العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

لنُصلح الجمعيات ليصلُح المجتمع المدني

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

الحديث‭ ‬عن‭ ‬الجمعيات‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬حديث‭ ‬ذو‭ ‬شجون،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬باب‭ ‬أطرقه،‭ ‬هل‭ ‬أطرقه‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬قانون‭ ‬الجمعيات؟‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون؟‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬بأهمية‭ ‬ودور‭ ‬الجمعيات‭ ‬والارتباط‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬تكوين‭ ‬الجمعيات‭ ‬أو‭ ‬الانضمام‭ ‬إليها‭ ‬والعمل‭ ‬التطوعي؟‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الفهم‭ ‬المنقوص‭ ‬لمبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬وأهمية‭ ‬تداول‭ ‬السلطة‭ ‬والتغيير‭ ‬كثوابت‭ ‬للديمقراطية؟‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تسود‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بأن‭ ‬الجمعية‭ ‬هي‭ ‬ملك‭ ‬لصاحب‭ ‬فكرة‭ ‬تأسيسها‭ ‬والذي‭ ‬يبقى‭ ‬متربعاً‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬رئاستها‭ ‬عقودا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لأنه‭ ‬بقدرة‭ ‬قادر‭ -‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬كيف‭- ‬قد‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية‭ ‬والأعضاء‭ ‬المنتخبين‭ ‬لمجالس‭ ‬الادارة‭ ‬دائماً‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬عماد‭ ‬الجمعية‭ ‬وبأنها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رئاسة‭ ‬مؤسسها‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الجمعية‭ ‬المضي‭ ‬قدماً؟‭! ‬غافلين‭ ‬عن‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬يقضي‭ ‬بأن‭ ‬الاستدامة‭ ‬للكيان‭ ‬المؤسسي‭ ‬وليس‭ ‬للأشخاص‭ ‬وأن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬تنتهي‭ ‬بانتهائه‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الجمعيات‭ ‬السياسية‭ ‬وغير‭ ‬السياسية‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وسأتناول‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬هذا‭ ‬الجمعيات‭ ‬غير‭ ‬السياسية‭ (‬المنظمات‭ ‬الأهلية‭) ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تُنشأ‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬وأغراض‭ ‬غير‭ ‬سياسية‭ ‬تصب‭ ‬غالباً‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬والتعاونية‭ ‬والخيرية‭ ‬والعلمية‭ ‬والرياضية‭ ‬والمهنية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأغراض‭ ‬غير‭ ‬السياسية،‭ ‬وقد‭ ‬قارب‭ ‬عددها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬640‭ ‬منظمة‭ ‬أهلية،‭ ‬ولن‭ ‬أتكلم‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬سقف‭ ‬حريّاتها‭ ‬ولكن‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬بعضها‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رقابة‭ ‬جدّية‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬المختصة‭ ‬بها،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المرسوم‭ ‬بقانون‭ ‬رقم‭ (‬21‭) ‬لسنة‭ ‬1989‭ ‬بإصدار‭ ‬قانون‭ ‬الجمعيات‭ ‬والأندية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثـقافية‭ ‬والهيئات‭ ‬الخاصة‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الشباب‭ ‬والرياضة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬قد‭ ‬عهد‭ ‬إلى‭ ‬وزارات‭ ‬مختلفة‭ ‬بالرقابة‭ ‬على‭ ‬الجمعيات‭ ‬كل‭ ‬بحسب‭ ‬اختصاصها‭ ‬وفقاً‭ ‬لأهداف‭ ‬الجمعية،‭ ‬وسأتوقف‭ ‬هنا‭ ‬عند‭ ‬دور‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬الذي‭ ‬لمسته‭ ‬شخصياً‭ ‬ويعرفه‭ ‬سواي،‭ ‬وعن‭ ‬مستوى‭ ‬وعي‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬الجمعيات‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يرتق‭ ‬إلى‭ ‬الروح‭ ‬الحقيقية‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬فالبعض‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أهمية‭ ‬دوره‭ ‬وصوته‭ ‬وواجباته‭ ‬تجاه‭ ‬الجمعية،‭ ‬إذ‭ ‬يعتبرها‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الرفاهية‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬قيمته‭ ‬كعضو‭ ‬مؤثر‭ ‬فيها،‭ ‬فالأغلبية‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬رأي‭ ‬في‭ ‬التقارير‭ ‬المالية‭ ‬أو‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الشخص‭ ‬الملائم‭ ‬كممثل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الجمعية،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يُملى‭ ‬عليه‭ ‬بطرق‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬عليه‭ ‬التصويت‭ ‬لها،‭ ‬وقد‭ ‬يُعزى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬متعددة‭ ‬منها‭ ‬قلة‭ ‬الوعي‭ ‬بالدور‭ ‬نفسه،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬أو‭ ‬الحرج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬المجاملات‭ ‬أو‭ ‬الموانع‭ ‬الأدبية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسلطة‭ ‬الإدارية،‭ ‬ولكن‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذريعة‭ ‬للهبوط‭ ‬بمستوى‭ ‬عمل‭ ‬الجمعيات‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬برقابة‭ ‬بعض‭ ‬الوزارات‭ ‬فحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬فإحداها‭ ‬لا‭ ‬يحضر‭ ‬ممثلا‭ ‬عنها‭ ‬عند‭ ‬انعقاد‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأهم‭ ‬منها‭ ‬وهو‭ ‬اجتماع‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رقابة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬محايدة‭ ‬غالباً‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬الوزارة‭ ‬المختصة،‭ ‬وعندما‭ ‬تحدث‭ ‬ممارسات‭ ‬خاطئة‭ ‬اثناء‭ ‬الانتخابات‭ ‬يتمسك‭ ‬ممثل‭ ‬الوزارة‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحضر‭ ‬بصحة‭ ‬جميع‭ ‬الأخطاء‭ ‬وحتى‭ ‬الجوهرية‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬يرفض‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬الاعتراض‭ ‬بخطاب‭ ‬رسمي‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬سياسة‭ ‬الوزارة،‭ ‬وهي‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬سياسة‭ ‬مخالفة‭ ‬للدستور‭ ‬الذي‭ ‬كفل‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬مخاطبة‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬رداً‭ ‬يوضح‭ ‬رأيها‭ ‬ووجهة‭ ‬نظرها‭.‬

وأخرى‭ ‬يحضر‭ ‬ممثلها‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬يُخطئ‭ ‬خطأً‭ ‬جسيماً‭ ‬أحياناً،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬احدى‭ ‬الجمعيات‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬ممثل‭ ‬الوزارة‭ ‬بأخذ‭ ‬صندوق‭ ‬الاقتراع‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬مغلقة‭ ‬منع‭ ‬الأعضاء‭ ‬من‭ ‬دخولها،‭ ‬واختلى‭ ‬لفرزها‭ ‬مع‭ ‬لجنة‭ ‬الانتخابات‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬أعضاء‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية،‭ ‬وعند‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬تصرفه‭ ‬قال‭: ‬عادي،‭ ‬عشان‭ ‬نترك‭ ‬الجماعة‭ (‬الأعضاء‭) ‬ياخذون‭ ‬راحتهم‭! ‬وجمعية‭ ‬أخرى‭ ‬قصّتها‭ ‬قصة‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬أنك‭ ‬ان‭ ‬تكلمت‭ ‬ناصبوك‭ ‬العداء‭ ‬وإن‭ ‬سكتت‭ ‬اختل‭ ‬ميزان‭ ‬العدالة‭.‬

وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬ليُقال،‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬شخصية‭ ‬وأخرى‭ ‬استمعت‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬آخرين،‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مساحة‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬أخرى،‭ ‬فما‭ ‬يهم‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬النهوض‭ ‬بدور‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومكانتها‭ ‬كشريك‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬رؤية‭ ‬البحرين‭ ‬2030‭ ‬و2050،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تصبح‭ ‬شريكاً‭ ‬فاعلاً‭ ‬إلا‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬صلُحت‭ ‬واستقامت‭ ‬وكان‭ ‬هدفها‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬رفعة‭ ‬الوطن‭ ‬ومصلحته‭ ‬العامة‭ ‬وليس‭ ‬مصلحة‭ ‬شخصية‭ ‬لأفرادٍ‭ ‬بعينهم،‭ ‬فالجمعيات‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مواطنين‭ ‬حقيقيين‭ ‬يكون‭ ‬همّهم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الوطن‭ ‬وليس‭ ‬تحقيق‭ ‬منجزات‭ ‬شخصية‭. ‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا