لتفعيل دور الجامعة العربية كآلية لتحقيق التضامن العربي والدفع بالعمل العربي المشترك، كثيرًا ما تعلو أصوات تنادي بإصلاحها وتطويرها، بتحديث ميثاقها الذي تم وضعه في 1945، وتعديل هيكلها وآليات عملها بما يتماشى مع متطلبات العصر ومواجهة تحديات الأمة العربية وقضاياها، فيما واجهت الجامعة تحديات وأزمات مختلفة خلال مراحل تطورها، ظهر فيها أحيانًا ضعف فاعليتها، ما أفسح المجال للتدخلات الدولية، وبات العمل العربي المشترك دون الآمال المتعلقة به.
والسؤال الذي يثور بداية ما الدواعي التي تؤثر في نشاط الجامعة وتحد من فعاليتها، وتتطلب الإصلاح والتطوير، ولعل من أبرزها:
نظام التصويت في اتخاذ القرارات، حيث لا تزال جامعة الدول العربية تتمسك بميثاقها، الذي تمت كتابته تحت ضغط دعم استقلال الدول العربية من الاستعمار منذ أكثر من 75 سنة. ومن أهم بنود الميثاق: جعل اعتماد قراراتها على قاعدة وجوب الإجماع في اتخاذ القرارات، ما يعنى أنه إذا اعترضت أي دولة على أي قرار، فإن هذا يمنع صدوره، وهو ما صارت على نهجه جميع القرارات والاتفاقيات والمعاهدات.
قلة الموارد المالية، وتأخر بعض الأعضاء في سداد التزاماتهم المالية بل تعذر سدادها.
عدم تطبيق بعض الاعضاء القرارات الصادرة عن الجامعة رغم التصويت لصالحها.
عدم انضمام بعض الأعضاء إلى الاتفاقيات المعقودة في إطار الجامعة والالتزام بأحكامها.
عدم التوافق على الإصلاح الهيكلي للمنظمة وتطويرها.
عدم التنسيق بين المصالح القطرية والقومية، ووضع المصالح القطرية في إطار المصالح القومية، وقد كان ميثاق الجامعة العربية أقرب إلى محاولة التوفيق بين الاتجاهين القطري والقومي، ومن هنا فإن مبدأي المساواة والسيادة كانا من أهم العقبات التي واجهت عمل جامعة الدول العربية، حيث أسهما في تقنين مبدأ الإجماع كأساس لاتخاذ القرارات، الأمر الذي فرض قدرًا من الجمود والشكلية على عمل الجامعة العربية.
عدم امتلاك الجامعة العربية آلية إلزام تستطيع من خلالها التوصل إلى فرض تنفيذ القرارات في حال التوصل إليها.
غلبة الصفة الحكومية في تمثيل الدول الأعضاء بمؤسسات الجامعة العربية مما يعني تهميش الطابع الاهلي في أعمال الجامعة وقراراتها.
وهذه الدواعي كانت محل اهتمام الدول الأعضاء، والأمانة العامة للجامعة لجهة إصلاحها وتطويرها، وقد طرحت قمة الجزائر، القمة 31 في 2022 مشروع قرار يتضمن التأكيد مجددًا على الأهمية القصوى التي تكتسبها عملية الإصلاح والتطوير، ضمانة للمصالح الحيوية للدول الأعضاء، وصيانة الأمن والسلم العربيين، واستجابة للمتطلبات العربية الراهنة، ومواكبة التطورات الإقليمية والدولية، من خلال تقرير شامل عن طريق اللجنة المكلفة حول عملية الإصلاح والتطوير واقتراح البدائل الملائمة، وكذلك تعزيز البعد الشعبي للعمل العربي المشترك بإفساح دور لمنظمات المجتمع المدني، وتفعيل دور الجامعة في الوقاية من النزاعات وحلها، وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك.
ولم يكن هذا الاهتمام جديدًا، ففي 2004 تلقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مقترحات تطوير من 7 دول عربية: مصر والسعودية واليمن وليبيا والسودان وقطر والأردن، وقام الأمين العام عمرو موسى، بدمج هذه المقترحات في ورقة واحدة، وفي الوقت ذاته أعلنت السعودية ومصر وسوريا رؤية موحدة للتطوير تقدمت بها كمقترح، ودعت هذه المبادرات إلى إقامة برلمان عربي، ومجلس أمن عربي، وتعديل نظام التصويت المبني على قاعدة الإجماع ومجلس اقتصادي عربي يتضمن في إطاره بنك التنمية العربي وصندوق النقد العربي، ومحكمة عدل عربية، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وشكل الأمين العام لجنة خبراء على المستوى العربي لبلورة صياغة توافقية، وطرح الأمين العام ما توصلوا إليه على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاستثنائي لمناقشة سبل تطوير الجامعة، فيما احتوت الوثيقة عدة ملاحق بالمؤسسات الإضافية والتعديلات المطلوبة، وفي قمة تونس 2004 قدمت الجزائر مقترحًا متكاملاً للإصلاح متضمنًا تعديل الميثاق وهيكل الجمعية العامة وأساليب عملها، وتأكيد التزام الدول بقراراتها، فيما كانت قمة الجزائر في 2005 تحت عنوان الإصلاح بأبعاده السياسية والهيكلية والتنظيمية، وفيها عرض الجزائر ورقة تضمنت صياغة جديدة للميثاق، وهي الورقة التي تقدم بها وزير الخارجية الجزائري عبدالعزيز بن خادم، وأثناء ولايته الأمانة العامة للجامعة كلف نبيل العربي لجنة لتطوير منظومة العمل العربي المشترك برئاسة الأخضر الإبراهيمي، قدمت تقريرها في هذا الشأن في 2013.
فما هي إذن اتجاهات مبادرات الإصلاح، أبرز هذه الاتجاهات:
إنشاء محكمة عدل عربية: من الممكن تشكيل فرع قضائي داخل الجامعة العربية، على غرار محكمة العدل الأوروبية للفصل في المنازعات بين الدول الأعضاء، ومن شان هذه المحكمة أن تضمن الالتزام بمواثيق الجامعة وقرارتها، وتعزيز الشعور بالوحدة وسيادة القانون بين الدول الأعضاء.
تطوير التعاون الاقتصادي من منطقة التجارة الحرة إلى السوق المشتركة: تستطيع جامعة الدول العربية تعزيز التكامل الاقتصادي من خلال إنشاء سوق مشتركة للسلع والخدمات، وسيتضمن ذلك تنسيق السياسات التجارية وإزالة التعريفات الجمركية، وتشجيع الاستثمار بين الدول الأعضاء.
إنشاء قوة عربية مشتركة: يمكن لهذه القوة التدخل السريع لمواجهة التهديدات والتحديات بما في ذلك التهديدات الإرهابية، وتشمل مهام القوة المشاركة في عمليات حفظ السلم والامن، وتأمين عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وحماية خطوط المواصلات.
إنشاء مجلس شوري عربي: على غرار مجالس الشورى في الدول العربية، يكون ذات سلطة استشارية، ويتم إحالة آلية القضايا الموضوعات من البرلمان العربية، كما يجب أن يتضمن الخبراء في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والقانونية، بالإضافة إلى إعطائه كل الصلاحيات الاستشارية.
تطوير منتدى للأمن الإقليمي أو مجلس للأمن العربي يمكن أن يعمل هذا المجلس على تحديد التهديدات المشتركة وإنشاء آليات دفاعية جماعية مما قد يؤدي إلى موقف أكثر توحيدا لدى الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية.
تطوير جهاز الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ويشمل ذلك دوران منصب الأمين العام وصلاحياته، والجهاز التنفيذي التابع له بما يضمن كفاءة متابعة تنفيذ قرارات الجامعة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك