العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

المال و الاقتصاد

استراتيجيات الهياكل الحكومية لتحقيق الكفاءة الاقتصادية

الاثنين ٢٢ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

بقلم‭: ‬م‭. ‬إسماعيل‭ ‬الصراف*

في‭ ‬المشهد‭ ‬المتطور‭ ‬باستمرار‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬يظل‭ ‬السعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬الكفاءة‭ ‬والاستخدام‭ ‬الأمثل‭ ‬للموارد‭ ‬أمرًا‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭. ‬وأحد‭ ‬السبل‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للسلطات‭ ‬الحكومية،‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬دمجها‭ ‬مع‭ ‬الوزارات‭ ‬وإما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تقليص‭ ‬حجمها‭ ‬للعمل‭ ‬بتكليف‭ ‬واحد‭ ‬أكثر‭ ‬تركيزا‭ ‬وبميزانيات‭ ‬أقل‭. ‬ولا‭ ‬يَعِد‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬بفوائد‭ ‬اقتصادية‭ ‬كبيرة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يمهد‭ ‬الطريق‭ ‬أيضا‭ ‬لقطاع‭ ‬عام‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيما‭ ‬وفعالية‭.‬

ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬دمج‭ ‬السلطات‭ ‬الحكومية‭ ‬ذات‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المتداخلة‭ ‬في‭ ‬وزارات‭ ‬أكبر‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬وفورات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬التكاليف‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬إزالة‭ ‬الطبقات‭ ‬الإدارية‭ ‬الزائدة‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬وتبسيط‭ ‬العمليات،‭ ‬تستطيع‭ ‬الحكومة‭ ‬خفض‭ ‬التكاليف‭ ‬التشغيلية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحرير‭ ‬الموارد‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬توجيهها‭ ‬إلى‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬الأساسية‭ ‬أو‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭. ‬ويضمن‭ ‬هذا‭ ‬الدمج‭ ‬تنفيذ‭ ‬سياسات‭ ‬أكثر‭ ‬تماسكا،‭ ‬وتجنب‭ ‬مخاطر‭ ‬الحوكمة‭ ‬المجزأة،‭ ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬سلطات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬صوامع،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الكفاءة‭ ‬وعدم‭ ‬اتساق‭ ‬السياسات‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬تقليص‭ ‬حجم‭ ‬السلطات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬صلاحيات‭ ‬فردية‭ ‬ومحددة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬فوائد‭ ‬كبيرة‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬هياكل‭ ‬بيروقراطية‭ ‬ضخمة‭ ‬إلى‭ ‬سلطات‭ ‬أصغر‭ ‬حجما‭ ‬وأقل‭ ‬حجما‭ ‬تعمل‭ ‬بميزانيات‭ ‬أقل،‭ ‬تستطيع‭ ‬الحكومة‭ ‬تحقيق‭ ‬تركيز‭ ‬وكفاءة‭ ‬أفضل‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الكيانات‭ ‬الصغيرة‭ ‬أن‭ ‬تتخصص‭ ‬في‭ ‬ولاياتها‭ ‬المحددة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساليب‭ ‬أكثر‭ ‬استهدافًا‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬الخبراء‭. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ميزانية‭ ‬حكومية‭ ‬أكثر‭ ‬توازناً‭. ‬إن‭ ‬تخفيف‭ ‬العبء‭ ‬المالي‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلطات‭ ‬كبيرة‭ ‬متعددة‭ ‬يسمح‭ ‬بإدارة‭ ‬مالية‭ ‬أفضل،‭ ‬وربما‭ ‬خفض‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬وإتاحة‭ ‬مجال‭ ‬أكبر‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الحيوية‭ ‬مثل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭.‬

وبالترادف‭ ‬مع‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة‭ ‬الحكومية،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الجمعيات‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مدفوعة‭ ‬برسالة‭ ‬واضحة‭ ‬وروابط‭ ‬مجتمعية‭ ‬عميقة،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شريكًا‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬بثمن‭ ‬للوزارات‭ ‬والسلطات‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الجمعيات‭ ‬غير‭ ‬الربحية،‭ ‬تستطيع‭ ‬الحكومة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبراتها،‭ ‬وأساليبها‭ ‬المبتكرة‭ ‬لمعالجة‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬يمكن‭ ‬للجمعيات‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬وتنفيذ‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬الأولويات‭ ‬الحكومية،‭ ‬مثل‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والاستدامة‭ ‬البيئية‭. ‬إن‭ ‬وجودهم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬وفهمهم‭ ‬للاحتياجات‭ ‬المحلية‭ ‬يجعلهم‭ ‬متعاونين‭ ‬مثاليين‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬وبرامج‭ ‬فعالة‭.‬

إن‭ ‬الآثار‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإيجابية‭ ‬لهذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬متعددة‭. ‬أولاً،‭ ‬يمكن‭ ‬لحكومة‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيماً‭ ‬وكفاءة‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين‭. ‬إن‭ ‬السياسات‭ ‬الواضحة‭ ‬والمتماسكة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الروتين‭ ‬البيروقراطي‭ ‬تشكل‭ ‬عوامل‭ ‬جذب‭ ‬للمستثمرين‭ ‬المحليين‭ ‬والدوليين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬ثانيا،‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬استثمار‭ ‬الوفورات‭ ‬المالية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬انخفاض‭ ‬تكاليف‭ ‬التشغيل‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الرئيسية،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬داخل‭ ‬العمليات‭ ‬الحكومية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سرعة‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬وتنفيذ‭ ‬السياسات،‭ ‬مما‭ ‬يمكّن‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬التكيف‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬والتحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭. ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬المرونة‭ ‬أمرا‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تتغير‭ ‬فيه‭ ‬الديناميكيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬باستمرار‭. ‬وأخيرا،‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬المجتمعات‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬سياسية‭ ‬أكثر‭ ‬إبداعا‭ ‬وشمولا،‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬استفادة‭ ‬جميع‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭. ‬إن‭ ‬إعادة‭ ‬الهيكلة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للسلطات‭ ‬الحكومية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مشاركة‭ ‬الجمعيات‭ ‬غير‭ ‬الربحية،‭ ‬تمثل‭ ‬طريقًا‭ ‬مقنعًا‭ ‬للبحرين‭ ‬لتعزيز‭ ‬الكفاءة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والإنتاجية‭ ‬والصحة‭ ‬المالية‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬تستطيع‭ ‬المملكة‭ ‬بناء‭ ‬قطاع‭ ‬عام‭ ‬أكثر‭ ‬تنظيما‭ ‬واستجابة‭ ‬وفعالية،‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المستدام‭ ‬ويحسن‭ ‬النتائج‭ ‬المجتمعية‭. ‬وهذا‭ ‬النهج‭ ‬يضع‭ ‬البحرين‭ ‬كنموذج‭ ‬للحوكمة‭ ‬المبتكرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.‬

*‭ ‬ماجستير‭ ‬تنفيذي‭ ‬بالإدارة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ (‬EMBA‭)‬

عضو‭ ‬بمعهد‭ ‬المهندسين‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬البريطانية‭ (‬MIET‭)‬

عضو‭ ‬بجمعية‭ ‬المهندسين‭ ‬البحرينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا