة لمن يعانون التوحد. فمن يعاني التوحد إنسان وله متطلباته واحتياجاته الباهظة. هل تعلم أننا نضطر أحيانا إلى تغيير البناء والتصميم والديكورات في المنزل لضمان السلامة والأمن؟ وهذا الأمر مكلف بشكل كبير. ثم إن هناك عوائل لديها حالتان أو ثلاث، ما يعني أن المعاناة النفسية والصعوبات المادية مضاعفة لا سيما في ظل عدم وجود مراكز كافية تعنى بهذه الفئة.
لذلك أقول نعم هناك تأخر في تقديم الخدمات لذوي التوحد بما في ذلك الخدمات التعليمية التي هي وفقا للدستور حق للجميع من دون استثناء. وكثير ممن يعاني التوحد تجدهم مبدعين وأذكياء ومستعدين للتطور. وبنفس الوقت لا نجد أمامنا سوى المراكز الخاصة، وهي مكلفة بالنسبة إلى المواطن ذي الدخل المتوسط أو الضعيف. وحتى هذه المراكز تعاني من قوائم انتظار طويلة تصل إلى المئات.
* ما الانعكاسات السلبية لتأخر توفير الخدمات اللازمة لأطفال التوحد مثل إلحاقه بالمراكز التعليمية والتدريبية؟
- المشاكل كثيرة. وللأسف تصل أحيانا إلى درجة أن تتخلى إحدى الأمهات عن ابنها بسبب التوحد وعدم الحصول على الخدمات اللازمة، وهناك حالات انفصال عديدة كانت بسبب معاناة أحد الأبناء من التوحد. أمهات كثر اضطررن إلى ترك العمل بسبب عدم وجود من يرعى الابن، وهنا تبدأ مشاكل اجتماعية كثيرة قد تقود إلى تفكك الأسرة. وتزداد المشكلة عندما لا يكون هناك وعي كاف حتى عند الأسرة نفسها، إلى درجة أن البعض يضطر إلى ربط ابنه في زاوية لتجنب أي سلوكيات غير آمنة!. في حين لو كانت هناك مراكز وخدمات متاحة وسريعة لخفت هذه الحالات بشكل ملموس، واستطاعت الكثير من الأسر أن تعيش بشكل طبيعي وتتعامل بإيجابية أكثر مع حالة التوحد. أضف إلى ذلك المشاكل المادية بسبب ما أشرت إليه من احتياجات من يعاني من التوحد. بل إن كثيرا من الحالات لهم متطلباتهم الصحية الخاصة حتى في نوعية الطعام. وهذا ما يضاعف من الضغط المادي على الأسرة.
ثم إن من يعاني من التوحد غالبا ما يعاني من مشاكل في الاستيعاب وحتى التواصل الاجتماعي. وهنا كلما تأخر التعامل مع هذه المشكلة من خلال التعليم والتدريب من قبل أخصائيين، أصبحت المشكلة أكثر صعوبة. ويزداد الأمر سوءا إذا ما كان الطفل يعاني من مشاكل أخرى غير التوحد مثل الصرع والوسواس القهري أو إعاقات أخرى إلى جانب التوحد.
بل إن كل يوم يمر له قيمته في التعامل مع هذه الحالات. فإذا لم تبدأ التدخل المبكر منذ البداية يتحول الأمر إلى مشكلة كبيرة. وبالتالي كلما كان التدخل مبكرا وكلما توفرت المراكز المتخصصة استطعنا تلافي الكثير من المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية. وهذا ما يعني أيضا أهمية التشخيص المبكر.
* تبرز بين حين وآخر جهود وفعاليات أهلية للتوعية بالتوحد واحتياجات أطفال التوحد وأهمية توفير الخدمات المناسبة لهم، ألا تلمسون استجابة من الجهات المعنية لهذه الحملات؟
- للأمانة كلا. ولا نقول إن الجهات الرسمية لا تهتم بهذه الفئة، ولكن ما نلمسه هو أن التوحد ليس من أولوياتهم. في حين أن التوحد آخذ بالانتشار بشكل مقلق في المجتمع الخليجي بشكل عام. وهؤلاء لهم حقوقهم واحتياجاتهم. فلماذا نؤخر تلبية هذه المتطلبات؟ في حين أن نظراء لهم حصلوا فرصا كبيرة واستطاعوا الاندماج في المجتمع بشكل كامل وحصلوا على التعليم والعمل.
* ما الرسالة التي توجهينها هنا ولمن؟
- رسالتي أولا إلى الجهات الرسمية المعنية، إن حجم المعاناة التي نعانيها كبيرة نفسيا وماديا واجتماعيا. وتأخر الخدمات أو غيابها يضاعف من معاناتنا هذه.
بنفس الوقت، رسالتي إلى أولياء الأمور، لا تستسلموا أو تضعفوا أمام حالة أبنائكم. فكلما كنتم أقوياء استطعتم أن تتجاوزا تحدياتكم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك