جدول أعمال مزدحم بقضايا الأمن القومي العربي أمام القادة غدا
بعد جلسة قاربت الساعة أرسلت برسائل التوافق والاتفاق العربي، أنهى وزراء الخارجية العرب أمس اجتماعهم الوزاري التحضيري لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القادة العرب «القمة الـ 33»، بعد إقرار جدول اعمال ومسودة البيان الختامي تمهيدا لرفعهما إلى القادة العرب لمناقشتهما وإقرارهما خلال أعمال القمة، وسط توقعات أن تخرج قمة البحرين بقرارات إيجابية، ومواقف موحدة تجاه القضايا والتحديات العربية المثارة، حيث ترأس اجتماع وزراء الخارجية العرب الدكتور عبداللطيف الزياني وزير الخارجية، بعد أن تسلم رئاسة الدورة الحالية من الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي الذي ترأست بلاده الدورة السابقة للقمة «32»، بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
حيث أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في الاجتماع الوزاري، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وصمة عار في جبين العالم الذي يقبل بأن تجري هذه الجرائم الإسرائيلية في هذا الزمان، وأن تمتد الى شهور طويلة قبل أن تُطالب بعض الدول بوقف فوري لإطلاق النار، رغم أن ما تمارسه إسرائيل من انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني أي قانون الحرب لا يمس الفلسطينيين وحدهم بل المنظومة العالمية وقواعدها الحاكمة والمبادئ التي تتأسس عليها.. وشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي تجرد من الشعور بالعار، ووقف مندوبه بوجه مكشوف قبل أيام يُمزق ميثاق المنظومة الأممية بلا خجل.
وقال «أبو الغيط»: «لا تكفي أي كلمات للتعبير عن مشاعر الغضب الممزوج بالحزن لدينا جميعاً، لقد تحكمت مشاعر الانتقام الأسود من قادة الاحتلال حتى فقدوا أساسيات الحس البشري السليم، وارتكبوا جرائم لها مُسمى معلوم في القانون الإنساني الدولي، مُسمى صار العالم - وبعد شهور من تراكم الفظاعات - مستعداً لنطقه بوضوح: التطهير العرقي».
وأضاف: «فالجريمة مكتملة الأركان، وهي ليست جريمة قتل فحسب، ولكنها اغتيال كامل لمجتمع بتمزيق نسيجه وتدمير مقدراته ومؤسساته بشكل كامل، بحيث لا تصير هذه الأرض قابلة للحياة، ويُدفع الناس دفعاً الى الفرار من ملاذ إلى آخر بلا جدوى، لأنه وكما صار واضحاً، لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة، واليوم ينتهي الحال بالمكدسين في رفح، اكثر من مليون فلسطيني، للنزوح إلى مناطق أخرى داخل القطاع بناء على أوامر إخلاء يصدرها الاحتلال، بعضهم ينزح للمرة الرابعة أو الخامسة، إلى العراء بلا مأوى أو أي من مقومات الحياة البشرية، بل تطاردهم في الطرقات رصاصات الاحتلال وقنابله بين الأنقاض والخيام، بل في أماكن توزيع المساعدات، وكأن المطلوب هو أن يفنى أهل غزة عن آخرهم حتى يحقق الاحتلال نصره المزعوم، وما أشنعه من مطلب وما أخسها من وسائل».
وأكد أمين عام الجامعة العربية في كلمته أمام الوزراء، أن كل تحرك سواء كان عربياً أو دولياً لوضع حد لتلك الجريمة الإسرائيلية في غزة، يظل ضرورة قصوى، وقد كانت المساعي العربية في هذا الصدد جادة وصادقة ومتواصلة منذ القمة العربية الإسلامية المشتركة التي استضافتها الرياض في نوفمبر الماضي، لتكوين قاعدة صلبة من المواقف الدولية المؤيدة للشعب الفلسطيني وحقوقه، وكشف الاحتلال وممارساته، بعد أن حاولت إسرائيل استغلال أحداث السابع من أكتوبر والتعاطف الدولي معها لتبرير مخططاتها لإنزال عقاب جماعي بالفلسطينيين.. وأشار إلى أن التصويت الدولي الكاسح قبل أيام في الجمعية العامة للأمم المتحدة لانضمام فلسطين إلى المنظومة الأممية بصفتها عوضاً كاملاً، مؤشر واضح على الموقف الدولي عموماً من كل ما يحدث في فلسطين منذ أشهر.
7 أكتوبر
كما أكد أبو الغيط أن العالم عرف أن الاستقرار الإقليمي يظل هشاً وقابلاً للانفجار طالما ظلت المشكلة الفلسطينية قائمة من دون حل، وأن إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة هما السبيل الحقيقي الوحيد لتحقيق استقرار إقليمي طال انتظاره.. وقال: «ورغم الألم الذي يعتصرنا جميعاً لمرأى الجرائم المشينة للاحتلال، فإننا أيضاً نشعر بالرضا لهذا المشهد العالمي غير المسبوق، من الوعي والإدراك لدى جيل جديد على اتساع العالم من السويد إلى الولايات المتحدة، يرى الأمور على حقيقتها، ويدرك بحسه السليم أن ما يجري في فلسطين جريمة، وأن الجريمة ليست مرتبطة بالسابع من أكتوبر، وإلا كيف نُفسر جرائم المستوطنين وعنفهم الدموي وبلطجتهم في الضفة الغربية؟، وكيف نفسر جرائم الاحتلال السابقة على 7 أكتوبر، والتالية عليه من المقابر الجماعية والتعذيب في السجون؟».. وتابع: «الاحتلال الجريمة الحقيقية، هذا ما أدركه الشباب في العالم ويسعون اليوم إلى كشفه والتنبيه إليه، ومطلبهم بسيط وواضح: أوقفوا هذه الحرب الظالمة فوراً، وأنقذوا الناس من المجاعة، ولا تقدموا الغطاء للإجرام لكي يباشر خطته المجنونة في غزة، فلا يعقل أن يهدد سعي شخص واحد للحفاظ على مستقبله السياسي مصير الملايين في المنطقة».
وشدد الأمين العام للجامعة على أن الجهد العربي عبر الشهور الماضية، سواء في إطار اللجنة الوزارية المعنية بالقضية الفلسطينية أو غيرها من الأُطر، تحرك على مستويين، الأول وقف الحرب فوراً وإغاثة أهل غزة ودعم صمودهم على أرضهم بالتصدي لمخطط التهجير المرفوض عربياً ودولياً، والثاني هو العمل من دون تأخير لتحقيق رؤية الدولتين وخلق مسار لا رجعة عنه لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف: «إننا نسعى لحشد التأييد للاعتراف بفلسطين، ليس كإجراء رمزي مهم، ولكن كجزء من مسار له معالم واضحة، يفضي إلى مؤتمر دولي تشارك فيه كافة الأطراف المقتنعة بحل الدولتين والراغبة في تعزيز فرص تحققه، فالطرفان الفلسطيني والإسرائيلي غير قادرين بمفردهما على التوصل إلى حل، ويحتاجان الى تدخل دولي مكثف ومتواصل، والطرف الأضعف في هذه المعادلة هو الشعب الذي يُمارس عليه الاحتلال، والذي من دون حماية دولية، يمكن أن يتعرض لمذابح تفوق بشاعتها كل وصف، لذلك فإن التدخل الدولي بكل صوره صار ضرورة، والعودة الى مسار المفاوضات الثنائية لم يعد خياراً ممكناً، فكيف يجري هذا التفاوض بينما هناك طرف يرفضه، بل ويرفض الإطار الذي يجري على أساسه، أي إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية؟».
أزمات عربية
وقال أبو الغيط: إن جدول الأعمال مزدحم بقضايا عربية أخرى، فرضت نفسها بواقع إلحاحها وأهميتها للأمن القومي العربي، أو بسبب التدهور الشديد الذي تشهده بعض الأوضاع، وفي هذا الصدد فإن الوضع الصعب في السودان بالذات يستحق كل الانتباه، فالحرب المستعرة هناك منذ أكثر من عام، توشك أن تعصف بوحدة هذا البلد العربي المهم، والكلفة الإنسانية للحرب تجاوزت كل الحدود، هناك أكثر من عشرة ملايين نازح، منهم أكثر من مليون غادروا البلاد، وهناك 25 مليوناً يعيشون في حالة شديدة من انعدام الأمن الغذائي، وشبح المجاعة يطل بوجهه القبيح، وهناك مخاوف حقيقية من سقوط المزيد من الضحايا في دارفور، وغيرها من جبهات القتال المشتعلة.. وشدد على أن الحرب السودانية يجب أن تتوقف.
ونوه بالجهود العربية على أكثر من مستوى، في إطار محادثات جدة وغيرها، من أجل وقف الحرب، والتوصل إلى تسوية تحفظ وحدة البلاد ومؤسساتها، ولكن من دون جدوى.. مخاطبا الجميع بضرورة إدراك المخاطر الشديدة التي ينطوي عليها استمرار الحرب، أناشدهم بالشروع في مسار جاد لوقف إطلاق النار، قائلا: إن الحلول مازالت ممكنة إذا صدقت النوايا، وشعب السودان يستحق الاستماع إلى آلامه ومعاناته.
وحول الملفات والقضايا العربية الأخرى، أكد الأمين العام للجامعة العربية، أن الوضع في ليبيا واليمن وسوريا يعد مجمداً إلى حد كبير، والتجميد هنا ليس حلاً مع الأسف لأنه يخلق أوضاعاً قابلة للانعكاس، ولا يرفع المعاناة عن كاهل الشعوب، ولا يوفر الاستقرار الإقليمي المنشود.. وأضاف: «إن هذه الأزمات العربية تحتاج من المنظومة العربية الى جهد متواصل لأننا لا نقبل أبداً أن تتحول إلى أزمات منسية ولو إلى حسن»..
واختتم كلمته قائلاً: «لا تشعرنا جسامة التحديات سوى بحتمية العمل الجماعي، فالاستقطاب المستحكم على الصعيد الدولي يدفعنا دفعاً الى عمل متضافر ولتنسيق عربي أكبر، فصوتنا الجماعي له وزن وقيمة، ويُسمع له، وينتبه الآخرون إليه.. أثق في أن هذه القمة ستكون عند مستوى تطلعات المواطن العربي في رسالتها وخرجاتها».
توافق على جدول الأعمال
شهد اجتماع وزراء الخارجية العرب أمس حالة من التوافق على مشروع جدول أعمال القمة الذي تضمن 32 محورا موزعين على 8 بنود، في مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وتفعيل مبادرة السلام العربية، وسُبل إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتطورات والانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة، ومتابعه تطورات (الاستيطان، الجدار، الانتفاضة، الأسرى، اللاجئين، الأونروا، التنمية)، ودعم موازنه دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني، والجولان العربي السوري المحتل.. إلى جانب ملف السد الإثيوبي، والتضامن مع لبنان ودعمه، وتطورات الوضع في سوريا، ودعم السلام والتنمية في السودان، وتطورات الوضع في ليبيا وفي اليمن، ودعم الصومال وجزر القمر، والحل السلمي للنزاع الحدودي الجيبوتي – الإريتري، واحتلال إيران للجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الخليج العربي)، وكذلك بحث التدخلات الإيرانية والتركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، واتخاذ موقف موحد إزاء انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية.. كما بحث الوزراء بنوداً حول القمة العربية الصينية الثانية، وإنشاء منتدى الشراكة بين الجامعة العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ودعم وتأييد ترشيح الدكتور خالد العناني مرشح مصر لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، ودعم وتأييد ترشيح محمود علي يوسف مرشح جيبوتي لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.. وتضمن جدول الأعمال متابعة التفاعلات العربية مع قضايا تغير المناخ العالمية، والاستراتيجية العربية لحقوق الإنسان المعدلة (المراجعة الدورية الأولى لعام 2024)، والاستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب وتطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب، ومشاريع القرارات المرفوعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وموعد ومكان عقد الدورة المقبلة للقمة العربية، إلى جانب استعراض تقرير رئاسة القمة العربية السابقة رقم 32 عن نشاط هيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات، وتقرير الأمين العام للجامعة العربية عن العمل العربي المشترك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك