العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

الأضرار الإنسانية الجسيمة لسلاح العقوبات الأمريكية

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬فيليس‭ ‬بيمس

 

‭ ‬إن‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تاريخا‭ ‬طويلا‭ ‬ووحشي‭ ‬اتقريباً‭ ‬بطول‭ ‬تاريخ‭ ‬الحرب‭ ‬نفسها‭ - ‬تاريخ‭ ‬فاقم‭ ‬معاناة‭ ‬الشعوب‭ ‬وأزهق‭ ‬ملايين‭ ‬الأرواح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬أهدافه‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الحديثة‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬سلاح‭ ‬العقوبات‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬هدفه‭ ‬الظاهري‭ ‬الأول‭ - ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬تغيير‭ ‬سلوك‭ ‬الحكومات‭ ‬والسياسات‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭. ‬

على‭ ‬مدار‭ ‬الثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬تقريبًا‭ ‬بأزمة‭ ‬الخليج‭ ‬1990‭-‬1991‭ ‬والحرب‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ضد‭ ‬العراق،‭ ‬اتسع‭ ‬نطاق‭ ‬فرض‭ ‬واشنطن‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القاسية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬

وسواء‭ ‬فُرضت‭ ‬العقوبات‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬فرضتها‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عنوة‭ ‬وهي‭ ‬صاغرة‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فغالبًا‭ ‬ما‭ ‬توصف‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬بديل‮»‬‭ ‬للحرب‭ - ‬أخف‭ ‬وأقل‭ ‬فتكًا‭ ‬وأكثر‭ ‬إنسانية‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تقتل‭ ‬العقوبات‭ ‬مدنيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تصاحبها‭ ‬وتستهدف‭ ‬أحيانًا‭ ‬الفئات‭ ‬الأكثر‭ ‬ضعفًا‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد‭.‬

تحت‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬فرضت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬للكويت‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1990‭. ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬وفبراير‭ ‬1991،‭ ‬أجبرت‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ (‬حيث‭ ‬دمرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنظمة‭ ‬المياه‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬والطاقة‭ ‬في‭ ‬العراق‭).‬

ظلت‭ ‬تلك‭ ‬العقوبات‭ ‬سارية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬البلد‭ ‬الممزق‭. ‬لقد‭ ‬حظروا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بيع‭ ‬النفط،‭ ‬وهو‭ ‬المصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬للعراق‭ ‬تقريبًا،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تمزيق‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬دمرته‭ ‬الحرب‭. ‬تم‭ ‬رفع‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬فقط‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أطاحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالنظام‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭. ‬

في‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬بعد‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العقوبات،‭ ‬سئلت‭ ‬السفيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬آنذاك‭ ‬لدى‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬عن‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭. ‬أجابت‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفوتها‭ ‬شيء،‭ ‬‮«‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬الثمن‭ ‬يستحق‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬لسنوات‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬أعربت‭ ‬عن‭ ‬أسفها‭ ‬لقول‭ ‬ذلك‭ ‬الكلام،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تعتذر‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬أزهقت‭ ‬أرواح‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1998،‭ ‬ترأست‭ ‬وفداً‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونغرس‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭. ‬ما‭ ‬سمعناه‭ ‬آنذاك‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬والعاملين‭ ‬الصحيين‭ ‬والأمهات‭ ‬العراقيين‭ ‬كان‭ ‬مأساويا‭ ‬ومؤلما‭. ‬كان‭ ‬الأطفال‭ ‬والرضع‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬ويموتون‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬يمكن‭ ‬علاجها‭ ‬وتنقلها‭ ‬المياه،‭ ‬مثل‭ ‬الكوليرا‭ ‬والإسهال‭. ‬

أما‭ ‬الأدوية‭ ‬المطلوبة‭ ‬والمتوافرة‭ ‬عالمياً‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متوافرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬سمح‭ ‬برنامج‭ ‬النفط‭ ‬مقابل‭ ‬الغذاء‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ببعض‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والأدوية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬لإصلاح‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بها‭ ‬أضرار‭ ‬جسيمة‭.‬

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلنت‭ ‬المنظمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحركات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصحفيون‭ ‬الاستقصائيون‭ ‬عن‭ ‬الآثار‭ ‬المدمرة‭ ‬للعقوبات،‭ ‬ينكر‭ ‬مؤيدو‭ ‬العقوبات‭ ‬الحقائق‭ ‬ويشددون‭ ‬على‭: ‬‮«‬أنهم‭ ‬يستهدفون‭ ‬الحكومة‭ ‬فقط‮»‬‭. ‬‮«‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بإمكان‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬الدخول‮»‬‭. ‬‮«‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يعملوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البلد،‭ ‬لكنهم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‮»‬‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الادعاءات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دقيقا‭. ‬

أسهم‭ ‬تقرير‭ ‬جديد‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ (‬CEPR‭) ‬مساهمة‭ ‬كبيرة‭ ‬ولعب‭ ‬دورًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لتلك‭ ‬الادعاءات‭ ‬الكاذبة،‭ ‬حيث‭ ‬سلط‭ ‬ذلك‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬العواقب‭ ‬البشرية‭ ‬الوخيمة‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية‮»‬‭ ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬الحقائق‭ ‬الفظيعة‭ ‬للجوع‭ ‬والمرض‭ ‬والموت‭ ‬وهي‭ ‬التداعيات‭ ‬الوخيمة‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عواقب‭ ‬بعقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭.‬

في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬كانت‭ ‬العقوبات‭ ‬‮«‬تدفع‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬المجاعة‮»‬،‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقارير‭ ‬المركز‭ ‬نفسه‭. ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬تعتبر‭ ‬العقوبات‭ ‬‮«‬محركًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬للأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬زيادة‭ ‬معدل‭ ‬وفيات‭ ‬الأطفال‭ ‬والبالغين‮»‬‭.‬

بشكل‭ ‬عام،‭ ‬يوثق‭ ‬التقرير‭ -‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬فحص‭ ‬دقيق‭ ‬لـ32‭ ‬دراسة‭ ‬خاصة‭ ‬شاملة‭ ‬بكل‭ ‬بلد‭- ‬‮«‬مستوى‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الإجماع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬سلبية‭ ‬قوية‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬المعيشية‭ ‬لمعظم‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المستهدفة‮»‬‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬التقرير‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬رسم‭ ‬تلك‭ ‬الصور‭ ‬المرعبة‭. ‬فقد‭ ‬أعرب‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬عن‭ ‬قلقه‭ ‬من‭ ‬‮«‬التكاليف‭ ‬البشرية‭ ‬غير‭ ‬المتناسبة‭ ‬والعشوائية‭ ‬للعقوبات‭ ‬الأحادية‭ ‬الجانب‭ ‬وآثارها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‮»‬‭.‬

أدى‭ ‬ذلك‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬باستحداث‭ ‬منصب‭ ‬المقرر‭ ‬الخاص‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬بشأن‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬للتدابير‭ ‬القسرية‭ ‬الانفرادية‭ ‬على‭ ‬التمتع‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬التقرير‭ ‬CEPR‭ ‬كان‭ ‬ضروريا‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬لأنه‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تعرية‭ ‬الحقائق‭ ‬وكشف‭ ‬حجم‭ ‬المأساة‭ ‬بكل‭ ‬أبعادها‭. ‬

في‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬بدأ‭ ‬الأكاديميون‭ ‬ومراكز‭ ‬الفكر‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬الذين‭ ‬أزهقت‭ ‬أرواحهم‭ ‬جراء‭ ‬العقوبات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬راحت‭ ‬صحيفة‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست‭ ‬تسهب‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬المجلة‭ ‬الطبية‭ ‬البريطانية‭ (‬BMJ‭) ‬يطعن‭ ‬في‭ ‬تقديرات‭ ‬اليونيسف‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الإبلاغ‭ ‬عنها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬بنحو‭ ‬500000‭ ‬طفل‭.‬

في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1998‭ ‬استقال‭ ‬مساعد‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬دينيس‭ ‬هاليداي،‭ ‬المعين‭ ‬لإدارة‭ ‬برنامج‭ ‬النفط‭ ‬مقابل‭ ‬الغذاء‭ ‬في‭ ‬عام1997،‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬للعقوبات‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭.‬

استقال‭ ‬هانز‭ ‬فون‭ ‬سبونيك،‭ ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬هاليداي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬لنفس‭ ‬السبب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقف‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بيوم‭ ‬واحد،‭ ‬استقال‭ ‬مدير‭ ‬برنامج‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمي‭ ‬للعراق‭ ‬التابع‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭  ‬جوتا‭ ‬بورغاردت‭ ‬أيضًا‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬ذكر‭ ‬مواقف‭ ‬وأقوال‭ ‬هؤلاء‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬استقالوا‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المجلة‭ ‬الطبية‭ ‬البريطانية‭.‬

هؤلاء‭ ‬المحققون‭ ‬المجتهدون‭ ‬المتحمسون‭ ‬للغاية‭ ‬لتشويه‭ ‬سمعة‭ ‬التقارير‭ ‬عن‭ ‬الأعداد‭ ‬المروعة‭ ‬للأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يموتون‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬لهم‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬سبب‭ ‬حرص‭ ‬أولبرايت‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬مقتل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ - ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الرقم‭ ‬الحقيقي‭ ‬للقتلى‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬250‭.‬000‭ ‬أو‭ ‬350‭.‬000‭ ‬أو‭ ‬500‭.‬000‭.‬

ربما‭ ‬سيقنع‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬الجديد‭ ‬أخيرًا‭ ‬أولئك‭ ‬المصممين‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الوحشية‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬إنهائها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬لقد‭ ‬مضى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬العقوبات‭ ‬ليست‭ ‬بديلاً‭ ‬للحرب،‭ ‬ولكنها‭ ‬طريقة‭ ‬لشن‭ ‬الحرب‭. ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬طويلا‭ ‬لإنهاء‭ ‬العمل‭ ‬بسلاح‭ ‬العقوبات‭.‬

نبذة‭ ‬عن‭ ‬أبرز‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية

‭- ‬قررت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬اقتصادي‭ ‬على‭ ‬كوبا‭ ‬المجاورة‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1959‭ ‬بعد‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬الموالي‭ ‬لواشنطن‭ ‬ووصول‭ ‬فيدال‭ ‬كاسترو‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬بدأت‭ ‬واشنطن‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬جزئيا‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬هافانا،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أوباما‭ ‬زار‭ ‬كوبا‭ ‬وتصافح‭ ‬مع‭ ‬زعيمها‭. ‬أعلنت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية وقتها‭ ‬عن‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬كوبا‭ ‬في‭ ‬المجالين‭ ‬المالي‭ ‬والسياحي،‭ ‬كما‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬امام‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لزيارة‭ ‬كوبا‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬التراجع‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬إدارة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬حيث‭ ‬أعيد‭ ‬فرض‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭.  ‬

‭- ‬قادت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الحليفة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬حزم‭ ‬متتالية‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬استهدفت‭ ‬عدة‭ ‬قطاعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصادرات‭ ‬الحيوية‭ ‬للغرب‭ ‬والأصول‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬الغربية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬أر‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وقد‭ ‬ظلت‭ ‬سلطات‭ ‬موسكو‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬اقتصادها‭ ‬لم‭ ‬يتكبد‭ ‬أضرارا‭ ‬وخسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬العقوبات‭ ‬قد‭ ‬عززت‭ ‬التنافسية‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬الداخلية‭.  ‬

فرضت‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬أولى‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬العقوبات‭ ‬إما‭ ‬فردية‭ ‬اتخذتها‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإما‭ ‬جماعية‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬أساسا‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬

ذكرت‭ ‬عديد‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تصدر‭ ‬تباعا‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬حزم‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬غزوها‭ ‬العسكري‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬ولدت‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬نظرا‭ ‬لارتباطها‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭. ‬

‭- ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الصارمة‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬الإدارات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬الديمقراطية‭ ‬منها‭ ‬والجمهورية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭. ‬فقد‭ ‬بادرت‭ ‬سلطات‭ ‬واشطن‭ ‬بفرض‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬المتنوعة‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬إثر‭ ‬اقتحام‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬واحتجاز‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرهائن‭ ‬عقب‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الخميني،‭ ‬والتي‭ ‬أطاحت‭ ‬سنة‭ ‬1979‭ ‬بنظام‭ ‬الشاه‭ ‬الموالي‭ ‬للغرب،‭ ‬كما‭ ‬قررت‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬آنذاك‭ ‬أيضا‭ ‬تجميد‭ ‬الأصول‭ ‬الإيرانية‭ ‬وفرض‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬السفر‭.  ‬

في‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬صدر‭ ‬قانون‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬بفرض‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬إمدادات‭ ‬الوقود‭ ‬الإيرانية‭ ‬وفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تستثمر في‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬الإيراني،‭ ‬ما‭ ‬اضطر‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬استثماراتها‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬النفطي‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬كما‭ ‬تبنى‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬قانونا‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬جديدة‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬أما‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬فقد‭ ‬اتخذ‭ ‬بدوره‭ ‬قرارا‭ ‬بتشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬لاستمرارها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬برنامجها الصاروخي،‭ ‬كما‭ ‬فرضت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية،‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الشريان‭ ‬الحيوي‭ ‬الأساسي‭ ‬لعوائد‭ ‬النفط‭.‬

‭-‬كما‭ ‬فرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أيضا‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكورية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وقد‭ ‬ركزت‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬إدارة‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬على‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬لتضييق‭ ‬الخناق‭ ‬اقتصاديا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬بيونج‭ ‬يانج،‭ ‬الذي‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بتكثيف‭ ‬التجارب‭ ‬الصاروخية‭ ‬والمضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي،‭ ‬كما‭ ‬فرض‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬بدوره‭ ‬حظرا‭ ‬على‭ ‬بيع‭ ‬السلاح‭ ‬لكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬واستيراد‭ ‬المعدات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أو‭ ‬تصديرها،‭ ‬وقد‭ ‬اتسع‭ ‬نطاق‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬لتشمل‭ ‬أيضا‭ ‬المعاملات‭ ‬المالية‭.‬

وقد‭ ‬اتسع‭ ‬نطاق‭ ‬العقولات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الأعوام‭ ‬والعقود‭ ‬الماضية‭ ‬ليشمل‭ ‬عشرات‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬والعراق‭ ‬وميانمار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬العقوبات‭ ‬أحد‭ ‬أدوات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭.   ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا