العدد : ١٦٩٩٥ - الخميس ٠٣ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٣٠ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٥ - الخميس ٠٣ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٣٠ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

أخبار البحرين

عندما لا تكون السياقة فنا.. ولا ذوقا.. ولا أخلاقا

تحقيق: محمد الساعي

الأحد ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

مناظر مألوفة: وقوف عشوائي.. عدم احترام المسارات..

تقدم على الطوابير.. وتجاهل اللوحات التحذيرية


 

 

يُحكى‭ ‬أن‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ (‬فنا‭ ‬وذوقا‭.. ‬وأخلاقا‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬الاحترام‭ ‬هو‭ ‬السائد‭ ‬بين‭ ‬السائقين،‭ ‬والالتزام‭ ‬بقوانين‭ ‬المرور‭ ‬هو‭ ‬السمة‭ ‬الغالبة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬البحرين‭ ‬وطرقاتها‭. ‬كان‭ ‬الرقيب‭ ‬هو‭ ‬الذات،‭ ‬والحسيب‭ ‬هو‭ ‬الضمير‭. ‬

مرت‭ ‬الأيام‭ ‬والأعوام،‭ ‬وتغيرت‭ ‬الأحوال‭. ‬باتت‭ ‬القيادة‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬عاصر‭ (‬زمن‭ ‬الطيبين‭) ‬أشبه‭ ‬بدخول‭ ‬معترك‭ ‬الحياة؛‭ ‬تجاهد‭ ‬كي‭ ‬تصل‭ ‬بأمان،‭ ‬وتناضل‭ ‬كي‭ ‬تحفظ‭ ‬البقية‭ ‬الباقية‭ ‬من‭ ‬أعصابك‭ ‬أمام‭ ‬سيل‭ ‬التجاوزات‭ ‬والمخالفات‭ ‬والسلوكيات‭ ‬المتهورة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬حولك،‭ ‬وتضطر‭ ‬الى‭ ‬التغاضي‭ ‬عنها‭ ‬بمرارة‭. ‬

فما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬تغير؟‭ ‬

بات‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬طابور‭ ‬السيارات‭ ‬منتظرا‭ ‬الإشارة‭ ‬الخضراء؛‭ ‬فتجد‭ ‬من‭ ‬يأتي‭ ‬بكل‭ ‬استهتار‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬ويتقدم‭ ‬الجميع‭ ‬ليقف‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الطابور،‭ ‬معتبرا‭ ‬ذلك‭ ‬تميزا‭! ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬لينتقل‭ ‬في‭ ‬الدوار‭ (‬من‭ ‬دون‭ ‬حتى‭ ‬إشارة‭) ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬اليسار‭ ‬محدثا‭ ‬ارتباكا‭ ‬ومخلفا‭ ‬مخاطر‭ ‬جمة‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬معتبرا‭ ‬ذلك‭ ‬فنا‭!‬

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬بات‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمسار‭ ‬الصحيح‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬التخلف،‭ ‬وإعطاء‭ ‬إشارة‭ ‬الدوران‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الرجعية،‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬دور‭ ‬الآخرين‭ ‬مصدرا‭ ‬للتباهي،‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الأيسر‭ ‬بالشوارع‭ ‬السريعة‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الضعف‭!‬

بات‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬البعض‭ ‬أينما‭ ‬شاء‭ ‬وكيفما‭ ‬شاء‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لمسارات‭ ‬الطوارئ‭ ‬هيبتها،‭ ‬ولا‭ ‬للخطوط‭ ‬الصفراء‭ ‬اعتبارها،‭ ‬ولا‭ ‬للوحات‭ ‬التحذيرية‭ ‬تأثيرها،‭ ‬ولا‭ ‬لخطوط‭ ‬المشاة‭ ‬تقديرها،‭ ‬ولا‭ ‬لممنوع‭ ‬الوقوف‭ ‬أثرها‭. ‬هذا‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬السرعة‭ ‬المتهورة‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬وتجاوز‭ ‬الإشارة‭ ‬والاستعراض‭.. ‬وحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭.‬

 

بات‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬طريقا‭ ‬ضيقا‭ ‬فتجد‭ ‬السائق‭ ‬الذي‭ ‬أمامك‭ ‬يوقف‭ ‬سيارته‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬كي‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬‮«‬البرادة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬المطعم‭. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬عليك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تجاهد‭ ‬كي‭ ‬تجد‭ ‬لك‭ ‬منفذا‭. ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬لبيبا،‭ ‬تغاضى‭ ‬ولا‭ ‬تتهور‭ ‬وتنبهه‭ ‬بخطأ‭ ‬وقوفه،‭ ‬فستواجه‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬عقباه‭. ‬

عند‭ ‬إعداد‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬والاجتهاد‭ ‬لتصوير‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬المستهترة،‭ ‬دخلنا‭ ‬شارعا‭ ‬ضيقا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مناطق‭ ‬البحرين،‭ ‬فكانت‭ ‬سيارة‭ ‬تقودها‭ ‬فتاة‭ ‬متوقفة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الطريق‭ ‬بالاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬تنتظر‭ ‬طلبا‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬المحلات،‭ ‬ولأن‭ ‬الشارع‭ ‬ضيق،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬المركبات‭ ‬أن‭ ‬تتداخل‭ ‬وتتعاون‭ ‬كي‭ ‬تواصل‭ ‬طريقها‭. ‬وكانت‭ ‬السائقة‭ ‬تتشاغل‭ ‬بهاتفها‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬بفعلتها‭. ‬ولما‭ ‬لمحتنا‭ ‬نصور‭ ‬المركبة‭ ‬فتحت‭ ‬النافذة‭ ‬وانهالت‭ ‬علينا‭ ‬بالسب‭ ‬والشتم،‭ ‬وشملت‭ ‬الشتائم‭ ‬الأم‭ ‬والأب‭ ‬والعشيرة‭! ‬ولم‭ ‬تعبأ‭ ‬لحظة‭ ‬بمخالفتها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬قبل‭ ‬المرورية‭!‬

شخص‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬سوق‭ ‬واقف‭ ‬المعروف‭ ‬باختناقاته‭ ‬المرورية‭ ‬أوقف‭ ‬سيارته‭ ‬بشكل‭ ‬رأسي‭ ‬ليغلق‭ ‬نصف‭ ‬المسار،‭ ‬مضاعفا‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الأزمة‭ ‬المرورية،‭ ‬ونزل‭ ‬من‭ ‬السيارة،‭ ‬وعند‭ ‬نزوله‭ ‬حاولنا‭ ‬الحديث‭ ‬معه‭ ‬وتنبيهه‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬بمضاعفة‭ ‬مشكلة‭ ‬الاختناق،‭ ‬فكان‭ ‬الغضب‭ ‬هو‭ ‬الرد،‭ ‬واكتفى‭ ‬بقوله‭: (‬دبّروا‭ ‬روحكم‭)!‬

أما‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬كي‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬كافتيريا،‭ ‬فقد‭ ‬سمعناها‭ ‬عبر‭ ‬النافذة‭ ‬تنادي‭ ‬على‭ ‬الآسيوي‭ ‬وتقول‭ ‬له‭ ‬نصف‭ ‬دينار‭ ‬سمبوسة،‭ ‬ووقفت‭ ‬تنتظر‭ ‬الطلب،‭ ‬مسببة‭ ‬توقف‭ ‬عشرات‭ ‬السيارات‭ ‬خلفها‭ ‬انتظارا‭ ‬للفرج‭ ‬لأن‭ ‬الطريق‭ ‬ذو‭ ‬مسار‭ ‬واحد‭. ‬وعندما‭ ‬حاولنا‭ ‬تنبيهها،‭ ‬ردت‭ ‬بالتهديد‭ ‬والوعيد‭! ‬وبررت‭ ‬الأمر‭ ‬بأنها‭ ‬تنتظر‭ ‬الطلب‭. ‬

للأسف،‭ ‬يتحمل‭ ‬المجتمع‭ ‬مسؤولية‭ ‬ردع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النماذج،‭ ‬وهذا‭ ‬التحمل‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬على‭ ‬الخطأ؛‭ ‬فالمفاجأة‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬الكافتيريا‭ ‬أن‭ ‬غضب‭ ‬السواق‭ ‬الآخرين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬وقفتها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نزولنا‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬لتوجيهها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تأخيرهم‭ ‬أكثر،‭ ‬لأن‭ ‬المعتاد‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يغلغل‭ ‬سيارته‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬ويواصل‭ ‬طريقه،‭ ‬وهكذا‭ ‬يفعل‭ ‬من‭ ‬خلفه،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتسببوا‭ ‬بأي‭ ‬إزعاج‭ ‬أو‭ ‬جرح‭ ‬لمشاعر‭ ‬صاحبة‭ ‬المعالي‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ (‬السمبوسة‭)! ‬

يذكر‭ ‬لنا‭ ‬مواطن‭ ‬متقاعد‭ ‬حادثة‭ ‬وقعت‭ ‬له‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬واقف‭ ‬أيضا،‭ ‬وجد‭ ‬أمامه‭ ‬سيارة‭ ‬دفع‭ ‬رباعي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬المنعطف‭ ‬لتغلق‭ ‬المسار،‭ ‬وصاحبها‭ ‬ينتظر‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬المطعم،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬عشرات‭ ‬السيارات‭ ‬تجاهد‭ ‬كي‭ ‬تمر‭. ‬يقول‭ ‬المواطن‭: ‬شعرت‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬أجعله‭ ‬يتحرك،‭ ‬فضربت‭ ‬له‭ ‬بوق‭ ‬السيارة‭ ‬وأشرت‭ ‬له‭ ‬كي‭ ‬يحرك‭ ‬سيارته‭ ‬لأنها‭ ‬تعترض‭ ‬طابور‭ ‬السيارات‭. ‬

وكان‭ ‬الجواب‭ ‬أنه‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬أن‭ ‬نزل‭ ‬السائق‭ ‬وكان‭ ‬شابا‭ ‬في‭ ‬العشرينيات،‭ ‬وبدأ‭ ‬يهدد‭ ‬بالضرب‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحترم‭ ‬المواطن‭ ‬نفسه‭ ‬ويمضي‭ ‬في‭ ‬طريقه‭. ‬

وعندما‭ ‬نقلنا‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬ابتسم‭ ‬وقال‭: ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تتورط‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء،‭ ‬لأن‭ ‬مخالفته‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬شخصيته‭ ‬غير‭ ‬السوية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ترفّع‭ ‬عنهم‭. ‬

ربما‭ ‬كانت‭ ‬النصيحة‭ ‬في‭ ‬محلها،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬هنا‭: ‬إذا‭ ‬ترفع‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النماذج،‭ ‬فمن‭ ‬يردعهم‭ ‬إذن؟‭ ‬

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬يلعب‭ ‬المواطنون‭ ‬أنفسهم‭ ‬دور‭ ‬الرقيب‭. ‬فمن‭ ‬يخالف‭ ‬قانون‭ ‬المرور‭ ‬مثلا،‭ ‬يوقفه‭ ‬الافراد‭ ‬والمارة‭ ‬ويحذرونه‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬يتم‭ ‬إيصال‭ ‬الامر‭ ‬إلى‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يضبط‭ ‬المجتمع‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭. ‬

بالمقابل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحميل‭ ‬إدارة‭ ‬المرور‭ ‬المسؤولية‭. ‬فالإدارة‭ ‬تقوم‭ ‬مشكورة‭ ‬بوضع‭ ‬النظم‭ ‬والقوانين‭ ‬والتنظيم‭ ‬ووضع‭ ‬أجهزة‭ ‬المراقبة‭ ‬ورصد‭ ‬المخالفات‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭. ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬واعية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نطمح‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬المنشودة‭. ‬

 

 

 

استشاري أمراض نفسية: المخالفة المرورية انحراف سلوكي!

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬جانب‭ ‬القوانين‭ ‬والمسؤوليات،‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬ان‭ ‬نبحث‭ ‬بُعدا‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬لسلوكيات‭ ‬المخالفين‭ ‬والمستهترين‭ ‬بقوانين‭ ‬المرور‭. ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬من‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬المخالفة‭ ‬أشخاصا‭ ‬أسوياء؟‭ ‬وهل‭ ‬تعكس‭ ‬تلك‭ ‬التصرفات‭ ‬مشكلة‭ ‬نفسية‭ ‬أو‭ ‬سلوكية؟

فمن‭ ‬خلال‭ ‬بحثنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وجدنا‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬استقراء‭ ‬سيكولوجية‭ ‬مرتكبي‭ ‬المخالفات‭ ‬المرورية،‭ ‬التي‭ ‬فسرت‭ ‬سلوكيات‭ ‬الشخص‭ ‬المخالف‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬لديه‭ ‬شخصية‭ ‬متهورة،‭ ‬ويعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬الواجب‭ ‬عليه‭ ‬تحملها،‭ ‬ونسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬منهم‭ ‬يشعر‭ ‬بالاكتئاب‭ ‬أو‭ ‬التهميش‭ ‬أو‭ ‬النقص‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬المعاملة‭ ‬من‭ ‬الأسرة‮»‬‭. ‬والاغرب‭ ‬ان‭ ‬الرفاهية‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭.‬

هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬ناقشناه‭ ‬مع‭ ‬استشاري‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬الدكتور‭ ‬طارق‭ ‬المعداوي،‭ ‬وسألناه‭ ‬عن‭ ‬التفسير‭ ‬النفسي‭ ‬لاعتياد‭ ‬البعض‭ ‬مخالفة‭ ‬القوانين‭ ‬المرورية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أجاب‭ ‬عنه‭ ‬بقوله‭: ‬

المخالفة‭ ‬المرورية‭ ‬هي‭ ‬انحراف‭ ‬سلوكي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى‭. ‬صحيح‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قاسيا‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬ولكنه‭ ‬يفسر‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬انحرافا‭ ‬عن‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المعايير‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المرورية‭. ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المخالفات‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬وعمد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شخص‭ ‬متهور‭ ‬أو‭ ‬يحمل‭ ‬خلفية‭ ‬بيئية‭ ‬تجعله‭ ‬لا‭ ‬يلتزم‭ ‬بالقواعد‭. ‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أشخاصا‭ ‬لديهم‭ ‬صفة‭ ‬الاستهتار‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬الأعراف‭ ‬والقوانين،‭ ‬بل‭ ‬يتلذذون‭ ‬بمخالفة‭ ‬القوانين‭. ‬وهذا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المخالفة‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬سهو‭ ‬أو‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬التقدير‭.‬

ويضيف‭ ‬الاستشاري‭ ‬المعداوي‭: ‬الشخص‭ ‬السليم‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭ ‬بمعايير‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسلوكية‭ ‬ومرورية‭ ‬منضبطة‭. ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬نخالف‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬عمدا‭ ‬يكون‭ ‬انحرافا‭ ‬سلوكيا‭. ‬

ثم‭ ‬لدينا‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الشخصية‭ ‬‮«‬النرجسية‮»‬،‭ ‬والشخصية‭ ‬‮«‬السايكوباتية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬صاحبها‭ ‬بسلوك‭ ‬ضد‭ ‬المجتمع‭ ‬والغطرسة‭ ‬وكره‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭. ‬وهاتان‭ ‬الشخصيتان‭ ‬متعتهما‭ ‬في‭ ‬إيذاء‭ ‬الآخرين‭ ‬وتجاوزهم‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الشخص‭ ‬السايكوباتي‭ ‬يمارس‭ ‬الخطأ‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭ ‬به‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يبالي‭ ‬بل‭ ‬ويستمتع‭ ‬به‭.‬

وهناك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬الحقد‭ ‬الطبقي‭ ‬والشعور‭ ‬بالنقص،‭ ‬كأن‭ ‬يرى‭ ‬الفرد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬السيارات‭ ‬الفارهة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬غيره‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬اشبه‭ ‬بالانتقام‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬بالنقص‭. ‬

ولدينا‭ ‬ايضا‭ ‬الشخصية‭ ‬الاندفاعية،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الفرد‭ ‬ان‭ ‬يكبت‭ ‬اندفاعاته،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تجده‭ ‬يمارس‭ ‬سلوكيات‭ ‬متجاوزة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تجاوز‭ ‬الأنظمة‭ ‬المرورية‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬نفسية‭ ‬مرضية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬فرط‭ ‬الحركة‭ ‬والانتباه،‭ ‬والقلق‭ ‬المرضي‭. ‬وهناك‭ ‬الامراض‭ ‬الذهانية،‭ ‬كأن‭ ‬يشعر‭ ‬الشخص‭ ‬بأنه‭ ‬مراقب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬سلوكياته‭ ‬من‭ ‬العدوانية‭ ‬والتجاوزات‭.‬

ويجب‭ ‬ألا‭ ‬نغفل‭ ‬جانبا‭ ‬آخر‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالمخالفات‭ ‬هو‭ ‬الإدمان‭ ‬والتعاطي؛‭ ‬حيث‭ ‬تفصل‭ ‬الانسان‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬وتخلق‭ ‬خللا‭ ‬في‭ ‬الإدراك‭ ‬الحسي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬وضعه‭ ‬السليم‭. ‬

ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬أيضا‭ ‬التقليد‭ ‬والتشبّه؛‭ ‬فبعض‭ ‬الشباب‭ ‬يتأثر‭ ‬بما‭ ‬يراه‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الثقافات‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬الموجات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬نتعرض‭ ‬لها‭ ‬والتي‭ ‬فعلا‭ ‬تجعل‭ ‬البعض‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬سايكوباتية‮»‬‭ ‬تكره‭ ‬المجتمع‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعمم‭ ‬أو‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬المخالفات‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السبب‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الحالات؛‭ ‬فالأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬تشريحا‭ ‬وتحليلا‭ ‬لطبيعة‭ ‬المخالفين‭.‬

*‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المخالفات‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأنانية‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬وعدم‭ ‬اكتراثهم‭ ‬بالآخرين،‭ ‬ما‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رأيك؟‭ ‬

**‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬بمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬اختلفت،‭ ‬واحترام‭ ‬الاخرين‭ ‬اختلف،‭ ‬وباتت‭ ‬الانانية‭ ‬سمة‭ ‬مسيطرة،‭ ‬وكأن‭ ‬الشخص‭ ‬يقول‭ ‬نفسي‭ ‬نفسي‭. ‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬مشكلة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يشمل‭ ‬تعظيم‭ ‬الذات‭ ‬عند‭ ‬الأبناء‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬والدلال‭ ‬المبالغ‭ ‬وإشعارهم‭ ‬بأنهم‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭. ‬وأحد‭ ‬إفرازات‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬القوانين‭ ‬والمخالفة‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬لو‭ ‬قارنا‭ ‬ذلك‭ ‬بالوضع‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬المبدأ‭ (‬الجار‭ ‬قبل‭ ‬الدار‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬الافراد‭ ‬يقدمون‭ ‬غيرهم‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تطورات‭ ‬العصر‭ ‬وتغير‭ ‬الظروف‭ ‬تبدلت‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬القيم‭.‬

*‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الانعكاسات‭ ‬السلبية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬انتشار‭ ‬المخالفات‭ ‬المرورية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع؟

**‭ ‬التأثير‭ ‬يكون‭ ‬مباشرا‭ ‬على‭ ‬المعايير‭ ‬والاخلاقيات؛‭ ‬فنحن‭ ‬تربينا‭ ‬على‭ ‬معايير‭ ‬أخلاقية‭ ‬واجتماعية‭ ‬معينة،‭ ‬وعرفنا‭ ‬أهمية‭ ‬احترام‭ ‬الاخرين‭ ‬والقوانين‭. ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬اختراق‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬وتتكرر‭ ‬سلوكيات‭ ‬خاطئة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد،‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬التغير‭ ‬أو‭ ‬الانحسار،‭ ‬ويبدأ‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬تقبل‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬والشذوذ‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭. ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬الخطورة‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬مجتمعي‭ ‬متكامل‭ ‬للتنبيه‭ ‬بالآثار‭ ‬الكارثية‭ ‬لهذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬وإعادة‭ ‬ترسيخ‭ ‬المعايير‭ ‬والقيم‭ ‬واحترام‭ ‬الاخرين‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر؛‭ ‬فأغلب‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬نعاني‭ ‬منها‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالمعايير‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬أكبر‭ ‬تأثيرا‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬القوانين‭.‬

والدور‭ ‬الأول‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬والتنشئة‭ ‬والتربية‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والتواضع‭. ‬ثم‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مناهج‭ ‬متخصصة‭ ‬الوعي‭ ‬بآداب‭ ‬المرور‭ ‬وقوانينه‭. ‬ويتبع‭ ‬ذلك‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والدينية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬لإعادة‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬والمعايير‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬الحضاري‭ ‬ذي‭ ‬الجذور‭ ‬العريقة،‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬بالطيبة‭ ‬والالتزام‭ ‬واحترام‭ ‬الآخرين‭ ‬والمساواة‭. ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬نتيجة‭ ‬ظروف‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬والتطورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬وغيرها‭ ‬تأثر‭ ‬البعض‭ ‬بذلك‭ ‬وبدأت‭ ‬السلوكيات‭ ‬تتغير‭. ‬ولا‭ ‬نغفل‭ ‬هنا‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬القوانين‭ ‬الرادعة‭ ‬والملزمة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا