العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

النخلة ضحية أعمال التجميل

لا‭ ‬تخطئ‭ ‬العين‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬والساحات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬تشجير‭ ‬تسير‭ ‬بوتائر‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬سرعاتها‭ ‬عن‭ ‬الوتائر‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الفترات‭ ‬البعيدة‭ ‬السابقة،‭ ‬وهي‭ ‬عملية‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬فقط‭ ‬إضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الجمالي‭ ‬الطبيعي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن،‭ ‬سواء‭ ‬الشوارع‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الساحات‭ ‬والميادين،‭ ‬وإنما‭ ‬لها‭ ‬أهداف‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الوضع‭ ‬البيئي‭ ‬للمملكة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬الرقع‭ ‬الزراعية‭ ‬والاهتمام‭ ‬الجاد‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬منها،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬هنا‭ ‬بالدور‭ ‬الكبير‭ ‬والمهم‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬‮ ‬لتنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬وحملتها‭ ‬الوطنية‭ ‬للتشجير‭ (‬دمت‭ ‬خضراء‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وزارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلديات‭ ‬والزراعة،‭ ‬والمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للبيئة،‭ ‬والمبادرات‭ ‬التطوعية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬جهات‭ ‬أهلية‭ ‬مختلفة‭.‬

عملية‭ ‬التشجير‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬مفيدة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تعوض‭ ‬ما‭ ‬فقدناه‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬خضراء‭ ‬كبيرة‭ ‬وواسعة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬البساتين‭ ‬و‮«‬غابات‮»‬‭ ‬النخيل،‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحتضن‭ ‬عين‭ ‬عذاري‭ ‬التاريخية،‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الخسارة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضها‭ ‬بالكامل،‭ ‬تبقى‭ ‬عملية‭ ‬التشجير‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تنفذ‭ ‬الآن‭ ‬تمثل‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المعالجة‭ ‬وتعويض‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬فقدناه‭ ‬من‭ ‬ثرواتنا‭ ‬الزراعية‭.‬

يدرك‭ ‬المهتمون‭ ‬بالقطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬وبمشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬خارجية‭ ‬كثيرة‭ ‬وظروفا‭ ‬طبيعية‭ ‬قاهرة‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬مثل‭ ‬شحة‭ ‬المياه‭ ‬وندرة‭ ‬الأمطار،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬والتوسع‭ ‬العمراني‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية،‭ ‬لكن‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬تعويض‭ ‬ولو‭ ‬جزء‭ ‬يسير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬نلقي‭ ‬اللوم‭ ‬كاملا‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬القاهرة‭ ‬ونخلي‭ ‬مسؤولية‭ ‬الإنسان‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬التدمير‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬هذه‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭.‬

ولكن‭ ‬وللإنصاف،‭ ‬يجب‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬وما‭ ‬تنفذه‭ ‬وزارة‭ ‬البلديات‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬تشجير‭ ‬وتجميل‭ ‬للشوارع‭ ‬والميادين،‭ ‬كلها‭ ‬أعمال‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬مردود‭ ‬إيجابي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الإيجابي‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يغمض‭ ‬أعيننا‭ ‬أو‭ ‬يلهينا‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع،‭ ‬وبقوة‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قائم‭ ‬من‭ ‬أشرطة‭ ‬زراعية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬البحرين،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬دعم‭ ‬للمبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي،‭ ‬ودعم‭ ‬أيضا‭ ‬لعملية‭ ‬التشجير‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الوصول‭ ‬بعدد‭ ‬الأشجار‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬إلى‭ ‬قرابة‭ ‬3‭.‬6‭ ‬ملايين‭ ‬شجرة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2035،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتماشى‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬باتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الإطارية‭ ‬بشأن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭.‬

فهناك‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬ملموسة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬أعمال‭ ‬التشجير‭ ‬القائمة‭ ‬حاليا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مسؤولية‭ ‬تشجير‭ ‬وتجميل‭ ‬الطرقات‭ ‬والساحات‭ ‬العامة‭ ‬والإكثار‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬الحدائق‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬محافظات‭ ‬المملكة،‭ ‬هي‭ ‬أعمال‭ ‬تقع‭ ‬مهمتها‭ ‬ومسؤوليتها‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعفي‭ ‬القطاع‭ ‬الأهلي،‭ ‬مؤسسات‭ ‬وأفراد‭ ‬عن‭ ‬واجب‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭  ‬المهمة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهناك‭ ‬بالفعل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأهلية‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬فقط‭ ‬بدعم‭ ‬مشاريع‭ ‬وخطط‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي،‭ ‬وإنما‭ ‬تقوم‭ ‬بإنشاء‭ ‬الرقع‭ ‬الزراعية‭ ‬والتشجير‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ملكياتها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬التشجير‭ ‬والتجميل‭ ‬أيضا‭.‬

ملاحظة‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعملية‭ ‬التشجير،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬التشجير‭ ‬هو‭ ‬أعمال‭ ‬تجميلية‭ ‬وبيئية،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أنواعا‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬ذات‭ ‬الخصائص‭ ‬التجميلية‭ ‬والبيئية‭ ‬أيضا،‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬تكثيف‭ ‬زراعته،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬الرئيسية‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬والحدائق‭ ‬العامة‭ ‬أيضا،‭ ‬وهناك‭ ‬أشجار‭ ‬مثمرة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬التضحية‭ ‬بقيمتها‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬التجميل‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البدائل‭ ‬وتعطي‭ ‬بعدا‭ ‬جماليا‭ ‬للأماكن‭ ‬التي‭ ‬تغرس‭ ‬فيها‭ ‬كالشوارع‭ ‬والحدائق‭ ‬العامة‭ ‬والميادين‭.‬

الأمر‭ ‬هنا‭ ‬تحديدا‭ ‬يتعلق‭ ‬بشجرة‭ ‬النخلة،‭ ‬فهذه‭ ‬الشجرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المصادر‭ ‬الرئيسية‭ ‬للغذاء‭ ‬لدى‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬ومصدرا‭ ‬دائما‭ ‬لسد‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأخرى‭ ‬حيث‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬والتأثيث‭ ‬والطهي،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬باحتياجات‭ ‬الإنسان،‭ ‬لوحظ‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تكثيفا‭ ‬في‭ ‬زراعة‭ ‬هذه‭ ‬الشجرة‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬العامة،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬شجرة‭ ‬تجميل‭ ‬بكثر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬المثمرة‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬الغذائية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬زراعتها‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬فإنما‭ ‬نحن‭ ‬نقضي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ثمرها‭ ‬عرضة‭ ‬للتلوث‭ ‬الكربوني‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬عوادم‭ ‬السيارات‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬للاستخدام‭ ‬الآدمي،‭ ‬فهذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬التي‭ ‬تزين‭ ‬شوارع‭ ‬المملكة‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬غرسها‭ ‬بأماكن‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬التلوث‭ ‬الكربوني‭ ‬وبالتالي‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيها‭ ‬غذائيا‭ ‬وتجاريا‭ ‬أيضا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا