مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
بالإيمان نتوق إلى السلام
الحكيمُ البوذيُّ سيج جيش كيلسانج قال ذاتَ مرة: حين تسودُ العالم الفوضى وعدم الاستقرار، فإن البشرَ في العالمِ بكلِّ أعمارِهم وانتماءاتهم يتطلعون إلى كلمةٍ واحدة تتعلق بها كل آمالهم، هذه الكلمة هي السلام.
السلامُ هو في المقام الأول وقبل أي شيء السلام الداخلي. من دون هذا لا يمكن أن يعمَّ سلامٌ خارجي. وعلى الرغم من أننا جميعا نتطلع إلى أن يعمَّ السلام في عالم تسوده الفوضى وتفتك به الصراعاتُ الدموية فإن هذا لا يمكن أن يتحقق ما لم يترسخ السلامُ في عقولنا وقلوبنا.
في هذه الأيام التي يحتفل فيها العالمُ بأعياد الميلاد واستقبال العام الجديد، نحاول نحن الكتابَ أن نتجنبَ توجيه الانتقادات أو شن الهجمات على أحد بشكل عام؛ كي لا نعكر صفو الاحتفالات ونزيد من هموم القراء. ومع هذا، لا أحد يستطيع أن يتجاهل حقيقة واضحة للجميع؛ هي أن كل الموت والدمار الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط اليوم ترتكبه دولةٌ واحدةٌ.
هذه الدولة لديها تعطُّش جنوني للتدمير والقتل والسيطرة على أي شيء وكل شيء في الدول المجاورة الضعيفة. تفعل هذا بالطريقة نفسها التي كانت تفعلها روما قبل عشرين قرنا.
يحدث هذا اليوم أمام أعين العالم، لكن الدول الكبرى تقف صامتة تمامًا ولا تفعل أي شيء كي توقف هذه الجرائم والمآسي المُروعة.
السؤال هو: في ظل هذا الوضع وهذه الظروف المأساوية، كيف يمكن لنا أن نستمر وأن نواصل الحياة وتحمل كل هذه الآلام؟
الحقيقةُ أنه في أوقات الأزمات والمحن الكبرى كما هو الوقت الحالي، وفي ظل الفوضى التي نشهدها، فإنه ليس أمامنا سوى الإيمان والتعلق بالأمل.
الإيمانُ في حد ذاته قد لا يُوقف هذه المآسي والآلام أو ينهي الأزمات، لكنه يعيننا على تحملها. هذا واحد من الدروس التي تعلمناها من تاريخ البشرية.
حين نتأمل تاريخ البشرية الطويل، ونقرأ ما شهده من دموع وخوف وآلام، ومن مآسٍ مروعة في فترات كثيرة، قد ينتابنا اليأسُ والإحباط من هول ما جرى. ومع ذلك فإن التاريخ يعلمنا أيضا أنه من رحم الظلام يأتي النور، ومن رحم المآسي والآلام والأحزان يأتي في كثير من الأحيان الأملُ. هذه الحقيقة تقودنا نحو نور الإيمان.
الأحداث والوقائع التي شهدها تاريخ البشرية وعرفت فيها الأمل بعد المآسي وبعد اليأس تحدث عندما تتغلب النوازع الإنسانية.. عندما يسود التسامح والعفو محل الرغبة في الانتقام. عندما يحدث هذا يكون هو العلاج الشافي الذي يطهرُ قلوبنا ويعززُ مشاعر الحب والتعاطف تجاه الآخرين.
نحنُ في الصحافة الوطنية لدينا مسؤولية والتزام بأن نكون صرحاءَ مع القارئ بقدر ما نستطيع. لهذا يجبُ أن نعترف بأن الطريق إلى السلام اليوم مع كل ما تشهده منطقتنا والعالم طريق طويل وبعيد جدا، ولا أحد يستطيع أن يضمن تحققه.
لهذا فإن كل رجل وكل امرأة.. كل إنسان لديه نوازع الخير ويتحلى بالقيم الإنسانية عليه أن يتحمل مسؤوليته اليوم ويقوم بدوره إذا كان لنا أن نوقف هؤلاء المجرمين الذين يرتكبون كل هذه الجرائم ويشيعون كل هذ الدمار.
عندما بعث الله المسيح عيسى عليه السلام فقد كانت رسالته تتمثل في الدعوة إلى الفضيلة بدلا من الطمع والجشع، والمحبة والتسامح بدلا من الانتقام والقسوة، والحب بدلا من الكراهية.
هذه التعاليم والقيم التي بشر بها المسيح جاءت في وقت كان فيه حكام روما قد وصلوا في وحشيتهم وإجرامهم حدا رهيبا. كانوا قد بلغوا درجة من التوحش بحيث كانوا يرسلون الرجال كي يتقاتلوا حتى الموت في الساحات العامة ويلقون المؤمنين إلى الأسود الجائعة كي تلتهمهم.
لهذا نقول إن ما نشهده اليوم ليس جديدا في تاريخ البشرية؛ إنه امتداد لأسوأ وأفظع ما سبق أن شهدناه في حقب تاريخية سابقة وإن اختلفت الوسائل.
الشاعر والفنان والمفكر جبران خليل جبران كان يقول: «إن إحساسك الداخلي بالخلود سوف يرشدك ويجعلك تعي أن الحياة لا يحدها زمان، وأن الأمس ما هو إلا ذاكرة اليوم، وأن الغد ما هو إلا حلم اليوم».
نحن البشر لدينا القدرة على أن نفعل ما هو خير وحق وإنساني. الأمر يتطلب التكاتف والتحلي بالقيم الانسانية بغض النظر عن اختلافاتنا في الدين والعقيدة والانتماءات العرقية.
بمناسبة الأعياد وميلاد المسيح عليه السلام أتمنى لإخوتي وأخواتي المسيحيين ولكل العالم عيد ميلاد سعيد وسنة جديدة سعيدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك