العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

المسلمون وتحديات ما بعد رمضان

بقلم: محمد الحمود النجدي*

الجمعة ١٢ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

لئن‭ ‬كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬قد‭ ‬انتهى،‭ ‬فإن‭ ‬عمل‭ ‬المسلم‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬إلا‭ ‬بمفارقة‭ ‬روحه‭ ‬بدنه،‭ ‬قال‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬لنبيه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: (‬واعبد‭ ‬ربك‭ ‬حتى‭ ‬يأتيك‭ ‬اليقين‭) ‬وقال‭ ‬سبحانه‭ ‬عن‭ ‬عيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭: (‬وأوصاني‭ ‬بالصلاة‭ ‬والزكاة‭ ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬حياً‭).‬

وذكر‭ ‬لبعض‭ ‬السلف‭ ‬أناسا‭ ‬يجتهدون‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬ثم‭ ‬يتركون‭ ‬ذلك‭ ‬بعده،‭ ‬فقال‭: (‬بئس‭ ‬القوم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭)!.‬

فلئن‭ ‬كان‭ ‬صيام‭ ‬الفرض‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬قد‭ ‬انقضى‭ ‬زمنه،‭ ‬فقد‭ ‬شرع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للسابقين‭ ‬بالخيرات‭ ‬أياماً‭ ‬تصام‭ ‬طوال‭ ‬العام،‭ ‬أولها‭ ‬صيام‭ ‬الست‭ ‬من‭ ‬شوال،‭ ‬ففي‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭: ‬من‭ ‬حديث‭ ‬أبي‭ ‬أيوب‭ ‬الأنصاري‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬من‭ ‬صام‭ ‬رمضان‭ ‬ثم‭ ‬أتبعه‭ ‬ستا‭ ‬من‭ ‬شوال‭ ‬كان‭ ‬كصيام‭ ‬الدهر‮»‬‭ .‬

وصيام‭ ‬الإثنين‭ ‬والخميس،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬قال‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬تعرض‭ ‬الأعمال‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬والخميس،‭ ‬فأحب‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬عملي‭ ‬وأنا‭ ‬صائم‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الترمذي‭ .‬

أو‭ ‬صيام‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬والأولى‭ ‬والأحسن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أيام‭ ‬البيض‭ ‬وهي‭: ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬والرابع‭ ‬عشر‭ ‬والخامس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬العربي،‭ ‬لحديث‭ ‬أبي‭ ‬ذر‭ ‬قال‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أبا‭ ‬ذر،‭ ‬إذا‭ ‬صمت‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬فصم‭ ‬ثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬وأربع‭ ‬عشرة‭ ‬وخمس‭ ‬عشرة‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الترمذي‭ ‬والنسائي‭ .‬

وإلا‭ ‬صام‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬الشهر،‭ ‬لحديث‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭: ‬أوصاني‭ ‬خليلي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بثلاث‭.. ‬وأن‭ ‬أصوم‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شهر‭.‬

وصيام‭ ‬شهر‭ ‬الله‭ ‬الحرام،‭ ‬ففي‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭: ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬سئل‭: ‬أي‭ ‬الصيام‭ ‬أفضلُ‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان؟‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أفضل‭ ‬الصيام‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬صيام‭ ‬شهر‭ ‬الله‭ ‬المحرم‮»‬‭.‬

وصيام‭ ‬يوم‭ ‬عرفة،‭ ‬فإنه‭ ‬يكفر‭ ‬سنتين‭: ‬ماضية‭ ‬وباقية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭. ‬وصيام‭ ‬عاشوراء‭ ‬يكفر‭ ‬سنة‭ ‬ماضية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التطوعات‭.‬

ولئن‭ ‬كان‭ ‬قيام‭ ‬رمضان‭ ‬قد‭ ‬انتهى،‭ ‬فإن‭ ‬قيام‭ ‬الليل‭ ‬هو‭ ‬دأب‭ ‬الصالحين‭ ‬الأخيار‭ ‬دائماً،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬عليكم‭ ‬بقيام‭ ‬الليل،‭ ‬فإنه‭ ‬دأب‭ ‬الصالحين‭ ‬قبلكم،‭ ‬وقربةٌ‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ومنهاةٌ‭ ‬عن‭ ‬الإثم،‭ ‬وتكفير‭ ‬للسيئات،‭ ‬ومطردة‭ ‬للداء‭ ‬عن‭ ‬الجسد‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬أحمد‭ ‬والترمذي‭ ‬والحاكم‭ ‬عن‭ ‬بلال‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ .‬

وقوله‭ ‬تعالى‭: (‬تتجافى‭ ‬جنوبهم‭ ‬عن‭ ‬المضاجع‭ ‬يدعون‭ ‬ربهم‭ ‬خوفاً‭ ‬وطمعاً‭ ‬ومما‭ ‬رزقناهم‭ ‬ينفقون‭) ‬السجدة‭ .‬

وقوله‭: (‬وعباد‭ ‬الرحمن‭ ‬الذين‭ ‬يمشون‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬هوناً‭ ‬وإذا‭ ‬خاطبهم‭ ‬الجاهلون‭ ‬قالوا‭ ‬سلاماً‭  ‬والذين‭ ‬يبيتون‭ ‬لربهم‭ ‬سجداً‭ ‬وقياماً‭) (‬الفرقان‭: ‬63‭ -‬65‭).‬

ولئن‭ ‬كان‭ ‬رمضان‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬القرآن‭ ‬الذي‭ ‬أنزل‭ ‬فيه،‭ ‬ويكثر‭ ‬فيه‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬قراءته‭ ‬وسماعه‭ ‬في‭ ‬أيامه‭ ‬ولياليه،‭ ‬فإن‭ ‬المؤمن‭ ‬لا‭ ‬يهجر‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬رمضان،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬كتابه‭ ‬الأول‭ ‬يتلوه‭ ‬ليلاً‭ ‬ونهارا،‭ ‬سراً‭ ‬وجهارا،‭ ‬سفراً‭ ‬وحضراً،‭ ‬لا‭ ‬يفارقه‭ ‬أبداً،‭ ‬قال‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: (‬الذين‭ ‬آتيناهم‭ ‬الكتاب‭ ‬يتلونه‭ ‬حق‭ ‬تلاوته‭ ‬أولئك‭ ‬يؤمنون‭ ‬به‭) (‬البقرة‭: ‬121‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬سبحانه‭: (‬إن‭ ‬الذين‭ ‬يتلون‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬وأقاموا‭ ‬الصلاة‭ ‬وأنفقوا‭ ‬مما‭ ‬رزقناهم‭ ‬سراً‭ ‬وعلانية‭ ‬يرجون‭ ‬تجارة‭ ‬لن‭ ‬تبور‭) (‬فاطر‭: ‬29‭) .‬

وقد‭ ‬أثنى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭ ‬بقوله‭: (‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭ ‬أمة‭ ‬قائمة‭ ‬يتلون‭ ‬آيات‭ ‬الله‭ ‬آناء‭ ‬الليل‭ ‬وهم‭ ‬يسجدون‭) (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬113‭) .‬

وقد‭ ‬أوصى‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬قراءته‭ ‬ومعاهدة‭ ‬حفظه،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬تعاهدوا‭ ‬القرآن،‭ ‬فوالذي‭ ‬نفسي‭ ‬بيده‭ ‬لهو‭ ‬أشدُّ‭ ‬تفصياً‭ ‬من‭ ‬الإبل‭ ‬في‭ ‬عقلها‮»‬‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭.‬

ولئن‭ ‬كان‭ ‬رمضان‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬الزكاة‭ ‬لأكثر‭ ‬المسلمين،‭ ‬فإن‭ ‬إنفاق‭ ‬المنفقين‭ ‬الخيرين‭ ‬لا‭ ‬ينقضي‭ ‬ولا‭ ‬ينتهي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مستمر‭ ‬دائم،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: (‬الذين‭ ‬ينفقون‭ ‬أموالهم‭ ‬بالليل‭ ‬والنهار‭ ‬سراً‭ ‬وعلانية‭ ‬فلهم‭ ‬أجرهم‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬ولا‭ ‬خوف‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬يحزنون‭) (‬البقرة‭: ‬274‭).‬

وقال‭: (‬والذين‭ ‬في‭ ‬أموالهم‭ ‬حق‭ ‬معلوم‭ - ‬للسائل‭ ‬والمحروم‭) (‬المعارج‭: ‬25‭-‬26‭).‬

وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬دوام‭ ‬إنفاقهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬وحين،‭ ‬وليس‭ ‬خاصاً‭ ‬بزمن‭ ‬دون‭ ‬زمن،‭ ‬لأن‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬حاجاتهم‭ ‬مستمرة،‭ ‬فلا‭ ‬يغفل‭ ‬عنهم‭ ‬المسلم‭ ‬بقية‭ ‬السنة‭ ‬

وكان‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أجود‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬أجود‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬لكن‭ ‬هو‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كان‭ ‬أجود‭ ‬الناس‭ ‬دوما،‭ ‬بل‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬أصحابه‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬سئل‭ ‬شيئاً‭ ‬قط‭ ‬فقال‭: ‬لا‭.‬

وجوده‭ ‬كان‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الجود،‭ ‬بالمال‭ ‬وبالعلم‭ ‬وبالبدن‭ ‬وبالجاه‭.‬

ولئن‭ ‬كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬إطعام‭ ‬الطعام‭ ‬للفقراء‭ ‬والأقرباء‭ ‬والجيران،‭ ‬فينبغي‭ ‬أن‭ ‬يدوم‭ ‬ذلك‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬تكفير‭ ‬السيئات‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬مشروط‭ ‬بترك‭ ‬الكبائر‭ ‬من‭ ‬الذنوب،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬‮«‬الصلوات‭ ‬الخمس،‭ ‬والجمعة‭ ‬إلى‭ ‬الجمعة،‭ ‬ورمضان‭ ‬إلى‭ ‬رمضان،‭ ‬مكفرات‭ ‬لما‭ ‬بينهن،‭ ‬إذا‭ ‬اجتنبت‭ ‬الكبائر‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬مسلم‭ .‬

فاللهم‭ ‬نسألك‭ ‬دوام‭ ‬فعل‭ ‬الخيرات،‭ ‬وترك‭ ‬المنكرات،‭ ‬وحب‭ ‬المساكين،‭ ‬وأن‭ ‬تغفر‭ ‬لنا‭ ‬وترحمنا،‭ ‬وتتوب‭ ‬علينا،‭ ‬يا‭ ‬سميع‭ ‬الدعاء‭.‬

*‭ ‬باحث‭ ‬وكاتب‭ ‬إسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا