قالت جليلة اسماعيل الخباز مديرة مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين إن الزواج يعد عامل بناء يحفظ النوع ويوسع شبكة العلاقات ويزيد من التماسك الاجتماعي، بعكس الطلاق الذي يؤثر تأثيراً بالغاً على كيان الأسرة والمجتمع بأسره، وهو من الظواهر الاجتماعية التي يصنفها الخبراء والأكاديميون بأنها خطيرة وتهدد جودة الحياة الأسرية والنفسية، وهي وراء إيقاظ العديد من المشكلات النفسية، مشيرة إلى أنه على الرغم من كون قرار الطلاق فرديا وأسبابه خاصة تعني المطلقين بشكل مباشر، فإننا لا يمكن أن نغفل التغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والتكنولوجية، وطبيعة استجابة الفرد لهذه التغيرات وتأثيرها المباشرة على العلاقات الزواجية.
وأضافت أنه أصبح ملاحظاً بشكل واضح ارتفاع معدلات الطلاق، وتحديداً في الفئات العمرية المنحصرة بين 25 و34 عاما، فوفقاً لبيانات المركز الاحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ بلغ إجمالي عقود الزواج والطلاق في مملكة البحرين لعام 2021م (6400) عقد زواج، مقابل (2000) عقد طلاق بنسبة ارتفاع بلغت (15.2%) مقارنة بعام 2020م، بينما بلغ إجمالي الحالات القانونية وفقاً لبيانات وسجلات مكتب النهضة للدعم القانوني التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين في الفترة 2020-2023م (437) قضية طلاق والقضايا التابعة لها من النفقة والسكن والحضانة، منها (127) قضية طلاق فقط.
وأشارت إلى أن هذه المشكلة تعتبر أحد أهم مظاهر التفكك الأسري وانحلال الروابط الأسرية. وسبب حرمان الأطفال من النمو الجسدي والنفسي والاجتماعي الطبيعي. وتبعاً لآثار هذه المشكلة وانعكاساتها غير المحمودة على الأسرة والمجتمع على حد سواء، فإننا نؤكد أهمية تناول هذه المشكلة ومعالجة أسبابها وإدارة الآثار الناجمة عنها طالما دعت الحاجة إلى ذلك.
وتابعت أنه بالنسبة لنا كعاملين في حقل الإرشاد الأسري، فإننا نتعامل بشكل مباشر مع أسباب هذه المشكلة وآثارها، ونرى أنها مشكلة معقدة ومركبة ومتعددة الجوانب، تدُكّ الأسرة وتؤدي إلى انهيار بناء أسري كامل، يدفع كل أفرادها في المقابل ثمنا نفسيا وعاطفيا وماديا باهظا، ورغم تعدد أسبابها، فيما يرتبط بعدم إشباع الاحتياجات الأساسية والقصور في تأدية الدور المنوط بكل فرد، والنزعة الفردية والتمركز حول الذات، وصولاً إلى الأسباب المادية والاجتماعية والصحية والأخلاقية، إلا أن هناك أسباباً نوعية تحمل صبغة ذاتية ونفسية خاصة.
وشددت الخباز على أن الأسرة هي صاحبة الدور الأهم والحيوي في تشكيل الشخصية وبناء القيم والاتجاهات، وعليه فإن زيادة حالات الطلاق ليست لمجرد احتقان العلاقة بين الزوجين وتدخّل الأهل فحسب، وإنما التقنيات الحديثة أيضا لعبت دوراً بما وفرته من اتصال ثقافي بعوالم متعددة وما تبعه من إعجاب بالقيم والثقافات الوافدة، فتأثرت الأسرة وباتت عرضةً للتّزعزع والاضطراب، حيث أخذت هذه الوسائل الأزواج من عالمهم الواقعي وحياة العائلة إلى عوالم أخرى ومجتمعات وثقافات وقيم مختلفة وأنماط حياتية مغايرة.
ولفتت إلى أن الارتباط بالعالم الافتراضي أكثر من الحياة الواقعية وإهمال الزوج/ة تربية الأبناء، إلى جانب زيادة المتطلبات الاستهلاكية نتيجة الاعلانات والعروض، وإهمال متابعة الاحتياجات الزواجية، وتضييع ساعات في أمور ذات صبغة فردية، إلى جانب ما تبثه وسائل الاعلام المسموعة والمرئية من ثقافة مبنية على الإغراءات الجسدية وما ينتج عنه من آثار على العلاقة العاطفية والجنسية.. كلها أسباب أوجدتها وسائل التقنية الحديثة في حياة الأسر، وهي بالضرورة مؤثرة على قرار الطلاق.
وأوضحت مديرة مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري أن الدين الإسلامي أولى أهمية كبرى لمؤسسة الزواج، واعتبره ميثاقاً غليظاً يوثق الرابطة الزواجية ويحرص على عدم انحلالها، إلا في أضيق الحدود، ولذلك شُرّع الطلاق ولكن بشرط استحالة الحياة، وهو حلّ لا بد منه يجد فيه المطلقون تخلصاً من الضغوط والمشكلات المعقدة، إلا أن حدوث الطلاق لا يعني انتهاء كل الروابط بين الزوجين فقد تستمر الروابط الاجتماعية والمالية في حال وجود الأطفال.
وأكدت أن الطلاق يكون مصدراً للمشكلات والضغوط النفسية بالنظر إلى الظروف الصعبة التي يتم فيها، مما يؤدي إلى العدوانية والرغبة الجامحة في الانتقام والإيذاء النفسي والبدني من قبل المطلقين، والذي بدوره يتسبب في الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والانعزال واليأس، وعدم اليقين بشأن المستقبل، كما تتحدد مستوى الآثار السلبية للطلاق بالتقييم النفسي والرؤية الاجتماعية للموضوع بالنسبة للمطلقين وأسرهم والبيئة المحيطة المنفرة. ويؤثر قرار إنهاء الرابطة الزواجية تأثيراً بالغاً على الأبناء أيضاً، فيعانون من الاضطرابات الوجدانية وضعف البناء النفسي والذاتي وتزداد لديهم نوبات الغضب والعنف، والشعور الدائم بالخوف وفقدان الثقة بالآخرين.
وشددت على أن مسؤولية مواجهة هذه المشكلة تقع على عاتق مختلف الجهات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني. ولنا أن نتصور السيناريو المستقبلي المتفائل الذي تنخفض فيه حالات الطلاق، إن تم اعتماد خدمة الارشاد الأسري للمقبلين على الزواج كشرط إجباري لإتمام الزواج؛ أسوةً بالتوعية بأهمية الدور الذي يقوم به الاختصاصيون النفسيون والأسريون مع المطلقين وأسرهم، في معالجة آثار ونتائج صدمة الطلاق. والتعامل مع المشاعر والأفكار اللا تكيفية والسلبية، وانعدام القيمة والاحساس باللامعنى والعجز. إلى جانب التدريب على التقبل، وصولاً إلى تنمية الذات والتمكن من استئناف الدور الأبوي من جديد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك