زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حتما لص عن لص يفرِق
ربما كان اللص أو الحرامي من أكثر الناس تعرضاً لإشانة السمعة. أتكلم بالطبع عن اللص الذي يقتحم ممتلكات الغير للاستيلاء عليها أو على جزء منها. اللصوصية مدانة لدى جميع الشعوب، ولكن هناك لصوص يحظون بقدر كبير من الاحترام. في كل مجتمع مهن عديدة هي في واقع الأمر اللصوصية بعينها، ولكن ممتهنيها يعيشون ملء السمع والبصر، وبعض أنواع اللصوصية يسميها المجتمع «تجارة وشطارة»، فالذي يبيع سيارة عيوبها أكثر من مزاياها، بأضعاف ما تستحقه من ثمن، يستولي على مال الغير بغير وجه حق، وهو إذن «حرامي»، والمحامي الذي يتقاضى الاتعاب عن قضية يعرف أنها ميؤوس منها تماماً، وأن موكله رايح فيها، «حرامي قانوني»، والطبيب الخصوصي الذي تلجأ إليه شاكياً من التهاب في العين -مثلاً- فيرغمك على غشيان أقسام أشعة اكس والموجات الصوتية والمختبرات التابعة له لفحص اللعاب والدم والبول «حرامي» أيضاً، والسمسار قد يمارس «الحرامية» عدة مرات في سياق إبرامه لهذه الصفقة أو تلك، والحكومة تمارس اللصوصية بنص القانون لأنها تستولي على مداخيلك ومدخراتك بمساعدة الشرطة والقضاء تحت مسميات ضرائب ورسوم ودمغات (طوابع).
في مدينة عدن اليمنية، قبل أن تغشاها الحرب الأخيرة، تابع شاب تحركات سائق إحدى الحافلات، الذي كان يتعاطى بعض الشاي في انتظار أن تمتلئ الحافلة بالركاب، وما أن امتلأت الحافلة بالخلق حتى سبق ذلك الشاب السائق إلى مقعد القيادة وانطلق بالحافلة، ولأنه كان يعرف أنه «حرامي» في نظر المجتمع فقد كان الاضطراب بادياً عليه، ومع ذلك فإنه لم يتردد في إنزال بعض الركاب في المحطات المحددة لنزولهم، ولكن هؤلاء البعض كانوا من ناكري الجميل، فلأن الشاب نسي أن يحصل منهم قيمة التذاكر، فقد أبلغوا الشرطة بشكوكهم فيه، فسقط المسكين في قبضة ما يسمى «العدالة» التي أشبعته «عدلاً» وشتماً حتى قبل تقديمه إلى المحاكمة. ذلك الشاب الذي ظل محتجزا في مخفر الشرطة شهورا في انتظار القاضي الذي سيزج به في السجن بضع سنوات (ولا أدري ماذا نال من عقاب)، كان يعتزم توصيل جميع الركاب إلى وجهاتهم قبل «التصرف» في الحافلة، ولكن هذا لن يشفع له كثيراً لأنه حرامي «صغير» (وربما راح فيها في قصف حوثي عشوائي).
وفي الأردن سرق شاب سيارة، وافتضح أمره، وطاردته الشرطة، فترجل من السيارة واختبأ قرب مدخل شقة سكنية، ولكن صاحب الشقة حسبه «حرامياً» فأطلق عليه النار فسقط صاحبنا قتيلاً، وهكذا مات شاب بريء، نعم بريء لأنه قتل لجريمة لم يرتكبها، ولنا أن نتساءل: لو أن مختلساً معروفاً دخل إلى تلك الشقة ولم يكتفِ بالاختباء في مدخلها، هل كان سيلاقي ذاك المصير نفسه؟ بل هل كان سيتعرض للمطاردة؟
أما في مصر فإن «الوضع» أفضل نسبياً، فقد عثرت دار الكتب المصرية على خزينة قديمة، وعند فتحها اتضح أنها تحوي آلاف القطع النقدية الذهبية، وبعد جرد محتويات الخزينة تم إغلاقها، ولكن تعذر فتحها مرة أخرى، ولم يعد من سبيل أمام إدارة دار الكتب، إلا أن تقترح على وزير الثقافة الاستعانة بلص خزائن مخضرم، فالخزينة الأثرية صنعت في عام الفيل، وفشل مهندسو «آخر الزمن» في فتحها، وهكذا برهنت إدارة الكتب على احترامها للتخصص والكفاءة.
وبما أنني نصبت نفسي محامياً عن الحرامية فإنني أهيب بلصوص الخزائن في مصر عدم فتح تلك الخزينة إلا نظير عمولة معينة: «فيفتي - فيفتي» على الأقل، وإلا بعد الحصول على تعهد من وزارة الداخلية بعدم التعرض لهم إذا فتحوا خزائن أخرى في أماكن أخرى، وإلا بعد أن تسمح لهم السلطات بتكوين نقابة تدافع عن حقوقهم، كما هو الحال بالنسبة إلى المافيا الايطالية التي تحظى باحترام واهتمام الدوائر الرسمية. وبعد تكوين النقابة بإمكانهم الانضمام إلى الاتحاد العالمي للمصارف وشركات التأمين، توسيعاً لنشاطهم وتعميماً للفائدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك