العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

درس 1914.. واحتمالات الحرب الشاملة في الشرق الأوسط

بقلم: محمد العربي {

السبت ٢٤ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

خلال‭ ‬أزمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الكوبية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬شفير‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬1962،‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭ ‬كان‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يستحضر‭ ‬كتاب‭ ‬باربرا‭ ‬توكمان‭ ‬‮«‬مدافع‭ ‬أغسطس‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬اجتماعات‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭. ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬صادرًا‭ ‬لتوه‭ ‬وذا‭ ‬صدى‭ ‬كبير‭. ‬تناول‭ ‬الكتاب‭ ‬مقدمات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬والشهر‭ ‬الأول‭ ‬فيها‭ ‬تحديدًا؛‭ ‬إذ‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬مذبحة‭ ‬مروعة‭ ‬استمرت‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات،‭ ‬وغيرت‭ ‬العالم‭ ‬معها‭. ‬تقول‭ ‬توكمان‭: ‬‮«‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يريد‭ ‬الحرب،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬كان‭ ‬يسن‭ ‬أسنانه‭ ‬ويشحذ‭ ‬سيوفه‭ ‬استعدادًا‭ ‬لها‭. ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬ينتظر‭ ‬فقط‭ ‬سوء‭ ‬تقدير‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬حتى‭ ‬يتحول‭ ‬التصعيد‭ ‬المكتوم‭ ‬المستمر‭ ‬لسنوات‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭. ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬السير‭ ‬نومًا‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‮»‬‭.‬

لا‭ ‬يختلف‭ ‬الأمر‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عما‭ ‬وصفته‭ ‬توكمان‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬العظمى‭. ‬فيما‭ ‬تعلن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المنخرطة‭ ‬في‭ ‬التصعيد‭ ‬الإقليمي‭ ‬عدم‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬شاملة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬أو‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬خصومها‭ ‬لاستعادة‭ ‬الهيبة‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الردع؛‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬انتـظار‭ ‬الخطوة‭ ‬التصعيدية‭ ‬غير‭ ‬المحسوبة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تودي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬المعلنة‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬تجاوزت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات،‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬لنطاق‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي،‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬غزة،‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية،‭ ‬والحوثيين‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬التراشق‭ ‬بالمسيرات‭ ‬والصواريخ‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭.‬

وقت‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬وإعداد‭ ‬هذا‭ ‬الإصدار،‭ ‬مازالت‭ ‬المنطقة‭ ‬تحبس‭ ‬أنفاسها‭ ‬جراء‭ ‬سلسلة‭ ‬الحوادث‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬رحاها‭ ‬بين‭ ‬مجدل‭ ‬شمس‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬السوري‭ ‬المحتل،‭ ‬ثم‭ ‬اغتيال‭ ‬قادة‭ ‬سياسيين‭ ‬وعسكريين‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وطهران،‭ ‬ضربت‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬فرص‭ ‬خفض‭ ‬التصعيد،‭ ‬أو‭ ‬مفاوضات‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬المتعثرة‭ ‬أصلا‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬وإسرائيل؛‭ ‬بسبب‭ ‬تعنت‭ ‬الأخيرة‭ ‬ومماطلة‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬معرفة‭ ‬هوية‭ ‬ساكن‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬الجديد،‭ ‬سواء‭ ‬السيدة‭ ‬هاريس‭ ‬أم‭ ‬السيد‭ ‬ترامب‭. ‬هنا،‭ ‬تبرز‭ ‬معضلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬معضلات‭ ‬المنطقة،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬مصيرها‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تحدد‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬حدودها‭. ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتقرر‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬وعدوان‭.‬

ربما‭ ‬ينتظر‭ ‬الجميع‭ ‬شرارة‭ ‬لإطلاق‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬دخلت‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬غير‭ ‬معلنة،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إذا‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الحرب‭ ‬تعني‭ ‬انعدام‭ ‬فرص‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلم‭. ‬مثل‭ ‬السير‭ ‬نومًا‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬ستجد‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬بالصراع‭ ‬المتعدد‭ ‬الجبهات‭ ‬أنها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬التصعيد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يستدعي‭ ‬فتح‭ ‬جبهات‭ ‬أخرى‭ ‬مكتومة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬خامدة،‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬المنطقة‭ ‬بين‭ ‬دولها‭ ‬وداخلها‭. ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬حربًا‭ ‬بلا‭ ‬معارك‭ ‬كبرى،‭ ‬وبلا‭ ‬استراتيجيات‭ ‬سياسية؛‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الانتقام‭ ‬وحده‭ ‬ما‭ ‬يحرك‭ ‬دائرة‭ ‬العنف‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬درس‭ ‬واحد‭ ‬تُعلمنا‭ ‬إياه‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬الانتقام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬استراتيجية‭ ‬ناجعة‭ ‬لخوض‭ ‬الحرب؛‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الانتصار‭ ‬فيها؛‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإخفاق‭. ‬فحتى‭ ‬لو‭ ‬نجحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬انتقامها‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬حماس،‭ ‬بالاغتيال،‭ ‬وسكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬المدنيين‭ ‬بالقتل‭ ‬والتشريد‭ ‬والتهجير،‭ ‬فقد‭ ‬أخفقت‭ ‬نهائيًا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفها‭ ‬بالاندماج‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬للأبد‭. ‬لا‭ ‬انتصار‭ ‬حاسم‭ ‬أو‭ ‬نهائي‭ ‬لأحد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬الجميع‭ ‬ضد‭ ‬الجميع‭. ‬يذكر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬إدوارد‭ ‬لوتواك،‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬استراتيجية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بفهم‭ ‬العدو،‭ ‬والإحاطة‭ ‬بدوافعه،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بإدراك‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬مهما‭ ‬عظمت،‭ ‬فهي‭ ‬قاصرة‭ ‬عن‭ ‬ضمان‭ ‬‮«‬الانتصار‭ ‬النهائي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الحل‭ ‬النهائي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الحسم‭ ‬التاريخي‮»‬‭.‬

تبدو‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تاريخها‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬القرون‭ ‬الخمسة‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حروب‭ ‬إقليمية،‭ ‬بعضها‭ ‬كان‭ ‬امتدادًا‭ ‬لحروب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬حدودها،‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬وهزيمتها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬ولننظر‭ ‬بهذا‭ ‬المنطق‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬حروب‭ ‬1967،‭ ‬ثم‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬1991‭ ‬وغزو‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬2003‭. ‬لقد‭ ‬عكست‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬مزيجًا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تقدير‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين،‭ ‬والتأثير‭ ‬المدمر‭ ‬للتدخل‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وفي‭ ‬واقع‭ ‬الحال،‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬منطقة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحرب،‭ ‬كقوة‭ ‬طبيعية،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬التوازن،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تولد‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬تدميرية‭. ‬ويرتبط‭ ‬تعظيم‭ ‬الآثار‭ ‬البناءة‭ ‬للصراعات‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬القوى‭ ‬المتحاربة‭ ‬بعدم‭ ‬جدوى‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬سعيها‭ ‬لإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬العلاقات‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الأمن‭ ‬المتبادل‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬أو‭ ‬إيجاد‭ ‬قواعد‭ ‬للتنافس‭ ‬في‭ ‬أسوأها‭.‬

لا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬حتمية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬دائمًا،‭ ‬واقعًا‭ ‬مريرًا‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭. ‬تقول‭ ‬الحكمة‭ ‬الرومانية‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬السلام،‭ ‬فأعد‭ ‬العدة‭ ‬للحرب‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬بالضرورة‭ ‬خوض‭ ‬الحرب؛‭ ‬بل‭ ‬تهيئة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثرًا‭ ‬بالصراعات‭ ‬لأوضاع‭ ‬أصعب،‭ ‬وتقليل‭ ‬المخاطر،‭ ‬وربما‭ ‬السعي‭ ‬لتجنب‭ ‬اتساع‭ ‬دوائر‭ ‬الصراع،‭ ‬أو‭ ‬احتوائه‭ ‬بأقل‭ ‬كلفة‭. ‬والأهم‭ ‬اتجاه‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الراغبة‭ ‬فعلًا‭ ‬في‭ ‬إقرار‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬الجذرية‭ ‬لعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬سيكون‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهذا‭ ‬الواقع‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬المزمنة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬تصعيد‮»‬،‭ ‬وأفضل‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬نومًا‭ ‬نحو‭ ‬الهاوية‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬متعلقًا‭ ‬فقط‭ ‬بشأن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬بالمنطقة‭ ‬ككل‭. ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬حاليًا‭ ‬مشغول‭ ‬بهذا‭ ‬التساؤل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الأكثر‭ ‬تدهورًا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬النظام‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬منذ‭ ‬تكوينه؛‭ ‬لذا،‭ ‬سيكون‭ ‬علينا‭ ‬التفكير‭ ‬فيما‭ ‬ستفضي‭ ‬إليه‭ ‬المواجهات‭ ‬الحالية،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ستفضي‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬مهدد؛‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬أفضت‭ ‬إليه‭ ‬مذابح‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬صلح‭ ‬باريس،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لحرب‭ ‬عالمية‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬ترويعًا،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬ستفضي‭ ‬فعلا‭ ‬إلى‭ ‬إقرار‭ ‬بنية‭ ‬أمنية‭ ‬جديدة‭ ‬تتوافق‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬وتجعل‭ ‬مصير‭ ‬المنطقة‭ ‬بيد‭ ‬قواها‭.‬

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الدروس‭ ‬التاريخية،‭ ‬سواء‭ ‬المستقاة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬خارجها،‭ ‬سيعين‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تفضي‭ ‬إليه‭ ‬مساراتها‭ ‬المستقبلية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التعلم‭ ‬منها‭ ‬أضحى‭ ‬موضع‭ ‬شك،‭ ‬مع‭ ‬تكرار‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي،‭ ‬والتمادي‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجميع‭. ‬وحتمًا،‭ ‬ستتزايد‭ ‬الكلفة‭ ‬البشرية‭ ‬لهذه‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬ما‭ ‬تجود‭ ‬به‭ ‬التقنيات‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬للقتل‭ ‬والتدمير‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬التاريخية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحوي‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬حديدية‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الحتمية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تطرح‭ ‬مسارات‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬اتخاذها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬توافرت‭ ‬الرؤى‭ ‬الثاقبة‭ ‬لدى‭ ‬متخذي‭ ‬القرار،‭ ‬أو‭ ‬تجاوزوا‭ ‬عقد‭ ‬الطموح‭ ‬السياسي،‭ ‬والتطرف‭ ‬القومي،‭ ‬وغطرسة‭ ‬القوة،‭ ‬ومجرد‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭. ‬سيكون‭ ‬إدراك‭ ‬هذا‭ ‬مكلفًا،‭ ‬لكنه‭ ‬حتمي‭ ‬لتجنب‭ ‬المنطقة‭ ‬لمستقبل‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عما‭ ‬يقع‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬حاضرها‭.‬

{‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬دورية‭ ‬اتجاهات‭ ‬الأحداث‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا