كتبت: مروة أحمد
الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، وإذا كان الزواج صحيا يسهم في بناء أسرة سعيدة ومستقرة، والزواج الصحي هو حالة التوافق والانسجام بين الزوجين من النواحي الصحية والنفسية والبدنية والاجتماعية، لذا فإن إجراء الفحص للمقبلين على الزواج يساعد في التخطيط لأسرة سليمة صحيًّا.
وفي ظل مخاطر إخفاء الاضطرابات النفسية أو العقلية قبل الزواج طرحت «أخبار الخليج» تساؤلا حول مدى الحاجة الى إلزامية إدراج فحص الصحة النفسية والإدمان من ضمن فحوصات المقبلين على الزواج من زاوية المشرّعين والقانونيين والمختصين.
في هذا السيـاق، قال الدكتور جاسم المهندي طبيب ومختص بالأمراض النفسية لـ«أخبار الخليج»: إن هناك ضرورة ملحة من الأطباء النفسيين في البحرين لإلزامية هذا النوع من الفحوصات لأن للأمراض النفسية وحالات الإدمان تبعيات مضرة تصل إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية وإلى الإدمان، وأشار إلى أن من مبدأ الإفصاح يجب على أحد الطرفين الذين يعانون من هذه الاضطرابات أن يكونوا شفافين في الإفصاح عنها لأن الإدمان على سبيل المثال آفة مضرة قاتلة للحياة وأن الفحص المبكر قبل الزواج سيسهم في رفع معدلات العلاج ونجاح الحياة الزوجية فور تعالج المصابين ورفع امكانية ارتباطهم ونجاح حياتهم.
رأي الطب النفسي
وتطرّق المهندي إلى بعض الحالات النفسية التي مرّت عليه من خلال خبرته في المجال، حيث تحدّث عن زوجة ارتبطت برجل مصاب بالفصام لم يتم الافصاح عن اضطرابه النفسي لا من قِبله أو قِبل ذويه، وبعد الزواج تقدمت الزوجة بجلسات علاج نفسي بسبب التبعيات المترتبة على العيش والارتباط بالمصاب بالفصام، وأشار إلى حالات عنف أسري انبثقت من مصـاب واحد في المنزل باضطراب نفسي أدى إلى انتشار العنف الأسري في البيئة مما عرّض المصابين إلى العلاج النفسي مؤكدًا أن الكشف المبكر ورفع معدلات الوعي بضرورة إلزامية هذا النوع من الفحوصات ستحمي الخلية الاجتماعية في البحرين من انتشار الاضطرابات النفسية المؤذية والخطيرة.
إلغاء فكرة «زوجوه كي يعقل»
كما أوضح أن هذا النوع من الكشف والفحص بحاجة إلى رفع الوعي فيه وإلغاء الفكرة الاجتماعية المنتشرة في بعض الدوائر وهي «زوجوه كي يعقل» فهي قد تكون السبب في تحمّل المرأة لأعباء العيش مع مضطرب نفسيا قد يؤذي نفسه ويؤذيها أو يقدم على ايذاء ابنائهم، كما وحث على ضرورة الإفصاح والصراحة عند أصابه أحد الطرفين بالاضطرابات النفسية أو الإدمان لما فيها من مخاطر على المصاب أو المدمن وعلى المحيطين به من أفراد أسرته.
رفع معدلات المصداقية
قبل الزواج
ومن جانبها، تحدثت الدكتورة معصومة عبدالرحيم اختصاصية في الطب النفسي عن ضرورة إجراء فحوصات الإدمان للمقبلين على الزواج، خصوصًا كونها فحوصات تتسم بالسهولة ويمكن اجراؤها في المراكز الصحية، حيث إن هذا النوع من الفحوصات سيكون عاملا مهما في انقاذ المدمن والمحيطين به والفتاة التي قد تقدم على الارتباط به، كما وأشارت إلى أن هذا النوع من الفحوصات سيسهم في رفع معدلات الوضوح والمصداقية ما بين المقبلين على الزواج، وأوضحت أن مسألة فحوصات الاضطرابات النفسية قد تكون سلبية وايجابية بسبب تصنيفها بحسب الخطورة أي أن المصاب بضغط نفسي بسبب العمل أو بسبب الارتباط لا يجب أن يُحسب على المصابين باضطرابات نفسية فإن المسألة في حاجة إلى عملية تنظيمية وتصنيفية.
ضرورة إدراج فحوصات الإدمان
وعبرّت المحامية ابتسام الصبـاغ عن مدى ضرورة ادراج فحوصات الإدمان بالأخص ضمن فحوصات المقبلين على الزواج وذلك بسبب الآثار المترتبة على الارتباط بالشخص المدمن، وفي تفاصيل اضافية قالت الصباغ أن هناك العديد من القضايا الموجودة والمنتشرة في أروقة المحاكم تعود إلى اكتشاف اصابة أحد الطرفين بأحد الأمراض المعدية أو الجنسية وحالات إدمان على مختلف المواد المسبب للإدمان ومنها المشروبات المسكرة، ومن هذا المنطلق اقترحت القانونية فكرة اطلاع نتائج هذا النوع من الفحوصات المرتبطة بالإدمان والأمراض النفسية على ولي أمر الفتـاة على سبيل المثال، واستندت على إحدى الحالات لفتاة قـاصر تزوجت من رجل مصاب بمرض جنسي مُعدٍ يحتاج إلى علاج من دون ابلاغ ولي أمرها بموضوع اصابته وبعد أول خلاف قامت الفتاة بالإفصاح عن مسألة اصابة الزواج بالمرض الجنسي المُعدي لذويها مما تسبب في وصول الأمر إلى أروقة المحاكم، حيث أشارت إلى أن لو تم عرض نتيجة هذا الفحص على ولي الأمر لاختلفت الأمور والموازين لأن اشتراط موافقة الولي في الفقه الجعفري تقع على البكر وفي السني تقع على البكر والثيّب مما يبيّن ضرورة اطلاع ولي الأمر على هذه الأمور لتفادي عقباتها مستقبلًا.
ضريبة الطلاق
ومن جانبها، قالت المحامية منار التميمي: إن هناك رغبة تُصب في كثرة المطالبة بإجراء فحوصات إدمان المخدرات والمواد المخدرة الأخرى وفحص الصحة النفسية لدى المقبلين على الزواج وهي تكمن في التخلص من القضايا والشكاوى التي تعج بها المحاكم الشرعية ومراكز الشرطة ونيابة الاسرة وتحقيق الاستقرار داخل الأسرة، مؤكدةً ضرورة تسليط الضوء على تلك القضية المهمة التي تؤثر على معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة، حيث دعت إلى البحث عن الأسباب وراء ذلك خاصةً في السنوات الأولى من الزواج، كما دعت التميمي إلى إيجاد حلول جذرية واجراءات وقائية يتم تطبيقها قبل الزواج وانجاب أطفال والذين يدفعون ضريبة الطلاق.
واعتبرت التميمي أن مسألة فحص الأمراض النفسية تعد أمرًا معقدًا، وهذا الإجراء يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة من الجهات المسؤولة سواءً الصحية أو الأمنية أو الاجتماعية وهي القادرة على وضع آليات تنفيذ هذا القرار من عدمه واجراء فحص الإدمان وادراجه كذلك رغم تكلفته الباهظة لن يفي بالغرض، حيث نوّهت إلى وجود حالات تعود إلى أفراد تمكنوا من الإفلات من اجراء هذا النوع من الفحوصات بسبب المدة التي يتخلص منها الجسم من هذه المواد، حيث يتعمد إجراء الفحص بعد خروج هذه المواد من جسمه ليثبت سلبية الفحص وينفي ادمانه على أيّة مواد سواءً المواد المسكرة أو بعض الأدوية وغيرها من المواد المسببة للإدمان.
ونصحت بضرورة تطبيق «فترة التعارف» قبل الزواج كونها كفيلة بمعرفة الطرفين بعضهما البعض والشخص المدمن تظهر عليه علامات معينة وكذلك المريض النفسي وتصرفات المدمنين واضحة، فالتوعية بأعراض الإدمان مطلوبة، لذلك قبل الزواج نصحت التميمي بضرورة البحث عن حياة الشخص الذي سيصبح شريك الحياة، والتأكد من الأفراد المحيطين به وخصوصًا اصدقاءه، كما ودعت إلى تكثيف الدورات الاستشارية والدورات التوعوية للمقبلين على الزواج وتكون إلزاميه لما لهذه البرامج من اثر إيجابي في تقليل نسب الطلاق والحد من المشكلات الاسرية وبناء الاسرة، والتغلب على المشكلات وتوعية الشاب.
الإلزامية سلاح ذو حدين
بدورها قالت د. فاطمة الكوهجي رئيسة لجنة شؤون المرأة والطفل بمجلس الشورى: إن مسـألة فحص الصحة النفسية للفرد قد تكون ذات منفعة عليه قبل المحيطين به، حيث من الممكن أن يساهم هذا الفحص في معالجة هذا الاضطراب النفسي وحلّه قبل الزواج، وأكدت الكوهجي أن مسألة إلزامية هذا النوع من الفحوصات قد يكون سلاحا ذا حدين ومسألة حساسة وجادة، لأن التشخيص النفسي قد يكون بمثابة بصمة أبدية ستلازم هذا الشخص وتضر بالطرف الآخر الذي من المفترض أن يرتبط به.
وأضافت لـ«أخبار الخليج» بأن مسألة تشريع مثل هذا القانون تحتاج إلى التركيز على رصد الأفراد والجهات المسؤولة بالتشخيص من جهة، ورصد الأدوات الأساسية الخاصة لكثرتها وحصرها قبل سن هذا التشريع، ونوّهت إلى أن سـن هذا التشريع لن يُساهم في تقليل الحالات المسؤولة عن التكتم الاجتماعي فيما يتعلق بمسألة إخفاء إصابة احد الطرفين باضطرابات نفسية عن الطرف الآخر وإنما هناك احتمال بـأن هذا التشريع سيساهم في رفع معدلات العازفين عن الزواج بسبب قد يتبيّن اصابة بعضهم بالاضطرابات النفسية والامراض غير العضوية، ومن جانب آخر أوضحت أن الفحص قد يكون إلزاميا إن كانت أعراضه واضحة على العيان، حيث إن هناك أمراض غير واضحة وليست ذات تأثير على الحياة الزوجية والاجتماعية مما قد لا يبين لفحصها أهمية بالإضافة إلى وجود أمراض نفسية يمكن تخفيف حدتها من خلال الأدوية ولا تؤثر على استمرارية الحياة الزوجية وأمراض أخرى قد يتم معالجتها بالمعاملة الحسنة أي في حال اصابة الزوج باضطراب أو مرض نفسي قد يمكن احتواؤه من خلال معاملة الزوجة الحسنة والعكس.
وفي ختام حدثيها عن هذا الملف، أكدت على دورها كمشرّع والذي أكدت من خلاله حاجة التشريع إلى ديمومة الموقف وثباته واستقراره أي أن تذبذب هذا المواقف والحالات لن تساهم في سن تشريعات عليها لأنها قد تكون «فضفاضة» أي غير مستقرة وغير ثابتة غير أنها أشارت إلى ضرورة استقرار الاسرة والعمل على كافة الاحتياجات التي تضمن ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك