العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الخسائر الإيرانية بعد التحولات الجارية في سوريا

بقلم: د. عمرو حمزاوي {

الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬بحساب‭ ‬التداعيات‭ ‬الإقليمية‭ ‬للغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬المستفيد‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬امتدت‭ ‬رقعة‭ ‬حلفائه‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ (‬حزب‭ ‬الله‭) ‬وسوريا‭ (‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭) ‬إلى‭ ‬سيطرة‭ ‬الأحزاب‭ ‬والجماعات‭ ‬الموالية‭ ‬لطهران‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وصارت‭ ‬المليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬المدعومة‭ ‬منه‭ ‬رقمًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المنطقة‭ ‬وحائط‭ ‬حماية‭ ‬لأمن‭ ‬إيران‭ ‬ومصالحها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العدوين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬وللمساومة‭ ‬معهما‭ ‬حين‭ ‬يأتي‭ ‬وقت‭ ‬المفاوضات‭ ‬والصفقات‭. ‬لذلك‭ ‬ارتكزت‭ ‬السياسات‭ ‬الإيرانية‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬الأدوات‭ ‬العسكرية‭ ‬بصور‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذها‭ ‬وانطلاقًا‭ ‬منها‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مستغلة‭ ‬حالة‭ ‬السيولة‭ ‬الإقليمية‭ ‬الهائلة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أولى،‭ ‬حددت‭ ‬طهران‭ ‬مكاسبها‭ ‬المحتملة‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬حلفائها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقويض‭ ‬ودعمهم‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬الانتفاضات‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬المنطقة‭ ‬ونشدت‭ ‬التخلص‭ ‬منهم‭ ‬ومن‭ ‬طبائعهم‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬والفاسدة‭. ‬وهكذا‭ ‬فعلت‭ ‬طهران‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬ومع‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬إبان‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬اللبنانية‭ ‬بين‭ ‬2019‭ ‬و2021‭ ‬ومع‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬2019،‭ ‬وحالت‭ ‬دون‭ ‬زوال‭ ‬أو‭ ‬تراجع‭ ‬سيطرتهم‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬والسياسة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬بحث‭ ‬الإيرانيون‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬أمدوا‭ ‬بها‭ ‬حلفاءهم‭ ‬لتهديد‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وللضغط‭ ‬على‭ ‬الفاعلين‭ ‬الإقليميين‭ ‬القريبين‭ ‬من‭ ‬امريكا‭ ‬بتضييق‭ ‬ساحات‭ ‬حركتهم‭. ‬وهكذا‭ ‬فعل‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬باستخدام‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لمناوءة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬المتمدد‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬لمناوءة‭ ‬المصالح‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بغية‭ ‬إبعاد‭ ‬واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭ ‬عن‭ ‬تهديد‭ ‬أمن‭ ‬طهران‭ ‬وعن‭ ‬التعرض‭ ‬لمنشآتها‭ ‬النووية‭ ‬وعن‭ ‬تدمير‭ ‬سلاح‭ ‬حلفائها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬رتب‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬المتتالية‭ (‬الاعتداءات‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬واغتيال‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬آنذاك‭ ‬قاسم‭ ‬السليماني‭ ‬والهجمات‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬وإسرائيل‭) ‬عصف‭ ‬باستقرار‭ ‬المنطقة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة،‭ ‬حضرت‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالترويج‭ ‬لمقولات‭ ‬المقاومة‭ ‬والممانعة‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬وخطاب‭ ‬تدمير‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬وبالدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والتنظيمي‭ ‬المستمر‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬وللفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وبالتهميش‭ ‬المنظم‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬فعلها‭ ‬الإقليمي‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الرسمية‭. ‬ونتج‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬وممارسات‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬العريض‭ ‬هو‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬توتر‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ (‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مقطوعة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬منذ‭ ‬1979‭) ‬ومع‭ ‬الأردن‭ ‬أي‭ ‬مع‭ ‬الدولتين‭ ‬العربيتين‭ ‬المجاورتين‭ ‬لفلسطين‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والمتبنيتين‭ ‬لخيار‭ ‬السلام‭ ‬وحل‭ ‬الدولتين‭ ‬لتسوية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬رابعة،‭ ‬سعت‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬شبكة‭ ‬حلفائها‭ ‬المذهبيين‭ ‬باتجاه‭ ‬اليمن‭ ‬الذي‭ ‬تحولت‭ ‬انتفاضته‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬تنوعت‭ ‬أطرافها‭ ‬وبرزت‭ ‬في‭ ‬سياقاتها‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي‭ ‬كقوة‭ ‬مؤثرة‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬طهران‭ ‬بطلب‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والمالي‭ ‬والتنظيمي‭ ‬والسياسي‭. ‬وبالقطع‭ ‬لم‭ ‬تبخل‭ ‬عاصمة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬عن‭ ‬مد‭ ‬خيوط‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة،‭ ‬وهي‭ ‬الباحثة‭ ‬أبدا‭ ‬عن‭ ‬أتباع‭ ‬ووكلاء‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬السنية‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬ذلك‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬اليمنية‭ ‬بين‭ ‬2015‭ ‬و2023‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬آلاف‭ ‬اليمنيين‭ ‬وعن‭ ‬دمار‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬أفقر‭ ‬بلاد‭ ‬المنطقة‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬تمدد‭ ‬النفوذ‭ ‬الإقليمي‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وتوظيفها‭ ‬لشبكة‭ ‬حلفائها‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحها‭ ‬وتهديد‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬وما‭ ‬أسفر‭ ‬الأمران‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تقويض‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬ومن‭ ‬تعريض‭ ‬أمن‭ ‬ومصالح‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬ومصر‭ ‬والأردن‭ ‬لأخطار‭ ‬متزايدة‭ ‬وبتوترات‭ ‬متصاعدة‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ (‬فيما‭ ‬خص‭ ‬الأوضاع‭ ‬السورية‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬الحالة‭ ‬العراقية‭)‬،‭ ‬رتب‭ ‬خليطا‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬والتوجس‭ ‬الإقليمي‭ ‬تجاه‭ ‬طهران‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬زعيمة‭ ‬لأتباع‭ ‬هم‭ ‬إما‭ ‬نظم‭ ‬حكم‭ ‬فاشلة‭ (‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭) ‬أو‭ ‬لمليشيات‭ ‬مسلحة‭ (‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬العراقي‭ ‬والمليشيات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬والحوثيين‭ ‬اليمنيين‭) ‬وفي‭ ‬صراعات‭ ‬مباشرة‭ ‬وتوترات‭ ‬وحروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬الشيطان‭ ‬الأكبر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والأصغر‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الفاعلين‭ ‬الإقليميين‭ ‬الكبار‭.‬

بين‭ ‬2020‭ ‬و2023،‭ ‬سعت‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬مناسيب‭ ‬التوتر‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬وتنبهت‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬اقتصار‭ ‬سياستها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬الصراع‭ ‬وأدواتها‭ ‬على‭ ‬الأدوات‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انفتحت‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬للتهدئة‭ ‬أسفرت‭ ‬قبل‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬وفرض‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬وعن‭ ‬تنامي‭ ‬تبادلاتها‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬مع‭ ‬الإمارات‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الأخرى،‭ ‬وعن‭ ‬انفتاح‭ ‬سياسي‭ ‬ودبلوماسي‭ ‬محدود‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬مصر‭. ‬

وبعد‭ ‬مساعي‭ ‬احتواء‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬2020‭ ‬و2023‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬وقع‭ ‬هجوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬إلا‭ ‬وإيران‭ ‬كقوة‭ ‬إقليمية‭ ‬تشترك‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المغامرة‭ ‬بتوظيف‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬لحسم‭ ‬صراعات‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لاحتوائها‭ ‬ثم‭ ‬تفكيكها‭ ‬وحلها‭ ‬دون‭ ‬تسويات‭ ‬سياسية‭. ‬

فقد‭ ‬كانت‭ ‬أسلحة‭ ‬طهران،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى،‭ ‬وراء‭ ‬دفع‭ ‬حماس‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بهجماتها،‭ ‬وكانت‭ ‬أيضًا‭ ‬وراء‭ ‬هجمات‭ ‬الصواريخ‭ ‬والمسيرات‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬والحوثيون‭ ‬مثلما‭ ‬حاولت‭ ‬المليشيات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قض‭ ‬مضاجع‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬و«إسناد‮»‬‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وكانت‭ ‬إيران‭ ‬بدعمها‭ ‬العام‭ ‬للحركات‭ ‬والأحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أراضيها‭ ‬تستعلي‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬جوارها‭ ‬العربي‭ ‬وتحيل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكم‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬عاجزة،‭ ‬وتوسع‭ ‬ساحات‭ ‬الحروب‭ ‬المباشرة‭ ‬والحروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬المتورطة‭ ‬هي‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إسرائيل‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السياقات،‭ ‬توافقت‭ ‬طبيعة‭ ‬سياسات‭ ‬وممارسات‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬مع‭ ‬جنون‭ ‬اليمين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتطرف‭ ‬ورتبت‭ ‬دينامية‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬الفاعلين‭ ‬الإقليميين‭ ‬الإيراني‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬لنشوب‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وصار‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬المباشرة‭ ‬والتداعيات‭ ‬العامة‭ ‬الكثير‭.‬

فحرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والحرب‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬وبجانب‭ ‬كلفتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬الباهظة‭ ‬والدمار‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬أسفرت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬وفي‭ ‬المناطق‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬الشق‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬لحماس‭ ‬والفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المتحالفة‭ ‬معها‭ ‬وعلى‭ ‬جزء‭ ‬مؤثر‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الصاروخية‭ ‬وسلاحه‭ ‬المتراكم‭ ‬بفعل‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الإيراني‭. ‬أدت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تصفية‭ ‬الصفوف‭ ‬القيادية‭ ‬الأولى‭ ‬لحماس‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬وأضعفت‭ ‬إمكانياتهما‭ ‬التنظيمية‭ ‬والسياسية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬حتما‭ ‬سيغير‭ ‬من‭ ‬وضعيتهما‭ ‬ودورهما‭ ‬فيما‭ ‬خص‭ ‬قضايا‭ ‬الحكم‭ ‬والإدارة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ولبنان‭. ‬

كذلك‭ ‬قربت‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬والديني‭ ‬وبين‭ ‬تنفيذ‭ ‬سيناريوهات‭ ‬فرض‭ ‬مناطق‭ ‬عازلة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭ ‬وفي‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬وتهجير‭ ‬السكان‭ ‬منها،‭ ‬والتهديد‭ ‬الممنهج‭ ‬بتهجير‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬وبعمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬وأمنية‭ ‬متكررة‭ ‬فيه‭ ‬وفي‭ ‬لبنان،‭ ‬والضغط‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية‭ ‬بخليط‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستيطان‭ ‬والأبارتيد‭ ‬المعهود‭ ‬بغية‭ ‬خنق‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإسكات‭ ‬الأصوات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬المتضامنة‭ ‬معه‭.‬

وفي‭ ‬سياقات‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭ ‬والإضعاف‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬حماس‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬جرائها‭ ‬ومع‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬إقليمية،‭ ‬وجهت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضربات‭ ‬قاسية‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬مباشرة‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن‭ ‬إن‭ ‬كفعل‭ ‬هجومي‭ ‬أو‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬المعسكر‭ ‬الإيراني‭ ‬لترتب‭ ‬أوضاعا،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬وتراجعا‭ ‬ليس‭ ‬بالمحدود‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والإمكانيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والسياسية‭ ‬لذلك‭ ‬المعسكر‭ ‬الذي‭ ‬تمدد‭ ‬نفوذه‭ ‬بوضوح‭ ‬قبل‭ ‬2023‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬بسقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬خواتيم‭ ‬2024‭ ‬مغنمًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬انكماش‭ ‬دراماتيكي‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬التي‭ ‬اختفت‭ ‬منها‭ ‬سوريا،‭ ‬وغلقت‭ ‬عليها‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬لتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والمالي‭ ‬للحليف‭ ‬الأهم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬حتمًا‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬وانحسرت‭ ‬ساحاتها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مؤقتا‭ ‬في‭ ‬أدوار‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬أفعال‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

‭ ‬بجامعة‭ ‬ستانفورد‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا