أجرت اللقاء: زهراء غريب
يقتفي حلما مسرحيا مغايرا مطوقا بفتية شغوفين بالخشبة يتبعوه بالإيمان والحب منتصف ثمانينيات القرن الماضي فينحت مواهبهم ويمضي نحو الضوء رغم تشكيك الكثير آنذاك بجدوى اتجاهه التجريبي الجديد في المسرح البحريني؛ فيقوده الجنون الذي نُعت به إلى التوغل في مزيد من الاكتشاف والتمرد على ما كان سائداً من أشكال تقليدية مسرحية بتجارب فريدة تأليفاً وإخراجاً تنتصر للإنسان الذي يوقن بأن لا وجود للمسرح من دونه؛ فيحصد بجدارة إشادة وتميزاً محلياً ودولياً يلجم نبذ المنتقدين، وتصيره بحق رائداً للمسرح التجريبي في البحرين. هو الفنان عبد الله السعداوي المعلم أو الأب الحاني حسبما تحلو لالتماعة أعين الشباب توصيفه.
ضوء ومحطات
انخرط الفنان والمخرج السعداوي في العالم المسرحي فعلياً منذ منتصف الستينيات عبر تجربته الأولى تأليفاً وهي مسرحية «الحمار ومقصلة الإعدام» ثم التحق بفرقة مسرح الاتحاد الشعبي في المحرق وشارك في عملها الأول «أنتيجونا».
ولما اتجه إلى قطر للعمل انضم إلى نادي السد الذي أسهم في تأسيس المسرح فيه مع الفنان غانم السليطي أوائل السبعينيات ثم قال: «قصدت الشارقة التي وجدت فيها مجموعة من الفنانين الإماراتيين تمارس اشتغالاً مسرحياً فأسست معها مسرح الشارقة الوطني، وبعد ثمانية أعوام من العمل في الإمارات عدت إلى البحرين مطلع الثمانينيات وشاركت في تأسيس مسرح نادي مدينة عيسى وفرقة الصواري المسرحية».
وفي منتصف الثمانينيات آمنت ثلة من الشباب بالاتجاه المسرحي الجديد للسعداوي وتمسكت بشعلة التجريب التي قادها رغماً عن النقد الذي طاله بالجنون والعبثية من قبل كثير من المسرحيين الرافضين للتجديد. وبدوره صّب السعداوي كل جهوده وخبراته المعرفية في صالح خدمة وتطوير هؤلاء الشباب فكان الحصاد مثمراً بالتميز والألق المسرحي الذي زرع بالشغف بذوره فاستمر توهجه وتعاقب عطاؤه حتى اليوم.
نقطة تحول
والتقى السعداوي خلال عمله في الإمارات بأساتذة عززوا وعيه المسرحي بدفعه إلى الانفتاح على تجارب مسرحية حديثة كالمخرج إبراهيم جلال وعوني كرومي فكانت «نقطة التحول الأساسية في نموي المسرحي عندما التقيت أستاذي المعطاء إبراهيم جلال وهو أحد الفنانين العراقيين الأوائل فأصبحت مثل المتصوف والمريد له؛ كنت معه دائماً وأنهل منه معرفة المسرح؛ فقد صقلني وهيأني للمعرفة المسرحية، فلما عدت إلى البحرين مطلع الثمانينيات قمت ببث ما حملته وأخذته من هذا الرجل في نادي مدينة عيسى وكذلك مسرح الصواري».
أعمال في الذاكرة
عربياً وعالمياً ما أكثر تجارب السعداوي الثرية والفريدة شكلاً ومضموناَ على صعيد الإخراج والتأليف والتمثيل لكن ثمة أعمال مسرحية ظلت راسخة في ذاكرته كالجاثوم، الصديقان، والكمامة التي حصل لقائها على جائزة أفضل مخرج عالمي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي مطلع التسعينيات.
وشكلت مسرحية الجاثوم التي تعكس صراعاً وجودياً إنسانياً مفاجأة بالنسبة له «فقد أحببت كون هذه التجربة التي كتبها يوسف الحمدان مبنية على الفعل؛ فبدأت بالتعمق فيها بشكل أكبر خلال الإخراج، وكان أمراً جيداً حصولي على ممثل استطاع تقمص الشخصية بشكل ممتاز وخرافي وهو مصطفى رشيد».
أفق ضبابي
يلمح السعداوي ضبابية تكتنف الأفق القادم للمسرح البحريني خاصة في ظل وجود حساسية مختلفة في النصوص المسرحية للشباب الذي يكتب اليوم بصورة مغايرة كلياً مرتبطة بزمنه الحالي وتختلف عما سبق كتابته مسرحياً في الماضي بتيمة تركز على هواجس البحر «بالتالي استجدت النصوص وولدت الحاجة إلى من يتصدى لها بالتحليل والدراسة ليعرّف المسيرة المسرحية البحرينية».
لكن السعداوي لا يعول على المستقبل «فنحن أناس لا توجد لدينا دراسات للمستقبل فيما يخص المسرح، ورغم أن هناك فئة تهيئ نفسها لدراسته إلا أننا نجد أن كثيرا من الدراسات تتهاوى ولا تتحقق أحياناً. الغرب لديهم اهتمام بهذا الجانب أما نحن فليست لدينا مؤسسات تدرس المستقبل المسرحي، كل ما نعرفه هو أننا مقبلون على حالة جديدة في العالم لا نعلم إلى أين تأخذنا».
هاجس السعداوي حلم مازال وليدا
وفي السيرة من حياة عبدالله السعداوي ما يحفز الآخرين على غرس أسس بناء المسرح الحديث، المسرح الذي يراه السعداوي شجرة لها جذور في سماء أوسع من حلمه لكنه يصر على كسر كل هذه المحبطات، ضمن مسيرة احترق بجذوتها ومازال مصراً على احتضانها، كونه في موقع المسؤولية التي تقيده ولا تترك له فرصة الابتعاد عنها، كونه مؤمناً إن الضوء لا يشعل الوشيعة دون جذوة مختبئة في الرماد.
فالمسرح عالمه الذي فضله على كل الفنون ، معتبراً أن الجنون هو المسرح وأن اللعب على تحريك خشبة المسرح لا ينبئ بالحلم وحده، فالأيام التي استوطن مرابعها تركت له عرسا واحدا وهو العريس يجر طيفه كل مساء ليشغل الآخرين بحيرة السؤال، قد يكون صعبا لكنه لن يكون مستحيلاً ، فالفناء في عالم فن المسرح هو عالم عبد الله السعداوي، صحوة تقرع أبواب الكنائس ومآذن لا تقلق تسابيح دون فضاء مسرح الحياة، عالم يغسلنا بالنقاء، ويحملنا رسالة البناء، كما رآها السعداوي ولم يهدأ وهو الآن يتحنى ببياض سنوات عمره، في زمن قاس، وذاكرة مشوهة، لكنه مؤمن أن الوليد سيقطع قماط حبسه ويعود بالرقص فوق خشبة المسرح، دنيا يشعلها جنون لا يقبر!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك