كتبت أمل الحامد:
بعد رحلة إيمانية يتوق إليها كل مسلم، من أجل أداء فريضة الحج، يعود الحاج إلى بلده محملا بمشاعر الفرحة، وكان قديما يحاول مشاركة ذويه وأهله مشاعر الفرحة عبر شراء بعض الهدايا والمقتنيات البسيطة مثل سجادة الصلاة والسبحة وماء زمزم وهدايا للأطفال تحمل تراث الأراضي المقدسة؛ لتكون ذكرى جميلة تخلد هذه الزيارة وتنقل إليهم ذكريات الزيارة ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
إلا أن الوضع في السنوات القليلة الماضية تغير بعد انتشار ظاهرة تنظيم الحجاج حفلات استقبال بتكاليف باهظة على غرار حفلات استقبال الولادة والعرائس، ويجد العائد من رحلة الحج -وخاصة من النساء- نفسه مضطرا إلى حجز صالة لاستقبال الزائرين وتقديم الضيافة والحلويات وتوزيع الهدايا خوفا من كلام الناس وهمساتهم بشأن عدم إعداده حفل استقبال، وهو ما قد يكلف الحاج حوالي 500 دينار بعد أن كان مبلغ 70 دينارا كافيا لشراء هدايا رمزية.
«أخبار الخليج» استطلعت آراء المواطنين حول هذه العادة التي أصبحت تنتشر، مؤكدين انها عادة جديدة لم تكن موجودة سابقا وإنما هي تطور لعادات وتقاليد كان الحاج قديما فيها يجلب معه بعض الهدايا الرمزية، وأما ما يجري حاليا فهو بزخ وإسراف غير مستحب ويثقل كاهل الأسرة اذا كان أحد أفرادها عائدا من الحج.
بهرجة اجتماعية
أم علي تقول: «انتشرت في الفترة الاخيرة ظاهرة جديدة، أتمنى ألا تستمر لكونها ليست من عادتنا أو تقاليدنا وهي إقامة حفلات الاستقبال بعد الرجوع من الحج، حيث يتم فيها توزيع الهدايا وتنظيم البوفيهات مثل مناسبات الأعراس، وأنا أجد أن هذه ظاهرة سيئة وتعتبر «بهرجة» اجتماعية لأنها تزيد من عبء المصاريف على الحاج، وتكلف الفرد تكاليف إضافية على غرار شراء الهدايا، مشيرة إلى أنه أحيانًا يصاب الفرد بالحرج لكثرة الاستقبالات في نفس الفترة، منها استقبالات الحج والزواج والولادة، وأضافت «أن الطريف في الأمر أن حفلات الاستقبال تحولت إلى واجب على الحاج من خلال سؤال الناس للحاج عن موعد إقامة الريسبشن، وكأنه سيكون مقصرا في حالة عدم تنظيمه للاستقبال، وخاصة في حالة مقارنته مع الآخرين».
فيما تقول فاطمة العوامي إنها تسافر لأول مرة لأداء فريضة الحج، وتحمد الله أنها من حجاج بيته، مشيرة إلى أنها لم تخصص مبلغًا لشراء صوغة الحج، إلا أنه بالإمكان استقطاع جزء من نفقة الحج تقريبًا 200 دينار أو أقل من ذلك لشراء الصوغة، وخاصة أنك ستشتري أشياء رمزية بالإضافة إلى ماء زمزم، والتمر، والسبحات، وكلها هدايا بسيطة، وأكدت أن شراء صوغة الحج لا تشغل وقت العبادة لان الأهم والغاية الأساسية للحج هو التقرب إلى الله والانقطاع عن العلائق، ولكن لا يمنع أن يتم ذلك بعد الانتهاء من أداء المناسك، أو تخصيص يوم واحد لشراء الصوغة، وهو نوع من مشاركة فرحتها مع أهلها.
صوغة زمان
عدد من النساء كبيرات السن تحدثن لـ«أخبار الخليج» عن اجواء استقبال الحجاج قديمًا والتي كانت تمتاز ببساطتها، وكانت الهدايا يجلبها الحجاج من الديار المقدسة للأطفال والكبار ويفرح بها الجميع، حيث ذكرت نورة القوتي المكناة «أم محمد» أن صوغة الحج سابقا كان يتم شراؤها من مكة المكرمة مثل الحناء والتمر وعلك اللبان و«الشبه» والمسابيح و«المساويك» وبخور «الياوي» والفناجين من الحجم الكبير والقحافي والكحل وكذلك هدايا للأطفال مثل الكاميرا ومضاعد وقلادات مزينة بمجسم لمكة المكرمة أو المدينة المنورة وألعاب للأطفال بكميات كبيرة إلا أن غالبية هذه الهدايا لم تعد متوافرة مثل القلادات والكحل، كما أن الأسعار أصبحت غالية.
واتفقت معها لولوة محمد سلمان على أن صوغة الحج سابقا كانت مختلفة ويتم انتظار عودة الحجاج بفارق الصبر، وفور سماع الأطفال خبر عودتهم يذهبون لزيارتهم ويوزع عليهم الحجاج هدايا بسيطة، كما أن الأهالي يأخذون معهم حلويات وفواكه معلبة مثل الأناناس والخوخ ودلة قهوة للحجاج لدى زيارتهم.
وأشارت إلى أن الحج في الماضي كان يستغرق عدة أشهر حيث كان يتم السفر بحرًا بالمراكب (اللنجات) ويتم الانتقال بالباصات وصولا إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وبعد الانتهاء من أداء فريضة الحج يتم زيارة المدينة المنورة وأداء 40 صلاة فريضة فيها، أما حاليًا فأصبح أداء فريضة الحج يستغرق أيامًا تتراوح ما بين 3 و5 أيام ولا يتم زيارة المدينة المنورة.
من جانبها، تحدثت لولوة المقبل عن أن مظاهر الاحتفال بعودة الحجاج من أداء فريضة الحج اختلفت عما كانت عليه السابق إذ كان يتم زيارة الحجاج في منازلهم ويتم تقديم ضيافة للزوار من المنزل وصوغة بسيطة، أما الآن فإن الوضع تغير إذ يتم تجهيز الهدايا وإقامة حفل استقبال في صالة وتحديد موعد لاستقبال الزوار، مشيرة إلى أن البعض قد يبدي استياءه من «الصوغة» إذا لم تعجبه، مضيفة أن الأجواء في الماضي كانت مختلفة عما هي عليه الآن.
إلى ذلك، استذكرت لولوة محمد بوهنيدي أن الحجاج قديمًا كانوا يسافرون في المراكب (اللنجات) من الفرضة حيث يقوم الأهالي بتوديعهم في شهر ذي القعدة وكذلك استقبالهم لدى عودتهم من الحج حيث كانت التكلفة قبل أكثر من 40 سنة حوالي 30 دينارًا، مشيرة إلى أن النساء كن يلبسن ملابس خضراء اللون خصيصًا للحج ويزينّ أيديهن بالحناء، وبعد عودتهن يلبسن ملابس أخرى ويجلسن لاستقبال من يزورهن، مشيرة إلى نشر ثوب نشل فوق سطح منازل الحجاج لإعلان عودتهم بالسلامة.
وقالت موزة سعد: قديمًا كان الجميع يبتهج بعودة الحجاج والهدايا البسيطة التي يقدمونها لزوارهم والأطفال والتي يتم شراؤها من الديار المقدسة، كما أن الزوار يأخذون معهم فواكه لدى زيارة الحجاج، أما حاليًا فأصبح الحجاج يقيمون حفلات استقبال على غرار استقبالات الأعراس أو الولادة، كما أن البعض ممن يعودون من الحج إذا لم يقدم لهم الزوار هدايا قيمة فإن الحجاج بالمقابل لا يقدمون لهم «صوغة الحج».
الرأي الاقتصادي
عارف خليفة الباحث الاقتصادي والمحاضر المصرفي يرى أن حفل استقبال الضيوف بمناسبة العودة من الحج دخل فيه التقليد الأعمى للمظاهر وحب التفاخر بمستوى حفل الاستقبال للحجاج والذي يعطي واقعًا غير الواقع الذي أقيم من أجله وأصبح يكلف الناس حرجًا ماديًا ونفسيًا وأعني كل الأطراف الحجاج والضيوف.
وقال إننا اتجهنا بعد التطور السلبي إلى مثل هذه الاستقبالات بعد أن كان الحاج يجلب شيئا بسيطا جدًا وتوزيعات لا تتعدى السواك وماء زمزم وسجادة للصلاة أو ما نسميه (صوغة الحج) من الديار المقدسة تعبيرًا عن حبه للناس واشتياق الناس إلى البقاع المقدسة، وما يجلبه في العادة لا يفوق سعره ربما الـ50 إلى الـ70 دينارا، أما في الوضع الحالي فإن الاستقبالات تصاحبها هدايا تتعدى في تجهيزها للشخص الواحد الـ5 إلى 10 دنانير وبعض الديكورات أصبحت تكلف الحاج ما بين الـ200 والـ400 دينار، ويشتريها من محلات تجلب خصيصًا مثل هذه الهدايا من خارج الديار المقدسة، ويشتريها ويجهزها قبل سفرة الحج ويتعنى لطلبه من كذا موقع إلكتروني ويكون مصمما خصيصًا باسمه وغير ذلك.
وفي سؤاله عن وجهة نظره بخصوص إقامة حفلات الاستقبال وتوزيع هدايا تثقل كاهل الحجاج، أجاب خليفة: للأسف من بدأ بتلك البدعة وهي (حفل الاستقبال المكلف والبذخ) وتوزيع الهدايا على الضيوف وأيضًا ما يجلبه الضيوف من هدايا للحجاج هم الطبقة ذات الدخل المرتفع ثم قلدهم أبناء الطبقة المتوسطة ثم الآن كثير من أصحاب الطبقة ذات الدخل المنخفض يقومون بهذا الاستقبال حرجًا منهم والذي للأسف أصبح يقارن الناس ويصنفهم حسب هذه الحفلات الكمالية والتي لا داعي للبذخ فيها وإهدار الكثير من الأموال في غير محلها.
وقدم الباحث الاقتصادي نصائح توعوية لمن يقيم مثل هذه الحفلات، قائلا تشددك في رصد ميزانية لهذه الحفلات الكمالية يعطي مزيدا من التعقيدات البروتوكولية ومزيدا من الأعباء المالية على باقي أفراد المجتمع ممن ينوي زيارة الديار المقدسة، وأيضًا ممن يأتي لزيارتك في حفل الاستقبال من تكليف لشراء هدايا بعضها يكون مكلفا لذوي الدخل المحدود، قائلا: «البساطة والابتعاد عن الماديات وعدم التكلف أمر مطلوب بقوة جدًا في هذه الظروف للتخفيف على ميزانيتك وعدم تكليف الآخرين بمصاريف إضافية»، وأضاف: «أكررها.. البساطة ثم البساطة ثم البساطة في مثل هذه المناسبات حتى لا تفقد بريقها والهدف الذي تقام من أجله».
من جانبها، استذكرت هدى حمود الحمود المدير التنفيذي لجمعية البحرين لرعاية الوالدين ونادي ابراهيم بن خليل كانو الاجتماعي للوالدين أن «صوغة الحج» كانت قديمًا بسيطة وتنشر البهجة لأنها قادمة من مكة المكرمة فيها معان رمزية روحانية مثل الكاميرا القديمة (العكاسات) التي تظهر بها صور مقربة للكعبة فتكون فرحة الطفل غامرة وهو يتلقى الهدية.
وقالت إن استقبال الحجاج بعد عودتهم من الحج وتوزيع الهدايا من العادات وليست العبادات، والمعروف أن الأصل في العادات الاباحة وخاصة إذا كانت الزينة بسيطة وبدون أية تكاليف باهظة لان الحج ليس من العبادات الخفية يخاف إظهارها بل يجب إظهارها والتعبير عن الفرح بقدوم الحجاج.
ورأت أنه لا بأس بإكرام الحجاج بفرحة قدومهم عبر الاحتفال باستقبالهم ولكن بعيدًا عن التبذير، وذلك في ردها على سؤال عن وجهة نظرها حول إقامة حفلات الاستقبال وتوزيع الهدايا التي يثقل كاهل الحجاج، فيما وجهت آل حمود نصائح توعوية لمقيمي مثل هذه الحفلات بأن تكون وليمة مناسبة لعدد الحضور كمشاركة اجتماعية، وقد قال الله تبارك وتعالى: (ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) وقال تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين).
ظاهرة مبالغ فيها
من جانبه، قال الشيخ صلاح الجودر إمام وخطيب جامع الخير بالمحرق إن حفلات الحجاج ظاهرة ظهرت في الأيام الأخيرة مع الأسف الشديد، وما كانت موجودة في السابق ولربما هذا عائد إلى نوع من الراحة أو الخير أو النعمة الزائدة، ولكن حقيقة بعض هذه الحفلات يكون فيه شيء من المبالغة لعملية استقبال الحاج، ويقيمها الحاج للتهنئة والتبريكات، وهذا لم يكن معهودا بهذه الصورة، ومع الأسف الشديد يكون فيها أحيانًا نوع من المبالغة في عمل الهدايا والتوزيعات ويقوم بها العنصر النسائي في جانب كبير وتشكل عبئا على كاهل الأسرة ورب الأسرة الذين عادوا من موسم الحج.
ودعا إلى اكتفاء الإنسان بالتهنئة والتبريكات وسؤال الله سبحانه وتعالى القبول ويقول للحجاج: (حج مقبول وذنب مغفور).
وأشار إلى أن الحاج يتحمل تعب التسوق في المشاعر المقدسة إلى جانب التنقل في المشاعر داخل مكة وعرفة ومنى ومزدلفة وعرفات، ثم يكون هناك تعب وزحمة وزيادة على ذلك مصروف إضافي على تكاليف الحج التي أصبحت في السنوات الأخيرة باهظة، إذ تأخذ حملات الحج مبالغ كبيرة جدًا ولربما هذا عائد إلى ارتفاع الأسعار، مضيفًا أن الحاج لدى عودته من الحج لربما يكون يعاني من التعب أو يكون جسمه بحاجة إلى المناعة، داعيًا إلى مراعاة الحاج بعد قدومه من الحج وعدم الإثقال عليه لدى زيارته والجلوس معه ساعات طويلة وخصوصًا كبار السن.
وأشار إلى أهمية التوعية بمراعاة الحاج، ويكفي أن الله وفقه في أداء مناسك الحج وعاد سالمًا إلى أهله وأبنائه وهذه نعمة، والتقليل من النفقات والصرف فالحج ليس بالسهل ومصاريفه كثيرة، قائلا: «ننصح في هذا الجانب بتقليل مصاريف الحج والحفلات المبالغ فيها إذ تثقل كاهل الأسرة والخوف الشديد أن تتحول هذه الاحتفالات إلى نوع من الواجب أو من لا يقيمها تلحقه المعرة، والكثير من العادات القديمة أصبحت اليوم كأنها واجب يجب إقامتها ويتحرج الشخص من عدم إقامتها، وهي ليست من الدين، فلذلك هذه من العادات المستحدثة المباحة ولكن عندما يدخل الإنسان في قضية الصرف الزائد والإنفاق الزائد على حساب الأسرة أعتقد أنه أمر مبالغ فيه، وهذا الذي نوصي به دائمًا أن يكون الإنسان معتدلا ووسطا في هذه الأمور حتى لا يصعب عليه توفير هذا المال».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك