استقطاب الاستثمارات الخارجية يتم وفق استراتيجية وطنية ترتكز إلى القطاعات ذات الأولوية
توازن الناتج المحلي يؤكد نجاحنا في تحقيق التنوع في الاستثمارات المستقطبة
استثمرنا التحديات الاقتصادية والمتغيرات الجيوسياسية في العالم ونجحنا في استقطاب استثمارات عالمية
التنافس بين اقتصادات دول المنطقة لجذب الاستثمارات.. يحقق التكامل الاقتصادي
الشركات العالمية التي استقطبناها خلقت لدينا مفاهيم ووظائف لم تكن موجودة
حققت البحرين عام 2023 إنجازا غير مسبوق من اخلال استقطاب تدفقات استثمارية اجنبية مباشرة بقيمة بلغت 6.8 مليارات دولار، وهو ما يعني نموا بنسبة 148% مقارنة بعام 2022. وبذلك أصبح حجم الرصيد التراكمي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة 43.1 مليار دولار، وهو ما يعادل 99.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا بحد ذاته انجاز اخر يحسب للبحرين، حيث تعتبر هذه النسبة احدى اعلى النسب عالميا وتفوق المتوسط العالمي بنسبة 46.9%.
وفي هذا العام 2024، واصلت المملكة إنجازاتها الملفتة، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة في الربع الأول نحو 16.3 مليون دينار. وبالطبع يعتبر مجلس التنمية الاقتصادية هو الوتد الذي يعتمد عليه الاقتصاد البحريني في جذب الاستثمارات والترويج للمملكة كبيئة استثمارية جاذبة.
يمثل الاستثمار الأجنبي المباشر أداة حيوية وركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستدامة في اقتصاد أي دولة. وهو مصدر مهم لتدفق رؤوس الأموال وزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية. وقد يكون هذا الاستثمار بشكل مشاريع جديدة أو فتح فروع في دول أخرى بهدف التوسع، أو استثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة او إعادة شراء أصول لبعض الشركات.
ومع التسليم بأهمية هذه الاستثمارات لأي اقتصاد بشكل عام .. وللبحرين بشكل خاص نظرا الى تلك الجهود الجبارة التي تبذل لتحقيق معدلات نمو اقتصادي متقدمة، مع تنويع مصادر الدخل وتعظيم دور القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي، قد تبرز تساؤلات مهمة من حقنا ان نناقشها. لعل أبرزها: كيف يتم انتقاء الاستثمارات الأجنبية الواردة الى البحرين؟ هل يكون وفق رغبة ومصلحة المستثمرين الأجانب؟ أم وفقا لاحتياجات الاقتصاد المحلي؟. هل يحدد المستثمر القطاع الذي يريد الاستثمار به؟ أم تضع البحرين أولوياتها، وعلى المستثمرين أن يدوروا في فلك تلك الأولويات؟.
الأمر الآخر، قد ينتقد البعض بأن الكثير من تلك الاستثمارات تتركز في مشاريع فخمة وفنادق ومجمعات فارهة تخدم شرائح محددة من المجتمع، فيما هناك قطاعات مازالت تنتظر الكثير من الاستثمارات، مثل صناعة الأدوية والملابس وغيرها.
ثم.. مهما بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ماذا يستفيد منها الموطن العادي؟ خاصة وان تلك الاستثمارات لا تدفع ضرائب أو رسوما كما هو الحال في كثير من الأسواق الأخرى؟.
مرتكز لدعم الاقتصاد
تساؤلات ناقشناها مع الرئيس التنفيذي للشؤون الاستراتيجية بمجلس التنمية الاقتصادية ندى السعيد، التي تمهد للحديث بالتأكيد على أن الاستثمارات الخارجية في أي دولة تمثل مرتكزا مهما لدعم الاقتصاد وتحقيق التنمية الاقتصادية والنمو والاستدامة. فعندما ننظر إلى الاقتصادات التي أحرزت معدلات كبيرة في النمو، نجد أنها اقتصادات نجحت إلى حد كبير في استقطاب الاستثمارات الخارجية، إلى جانب النجاح في تنمية الاستثمارات المحلية. ولو أردنا ذكر بعض آثار الاستثمارات الخارجية فسنجد أنها تلعب دورا رئيسيا في دعم الناتج المحلي وتعزيز النمو الاقتصادي، واستقطاب الخبرات والتبادل المعرفي، ونقل التكنولوجيا المتقدمة وخلق فرص وظيفية للمهارات الوطنية، ودعم نمو الاستثمارات والشركات المحلية، والمساهمة في زيادة القدرة الإنتاجية. الى جانب تعزيز التجارة الدولية وحركة الصادرات والواردات في الدولة، وكل ذلك يساهم في تعزيز استدامة البيئة الاستثمارية والاقتصادية وتطوير المؤسسات والمهارات المحلية. لذلك نجد منافسة شديدة من كافة الدول لاستقطاب هذه الاستثمارات، نظرا الى ما تمثله من أهمية للاقتصاد المحلي.
** تمكنت البحرين من استقطاب حجم غير مسبوق من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2023. ماهي نقاط القوة التي تمتلكها البحرين والتي ساعدت على تحقيق ذلك على الرغم من المنافسة الشديدة التي أشرتي اليها والتحديات الاقتصادية الكثيرة؟
** عندما يفكر أي مستثمر في توسيع استثماراته وفتح مقار أخرى عبر القارات، فإنه يبحث عن بيئة استثمارية جاذبة تحتضن هذا التوسع، وهذا يشمل وجود اقتصاد محلي قوي يدعم الاستثمارات، وتوفر المهارات المحلية والتكنولوجيا المطلوبة، والبنية التحتية القوية، والشركات المحلية التي يمكن الاستفادة منها، والتكلفة التشغيلية المنافسة، والتشريعات والقوانين الداعمة والحامية للاستثمارات.
وعندما ننظر الى البحرين، نجد انها ولله الحمد تتميز بعوامل قوة متعددة يبحث عنها المستثمرون. فإلى جانب النقاط التي ذكرتها، يمكن القول إنه من أهم العوامل التي تتميز بها المملكة هي توافر القوى العاملة الوطنية المؤهلة، ذات المؤهلات العالية والكفاءات القادرة على المنافسة بمستويات عالمية. وهذا ما ساهم في تحقيق نجاحات غير مسبوقة. أضف الى ذلك الموقع الجغرافي وسط منطقة تشهد ازدهارا ملفتا على الرغم من التحديات، في الوقت الذي تشهد الكثير من اقتصادات الدول تباطؤا في النمو بعد أن كانت تحقق معدلات عالية. واستطاعت منطقة الخليج الاستفادة من التغيرات والتحديات التي تواجهها دول العالم، والمتغيرات الجيوسياسية بين دول العالم، حيث صارت الكثير من الشركات العالمية تفكر في بيئات عمل مزدهرة لتدشين شبكات ومقار واستثمارات في مناطق ناشئة ومستقرة تتميز بفرص كبيرة. وهنا استفادت البحرين ودول المنطقة من هذه التغيرات العالمية واستثمرته بشكل قوي لاستقطاب استثمارات خارجية مباشرة ربما لم تكن في السابق تفكر في الاستثمار بالمنطقة. ولكن امام تلك التغيرات أصبحت المنطقة وجهة مفضلة للكثير من الشركات العالمية الكبرى. لذلك استطعنا مثلا استقطاب شركات حتى من سنغافورة. وهذا ما يعتبر نجاحا كبيرا.
* ولكن الملفت هنا أن البحرين حققت هذه الإنجازات في ظل وجود منافسة شرسة مع اقتصاديات عملاقة بالمنطقة؟
** كثيرا ما نسمع عن المنافسة في المنطقة كنوع من التحدي، ولكن في الواقع أن هذه المسألة قد تعتبر نقطة قوة، لأن التنافس في حد ذاته أمر إيجابي. فنحن ضمن منظومة متكاملة وليست فقط متنافسة. وهذا ما يعني ان هناك فرصا كثيرة يمكن لكل دولة ان تنجح في أخذ نصيبها منها. وكل دولة يمكن ان تستفيد من التطورات في الدول المجاورة الأخرى. وأي نمو وتطور في اقتصاد دولة مجاورة ينعكس علينا. وهو أمر طبيعي في مختلف الأقاليم، حيث تتنافس الدول وبنفس الوقت تستفيد من بعضها. وبالتالي هذا التنافس في المنطقة من شأنه أن يحقق التكامل الاقتصادي.
والامر الآخر ان الشركات تدرس طبيعة كل دولة واحتياجاتها والظروف التي تناسب طبيعة نشاطها. ومن الجوانب المهمة هي التكلفة التشغيلية الجاذبة. وهذا عامل تتميز به البحرين أيضا.
* السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ان استقطاب هذه الاستثمارات للبحرين يستند على دراسات بحسب احتياجات وأولوية القطاعات؟ أم أننا مستعدون لاستقطاب أي استثمار أجنبي من الممكن أن يضيف للاقتصاد؟
** بالتأكيد تعتمد البحرين على برامج وخطط واضحة تتعلق بطبيعة الاستثمارات الأجنبية المستهدفة. ومثال ذلك، بعد جائحة كورونا في 2021، وضعت المملكة خطة للتعافي الاقتصادي التي حددت عددا من القطاعات ذات الأولوية لتنميتها واستقطاب الاستثمارات إليها. واختيار هذه القطاعات جاء بناء على أسس منها مساهمتها في الاقتصاد، إذ تمت مقارنة حجم النمو فيها بالنسبة الى حجم نمو مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي. وبالتالي تم تحديد ستة قطاعات ذات أولوية هي: الخدمات المالية، والصناعة والخدمات اللوجستية، والسياحة، وقطاع الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، والنفط والغاز.
وبناء على ذلك وضعت الحكومة خطة واستراتيجية وطنية لكل قطاع من هذه القطاعات لتنميته واستقطاب الاستثمارات اليه.
وهنا عمد مجلس التنمية الاقتصادية الذي يضطلع بمسؤولية الترويج لمملكة البحرين كمقصد مثالي للاستثمار العالمي، إلى التركيز على القطاعات غير النفطية انطلاقا من تلك الخطط والاستراتيجيات الوطنية. وقد تم تحديد فرص استثمارية لكل من هذه القطاعات. ونجحنا في العام الماضي في استقطاب استثمارات تبلغ قيمتها 1.7 مليار دولار للقطاعات غير النفطية.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن استراتيجية مملكة البحرين للتنويع ساهمت في تنمية اقتصادها خلال العشرين سنة الماضية بنحو 4 أضعاف إلى 43 مليار دولار.
فمثلا في قطاع الخدمات المالية، تم التركيز على ثلاث أولويات شهدت تطورات كبيرة وهي: المراكز التكنولوجية، والتكنولوجيا المالية (فنتك)، والخدمات البنكية الرقمية.
وفي قطاع الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، يتم التركيز على مراكز البيانات والحوسبة، وخدمات تطوير البرامج.
وفي قطاع الصناعة، هناك تركيز خاص على صناعة الألمنيوم التحويلية، والمنتجات سريعة الاستهلاك.
أما في قطاع اللوجستيات، فالتركيز ينصب على الخدمات اللوجستية المتكاملة (3PL)، والشحن الجوي.
وفي قطاع السياحة، نجد تركيزا مكثفا على تطوير المنتجعات، والمشاريع الترفيهية، وخدمات التجزئة.
وبالتالي تنصب جهود مجلس التنمية الاقتصادية على استقطاب الشركات إلى هذه القطاعات بشكل أساسي، وبنفس الوقت هناك مرونة ومراقبة للفرص المتاحة. فقد ترغب بعض الشركات الكبرى في تأسيس مشاريع لا تكون ضمن هذه القطاعات، ولكن تثبت الدراسات وجود جدوى اقتصادية لمشاريعها. وهنا لا نتردد في تقديم الدعم وتسهيل ذلك لهم.
*ماذا لو رغبت شركة او مستثمر أجنبي في الاستثمار بمشروع لم يكن الاقتصاد بحاجة اليه؟
** لنكن واقعيين، لماذا يرغب مستثمر خارجي في تحمل التكاليف وبذل الجهود من اجل تدشين استثمار في بلد لا يكون الاقتصاد بحاجة اليه؟ فعدم الحاجة يعني عدم وجود فرص النجاح لهذا الاستثمار وعدم وجود جدوى منه بالأساس.
لذلك نجد في الغالب نوعا من التوأمة بين متطلبات الاقتصاد والقطاعات من جانب، وطموحات الشركات التي ترغب بالاستثمار في هذا الاقتصاد من جانب آخر.
* هل تركز الشركات والاستثمارات التي تم استقطابها على السوق المحلي؟ أم تعتبر البحرين مدخلا لأسواق المنطقة؟
** في الحقيقة أغلب الاستثمارات التي استقطبت وتعمل في البحرين، تخدم البحرين ودول المنطقة، بل وفي كثير من الأحيان تخدم مناطق أخرى في العالم. فمثلا بعض شركات التصنيع كشركة «موندليز العالمية» المتخصصة في تصنيع الوجبات الخفيفة، التي تمتلك أشهر العلامات التجارية، مثل أوريو وبارني وتانج وغيرها، هي من أوائل الشركات والمصانع العالمية التي أقيمت بمنطقة البحرين العالمية للاستثمار، وإلى جانب تركيزها على السوق المحلي، فإنها تصدر الى دول الخليج ودول مختلفة في العالم مثل نيوزيلاندا وأستراليا.
وكذلك الامر بالنسبة الى شركة (DHL) المتخصصة في الخدمات اللوجستية، مقرها الإقليمي في البحرين ولكن هذا المقر يخدم العديد من الدول في الشرق الأوسط ودول اسيا وخارجهما.
ومن أهم النماذج في هذا النطاق هي البنوك. فلدينا بنوك إقليمية وعالمية يكون مقرها الإقليمي في البحرين، في حين تغطي أنشطتها منطقة أوسع. وبالتالي نحن نركز على استقطاب شركات تخدم السوق المحلي والإقليمي أيضا، لأن الشركات التي تخدم نطاقا أوسع يمكنها المساهمة بشكل أكبر في الاقتصاد وتوفير فرص وظيفية عالية.
* هل هناك اتفاقيات قريبة سيعلن عنها مع استثمارات خارجية؟
** جهودنا متواصلة ولا تتوقف. ولدينا الكثير من المشاريع والاستثمارات التي نتابعها وسنعلن عنها. ولكن ما اريد التركيز عليه هو ان إعلان أي اتفاقية يمثل نتيجة وخلاصة جهود ومناقشات وزيارات قد تكون امتدت إلى أشهر أو حتى سنوات. بمعنى ان إعلان أي مشروع هو الجزء المرئي من الجهود، ولكن ما سبق ذلك من زيارات ومباحثات تسبق اتخاذ القرار هو الجانب غير المرئي. أضف إلى ذلك انه في كثير من الأحيان يعد إعلان أي مشروع مازال قيد الدراسة لا يخدمه.
* يرى البعض أن الكثير من الاستثمارات تركز على الفنادق الفخمة والمجمعات الراقية والمشاريع التي تخدم فئات محددة، في حين أن المشاريع الصناعية والإنتاجية التي تخدم الجميع معدودة، مثل صناعة الملابس الجاهزة والأدوية وغيرها من المشاريع المطلوبة. ما رأيكم بذلك؟
** خلال السنوات القليلة الماضية تحديدا، شهدنا تنوعا في الاستثمارات التي تم استقطابها الى جانب المنتجعات والمجمعات وغيرها من المشاريع التي اشرت اليها، حيث تم استقطاب العديد من الاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية، بشكل يظهر التنوع في القطاعات المساهمة في الناتج الإجمالي المحلي ويبرز مدى نجاح مملكة البحرين في تنويع اقتصادها حتى لم يعد هناك قطاع سائد على بقية القطاعات. حيث تشهد جميع القطاعات نجاحات متوالية، فنرى بشكل مستمر شركات جديدة تختار البحرين لإقامة استثماراتها في قطاع الخدمات المالية، والاتصال وتكنولوجيا المعلومات، والصناعة، والخدمات اللوجستية، والسياحة وغيرها. وكلها استثمارات لا تركز على فئة معينة او تخدم شريحة محددة، بل تخدم كافة الشرائح.
فمثلا في قطاع الخدمات المالية، نجحت البحرين في استقطاب العديد من الشركات مثل: استثمارات هاودن، وفلوس، وباينانس.
وفي قطاع الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، استقطبت المملكة شركات مهمة مثل: طلبات، stc، Beyon وغيرها. وفي الخدمات اللوجستية نجحنا في استقطاب شركات كبرى، مثل آسيا كارجو، Smsa، ومشروع توسعة Fedex. وفي قطاع الصناعة لدينا نماذج، مثل مصنع كونيكسوس للألمنيوم، Aptar، Arla، مصنع البحرين للسكر. أضف الى ذلك استثمارات في قطاعات حيوية، مثل الصحة والتعليم، وكلها تخدم كافة الشرائح في المجتمع.
وحتى بالنسبة الى ما ذكرته عن صناعة الملابس، لدينا منذ سنوات مشروع كبير وهو مصنع (ويست بوينت) الذي يصنع المنسوجات، ويصدر منتجاته حتى إلى الولايات المتحدة.
فقصص النجاح التي لدينا كبيرة وكثيرة في مختلف القطاعات. وكل ذلك يعكس ما أشرت إليه من تنوع قائم. لذلك نجد أن مساهمة قطاع النفط والغاز في الناتج الإجمالي المحلي كانت تبلغ 40% قبل عقدين من الزمن، ومع سياسة التنويع الاقتصادي انخفضت نسبة مساهمة هذا القطاع إلى 16.1% حاليا رغم ارتفاعه من حيث القيمة. أصبح قطاع الخدمات المالية هو أكبر مساهم في الاقتصاد بنسبة 17.8%.
* مازال الكثيرون يشككون بوجود قيمة مضافة حقيقية للاستثمارات الأجنبية خاصة مع عدم وجود ضرائب أو رسوم، وحتى التوظيف يكون محدودا بالنسبة الى المواطنين. وبالتالي ما هي الفائدة الحقيقية للمواطن والاقتصاد من هذه الاستثمارات؟
** كما اشرت في بداية الحديث، لا يمكن لأحد ان ينكر أهمية ودور الاستثمارات الخارجية في أي اقتصاد. وهذه الأهمية والآثار قد تكون مباشرة وقد تكون غير مباشرة. فعندما يؤسس مستثمر مقرا له في البحرين، بالتأكيد ستكون هناك انعكاسات إيجابية على الاقتصاد والمجتمع. وتتعدد فوائد الاستثمارات العالمية لتشمل خلق الوظائف، فأحد أهم العوامل التي تضعها الشركات في حسبانها حينما تختار الوجهة التي ستستثمر فيها هي الكفاءات والمهارات التي تتمتع بها تلك المنطقة أو الدولة. ونحن نفخر أن البحرين فيها كفاءات عالية ومتعلمة وتطور من نفسها بشكل مستمر، بحيث أصبحت الشركات العالمية التي يتم استقطابها إلى البحرين تعتمد عليهم وتسند اليهم أدوارا ريادية. وهذا ما نراه جليا في الاستثمارات والشركات الأجنبية والعالمية التي خلقت وظائف نوعية للمواطنين لم تكن موجودة. وأقرب مثال على ذلك وظائف البرمجة في الشركات المالية، مثل مركز سيتي للتكنولوجيا الذي بدأ قبل عامين بخطط تتضمن توظيف 1000 مبرمج (بحريني) خلال السنوات القادمة، وهي وظائف ذات مهارات ورواتب مجزية. وبعض هذه الوظائف يتم توقيع عقد التوظيف مع البحريني حتى قبل ان يتخرج من الجامعة، ليعمل مع فريق عالمي ويقدم خدماته ضمن منظومة دولية وخبرات كبيرة. ولك ان تتصور حجم الخبرة التي سيحملها هؤلاء البحرينيون خلال سنوات. وهذا أفضل استثمار في الكفاءات الوطنية، وهو بفضل استثمارات اجنبية مباشرة.
والأمر الآخر أن الشركة الأجنبية حينما تقيم لها استثمارا في البحرين، فإنها تخلق كذلك فرصًا أمام الشركات المحلية لتوسعة أعمالها والاستفادة من خبراتها العالمية. ولدينا نماذج لشركات استفاد منها عشرات الشركات المحلية التي تقدم خدمات لوجستية، وصيانة، وإدارة وغيرها. فعلى سبيل المثال لدينا شركات عالمية استقطبت الى البحرين، وهي تتعامل مع عدة شركات محلية تستفيد منها بشكل مباشر.
فضلا عن ان هذه الاستثمارات ستعتمد على الخدمات المحلية، مثل الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد وغيرها. فبناء مصنع مثلا، يتم من خلال مقاولين وشركات وخدمات محلية.
أضف إلى ما سبق، أن الشركات العالمية في القطاعات المتخصصة قد تأتي بتكنولوجيا جديدة. مثلا لم يكن لدينا في السابق خدمات مثل التكنولوجيا المالية أو الحوسبة السحابية وهي تخصصات جديدة لم تكن معروفة من قبل لولا الاستثمار الأجنبي. وكل ذلك له انعكاساته الايجابية على الاقتصاد، ويمثل قيمة مضافة حتى لو لم يكن بشكل مباشر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك