إعداد - عبدالـمالك سالـمان
كانت قمة الخرطوم عام 1967 واحدة من أهم مؤتمرات القمة في التاريخ العربي لأنها جاءت في العدوان الإسرائيلي وهزيمة عام 1967، ولكنها جاءت لتعلن رفض الاستسلام وإعلان التحدي والصمود في وجه العدوان) وقد شهدت هذه القمة إعادة التضامن العربي وإنهاء الخصومات والخلافات بين عدد من الدول العربية وهي تعد مؤتمر القمة الرابع الخاص بجامعة الدولة العربية، وعقدت في العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس 1967 على خلفية هزيمة عام 1967 أو ما عرف بالنكسة. وقد عرفت القمة باسم قمة اللاءات الثلاثة، حيث خرجت القمة بإصرار على التمسك بالثوابت العربية من خلال لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق إلى أصحابه. حضرت كل الدول العربية المؤتمر باستثناء سوريا.
ورغم هزيمة 1967، إلا أن قمة الخرطوم شهدت حدثا تاريخيا لافتا للنظر تمثل في الاستقبال الأسطوري من الشعب السوداني للرئيس جمال عبدالناصر، واعتبر المؤرخون ذلك بمثابة أهم أحداث المؤتمر، الذى بدأت أعماله في 29 أغسطس 1967.
في الجزء الأول من مذكراته يصف محمود رياض وزير الخارجية المصري آنذاك هذا الاستقبال على النحو التالي: بمجرد أن هبطت طائرة عبدالناصر على أرض المطار، اقتحمت الجماهير السودانية كل الحواجز، وتخطوا رجال الأمن وهو يهتفون بحياة عبد الناصر، مطالبين بالثأر من إسرائيل وتحرير الأرض، ويتذكر محمود رياض الذي أصبح فيما بعد أمينا عاما للجامعة العربية ذلك اليوم بقوله: «كنت أستقل سيارة خلف عبدالناصر، وخيل لي أن سكان الخرطوم قد خرجوا جميعا لاستقباله، وسمعت من أحد الوزراء السودانيين أن الخرطوم لم تشهد في تاريخها من قبل مثل هذا الطوفان البشري الضخم الملتف حول زعيم لم ينحن للهزيمة».
كان هذا الاستقبال الأسطوري كما يقول الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه «الانفجار»: «هو حدث المؤتمر، وهو حدث العالم العربي وقتها، كما أنه الحدث الإعلامي الأول في العالم، وكانت صور الاستقبال هي الصفحة الأولى في كل جرائد أوروبا وأمريكا».
يقول محمود رياض في مذكراته: «أعتقد أن هذه أول مرة في التاريخ يتم فيها استقبال قائد مهزوم استقبال الفاتحين»، وقد شهد المؤتمر مصالحة تاريخية بين الزعيمين الرئيس جمال عبدالناصر والعاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ساعدت في إنهاء الخلافات حول حرب اليمن في الستينيات وإعادة روح التضامن العربي وتركيز الجهود العربية من أجل إزالة آثار العدوان الإسرائيلي عام 1967 والعمل على تحرير الأراضي العربية المحتلة إثر ذلك العدوان.
وقد بدأت وقائع المؤتمر وكانت على أجندته قضايا مهمة ومؤثرة، أبرزها تقديم الدعم المادي لدول المواجهة وفي مقدمتها مصر.
أكد المؤتمر وحدة الصف العربي ووحدة العمل المشترك، وضرورة التنسيق والقضاء على جميع الخلافات. وقد أكد الملوك والرؤساء وممثلو رؤساء الدول العربية الأخرى في المؤتمر موقف بلادهم من قبل تنفيذ ميثاق التضامن العربي الذي تم التوقيع عليه في مؤتمر القمة العربي الثالث في الدار البيضاء.
وافق المؤتمر على ضرورة توحيد جميع الجهود للقضاء على آثار العدوان الإسرائيلي على أساس أن الأراضي المحتلة هي أراض عربية، وأن عبء استعادة هذه الأراضي يقع على عاتق جميع الدول العربية.
وافق رؤساء الدول العربية على توحيد الجهود السياسية على الصعيد الدولي والدبلوماسي لإزالة آثار العدوان، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي كانت تحتلها منذ عدوان 5 يونيو عام 1967 على أن يتم ذلك في إطار المبادئ الرئيسية التي يمكن للدول العربية الالتزام بها، أي «لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات معها»، والإصرار على أحقية الشعب الفلسطيني ببلاده.
أما عن الدعم المالي لدول المواجهة، فقد قررت السعودية دفع خمسين مليون جنيه إسترليني سنويا، وتبعتها الكويت التي قررت ثلاثين مليوناً، فالعراق أربعين مليوناً، ووافق العاهل الليبي الملك السنوسي على دفع ثلاثين مليوناً إسترلينيا وبالتالي وصل مجموع الدعم العربي من الدول النفطية الأربع إلى مائة وخمسين مليون جنيه إسترليني سنويا وهو مبلغ كبير بموازين وظروف اقتصاديات ذلك الزمان . وأوصى وزراء المالية والاقتصاد العرب باستخدام وقف ضخ النفط كسلاح في المعركة.
ومع ذلك، بعد دراسة شاملة للمسألة، توصل مؤتمر القمة إلى استنتاج مفاده أن ضخ النفط يمكن استخدامه كسلاح إيجابي، لأن النفط هو أهم مورد للدول العربية ومن الممكن استخدامه لتعزيز الاقتصاد في الدول العربية المتأثرة مباشرة بالعدوان، بحيث تكون هذه الدول قادرة على الصمود في المعركة.
وبالتالي، تقرر استئناف ضخ النفط، لأن النفط هو المورد العربي الإيجابي الذي يمكن أن يستخدم في خدمة الأهداف العربية. وأن ذلك سيسهم في الجهود المبذولة لتمكين تلك الدول العربية التي تعرضت للعدوان وفقدت الموارد الاقتصادية على الوقوف بحزم وإزالة آثار العدوان.
في الواقع، إن الدول المنتجة للنفط شاركت في الجهود المبذولة لتمكين الدول المتضررة من جراء العدوان على الوقوف بحزم في وجه أي ضغوط اقتصادية.
وافق المشاركون في المؤتمر على الخطة المقترحة من قبل الكويت لإنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي على أساس توصية من وزراء الاقتصاد والمالية والنفط العرب في مؤتمر بغداد.
اتفق المشاركون على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الاستعداد العسكري لمواجهة كل الاحتمالات.
وقرر المؤتمر ضرورة الإسراع في القضاء على القواعد الأجنبية في الدول العربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك