العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

العالم يعيش على وقع الحرب الباردة الجديدة

الثلاثاء ٢٧ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬جيلبار‭ ‬أشقر‭ ‬{‭ ‬

 

‭ ‬بدأ‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مستعرة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لها‭ ‬عواقب‭ ‬مادية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬أيضًا‭ ‬عواقب‭ ‬دلالية‭: ‬استخدام‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬الوضع‭ ‬الدولي‭ ‬الحالي‭. ‬لقد‭ ‬بلغت‭ ‬العلاقات‭ ‬مستوى‭ ‬جديدا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬ونهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬

‭ ‬بالفعل،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬الماضي،‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الثانية‮»‬‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬الذي‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬الغزو‭ ‬العسكري‭ ‬السوفيتي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬تلاه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعام‭ ‬انتخاب‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬رئيسا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

تميزت‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭ ‬للرئيس‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬واشنطن‭ ‬بخطاب‭ ‬ساخن‭ ‬ألقاه‭ ‬آنذاك‭ ‬وحمل‭ ‬فيه‭ ‬بشدة‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬إمبراطورية‭ ‬الشر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زيادة‭ ‬حادة‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬عهده‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬مصطلح‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الثانية‭ ‬صالحًا‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يبرره‭ ‬حقًا‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭. ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬انفراج‭ ‬السبعينيات‭ ‬نهاية‭ ‬للحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الأولى‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬راحة‭ ‬مؤقتة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬الأكثر‭ ‬سخونة‭ ‬وبرودة‭ ‬في‭ ‬التوترات‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1945‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬يشير‭ ‬المؤرخون‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬كما‭ ‬نعرفها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬فترة‭ ‬واحدة‭ ‬بدأت‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وانتهت‭ ‬بانهيار‭ ‬الكتلة‭ ‬السوفيتية،‭ ‬وبلغت‭ ‬ذروتها‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬1990‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬1991‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يشير‭ ‬مصطلح‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يتسم‭ ‬بالمعارضة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬بين‭ ‬كتلة‭ ‬دول‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الليبرالية‭ ‬والمشاريع‭ ‬الحرة‭ ‬وأخرى‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬‮«‬الشيوعي‮»‬‭ ‬وملكية‭ ‬الدولة‭ ‬الاقتصاد‭.‬

‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬الكتلة‭ ‬الثانية،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة،‭ ‬بتحالف‭ ‬مصالح‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬صينية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحكمها‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬شيوعي‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مندمج‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الرأسمالية‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬يسهم‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بـنسبة‭ ‬60‭ ‬‭%‬‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬ودولة‭ ‬روسية‭ ‬يعتبر‭ ‬حاكمها‭ ‬منارة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اليمين‭ ‬العالمي‭ ‬وحيث‭ ‬تكون‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬الخاص‭ ‬والحكومي‭ ‬سهلة‭ ‬الاختراق‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الريعية‭ ‬الأخرى‭ ‬المحسوبية‭.‬

 

في‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة

هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الوسائل‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬يحتاج‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬توضيح‭. ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬يعتقده‭ ‬الكثيرون،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والمنهجية‭ ‬المحددة‭ ‬بين‭ ‬الإمبراطوريتين‭ ‬العالميتين‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬استخدام‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬مسجلا‭ ‬وموثقا‭ ‬لمصطلح‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الباردة‮»‬‭ ‬بمعناه‭ ‬المعاصر‭ ‬تم‭ ‬إطلاقه‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الزعيم‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الألماني‭ ‬إدوارد‭ ‬برنشتاين‭ (‬1850-1932‭). ‬نادرًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بصياغته‭ ‬للمفهوم‭: ‬فقد‭ ‬ظهر‭ ‬مرتين‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬برنشتاين‭ ‬في‭ ‬السجل‭ ‬المطبوع،‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1914،‭ ‬عشية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭.‬

في‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين،‭ ‬كان‭ ‬برنشتاين‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬الضخم‭ ‬للرايخ‭ ‬الألماني‭ ‬في‭ ‬التسلح‭ - ‬وهو‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬بأنه‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬غير‭ ‬حرب‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬سلاما‭ ‬حقيقيا‮»‬‭ - ‬حيث‭ ‬انخرطت‭ ‬الدولة‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭. ‬

هذا‭ ‬تعريف‭ ‬ممتاز‭ ‬لما‭ ‬نسميه‭ ‬الآن‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬حيث‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭ ‬يحافظان‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للحرب‭ ‬ويعززانها‭ ‬باستمرار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬قوتهما‭ ‬العسكرية‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬اختارت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬الاستعداد‭ ‬العسكري‭ ‬مصمم‭ ‬لمواجهة‭ ‬متزامنة‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬عادت‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬إنفاقها‭ ‬العسكري‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬الارتفاع‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬تتعافى‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭. ‬

‭ ‬اختارت‭ ‬الصين،‭ ‬من‭ ‬جانبها،‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لتنميتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬حشد‭ ‬عسكري‭ ‬ثابت‭ ‬ومتصاعد،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بمستوى‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬اقتصادها‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬تنمر‭ ‬واشنطن‭ ‬وغطرستها،‭ ‬زادت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬تعاونهما‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬استُكملت‭ ‬مبيعات‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬إلى‭ ‬بكين‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬التسعينيات‭ ‬مقرونة‭ ‬بتدريبات‭ ‬عسكرية‭ ‬مشتركة‭.‬

كان‭ ‬جورج‭ ‬كينان،‭ ‬المهندس‭ ‬الرئيسي‭ ‬للحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬1946‭-‬1947،‭ ‬أول‭ ‬شخص‭ ‬ابتكر‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬حالة‭ ‬العالم‭ ‬الجديدة‭. ‬أفاد‭ ‬توماس‭ ‬فريدمان‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬أن‭ ‬كينان‭ ‬أخبره‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬إدارة‭ ‬كلينتون‭ ‬بتوسيع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ليشمل‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية،‭ ‬والذي‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬عليه‭ ‬رسميًا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬يمثل‭ ‬‮«‬بداية‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‮»‬‭.‬

 

بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬وقراره‭ ‬الفادح

على‭ ‬حد‭ ‬علمي،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬الشخص‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بهذا‭ ‬التشخيص،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬كوسوفو‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬نُشرت‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬وبالفرنسية‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬بهذا‭ ‬العنوان‭.‬

استند‭ ‬تشخيصي‭ ‬إلى‭ ‬تحليلي‭ ‬السابق‭ ‬لتوجهات‭ ‬ميزانية‭ ‬البنتاغون‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وسلوك‭ ‬إدارة‭ ‬كلينتون‭ ‬خلال‭ ‬التسعينيات‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬والتي‭ ‬تطابق‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭.‬

ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬فإن‭ ‬قرار‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬المصيري‭ ‬بتوسيع‭ ‬منظمة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ليشمل‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬السوفيتية‭ ‬سابقًا،‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬لمواجهة‭ ‬الموقف‭ ‬العسكري‭ ‬الصيني‭ ‬ضد‭ ‬تحركات‭ ‬تايوان‭ ‬للاستقلال،‭ ‬قد‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لحرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭.‬

كانت‭ ‬نقطة‭ ‬التحول‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬فتيل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1999‭ ‬على‭ ‬كوسوفو‭. ‬انطلقت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬التي‭ ‬شنها‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬معارضة‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬وبكين،‭ ‬متحايلة‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬حق‭ ‬النقض‭.‬

وهكذا‭ ‬حطمت‭ ‬حرب‭ ‬كوسوفو‭ ‬التعهد‭ ‬الذي‭ ‬قطعه‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1990‭ - ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ووافقت‭ ‬عليها‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإجبار‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ - ‬بأن‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‮»‬‭ ‬قد‭ ‬ولد‭ ‬حيث‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬ستسود‭.‬

لم‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬طوال‭ ‬العقد‭. ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬جانبان‭ ‬متميزان‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ - ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭ ‬الغربيين‭ (‬بالمعنى‭ ‬السياسي‭ ‬للغرب،‭ ‬والذي‭ ‬يشمل‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬مثل‭ ‬اليابان‭ ‬وأستراليا‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تدين‭ ‬بالولاء‭ ‬لها‭. ‬سعى‭ ‬جاهدا‭ ‬للبقاء‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1990‭ - ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.  ‬

سوف‭ ‬ينظر‭ ‬الجانبان‭ ‬إلى‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬كقوى‭ ‬متنافسة‭ ‬عالمية‭ ‬ويتصرفان‭ ‬وفقًا‭ ‬لذلك،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تقلبات‭ ‬العلاقات‭ ‬الثلاثية‭ ‬بينهما‭ ‬خلال‭ ‬ربع‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الإدلاء‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الاعترافات‭ ‬بوجود‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭. ‬نُشر‭ ‬كتابان‭ ‬يشيران‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬عناوينهما‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬2007‭ ‬و2008‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬تحرك‭ ‬عسكري‭ ‬مضاد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬روسيا‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬المستمر‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ - ‬تدخلها‭ ‬في‭ ‬جورجيا‭ ‬لدعم‭ ‬الانفصاليين‭ ‬في‭ ‬أبخازيا‭ ‬وأوسيتيا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وفقًا‭ ‬لنمط‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬تكراره‭ ‬في‭ ‬دونيتسك‭ ‬ولوهانسك‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ - ‬كانت‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬آنذاك‭ ‬كوندوليزا‭ ‬رايس‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحديث‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‭ ‬هو‭ ‬هراء‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‮»‬‭.‬

‭ ‬سوف‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬ضم‭ ‬روسيا‭ ‬لشبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لإمالة‭ ‬التوازن‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬نحو‭ ‬الاعتراف‭ ‬المتزايد‭ ‬باستمرار‭ ‬بواقع‭ ‬جديد‭ ‬اسمه‭ ‬الفعلي‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭.‬

يأتي‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬التحول‭ ‬العدائي‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصينية‭ ‬الذي‭ ‬افتتحه‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬واستمر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحالي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬غزو‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ - ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والغرب‭ ‬إلى‭ ‬ذروته،‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬الداخل،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬وبدء‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬جديدة‭ - ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭ ‬مرئية‭ ‬للجميع‭ ‬باستثناء‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬رؤيتها‭.‬

 

{ جيلبار‭ ‬أشقر،‭ ‬أستاذ‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بجامعة‭ ‬لندن‭ ‬بالمملكة‭ ‬المتحدة

آخر‭ ‬إصداراته‭ ‬كتابه‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬الجديدة‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬كوسوفو‮»‬

 

لوموند‭ ‬دبلوماتيك

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا