عالم يتغير
فوزية رشيد
عظمة الأمم تبنى بالسلم لا بالحروب يا ترامب!
{ ترامب جاء للمرة الثانية لرئاسة أمريكا وسواء حين كان الرئيس 45 أو كما هو حاليا الرئيس 47، فإن خلاصة أفكاره ومواقفه وحملته الانتخابية في المرتين كانت تدور حول: (كيف نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى؟)! والسؤال هل كانت أمريكا بالفعل دولة عظيمة بالبعد الفلسفي والأخلاقي والإنساني، بل وحتى الحضاري لمفهوم العظمة، أم أنها كانت قوة عسكرية واقتصادية عظمى، وفي ذات الوقت كانت عبر مسيرتها الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية، قوة مستبدة ومهيمنة وتتحرك بمفهوم كونها ديكتاتورية عالمية! تتعاطى مع القانون الدولي ومع المصالح والمبادئ الدولية، باعتبار أنها خاضعة لقانونها الخاص ولمصالحها الكولونيالية! بحيث لا يبقى في المساحة الدولية من يجرؤ على الحفاظ على مصالحه الخاصة، إذ كانت متعارضة مع الأجندات الأمريكية، وإلا واجه إما حربا عسكرية أو عقوبات قاسية! ولكأنها الجلاد والقاضي في نفس الوقت! وتفرض تلك الديكتاتورية الدولية بمنطقها الاستعماري وحده، دون يفوضها أحد للعب دور القاضي! مما يجعل العالم كله واقعا تحت رهان البلطجة الأمريكية منذ عقود طويلة!
{ الولايات المتحدة التي يتم بناء كل مؤسساتها العسكرية والاقتصادية والمالية، بل والجيو استراتيجية على أساس الحروب وصناعة الأعداء والأزمات ثم إدارتها، لا يمكن لها أن تكون دولة سلم! لأن بنيتها الاستعمارية مستمرة في العالم منذ تسلم العهدة من بريطانيا التي كانت توصف قبلها بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس! وكما كانت بريطانيا تصنع الحروب والصراعات والأزمات لزيادة نفوذها وقوتها، فإن أمريكا التي ورثت إرثها بذات (المفهوم المرتبك للعظمة) واصلت مسيرتها على أساس سطوة القوة العسكرية والاقتصادية، والاستفراد بقيادة العالم وشنت الحروب وأبادت في الشعوب، ودخلت حروبا لا حصر لها لكي تبني قوتها واستفرادها، وبسطوة القوة وحدها لا يمكن بناء العظمة! لأن العظمة في الأمم والحضارات تتداخل فيها في النهاية كمفردة القوة المادية مع القوة الأخلاقية والروحية والإنسانية وقد حققت القوى الاستعمارية الباطشة النسق الأول من العظمة، مع التخلي عن الشق الإنساني والأخلاقي والمعنوي والحضاري في القيادة الدولية! ولذلك كانت عظمتها دائما ناقصة!
{ العظمة التي يدور ترامب حولها ويقترب بعض الشيء من طموحه لتحقيقها، حين يدعو إلى إنهاء الحروب القائمة ومحاربة الدولة العميقة فإنه في الواقع لن يتمكن في النهاية من تحقيقها، لأنه يتلاقى مع الدولة العميقة أو النخبة الشيطانية في إدارة أمريكا والعالم، بمفهوم العظمة، باعتبارها قائمة على الاستفراد الأمريكي بالعالم وعبر القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وحدها ولذلك فإن تلك الرؤية تعني الدخول في صراع مرير، وتنافسية غير سليمة وغير حضارية مع الأمم الأخرى، التي تتطلع بدورها إلى أن تكون قوى مؤثرة ومشاركة في إدارة العالم، وعن طريق التنمية والتعددية القطبية والتكاملية والتنافسية القائمة على مبادئ الشراكة بين الأمم في العالم ! وهذا ما يتنافى مع منطلقات المسار التاريخي للدول الاستعمارية، واليوم للمسار الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، مما يجعل التهديد بالحرب العالمية الثالثة وأقطابها تدور حول الصين وروسيا من جهة وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى، فيما على الأمم والدول الأخرى الاختيار بين أمرين:
إما ترسيخ الاستفراد الأمريكي والغربي مجددا وبالتهديد والضغوط أو بناء عالم جديد قائم على تعدّد الأقطاب! فهل بالإمكان أن يبني العالم عظمته وليس عظمة أمريكا والغرب الناقصة دون الدخول في حرب كونية شاملة ومفصلية، تحددّ من يقود العالم دون استفراد قوة واحدة بهذا العالم،!
{ هذا سؤال جوهري لا نعتقد أن ترامب أو غيره من الرؤساء الأمريكيين يعون أبعاده الحقيقية، أو هم قادرون على أن ينظروا إلى عظمة العالم كله وليس عظمة أمريكا أو غيرها من القوى بشكل منفرد، والتي إن اقتصرت على قيادة قطب واحد، فإن ذلك يعني الاستبداد بالدول والديكتاتورية العولمية، من طرف واحد بالأطراف الأخرى أو الأمم الأخرى! وسؤال الحرب والسلم هو السؤال الذي يجعل العالم إما في أزمات وصراعات دائمة وحروب، أو يجعل العالم متجها إلى السلم والتنمية والتكاملية والشراكة الحقيقية للدول (لبناء العالم بوجه حضاري حقيقي) وليتخذ مفهوم عظمة العالم بعده الكامل، بعيدا عن اختزاله في القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والهيمنة بها!
أمريكا لتكون عظيمة بالفعل كما يريدها ترامب لابد أن ترى العالم بعين جديدة! وأن تمسح من بنيتها القائمة على الحروب الجشع الاستعماري الذي يدفعها لتلك الحروب! وأن تكون أخلاقية وإنسانية وحضارية باحترام كل الأمم والشعوب، وهذا ما لم ولن تتمكن أمريكا من تحقيقه ولذلك فليس بإمكانها أن تكون عظيمة بالمعنى الحقيقي! ولكنها ستكون قوة استعمارية كبرى فقط ولا صلة لذلك بالمفهوم العميق للعظمة ذات الأبعاد الكثيرة وليس البعد الاقتصادي والعسكري فقط!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك