العدد : ١٧٠٠٠ - الثلاثاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٠٠ - الثلاثاء ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

صوت حسرة المتقاعدين

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢١ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

ربما‭ ‬تكون‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬الأعلى‭ ‬نسبة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬المتقاعدين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تطبيق‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬وخروج‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬صغار‭ ‬السن‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭ ‬استفادة‭ ‬من‭ ‬العرض‭ ‬المصاحب‭ ‬للبرنامج‭.‬

والأصل‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬التقاعد‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬تنظمه‭ ‬قوانين‭ ‬التقاعد‭ ‬في‭ ‬الدول،‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬سنا‭ ‬معينة‭ ‬وسنوات‭ ‬عمل‭ ‬فعلية‭ ‬يُحال‭ ‬الموظف‭ ‬بعد‭ ‬انقضائها‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭ ‬ضماناً‭ ‬لتحريك‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬العمل‭ ‬ورفدها‭ ‬بالفئات‭ ‬العمرية‭ ‬الشابة‭. ‬وتختلف‭ ‬أنظمة‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموظف‭ ‬المتقاعد‭ ‬بعد‭ ‬بلوغه‭ ‬السن‭ ‬القانوني‭ ‬للتقاعد،‭ ‬فالبعض‭ ‬يعتبره‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية‭ ‬متراكمة‭ ‬الخبرات‭ ‬فيُعاد‭ ‬تسكينه‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬خبراته‭ ‬بعقود‭ ‬وقتية،‭ ‬والبعض‭ ‬يقوم‭ ‬بتقدير‭ ‬الموظف‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬ذوي‭ ‬الاختصاص‭ ‬فيتم‭ ‬تخصيص‭ ‬مكاتب‭ ‬لهم‭ ‬لاستشارتهم‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة‭.‬

وفي‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬فكرة‭ ‬التقاعد‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬مخيفة‭ ‬للموظفين‭ ‬وتُشكّل‭ ‬رعباً‭ ‬لهم‭ ‬لأنها‭ ‬تعتبر‭ ‬بمثابة‭ ‬النهاية‭ ‬الحتمية‭ ‬للمتقاعد،‭ ‬حتى‭ ‬كان‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬يتوفون‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬خروجهم‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد،‭ ‬ولكن‭ ‬تغيّر‭ ‬الحياة‭ ‬وزيادة‭ ‬الوعي‭ ‬والفكر‭ ‬وتحسّن‭ ‬المستويات‭ ‬المعيشية‭ ‬والصحية‭ ‬والبيئية‭ ‬والغذائية‭ ‬لعبت‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والفكر‭ ‬الإنساني،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬فكرة‭ ‬التقاعد‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬مخيفة‭ ‬كالسابق،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬يعتبر‭ ‬تقاعده‭ ‬بداية‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬ليمارس‭ ‬فيها‭ ‬هواياته‭ ‬أو‭ ‬يعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬شغفه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬جديد‭ ‬قد‭ ‬يشكّل‭ ‬مصدر‭ ‬دخل‭ ‬إضافيا‭ ‬له‭ ‬ومجالاً‭ ‬للعمل‭ ‬والعطاء‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬آخر‭ ‬مختلف،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬تُولي‭ ‬الدول‭ ‬متقاعديها‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬جداً‭ ‬تقديراً‭ ‬لبذلهم‭ ‬سنوات‭ ‬عمرهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬أوطانهم،‭ ‬فتُخصص‭ ‬لهم‭ ‬مميزات‭ ‬تعينهم‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التقدير‭ ‬والتشريف‭ ‬كالإعفاءات‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الرسوم‭ ‬ومنح‭ ‬مزايا‭ ‬وتخفيضات‭ ‬لخدمات‭ ‬أخرى‭ ‬وغيرها‭.‬

إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬استجد‭ ‬بعد‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وتطبيقه‭ ‬مؤخراً،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭ ‬مصدراً‭ ‬لبطالة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد،‭ ‬وخاصة‭ ‬للذين‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البرامج،‭ ‬وبالأخص‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬منهم‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يكملوا‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬والذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬وخدمة‭ ‬الوطن،‭ ‬وهم‭ ‬فئة‭ ‬تم‭ ‬اهدار‭ ‬طاقتها‭ ‬وحُرم‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬نفعها‭ ‬دون‭ ‬مبرر‭ ‬معقول‭ ‬ومقبول‭. ‬

وقد‭ ‬اخترت‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬عن‭ ‬المتقاعدين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬المتقاعدين‭ ‬بعدما‭ ‬تسلموا‭ ‬راتب‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬الزيادة‭ ‬السنوية،‭ ‬وأعلم‭ -‬وليت‭ ‬من‭ ‬بيده‭ ‬القرار‭ ‬يعلم‭- ‬كم‭ ‬هو‭ ‬مؤلم‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬وتذكرت‭ ‬صوت‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬سعد‭ ‬سلطان‭ ‬صوت‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يردد‭ (‬لك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬مواطن‭)‬،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تعتبر‭ ‬فئة‭ ‬ضعيفة،‭ ‬لذا‭ ‬تجد‭ ‬أنها‭ ‬الفئة‭ ‬الأكثر‭ ‬التي‭ ‬يتعالى‭ ‬صوتها‭ ‬بالمطالبات،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬مرّت‭ ‬وتمر‭ ‬به‭ ‬الصناديق‭ ‬التقاعدية‭ ‬من‭ ‬إخفاقات‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأموال‭ ‬التقاعدية‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة،‭ ‬انتهت‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬قرار‭ ‬اتخذ‭ ‬وتسبب‭ ‬للمتقاعدين‭ ‬في‭ ‬ضيق‭ ‬النفس‭ ‬والحال‭ ‬وهو‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬وقف‭ ‬صرف‭ ‬الزيادة‭ ‬السنوية‭ ‬في‭ ‬المعاشات‭ ‬التقاعدية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تشكل‭ ‬متنفساً‭ ‬بسيطاً‭ ‬للمتقاعدين‭ ‬لمواجهة‭ ‬متغيرات‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومتطلباتها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬تفشّي‭ ‬البطالة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المتقاعد‭ ‬باعتبار‭ ‬اختلال‭ ‬العجلة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الاسرية،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬بيُسر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عمل‭ ‬الأبناء‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬لآبائهم‭ ‬بشكل‭ ‬يحقق‭ ‬توازنا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬في‭ ‬الأسرة،‭ ‬فتسقط‭ ‬مصاريف‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬موازنة‭ ‬الوالدين‭ ‬ويُسهم‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬والديهم‭ ‬ويتحسن‭ ‬بذلك‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتسير‭ ‬سفينة‭ ‬الأسرة‭ ‬بشكل‭ ‬آمن،‭ ‬أما‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الأبناء‭ ‬يبقون‭ ‬بلا‭ ‬عمل،‭ ‬فإن‭ ‬أعباء‭ ‬الآباء‭ ‬مستمرة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬معاشاتهم‭ ‬التقاعدية،‭ ‬وتتفاقم‭ ‬بذلك‭ ‬إشكالية‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬واحتياجاته‭.‬

وتبقى‭ ‬دائما‭ ‬المطالبة‭ ‬بإعادة‭ ‬صرف‭ ‬الزيادات‭ ‬السنوية‭ ‬للمعاشات‭ ‬التقاعدية‭ ‬موضوعاً‭ ‬لا‭ ‬تجفّ‭ ‬قنوات‭ ‬المطالبة‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬يتحقق‭ ‬ويفرح‭ ‬المواطن‭ ‬باسترجاع‭ ‬حقّه‭ ‬السنوي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬منازعة‭ ‬في‭ ‬استحقاقه‭ ‬له،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬عمل‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬وأصحاب‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الصناديق‭ ‬التقاعدية‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬وأموال‭ ‬المتقاعدين‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬ومكافحة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد‭ ‬المتوقعة‭ ‬تجاهها‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬من‭ ‬المؤمل‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬متقاعديها‭ ‬هم‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية،‭ ‬يجب‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيها،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬كما‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬الشباب،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬لديها‭ ‬المتقاعد‭ ‬ألا‭ ‬تُسقط‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬تاريخها‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬عمرهم‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬أعمالها،‭ ‬لذا‭ ‬في‭ ‬لفتة‭ ‬إنسانية‭ ‬منها‭ ‬نأمل‭ ‬من‭ ‬الوزارات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬متقاعديها،‭ ‬وأن‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬منتسبيها‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬المتقاعدين‭ ‬وأن‭ ‬تقوم‭ ‬بدعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬مناسباتها‭ ‬وفعالياتها‭ ‬العامة‭ ‬ليبقى‭ ‬التواصل‭ ‬مستمراً‭ ‬إذ‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المتقاعد‭ ‬عيناً‭ ‬لها‭ ‬يدعم‭ ‬أعمالها‭ ‬ويراقب‭ ‬معها‭.‬

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا