العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

ما على مشروع قانون المحاماة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١١ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬

البعض‭ ‬يسميها‭ ‬القضاء‭ ‬الواقف،‭ ‬وآخرون‭ ‬أسموها‭ ‬مهنة‭ ‬المتاعب،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬البحرين‭ ‬مبكراً‭ ‬مع‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بإعلان‭ ‬قانون‭ ‬التوكيل‭ ‬في‭ ‬محاكم‭ ‬البحرين‭ ‬رقم‭ ‬20‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬يونيو‭ ‬1935‭ ‬المعدل‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬تنظيمها‭ ‬بموجب‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ ‬26‭ ‬لسنة‭ ‬1980‭ ‬الذي‭ ‬ألغى‭ ‬قانون‭ ‬التوكيل‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬هي‭ ‬مهنة‭ ‬إنسانية‭ ‬تتطلب‭ ‬الشرف‭ ‬والامانة‭ ‬والنزاهة‭ ‬ممن‭ ‬يُمارسها،‭ ‬وهي‭ ‬تُعدّ‭ ‬ركيزة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬إذ‭ ‬تعاون‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬استجلاء‭ ‬الحقائق‭ ‬والوصول‭ ‬إليها،‭ ‬حيث‭ ‬تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬اعتبارهم‭ ‬شركاء‭ ‬للعدالة‭ ‬وفي‮ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المظلومين‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬وتُولي‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬أهمية‭ ‬واعتبارا‭ ‬لهذه‭ ‬المهنة‭ ‬باعتبارها‭ ‬آلية‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحفظ‭ ‬كرامته‭ ‬الإنسانية‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬تعديل‭ ‬التشريعات‭ ‬أو‭ ‬استحداثها‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬لمواكبة‭ ‬المستجدات‭ ‬وسدّ‭ ‬النقص‭ ‬بغرض‭ ‬الضبط‭ ‬وتحقيق‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬ويهمني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬المتداولة‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬وهو‭ ‬مسودة‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة‭ ‬الجديد،‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬نسخة‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الأستاذ‭ ‬المحامي‭ ‬حسن‭ ‬بديوي‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬المحامين‭ ‬الأسبق‭ ‬مشكوراً‭.‬

وبلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة،‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬وعليها‭ ‬ما‭ ‬عليها،‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬جميع‭ ‬المهن‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬مهنة‭ ‬مستقلة‭ ‬سامية‭ ‬وإنسانية‭ ‬تحظى‭ ‬بمكانة‭ ‬وتقدير‭ ‬أممي‭ ‬منذ‭ ‬نشأت،‭ ‬فللمحامي‭ ‬حصانته‭ ‬ومساحته‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬موكله‭ ‬ويُعد‭ ‬وجوده‭ ‬ضمانة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬ضمانات‭ ‬المحاكمة‭ ‬العادلة‭ ‬التي‭ ‬قررتها‭ ‬القواعد‭ ‬العرفية‭ ‬والقواعد‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬والتي‭ ‬تعززها‭ ‬النصوص‭ ‬الدستورية‭ ‬الوطنية‭.‬

وسوف‭ ‬أتطرق‭ ‬إلى‭ ‬ملاحظتين‭ ‬حول‭ ‬مسودة‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬كبداية‭ ‬فقط،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أهمية‭ ‬استقلال‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة،‭ ‬وضرورة‭ ‬أن‭ ‬يُعزز‭ ‬القانون‭ ‬الجديد‭ ‬قيمتها‭ ‬فيضيف‭ ‬ضماناتٍ‭ ‬جديدة‭ ‬لحمايتها‭  ‬بجانب‭ ‬ما‭ ‬كفله‭ ‬لها‭ ‬القانون‭ ‬الحالي،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬استوقفني‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أحكام‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭  ‬قد‭ ‬يعتبر‭ ‬تراجعياً‭  ‬بالنص‭ ‬على‭ (‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬للانتقال‭ ‬بين‭ ‬الجداول‭) ‬الذي‭ ‬قضت‭ ‬به‭ ‬المادة‭ (‬10‭) ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينص‭ ‬عليه‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة‭ ‬الحالي‭ ‬والذي‭ ‬نصّت‭ ‬مادته‭ (‬18‭) ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬أنه‭: (‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬أي‭ ‬رسوم‭ ‬على‭ ‬طلبات‭ ‬نقل‭ ‬الاسم‭ ‬إلى‭ ‬جدول‭ ‬المحامين‭ ‬غير‭ ‬المشتغلين‭ ‬وجدول‭ ‬المحامين‭ ‬المشتغلين‭ ‬و‭ ‬المحامين‭ ‬تحت‭ ‬التمرين‭).‬

أما‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬تتعلق‭ ‬بموضوع‭ ‬إلزام‭ ‬المحامي‭ ‬بتقديم‭ (‬وثيقة‭ ‬التأمين‭ ‬ضد‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬المهنية‭) ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬الفقرة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬المادة‭ (‬7‭) ‬من‭ ‬مسودة‭ ‬مشروع‭ ‬القانون،‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬محل‭ ‬نظر‭ ‬باعتبارها‭ ‬تُشكّل‭ ‬قيداً‭ ‬أو‭ ‬شرطاً‭ ‬للقيد‭ ‬في‭ ‬الجدول‭ ‬العام‭ ‬للمحامين،‭ ‬إذ‭ ‬تقتضي‭ ‬كفالة‭ ‬الحقوق‭ ‬بأن‭ ‬القيد‭ ‬أو‭ ‬الشرط‭ ‬هو‭ ‬استثناء‭ ‬على‭ ‬الأصل‭ ‬بغرض‭ ‬التنظيم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُبنى‭ ‬على‭ ‬سببٍ‭ ‬أو‭ ‬أسبابٍ‭ ‬تبتغي‭ ‬تحقيق‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬مصلحة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬سبيل‭ ‬آخر‭ ‬لهذه‭ ‬الحماية،‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القيد‭ ‬أن‭ ‬يتّسم‭ ‬بالمعقولية‭ ‬والتناسب‭.‬

وبناء‭ ‬عليه،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬يخالف‭ ‬المبدأ‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬والذي‭ ‬يقضي‭ ‬بأن‭ ‬التزام‭ ‬المحامي‭ ‬تجاه‭ ‬موكله‭ ‬ببذل‭ ‬جهد‭ ‬وعناية‭ ‬الرجل‭ ‬الحريص،‭ ‬لا‭ ‬بإلزامه‭ ‬بتحقيق‭ ‬نتيجة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬العناية‭ ‬الواجب‭ ‬بذلها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحامي‭ ‬تشمل‭ ‬أقصى‭ ‬جهد‭ ‬مطلوب‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬موكله‭ ‬بأقصى‭ ‬علمه‭ ‬وخبرته‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬القانون‭ ‬والعرف‭ ‬بالوسائل‭ ‬المشروعة‭ ‬لمحاولة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة،‭ ‬وإن‭ ‬ثبت‭ ‬خطأ‭ ‬أو‭ ‬تقصير،‭ ‬فإن‭ ‬الفصل‭ ‬فيه‭ ‬يكون‭ ‬للقضاء‭ ‬وفقاً‭ ‬للمبادئ‭ ‬القانونية‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المسؤولية‭ ‬العقدية‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬توكيل‭ ‬المحامي‭ ‬هو‭ ‬عقد‭ ‬بين‭ ‬طرفيه‭ (‬الوكيل‭ ‬والموكل‭).‬

وإذ‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المشرّع‭ ‬المواءمة‭ ‬بين‭ ‬القوانين‭ ‬لكي‭ ‬تكّمل‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬اتّساق‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تعارض،‭ ‬وعلى‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭. ‬فالسؤال‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬ما‭  ‬مدى‭ ‬الضرر‭ ‬المحتمل‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬أخطاء‭ ‬المحامي‭ ‬المهنية؟‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬أن‭ ‬أخطاء‭ ‬المحامي‭ ‬المهنية‭ ‬إن‭ ‬وقعت‭ ‬لن‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬ضرر‭ ‬جوهري‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬درؤه‭ ‬أو‭ ‬التعويض‭ ‬عنه،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬نصٌ‭ ‬مشابه‭ ‬للنص‭ ‬المقترح‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬أخرى‭ ‬أضرارها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬جسامة‭ ‬كمهنة‭ ‬الطب‭ ‬البشري‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬ترتقي‭ ‬أخطاؤها‭ ‬المهنية‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬فقدان‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ (‬7‭) ‬لسنة‭ ‬1989‭ ‬بشأن‭ ‬مزاولة‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬البشري‭ ‬وطب‭ ‬الإنسان،‭ ‬الأطباء‭ ‬لم‭ ‬يُلزم‭ ‬الأطباء‭ ‬بتقديم‭ ‬وثيقة‭ ‬تأمين‭ ‬ضد‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬المهنية‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬بأن‭ ‬قيد‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬جمعية‭ ‬أو‭ ‬نقابة‭ ‬المحامين‭ ‬باعتبارها‭ ‬جمعية‭ ‬مهنية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬المحاماة‭ ‬البحريني‭ ‬الحالي‭ ‬ومشروع‭ ‬القانون‭ ‬المطروح‭ ‬قد‭ ‬استمرا‭ ‬في‭ ‬إسناد‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتنافى‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬بأن‭ ‬المحاماة‭ ‬مهنة‭ ‬حرّة‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬وتأكيد‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬وكفالة‭ ‬حق‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات،‭ ‬ويزاول‭ ‬المحامون‭ ‬وحدهم‭ ‬مهنة‭ ‬المحاماة‭ ‬في‭ ‬استقلال‭ ‬ولا‭ ‬سلطان‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لغير‭ ‬القانون‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا