العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

نداء إنساني في يوم الأمم المتحدة

بقلم : د. عبدالله بن أحمد آل خليفة

الخميس ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

الأمل‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬الألم‭.. ‬حقيقة‭ ‬تواكب‭ ‬كل‭ ‬أزمة‭ ‬قاسية‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البشرية‭ ‬باختلاف‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭. ‬ففي‭ ‬عالم‭ ‬يعج‭ ‬بالمشكلات‭ ‬يتطلع‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬أفضل،‭ ‬أملاً‭ ‬بأن‭ ‬تأتي‭ ‬المنح‭ ‬من‭ ‬المحن،‭ ‬وبأن‭ ‬يشع‭ ‬النور‭ ‬الذي‭ ‬يبدد‭ ‬الظلام‭. ‬

وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬طاحنة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬كلفة‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬باهظة‭. ‬وكان‭ ‬ميثاق‭ ‬المنظمة‭ ‬بمثابة‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليـين،‭ ‬ومنع‭ ‬نشوب‭ ‬حروب‭ ‬وصراعات‭ ‬جديدة‭.‬

ويأتي‭ ‬احتفالنا‭ ‬بيوم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومنطقتنا‭ ‬تمر‭ ‬بأوقات‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬تناقض‭ ‬كل‭ ‬منطق‭ ‬ورشد،‭ ‬فآلة‭ ‬القتل‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬حصد‭ ‬أرواح‭ ‬الأبرياء،‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬المدنيين،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نكبات‭ ‬مؤلمة‭ ‬تثقل‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭.‬

وإذ‭ ‬نستذكر‭ ‬كيف‭ ‬خاضت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬يناهز‭ ‬ثمانية‭ ‬عقود،‭ ‬أدوارًا‭ ‬تاريخية‭ ‬وناجزة،‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬شرعية‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وكمعبر‭ ‬عن‭ ‬الإرادة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فإن‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭ ‬تواجه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬تحديات‭ ‬خطيرة،‭ ‬فقد‭ ‬باتت‭ ‬الأزمات‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬وتنوعًا،‭ ‬يرافقها‭ ‬انتقائية‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وازدواجية‭ ‬المعايير،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬محتدم‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬والمصالح،‭ ‬بما‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬ومقاصد‭ ‬الميثاق‭ ‬مازالت‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال‭.‬

إن‭ ‬الطريق‭ ‬لتحقيق‭ ‬الآمال‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬بأننا‭ ‬ننتمي‭ ‬الى‭ ‬إنسانية‭ ‬واحدة،‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬معًا‭ ‬لفتح‭ ‬آفاق‭ ‬التعارف‭ ‬والتلاقي‭. ‬وأود‭ ‬أن‭ ‬أغتنم‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬لأطرح‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأسس‭ ‬والمنطلقات‭ ‬التي‭ ‬يأمل‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬العالمي‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬أن‭ ‬تسود‭ ‬عالمنا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف،‭ ‬وهي‭:‬

أولاً‭: ‬الالتزام‭ ‬بالمبادئ‭ ‬والقواعد‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬عليها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭ ‬والحثيث،‭ ‬لتهيئة‭ ‬البيئة‭ ‬المناسبة‭ ‬للأمن‭ ‬والسلام،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬والمساواة‭.‬

ثانيًا‭: ‬إعداد‭ ‬رؤية‭ ‬معرفية‭ ‬وتقنية‭ ‬للعقدين‭ ‬القادمين،‭ ‬بمساهمة‭ ‬رموز‭ ‬وقيادات‭ ‬عالمية،‭ ‬يتمخض‭ ‬عنها‭ ‬برنامج‭ ‬عملي‭ ‬للشراكة‭ ‬والتعاون،‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأعراق‭ ‬والأجناس،‭ ‬ويرتقي‭ ‬فوق‭ ‬العنصرية‭ ‬والكراهية،‭ ‬وألا‭ ‬نسمح‭ ‬لمعاول‭ ‬الهدم‭ ‬والإرهاب،‭ ‬بعرقلة‭ ‬جهودنا‭ ‬أو‭ ‬تقليل‭ ‬عزمنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬فاعلية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

ثالثًا‭: ‬إطلاق‭ ‬تسويات‭ ‬شاملة‭ ‬وواقعية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬مرجعيات‭ ‬وقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬توافق‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية،‭ ‬بهدف‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬الممتدة‭ ‬والناشئة،‭ ‬لحماية‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحروب‭ ‬والتبعات‭ ‬الكارثية‭ ‬لها‭.‬

رابعًا‭: ‬يظل‭ ‬إصلاح‭ ‬هيكل‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬أمرًا‭ ‬ملحًا‭ ‬وضروريًا،‭ ‬كي‭ ‬يتقاسم‭ ‬الجميع‭ ‬الفرص،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تدفق‭ ‬الموارد‭ ‬اللازمة‭ ‬للنمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة،‭ ‬ودعم‭ ‬الابتكار‭ ‬والحوكمة‭.‬

واتساقًا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬الصعبة،‭ ‬صاغت‭ ‬الرؤية‭ ‬الحكيمة‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬‮«‬إعلان‭ ‬البحرين‮»‬‭ ‬كمنهاج‭ ‬عمل‭ ‬لاستعادة‭ ‬السلام‭ ‬العالمي،‭ ‬وترسيخ‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬جلالته‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭ ‬موسع‭ ‬وعاجل‭ ‬لإقرار‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهي‭ ‬الدعوة‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأخير‭ ‬للقمة‭ ‬العربية‭ ‬بالمنامة‭.‬

وفي‭ ‬رسالة‭ ‬مباشرة‭ ‬وذات‭ ‬مغزى،‭ ‬أعرب‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬بروكسل،‭ ‬وعن‭ ‬تطلعه‭ ‬لإجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬هيكلية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬لضمان‭ ‬استجابتها‭ ‬للتحديات‭ ‬المتغيرة‭.‬

إن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كبلد‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر،‭ ‬تمثل‭ ‬صوتًا‭ ‬للحق‭ ‬والحكمة،‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬عريقة‭ ‬وأصيلة،‭ ‬أهلتها‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬حيوي‭ ‬ومسؤول‭ ‬تجاه‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬ورعاية‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬شاركت‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬‮«‬ميثاق‭ ‬المستقبل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اعتمده‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬مؤخرا،‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬تأكيد‭ ‬المبادئ‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التفاعل‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬ودعم‭ ‬الفرص‭ ‬الواعدة‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭. ‬

وفي‭ ‬يوم‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬يتزامن‭ ‬مع‭ ‬أسبوع‭ ‬نزع‭ ‬السلاح،‭ ‬أتوجه‭ ‬بنداء‭ ‬لتكريس‭ ‬التسامح‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬مشتركات‭ (‬الدين‭ ‬والتعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬والدبلوماسية‭) ‬باعتبارها‭ ‬آليات‭ ‬فاعلة‭ ‬لمساندة‭ ‬العمل‭ ‬الدولي‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف،‭ ‬وإيجاد‭ ‬البيئة‭ ‬المناسبة‭ ‬لبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬والأخوة‭ ‬الإنسانية‭.‬

إننا‭ ‬بحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬إلى‭ ‬إعلاء‭ ‬مقاصد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬لمكافحة‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬وأيديولوجيات‭ ‬التطرف،‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تربح‭ ‬البشرية‭ ‬معركة‭ ‬الوعي‭ ‬والتحضر،‭ ‬وأن‭ ‬تدرك‭ ‬أهمية‭ ‬التنوع‭ ‬الثري‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التفاهم‭ ‬والتنمية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬شراكات‭ ‬الحوار‭ ‬والتقارب‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والثقافات‭.‬

إن‭ ‬عالمنا‭ ‬واحد‭.. ‬ونريد‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬فصلاً‭ ‬أكثر‭ ‬إشراقًا،‭ ‬ومفعمًا‭ ‬بالأمل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬مصير‭ ‬مشترك‮»‬‭ ‬ومضمونه‭ ‬تكاتف‭ ‬الجميع‭ ‬لا‭ ‬فساح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬إرساء‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬رسالة‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬العالمي‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي،‭ ‬الذي‭ ‬ينهض‭ ‬بمسؤولياته‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭: ‬حمل‭ ‬مشاعل‭ ‬السلام‭ ‬والتنوير،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬عالم‭ ‬ينعم‭ ‬بالوئام‭ ‬والازدهار‭.‬

 

رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬العالمي‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا