العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الخليج العربي لكي يستقر ويزدهر أكثر!

{‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مضطرب،‭ ‬بل‭ ‬شديد‭ ‬الاضطراب‭ ‬كالذي‭ ‬نعيشه،‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬ونُصرّ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬انتقالها‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬إلى‭ ‬التوحد،‭ ‬أو‭ ‬بلغة‭ ‬التحولات‭ ‬الجديدة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ (‬قطباً‭ ‬موحداً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تعددية‭ ‬الأقطاب‭) ‬وتكاملية‭ ‬اقتصادها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬منافسات‭ ‬ضارة‭ ‬أو‭ ‬تناحرية‭! ‬لكي‭ ‬تقدم‭ ‬النموذج‭ ‬الأكمل‭ ‬‮«‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬التجمعات‭ ‬العربية‭ ‬نجاحاً‭ ‬وإنجازات‭ ‬ومواجهة‭ ‬للتحديات‭ ‬والتهديدات،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬وفي‭ ‬الإطار‭ ‬الجيوستراتيجي،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مهمات‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬والعالم‭ ‬فيه‭ ‬يتحوّل‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬عالمي،‭ ‬به‭ ‬تحتل‭ ‬القوى‭ ‬الجديدة‭ ‬مركزية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬التوازنات‭ ‬بين‭ ‬الأقطاب‭ ‬المتحالفة‭ ‬لصناعة‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭! ‬ولعل‭ ‬رؤية‭ ‬السعودية‭ ‬حول‭ ‬التحوّل‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أو‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬قيادية‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬لبلاد‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬وثقل‭ ‬إقليمي‭ ‬وعربي‭ ‬ودولي‭ ‬وإسلامي،‭ ‬وحيث‭ ‬النهوض‭ ‬والازدهار‭ ‬والتنمية‭ ‬والتكامل‭ ‬هي‭ ‬معايير‭ ‬وأسس‭ ‬تلك‭ ‬الرؤية‭ ‬المعلنة‭!‬

{‭ ‬اعتاد‭ ‬الخليج‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬كل‭ ‬بيضهم‭ ‬في‭ ‬السلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭! ‬والإسهام‭ ‬في‭ ‬نهوض‭ ‬اقتصادات‭ ‬أمريكا‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الغرب،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬البترول‭ ‬بالدولار‭ ‬‮«‬البترودولار‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬الأسلحة،‭ ‬أو‭ ‬استيراد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المستلزمات‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الخليج‭ ‬وأغلب‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ (‬الاتجاه‭ ‬غرباً‭) ‬طوال‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬تحت‭ ‬وهم‭ ‬‮«‬التحالف‮»‬‭ ‬برؤية‭ ‬غربية‭ ‬مختلّة‭! ‬فماذا‭ ‬حدث‭ ‬وباختصار؟‭! ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬أنه‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬الحليف‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬بكسر‭ ‬البيض‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭! ‬بل‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬تمزيق‭ ‬السلة‭ ‬نفسها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬أي‭ ‬بيض‭ ‬لاحقاً‭! ‬طرحت‭ ‬مشروع‭ ‬الفتنة‭ ‬وتقسيم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬لصالح‭ ‬إما‭ ‬الإخوان‭ ‬وإما‭ ‬أتباع‭ ‬إيران‭ ‬والموالين‭ ‬لها‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬ولكي‭ ‬يحافظ‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬سمته‭ ‬وثقله‭ ‬واستقراره‭ ‬واستحقاق‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬المتاحة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الدولية،‭ ‬فإن‭ (‬اتجاه‭ ‬الخليج‭ ‬شرقاً‭) ‬سواء‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬الهند‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬مؤثرة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ (‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ترفاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬وإنما‭ ‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‭)! ‬يدخل‭ ‬فيها‭ ‬أولوية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬عنصر‭ ‬البقاء‭ ‬والاستمرار‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬القاتلة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬ولا‭ ‬خصوصيتها‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬وطبيعة‭ ‬النظام‭ ‬المتبع،‭ ‬ولا‭ ‬احترمت‭ ‬استقلاليتها‭ ‬ولا‭ ‬أمنها‭ ‬ولا‭ ‬استقرارها‭ ‬ولا‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭! ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬تعهدت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬مثلاً‭ ‬باحترامها‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬التنمية،‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬بل‭ ‬والدفع‭ ‬نحو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخليج‭ ‬مستقراً،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬ودوله‭ ‬أحد‭ ‬المرتكزات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬الذي‭ ‬يتشكل‭! ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يوفر‭ (‬المصداقية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬والتوازن‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭) ‬من‭ ‬دون‭ ‬هيمنة‭ ‬أو‭ ‬تسلط‭ ‬أو‭ ‬ضغوط‭!‬

{‭ ‬تنوّع‭ ‬التحالفات‭ ‬أمر‭ ‬مهم،‭ ‬بل‭ ‬وشديد‭ ‬الأهمية‭ ‬للخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التحالف‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬تجمعها‭ ‬ذات‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬والتي‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬متطابقة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وروسيا‭ ‬حالياً،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬التقارب‭ ‬الثقافي،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬القرآن‭ ‬والإسلام‭ ‬والمقدسات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهو‭ ‬أي‭ ‬الاحترام،‭  ‬العنصر‭ ‬المهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬شعوبنا‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬حجم‭ (‬الازدراء‭ ‬الغربي‭) ‬لديها‭ ‬ومقدساتها‭ ‬وقرآنها،‭ ‬وحجم‭ ‬العنصرية‭ ‬الممارسة‭ ‬ضدها‭ ‬وضد‭ ‬الجاليات‭ ‬المسلمة‭ ‬وضد‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭!‬

{‭ ‬إذا‭ ‬تكاتفت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تناحر‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬أي‭ ‬منها،‭ ‬وبنت‭ ‬قوتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭ ‬واستثمرت‭ ‬في‭ ‬شعوبها‭ ‬التي‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬سيدافع‭ ‬عن‭ ‬خليجه‭ ‬ووطنه،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬الغرب‭ ‬لإفشال‭ ‬النجاح‭ ‬الخليجي‭ ‬وتنويع‭ ‬تحالفاته‭ ‬ستبوء‭ ‬بالفشل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬فيه‭ ‬السعودية‭ ‬وحدها‭ ‬مراراً‭ ‬وأمام‭ ‬مرأى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭! ‬تأكيداً‭ ‬للسيادة‭ ‬وحرية‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يعجب‭ ‬القوى‭ ‬المهيمنة‭ ‬فقدان‭ ‬هيمنتها‭ ‬وهي‭ ‬تبكي‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ ‬على‭ ‬اللبن‭ ‬المسكوب‭! ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل،‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬تفعله‭ ‬اليوم،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭ ‬السادس‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬وروسيا،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬والمتغيرات‭ ‬والظروف‭ ‬الدولية‭ ‬الراهنة،‭ ‬والتأكيد‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬نحو‭ ‬تحالف‭ ‬استراتيجي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا