العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

فراق «فاروق» وتعزية النفس

بقلم: محمد جاسم بوزيزي

الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

مؤمنون‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬وراضون‭ ‬بحكمه‭ ‬وأمره،‭ ‬نودع‭ ‬أحبة‭ ‬يغادرون‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬بلوعة‭ ‬وأسى‭ ‬وقلوب‭ ‬مليئة‭ ‬بالحزن‭ ‬وعيون‭ ‬ملأى‭ ‬بالبكاء،‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬مجرد‭ ‬إحساس‭ ‬عابر‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬للعشرة‭ ‬والصداقة‭ ‬والألفة‭ ‬والمحبة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وهكذا‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬أعزي‭ ‬نفسي‭ ‬أولًا‭ ‬قبل‭ ‬تعزية‭ ‬عائلة‭ ‬وأصدقاء‭ ‬ومعارف‭ ‬الفقيد‭ ‬الحبيب‭ ‬المرحوم‭ ‬فاروق‭ ‬المؤيد‭ ‬‮«‬بومحمد‮»‬‭.‬

وأن‭ ‬تعزي‭ ‬نفسك،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬حياتك‭ ‬انقطع‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضه‭ ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬لله،‭ ‬فحين‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬سنوات‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬45‭ ‬عامًا‭ ‬ربطتني‭ ‬فيه‭ ‬علاقة‭ ‬الأخوة‭ ‬والصداقة‭ ‬والعمل‭ ‬والحل‭ ‬والترحال‭ ‬مع‭ ‬المرحوم‭ ‬‮«‬بومحمد‮»‬،‭ ‬فإنني‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬استعيدها‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬يجمع‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬والعاملين‭ ‬ويستمع‭ ‬ويبحث‭ ‬ويطرح‭ ‬الرأي‭ ‬ويتلقى‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬ثم‭ ‬تجد‭ ‬ذلك‭ ‬الجانب‭ ‬العميق‭ ‬وهو‭ ‬التفهم‭ ‬والليونة‭ ‬وتيسير‭ ‬كل‭ ‬أمر‭ ‬قد‭ ‬نراه‭ ‬صعبًا‭.. ‬بصدره‭ ‬الرحب‭ ‬وابتسامته‭ ‬المعهودة‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬كإنسان،‭ ‬فهذا‭ ‬ميدان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مقام‭ ‬طويل،‭ ‬فهو‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬ويستشعر‭ ‬همومهم‭ ‬ويسعى‭ ‬لمساعدتهم،‭ ‬ولغته‭ ‬التي‭ ‬عرفناه‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬الابتسامة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة،‭ ‬وهذه‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬شموخ‭ ‬الإنسان‭ ‬وقوته‭ ‬وجدارته‭ ‬وهي‭ ‬نعم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬ولو‭ ‬تحدثت‭ ‬عما‭ ‬يفرج‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬فلي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواقف،‭ ‬اختصرها‭ ‬بالقول‭ ‬إنه‭ ‬حين‭ ‬نتوجه‭ ‬إليه‭ ‬لطلب‭ ‬مساعدة‭ ‬إنسانية‭ ‬لإنسان‭.. ‬لأي‭ ‬إنسان،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يسأل‭ ‬عمن‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬يسأل‭: ‬‮«‬كم‭ ‬يكفيه‭ ‬لتزول‭ ‬غمته؟‮»‬‭.‬

وهو‭ ‬ذلك‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬يرحب‭ ‬بك‭ ‬بحفاوة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬التقيته‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وكأنه‭ ‬يراك‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تجد‭ ‬تلك‭ ‬البشاشة‭ ‬والترحيب،‭ ‬وله‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬حياتنا،‭ ‬فلو‭ ‬سافرنا‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬تجده‭ ‬هو‭ ‬قائد‭ ‬الرحلة‭ ‬الذي‭ ‬يشيع‭ ‬فيها‭ ‬أجمل‭ ‬الأوقات،‭ ‬لأنه‭ ‬بكل‭ ‬اختصار‭ ‬واعتزاز‭ ‬يحب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حوله‭.. ‬وأحبه‭ ‬الجميع،‭ ‬وقد‭ ‬شاهدنا‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الوداع‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬مثواه‭ ‬الأخير،‭ ‬تلك‭ ‬الحشود‭ ‬التي‭ ‬حضرت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المناطق‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬الجنسيات‭.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الفقد‭ ‬كبير،‭ ‬لكن،‭ ‬يبقى‭ ‬‮«‬بومحمد‮»‬‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬محبيه،‭ ‬والخلف‭ ‬في‭ ‬أهله‭ ‬وذويه،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يتغمده‭ ‬في‭ ‬واسع‭ ‬رحمته‭ ‬ويسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭.. ‬إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا