العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

عبد الله السعداوي.. معلم ريادي قابض على جذوة المسرح

السبت ٢٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

أجرت‭ ‬اللقاء‭: ‬زهراء‭ ‬غريب‭ ‬

 

يقتفي‭ ‬حلما‭ ‬مسرحيا‭ ‬مغايرا‭ ‬مطوقا‭ ‬بفتية‭ ‬شغوفين‭ ‬بالخشبة‭ ‬يتبعوه‭ ‬بالإيمان‭ ‬والحب‭ ‬منتصف‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬فينحت‭ ‬مواهبهم‭ ‬ويمضي‭ ‬نحو‭ ‬الضوء‭ ‬رغم‭ ‬تشكيك‭ ‬الكثير‭ ‬آنذاك‭ ‬بجدوى‭ ‬اتجاهه‭ ‬التجريبي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬البحريني؛‭ ‬فيقوده‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬نُعت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاكتشاف‭ ‬والتمرد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سائداً‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬تقليدية‭ ‬مسرحية‭ ‬بتجارب‭ ‬فريدة‭ ‬تأليفاً‭ ‬وإخراجاً‭ ‬تنتصر‭ ‬للإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يوقن‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للمسرح‭ ‬من‭ ‬دونه؛‭ ‬فيحصد‭ ‬بجدارة‭ ‬إشادة‭ ‬وتميزاً‭ ‬محلياً‭ ‬ودولياً‭ ‬يلجم‭ ‬نبذ‭ ‬المنتقدين،‭ ‬وتصيره‭ ‬بحق‭ ‬رائداً‭ ‬للمسرح‭ ‬التجريبي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬هو‭ ‬الفنان‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬السعداوي‭ ‬المعلم‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬الحاني‭ ‬حسبما‭ ‬تحلو‭ ‬لالتماعة‭ ‬أعين‭ ‬الشباب‭ ‬توصيفه‭.‬

ضوء‭ ‬ومحطات

انخرط‭ ‬الفنان‭ ‬والمخرج‭ ‬السعداوي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المسرحي‭ ‬فعلياً‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات‭ ‬عبر‭ ‬تجربته‭ ‬الأولى‭ ‬تأليفاً‭ ‬وهي‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬الحمار‭ ‬ومقصلة‭ ‬الإعدام‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بفرقة‭ ‬مسرح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬أنتيجونا‮»‬‭.‬

ولما‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬قطر‭ ‬للعمل‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬السد‭ ‬الذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬المسرح‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬غانم‭ ‬السليطي‭ ‬أوائل‭ ‬السبعينيات‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬قصدت‭ ‬الشارقة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الإماراتيين‭ ‬تمارس‭ ‬اشتغالاً‭ ‬مسرحياً‭ ‬فأسست‭ ‬معها‭ ‬مسرح‭ ‬الشارقة‭ ‬الوطني،‭ ‬وبعد‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬مطلع‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬مسرح‭ ‬نادي‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬وفرقة‭ ‬الصواري‭ ‬المسرحية‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينيات‭ ‬آمنت‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬بالاتجاه‭ ‬المسرحي‭ ‬الجديد‭ ‬للسعداوي‭ ‬وتمسكت‭ ‬بشعلة‭ ‬التجريب‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬رغماً‭ ‬عن‭ ‬النقد‭ ‬الذي‭ ‬طاله‭ ‬بالجنون‭ ‬والعبثية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسرحيين‭ ‬الرافضين‭ ‬للتجديد‭. ‬وبدوره‭ ‬صّب‭ ‬السعداوي‭ ‬كل‭ ‬جهوده‭ ‬وخبراته‭ ‬المعرفية‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬خدمة‭ ‬وتطوير‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬فكان‭ ‬الحصاد‭ ‬مثمراً‭ ‬بالتميز‭ ‬والألق‭ ‬المسرحي‭ ‬الذي‭ ‬زرع‭ ‬بالشغف‭ ‬بذوره‭ ‬فاستمر‭ ‬توهجه‭ ‬وتعاقب‭ ‬عطاؤه‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬

نقطة‭ ‬تحول

والتقى‭ ‬السعداوي‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬بأساتذة‭ ‬عززوا‭ ‬وعيه‭ ‬المسرحي‭ ‬بدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬مسرحية‭ ‬حديثة‭ ‬كالمخرج‭ ‬إبراهيم‭ ‬جلال‭ ‬وعوني‭ ‬كرومي‭ ‬فكانت‭ ‬‮«‬نقطة‭ ‬التحول‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬نموي‭ ‬المسرحي‭ ‬عندما‭ ‬التقيت‭ ‬أستاذي‭ ‬المعطاء‭ ‬إبراهيم‭ ‬جلال‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الفنانين‭ ‬العراقيين‭ ‬الأوائل‭ ‬فأصبحت‭ ‬مثل‭ ‬المتصوف‭ ‬والمريد‭ ‬له؛‭ ‬كنت‭ ‬معه‭ ‬دائماً‭ ‬وأنهل‭ ‬منه‭ ‬معرفة‭ ‬المسرح؛‭ ‬فقد‭ ‬صقلني‭ ‬وهيأني‭ ‬للمعرفة‭ ‬المسرحية،‭ ‬فلما‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬مطلع‭ ‬الثمانينيات‭ ‬قمت‭ ‬ببث‭ ‬ما‭ ‬حملته‭ ‬وأخذته‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬نادي‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬وكذلك‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‮»‬‭.‬

أعمال‭ ‬في‭ ‬الذاكرة

عربياً‭ ‬وعالمياً‭ ‬ما‭ ‬أكثر‭ ‬تجارب‭ ‬السعداوي‭ ‬الثرية‭ ‬والفريدة‭ ‬شكلاً‭ ‬ومضموناَ‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الإخراج‭ ‬والتأليف‭ ‬والتمثيل‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬أعمال‭ ‬مسرحية‭ ‬ظلت‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬كالجاثوم،‭ ‬الصديقان،‭ ‬والكمامة‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬لقائها‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬مخرج‭ ‬عالمي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬الدولي‭ ‬للمسرح‭ ‬التجريبي‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينيات‭.‬

وشكلت‭ ‬مسرحية‭ ‬الجاثوم‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬صراعاً‭ ‬وجودياً‭ ‬إنسانياً‭ ‬مفاجأة‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬‮«‬فقد‭ ‬أحببت‭ ‬كون‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬يوسف‭ ‬الحمدان‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الفعل؛‭ ‬فبدأت‭ ‬بالتعمق‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬خلال‭ ‬الإخراج،‭ ‬وكان‭ ‬أمراً‭ ‬جيداً‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬ممثل‭ ‬استطاع‭ ‬تقمص‭ ‬الشخصية‭ ‬بشكل‭ ‬ممتاز‭ ‬وخرافي‭ ‬وهو‭ ‬مصطفى‭ ‬رشيد‮»‬‭.‬

أفق‭ ‬ضبابي

يلمح‭ ‬السعداوي‭ ‬ضبابية‭ ‬تكتنف‭ ‬الأفق‭ ‬القادم‭ ‬للمسرح‭ ‬البحريني‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬حساسية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬المسرحية‭ ‬للشباب‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬اليوم‭ ‬بصورة‭ ‬مغايرة‭ ‬كلياً‭ ‬مرتبطة‭ ‬بزمنه‭ ‬الحالي‭ ‬وتختلف‭ ‬عما‭ ‬سبق‭ ‬كتابته‭ ‬مسرحياً‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬بتيمة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬هواجس‭ ‬البحر‭ ‬‮«‬بالتالي‭ ‬استجدت‭ ‬النصوص‭ ‬وولدت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يتصدى‭ ‬لها‭ ‬بالتحليل‭ ‬والدراسة‭ ‬ليعرّف‭ ‬المسيرة‭ ‬المسرحية‭ ‬البحرينية‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬السعداوي‭ ‬لا‭ ‬يعول‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭ ‬‮«‬فنحن‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬لدينا‭ ‬دراسات‭ ‬للمستقبل‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المسرح،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬تهيئ‭ ‬نفسها‭ ‬لدراسته‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬تتهاوى‭ ‬ولا‭ ‬تتحقق‭ ‬أحياناً‭. ‬الغرب‭ ‬لديهم‭ ‬اهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬الجانب‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬فليست‭ ‬لدينا‭ ‬مؤسسات‭ ‬تدرس‭ ‬المستقبل‭ ‬المسرحي،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬تأخذنا‮»‬‭.‬

هاجس‭ ‬السعداوي‭ ‬حلم‭ ‬مازال‭ ‬وليدا

وفي‭ ‬السيرة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬عبدالله‭ ‬السعداوي‭ ‬ما‭ ‬يحفز‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬غرس‭ ‬أسس‭ ‬بناء‭ ‬المسرح‭ ‬الحديث،‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬السعداوي‭  ‬شجرة‭ ‬لها‭ ‬جذور‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬حلمه‭ ‬لكنه‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المحبطات،‭ ‬ضمن‭ ‬مسيرة‭ ‬احترق‭ ‬بجذوتها‭ ‬ومازال‭ ‬مصراً‭ ‬على‭ ‬احتضانها،‭ ‬كونه‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬تقيده‭ ‬ولا‭ ‬تترك‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنها،‭ ‬كونه‭ ‬مؤمناً‭ ‬إن‭ ‬الضوء‭ ‬لا‭ ‬يشعل‭ ‬الوشيعة‭ ‬دون‭ ‬جذوة‭ ‬مختبئة‭ ‬في‭ ‬الرماد‭.‬

فالمسرح‭ ‬عالمه‭ ‬الذي‭ ‬فضله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬الجنون‭ ‬هو‭ ‬المسرح‭ ‬وأن‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬لا‭ ‬ينبئ‭ ‬بالحلم‭ ‬وحده،‭ ‬فالأيام‭ ‬التي‭ ‬استوطن‭ ‬مرابعها‭ ‬تركت‭ ‬له‭ ‬عرسا‭ ‬واحدا‭ ‬وهو‭ ‬العريس‭ ‬يجر‭ ‬طيفه‭ ‬كل‭ ‬مساء‭ ‬ليشغل‭ ‬الآخرين‭ ‬بحيرة‭ ‬السؤال،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭  ‬صعبا‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مستحيلاً‭ ‬،‭ ‬فالفناء‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬السعداوي،‭ ‬صحوة‭ ‬تقرع‭ ‬أبواب‭ ‬الكنائس‭ ‬ومآذن‭ ‬لا‭ ‬تقلق‭ ‬تسابيح‭ ‬دون‭ ‬فضاء‭ ‬مسرح‭ ‬الحياة،‭ ‬عالم‭ ‬يغسلنا‭ ‬بالنقاء،‭ ‬ويحملنا‭ ‬رسالة‭ ‬البناء،‭ ‬كما‭ ‬رآها‭ ‬السعداوي‭ ‬ولم‭ ‬يهدأ‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬يتحنى‭ ‬ببياض‭ ‬سنوات‭ ‬عمره،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قاس،‭ ‬وذاكرة‭ ‬مشوهة،‭ ‬لكنه‭ ‬مؤمن‭ ‬أن‭ ‬الوليد‭ ‬سيقطع‭ ‬قماط‭ ‬حبسه‭ ‬ويعود‭ ‬بالرقص‭ ‬فوق‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬دنيا‭ ‬يشعلها‭ ‬جنون‭ ‬لا‭ ‬يقبر‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا