العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

مكانة وفضل «ليلة النصف من شعبان» في حياة المسلمين

الجمعة ٠١ مارس ٢٠٢٤ - 02:00

بقلم‭: ‬محمد‭ ‬عطية*

 

يدور‭ ‬الحديث‭ ‬كلما‭ ‬اقتربت‭ ‬ليلة‭ ‬النصف‭ ‬من‭ ‬شعبان‭ ‬حول‭ ‬مشروعية‭ ‬إحيائها‭ ‬وتسرد‭ ‬الأحاديث‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬فيها‭ ‬وتنقل‭ ‬أحكام‭ ‬العلماء‭ ‬عليها،‭ ‬ولسنا‭ ‬بصدد‭ ‬أن‭ ‬نتناول‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وإنما‭ ‬بصدد‭ ‬كونها‭ ‬منحة‭ ‬ربانية‭ ‬لأصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬السليمة‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬والحريصة‭ ‬على‭ ‬تصفية‭ ‬النزاعات‭ ‬الدنيوية‭ ‬والقادرة‭ ‬على‭ ‬الصفح‭ ‬ولا‭ ‬يقدر‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬ذو‭ ‬حظ‭ ‬عظيم‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭.‬

‭ ‬يبحث‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬المغفرة‭ ‬والرحمة‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬وأبوابهما‭ ‬مفتوحة‭ ‬ولهما‭ ‬مواسم،‭ ‬منها‭ ‬ليلة‭ ‬النصف‭ ‬من‭ ‬شعبان‭ ‬قَالَ‭ ‬رَسُولِ‭ ‬اللهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬الله‭ ‬عَليْهِ‭ ‬وسَلَّمَ‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬لَيَطَّلِعُ‭ ‬فِي‭ ‬لَيْلَةِ‭ ‬النِّصْفِ‭ ‬مِنْ‭ ‬شَعْبَانَ،‭ ‬فَيَغْفِرُ‭ ‬لِجَمِيعِ‭ ‬خَلْقِهِ،‭ ‬إِلاَّ‭ ‬لِمُشْرِكٍ‭ ‬أَوْ‭ ‬مُشَاحِنٍ‮»‬‭.‬

وقَالَ‭ ‬النَّبِيَّ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬يَطْلُعُ‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَى‭ ‬عِبَادِهِ‭ ‬لَيْلَةَ‭ ‬النِّصْفِ‭ ‬مِنْ‭ ‬شَعْبَانَ‭ ‬فَيَغْفِرُ‭ ‬لِلْمُؤْمِنِينَ‭ ‬وَيُمْهِلُ‭ ‬الْكَافِرِينَ،‭ ‬وَيَدَعُ‭ ‬أَهْلَ‭ ‬الْحِقْدِ‭ ‬بِحِقْدِهِمْ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يَدَعُوهُ‮» ‬فالمحروم‭ ‬من‭ ‬نيل‭ ‬المغفرة‭ ‬ليلة‭ ‬النصف‭ ‬من‭ ‬شعبان‭ ‬المشرك‭ ‬والمشاحن‭ ‬والحقود،‮ ‬فأصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬العكرة‭ ‬بالشحناء‭ ‬والبغضاء‭ ‬والحقد‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬لا‭ ‬تنفعهم‭ ‬أعمالهم‭ ‬الصالحة‭.‬

‭ ‬ولأن‭ ‬الدنيا‭ ‬دار‭ ‬فتن‭ ‬وتنافس‭ ‬أحيانا‭ ‬يكون‭ ‬التنافس‭ ‬شريفا‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يتجرد‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬والقيم،‭ ‬يحدث‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وقد‭ ‬يتطور‭ ‬ليصبح‭ ‬خصومة‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬عداوة‭ ‬تراق‭ ‬فيها‭ ‬الدماء‭ ‬أو‭ ‬تحصل‭ ‬القطيعة‭ ‬ويحرم‭ ‬الخصوم‭ ‬من‭ ‬حقوقهم،‭ ‬لذا‭ ‬كانت‭ ‬التوجيهات‭ ‬النبوية‭ ‬التي‭ ‬تقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬النزاع،‭ ‬قَالَ‭ ‬النَّبي‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬إِيَّاكُمْ‭ ‬وَالظَّنَّ،‭ ‬فَإِنَّ‭ ‬الظَّنَّ‭ ‬أَكْذَبُ‭ ‬الحَدِيثِ،‭ ‬وَلاَ‭ ‬تَحَسَّسُوا،‭ ‬وَلاَ‭ ‬تَجَسَّسُوا،‭ ‬وَلاَ‭ ‬تَحَاسَدُوا،‭ ‬وَلاَ‭ ‬تَدَابَرُوا،‭ ‬وَلاَ‭ ‬تَبَاغَضُوا،‭ ‬وَكُونُوا‭ ‬عِبَادَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إِخْوَانًا‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬قائمة‭ ‬وتطلع‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الآخرين‭ ‬بالحق‭ ‬أو‭ ‬بالباطل‭ ‬موجود‭.‬

إن‭ ‬اختلاف‭ ‬الأنظار‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التقدير‭ ‬والأهواء‭ ‬التي‭ ‬تهلك‭ ‬الإنسان‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬دوافع‭ ‬ترسخ‭ ‬من‭ ‬الخصومة‭ ‬والغضب‭ ‬وتدعو‭ ‬إلى‭ ‬القطيعة،‭ ‬ولا‭ ‬يترك‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬المتخاصمين‭ ‬لهذه‭ ‬الشرور‭ ‬تهلكهما‭ ‬بل‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬ما‭ ‬انقطع‭ ‬من‭ ‬الود‭ ‬ووصف‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بهذه‭ ‬المحاولة‭ ‬بأنه‭ ‬خير‭ ‬الخصمين‭.‬

قَالَ‭ ‬النَّبِي‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬لاَ‭ ‬يَحِلُّ‭ ‬لِمُسْلِمٍ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَهْجُرَ‭ ‬أَخَاهُ‭ ‬فَوْقَ‭ ‬ثَلاَثٍ،‭ ‬يَلْتَقِيَانِ‭: ‬فَيَصُدُّ‭ ‬هَذَا‭ ‬وَيَصُدُّ‭ ‬هَذَا،‭ ‬وَخَيْرُهُمَا‭ ‬الَّذِي‭ ‬يَبْدَأُ‭ ‬بِالسَّلاَمِ‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬نزاع‭ ‬هناك‭ ‬ظالم‭ ‬ومظلوم‭ ‬ومجتمع،‭ ‬والإسلام‭ ‬حريص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الظلم‭ ‬فيتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الظالم‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬وَلَا‭ ‬تَحْسَبَنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬غَافِلًا‭ ‬عَمَّا‭ ‬يَعْمَلُ‭ ‬الظَّالِمُونَ‭ ‬إِنَّمَا‭ ‬يُؤَخِّرُهُمْ‭ ‬لِيَوْمٍ‭ ‬تَشْخَصُ‭ ‬فِيهِ‭ ‬الْأَبْصَارُ‮»‬‭ (‬إبراهيم‭: ‬42‭)‬،‭ ‬فإمهال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لك‭ ‬أيها‭ ‬الظالم‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ستنجو‭ ‬بأفعالك،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مسجلة‭ ‬معلومة،‭ ‬وستحاسب‭ ‬عليها،‭ ‬لذا‭ ‬بادر‭ ‬بإصلاح‭ ‬أخطائك،‭ ‬قَالَ‭ ‬رَسُول‭ ‬اللَّهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬مَنْ‭ ‬كَانَتْ‭ ‬عِنْدَهُ‭ ‬مَظْلِمَةٌ‭ ‬لِأَخِيهِ‭ ‬فَلْيَتَحَلَّلْهُ‭ ‬مِنْهَا،‭ ‬فَإِنَّهُ‭ ‬لَيْسَ‭ ‬ثَمَّ‭ ‬دِينَارٌ‭ ‬وَلاَ‭ ‬دِرْهَمٌ،‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلِ‭ ‬أَنْ‭ ‬يُؤْخَذَ‭ ‬لِأَخِيهِ‭ ‬مِنْ‭ ‬حَسَنَاتِهِ،‭ ‬فَإِنْ‭ ‬لَمْ‭ ‬يَكُنْ‭ ‬لَهُ‭ ‬حَسَنَاتٌ‭ ‬أُخِذَ‭ ‬مِنْ‭ ‬سَيِّئَاتِ‭ ‬أَخِيهِ‭ ‬فَطُرِحَتْ‭ ‬عَلَيْهِ‮»‬‭.‬

أيها‭ ‬المؤمن‭ ‬قدم‭ ‬الاعتذار‭ ‬المناسب‭ ‬والترضية‭ ‬التي‭ ‬تريح‭ ‬القلب‭ ‬وتستل‭ ‬الحقد‭ ‬وأعد‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬بإمكانك‭ ‬الآن‭ ‬فإذا‭ ‬فاتت‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬فستكون‭ ‬الترضية‭ ‬بالحسنات‭ ‬والسيئات‭. ‬ويرغّب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬العفو‭ ‬والصفح‭ -‬وَإِنْ‭ ‬تَعْفُوا‭ ‬وَتَصْفَحُوا‭ ‬وَتَغْفِرُوا‭ ‬فَإِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬غَفُورٌ‭ ‬رَحِيمٌ‭- (‬التغابن‭: ‬14‭).‬

يسعى‭ ‬الظالم‭ ‬لإصلاح‭ ‬خطأه‭ ‬ويقابله‭ ‬المظلوم‭ ‬بالعفو،‭ ‬ويكمل‭ ‬المجتمع‭ ‬ما‭ ‬يعجز‭ ‬عنه‭ ‬الأفراد،‭ ‬فيتدخل‭ ‬في‭ ‬الخصومات‭ ‬لكي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬اتفاق،‭ ‬تصان‭ ‬معها‭ ‬الطاقات‭ ‬التي‭ ‬تهدر‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الانتقام‭ ‬والكيد‭ ‬للخصوم،‭ ‬ويدعو‭ ‬النبي‮ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬المجتمع‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بدوره في‭ ‬الإصلاح لينال‭ ‬أعلى‭ ‬الدرجات‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قَالَ‭ ‬رَسُولُ‭ ‬اللهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬أَلَا‭ ‬أُخْبِرُكُمْ‭ ‬بِأَفْضَلَ‭ ‬مِنْ‭ ‬دَرَجَةِ‭ ‬الصَّلَاةِ،‭ ‬وَالصِّيَامِ،‭ ‬وَالصَّدَقَةِ؟‮»‬‭ ‬قَالُوا‭: ‬بَلَى‭ ‬قَالَ‭: ‬‮«‬إِصْلَاحُ‮ ‬ذَاتِ‭ ‬الْبَيْنِ‭ ‬قَالَ‭: ‬وَفَسَادُ‭ ‬ذَاتِ‭ ‬الْبَيْنِ‭ ‬هِيَ‭ ‬الْحَالِقَةُ‮»‬‭.‬

ذلك‭ ‬ان‭ ‬الخصومات‭ ‬قنابل‭ ‬موقوتة تنفجر‭ ‬في‭ ‬المتخاصمين،‭ ‬ويتناثر‭ ‬ضررها‭ ‬لينال‭ ‬المجتمع‭ ‬وأسوأ‭ ‬ما‭ ‬فيها،‭ ‬أنها‭ ‬تتوارث‭ ‬بين‭ ‬الأجيال،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬لزاما‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لهم‭ ‬القبول‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ومن‭ ‬يقدر‭ ‬الناس‭ ‬آراءهم‭ ‬ويرضون‭ ‬بحكمهم،‭ ‬أن‭ ‬يبذلوا‭ ‬وقتهم‭ ‬وجهدهم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الإصلاح‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وهذا‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬مشقته‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬له‭ ‬أجرا‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وأثرا‭ ‬عند‭ ‬الناس‭. ‬

تفسد‭ ‬الخصومات‭ ‬دين‭ ‬البعض‭ ‬وتضعهم‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬مكان‭ ‬حيث‭ ‬تدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬التربص‭ ‬بالخصم‭ ‬وتتبع‭ ‬عوراته‭ ‬واختلاق‭ ‬الكذب‭ ‬عليه؛‭ ‬لكي‭ ‬تتشوه‭ ‬صورته‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتقبل‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬يلاقيه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬وعدوان،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬الجرائم‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬قَالَ‭ ‬النَّبّي‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَرْبَى‭ ‬الرِّبَا‭ ‬الِاسْتِطَالَةَ‭ ‬فِي‭ ‬عِرْضِ‭ ‬الْمُسْلِمِ‭ ‬بِغَيْرِ‭ ‬حَقٍّ‮»‬‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الربا‭ ‬دركات‭ ‬فمن‭ ‬أسوأ‭ ‬مستوياته‭ ‬الاستطالة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬امرئ‭ ‬مسلم‭ ‬باحتقاره‭ ‬والتكبر‭ ‬عليه‭ ‬وقذفه‭ ‬وسبه‭. ‬ومن‭ ‬الآثار‭ ‬السيئة‭ ‬للخصومات‭ ‬أنها‭ ‬تجعل‭ ‬أسوأ‭ ‬الخصمين‭ ‬من‭ ‬شرار‭ ‬الناس،‭ ‬قَالَ‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬أَلَا‭ ‬أُخْبِرُكُمْ‭ ‬بِشِرَارِكُمْ؟‭ ‬الْمَشَّاءُونَ‭ ‬بِالنَّمِيمَةِ،‭ ‬الْمُفْسِدُونَ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬الْأَحِبَّةِ،‭ ‬الْبَاغُونَ‭ ‬لِلْبُرَآءِ‭ ‬الْعَنَتَ‮»‬‭.‬

إن‭ ‬الأحقاد‭ ‬تطارد‭ ‬الإيمان‭ ‬داخل‭ ‬القلب‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬يطرد‭ ‬أحدهما‭ ‬الآخر‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬وَلَا‭ ‬يَجْتَمِعَانِ‭ ‬فِي‭ ‬قَلْبِ‭ ‬عَبْدٍ‭ ‬الْإِيمَانُ‭ ‬وَالْحَسَدُ‮»‬‭. ‬الأحقاد‭ ‬تضيع‭ ‬الحسنات‭ ‬وتجعلها‭ ‬هباء‭ ‬منثورا،‭ ‬قال‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬إياكُم‭ ‬والحَسَدَ،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الحَسَدَ‭ ‬يأكُلُ‭ ‬الحَسَناتِ‭ ‬كما‭ ‬تأكُلُ‭ ‬النَارُ‭ ‬الحَطَبَ‭ - ‬أو‭ ‬قال‭: ‬العُشب‮»‬‭.‬

وهناك‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬الحسد‭ ‬واستنكار‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬التوزيع،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نخلط‭ ‬بينهما،‭ ‬فالأول‭ ‬مرض‭ ‬قلبي‭ ‬يفسد‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا،‭ ‬والثاني‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬والله‭ ‬تعالى‭ ‬عليم‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬هل‭ ‬تقوم‭ ‬باستنكار‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬النصيحة‭ ‬لله‭ ‬ورسوله‭ ‬وللمؤمنين،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬ذلك حقد‭ ‬يلبس‭ ‬ثياب‭ ‬الواعظ‭ ‬لكي‭ ‬يتقبله‭ ‬الناس‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأينا‭ ‬الآثار‭ ‬السيئة‭ ‬للأحقاد‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نقارن‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الآثار‭ ‬الحسنة‭ ‬لسلامة‭ ‬الصدر‭. ‬

وأولها‭: ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬الصدور‭ ‬السليمة‭ ‬هم‭ ‬خير‭ ‬الناس‭ ‬يُسأل‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬أَيُّ‭ ‬النَّاسِ‭ ‬أَفْضَلُ؟‭ ‬قَالَ‭: ‬‮«‬كُلُّ‭ ‬مَخْمُومِ‭ ‬الْقَلْبِ،‭ ‬صَدُوقِ‭ ‬اللِّسَانِ‮»‬،‭ ‬قَالُوا‭: ‬صَدُوقُ‭ ‬اللِّسَانِ،‭ ‬نَعْرِفُهُ،‭ ‬فَمَا‭ ‬مَخْمُومُ‭ ‬الْقَلْبِ؟‭ ‬قَالَ‭: ‬‮«‬هُوَ‭ ‬التَّقِيُّ‭ ‬النَّقِيُّ،‭ ‬لَا‭ ‬إِثْمَ‭ ‬فِيهِ،‭ ‬وَلَا‭ ‬بَغْيَ،‭ ‬وَلَا‭ ‬غِلَّ،‭ ‬وَلَا‭ ‬حَسَدَ‮»‬‭. ‬وتحقق‭ ‬العبادات‭ ‬الغاية‭ ‬منها‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬الشريف‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬فتنظف‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬صدره‭ ‬من‭ ‬كراهية‭ ‬لشخص‭ ‬بسبب‭ ‬الدنيا،‭ ‬وكما‭ ‬تتطهر‭ ‬الأبدان‭ ‬بماء‭ ‬الوضوء‭ ‬تتطهر‭ ‬القلوب‭ ‬بالصلاة‭ ‬وتتصافى‭ ‬مما‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬كدر‭. ‬وهكذا‭ ‬كل‭ ‬العبادات‭ ‬تعمل‭ ‬كمنظفات‭ ‬للقلوب‭.‬

إن‭ ‬أصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬الطاهرة‭ ‬مبشرون‭ ‬من‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالجنة‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لأصحابه‭ ‬يطلع‭ ‬عليكم‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الجنة‭ ‬فلما‭ ‬فتشوا‭ ‬عن‭ ‬حاله‭ ‬هل‭ ‬يصوم‭ ‬النهار‭ ‬ويقوم‭ ‬الليل‭ ‬ويتصدق‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬وجدوه كما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬لَا‭ ‬أَجِدُ‭ ‬فِي‭ ‬نَفْسِي‭ ‬لِأَحَدٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمُسْلِمِينَ‭ ‬غِشًّا،‭ ‬وَلَا‭ ‬أَحْسُدُ‭ ‬أَحَدًا‭ ‬عَلَى‭ ‬خَيْرٍ‭ ‬أَعْطَاهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬إِيَّاه‮»‬‭.‬

إذا‭ ‬تنافس‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ‬وأزهقوا‭ ‬الأرواح‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬فإن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يبين‭ ‬المجال‭ ‬الحقيقي‭ ‬للتنافس‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬لَا‭ ‬حَسَدَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬فِي‭ ‬اثْنَتَيْنِ‭: ‬رَجُلٌ‭ ‬آتَاهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬الْقُرْآنَ‭ ‬فَهُوَ‭ ‬يَقُومُ‭ ‬بِهِ‭ ‬آنَاءَ‭ ‬اللَّيْلِ،‭ ‬وَآنَاءَ‭ ‬النَّهَارِ،‭ ‬وَرَجُلٌ‭ ‬آتَاهُ‭ ‬اللهُ‭ ‬مَالًا،‭ ‬فَهُوَ‭ ‬يُنْفِقُهُ‭ ‬آنَاءَ‭ ‬اللَّيْلِ،‭ ‬وَآنَاءَ‭ ‬النَّهَارِ‮»‬‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬لاَ‭ ‬حَسَدَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬فِي‭ ‬اثْنَتَيْنِ‭: ‬رَجُلٌ‭ ‬آتَاهُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مَالًا‭ ‬فَسُلِّطَ‭ ‬عَلَى‭ ‬هَلَكَتِهِ‭ ‬فِي‭ ‬الحَقِّ،‭ ‬وَآخَرُ‭ ‬آتَاهُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬حِكْمَةً،‭ ‬فَهُوَ‭ ‬يَقْضِي‭ ‬بِهَا‭ ‬وَيُعَلِّمُهَا‮»‬‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬أهل‭ ‬الحقد‭ ‬يتمنون‭ ‬وقوع‭ ‬المصائب‭ ‬بالناس‭ ‬إن‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بهم‭ ‬فإن‭ ‬المؤمنين‭ ‬يتمنون‭ ‬نزول‭ ‬الخير‭ ‬بالناس‭ ‬إن‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭ ‬إيصاله‭ ‬لهم‭ ‬ويفرحون‭ ‬إذا‭ ‬أصاب‭ ‬عبد‭ ‬من‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬رزق‭ ‬في‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬ولد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الرزق‭.‬

إن‭ ‬مسألة‭ ‬الأحقاد‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬يتركها‭ ‬الإنسان‭ ‬حتى‭ ‬تفسد‭ ‬عليه‭ ‬حياته‭ ‬وتحرمه‭ ‬من‭ ‬ثواب‭ ‬أعماله‭ ‬وتفوت‭ ‬عليه‭ ‬فرصة‭ ‬المغفرة‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬النصف‭ ‬من‭ ‬شعبان،‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬بتعهد‭ ‬القلب‭ ‬باستمرار‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬خير،‭ ‬وبأخذ‭ ‬خطوة‭ ‬للصلح،‭ ‬وبتجاوز‭ ‬المراحل‭ ‬المؤلمة‭ ‬في‭ ‬عمرنا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تلاحقنا‭ ‬الآلام‭ ‬والمتاعب‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭.‬

*‭ ‬باحث‭ ‬وكاتب‭ ‬إسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا