العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

أزمة إسرائيل ليست الديمقراطية وإنما الاحتلال

الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬خوان‭ ‬كول

 

في‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬مرر‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إجراء‭ ‬يحظر‭ ‬على‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬الحكومة،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬وزارية‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بالتعيينات،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بمعيار‭ ‬‮«‬المعقولية‮»‬‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الكنيست‭ ‬عملاً‭ ‬متطرفًا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬اليمينيون‭ ‬يتحدون‭ ‬الحشود‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تظاهرت،‭ ‬أشهرا‭ ‬متتالية،‭ ‬بتصميم‭ ‬ملحوظ‭ ‬ضد‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التشريع‭ ‬المتطرف‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬أيضا‭ ‬جزءًا‭ ‬واحدًا‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تصميم‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬لنظام‭ ‬المحاكم‭ ‬كشف‭ ‬عنها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬الماضي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬قلق‭ ‬منتقديه‭ ‬بشدة‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬الاحتجاجات‭.‬

وكما‭ ‬أوضح‭ ‬المؤرخ‭ ‬العالمي‭ ‬البارز‭ ‬يوفال‭ ‬نوح‭ ‬هراري،‭ ‬فقد‭ ‬حذر‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتظاهرون‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬وظائف‭ ‬أعلى‭ ‬محكمة،‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬ذات‭ ‬نظام‭ ‬برلماني‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬إلى‭ ‬الضوابط‭ ‬والتوازنات‭ ‬الأخرى،‭ ‬يمثل‭ ‬خطوة‭ ‬كبيرة‭ ‬نحو‭ ‬الحكم‭ ‬المطلق‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬تكثر‭ ‬المخاطر‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬مجلس‭ ‬تشريعي‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة،‭ ‬وتفتقر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬وتنتخب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬كأداة‭ ‬تخضع‭ ‬لإرادتها‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الدافع‭ ‬الرئيسي‭ ‬لهذا‭ ‬التشريع‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الداخلية‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬رغبة‭ ‬المتطرفين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬المحاكم‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬خططهم‭ ‬لزيادة‭ ‬عدد‭ ‬المستوطنات‭ ‬العشوائية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬قريبًا‭ ‬يتم‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬ضم‭ ‬تلك‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬تعرض‭ ‬أعضاء‭ ‬الحزب‭ ‬الصهيوني‭ ‬الديني‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬مؤخرًا‭ ‬لانتقادات‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تامير‭ ‬باردو،‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬للمخابرات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬بعبارة‭ ‬‮«‬كو‭ ‬كلوكس‭ ‬كلان‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

استندت‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬عقيدة‭ ‬المعقولية‮»‬‭ ‬المتجذرة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬العام‭ ‬البريطاني،‭ ‬لإلغاء‭ ‬تعيين‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2023‭ ‬لأرييه‭ ‬مخلوف‭ ‬درعي‭ ‬وزيراً‭ ‬للصحة‭ ‬والداخلية‭ ‬في‭ ‬حكومته‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭.‬

درعي،‭ ‬وهو‭ ‬مغربي‭ ‬إسرائيلي،‭ ‬يقود‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬الأرثوذكسي‭ ‬المتطرف،‭ ‬الذي‭ ‬يتألف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مزراحي،‭ ‬أو‭ ‬يهود‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬مثله‭. ‬كان‭ ‬درعي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬مشاكل‭ ‬مع‭ ‬القانون‭.‬

فقد‭ ‬حُكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999‭ ‬بتهمة‭ ‬الاحتيال‭ ‬والرشوة‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬كان‭ ‬يواجه‭ ‬إدانة‭ ‬محتملة‭ ‬بتهمة‭ ‬الاحتيال‭ ‬الضريبي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬العليا،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عقوبة‭ ‬السجن‭ ‬وحظر‭ ‬مدة‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬السياسي‭. ‬وفقًا‭ ‬لقضاة‭ ‬تلك‭ ‬المحكمة،‭ ‬وعد‭ ‬درعي‭ ‬بالتقاعد‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬لتجنب‭ ‬الحكم‭ ‬عليه،‭ ‬وهو‭ ‬التعهد‭ ‬الذي‭ ‬تراجع‭ ‬عنه‭ ‬لاحقًا‭.‬

نجح‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬في‭ ‬ائتلافه‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬خسارته‭ ‬ذلك‭ ‬المقعد‭ ‬الوزاري‭ ‬المهم‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬السلطة‭. ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬انحرف‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬بعيدًا‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬الطيف‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بينما‭ ‬اتخذ‭ ‬موقفًا‭ ‬أكثر‭ ‬تشددًا‭ ‬لصالح‭ ‬توسيع‭ ‬المستوطنات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭ ‬ضد‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭.‬

يسكن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬فلسطيني‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أراضيهم‭ ‬مغتصبة‭. ‬لقد‭ ‬تحولت‭ ‬قيادة‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬للمستوطنات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬نسبة‭ ‬واضعي‭ ‬اليد‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬هناك‭ ‬الذين‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬التقاليد‭ ‬الدينية‭ ‬الحريدية‭ ‬أو‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬المتطرفة‭. ‬لقد‭ ‬أصبحوا‭ ‬يمثلون‭ ‬بالفعل‭ ‬حوالي‭ ‬ثلث‭ ‬مستوطني‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2017‭.‬

في‭ ‬النظام‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬يدفع‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬المتشددون‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬ويتم‭ ‬دعمهم‭ ‬لدراسة‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬ويتم‭ ‬إعفاؤهم‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬كمجموعة،‭ ‬وبفضل‭ ‬ميلهم‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬عائلات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فقد‭ ‬نما‭ ‬عددهم‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬13‭%‬‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬إسرائيل‭. ‬إنهم‭ ‬يضعون‭ ‬عبئًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الدولة،‭ ‬التي‭ ‬استجابت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بمنحهم‭ ‬مساكن‭ ‬غير‭ ‬مكلفة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطينية‭ ‬محتلة‭.‬

في‭ ‬مجلة‭ (+‬976‭) ‬ذات‭ ‬الميول‭ ‬اليسارية،‭ ‬أشار‭ ‬الصحفي‭ ‬بن‭ ‬ريف‭ ‬مؤخرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬ياريف‭ ‬ليفين،‭ ‬وهو‭ ‬عنصر‭ ‬قديم‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭ ‬بزعامة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وقوة‭ ‬دافعة‭ ‬وراء‭ ‬الهجوم‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬القضاء،‭ ‬برر‭ ‬أفعاله‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭.‬

فقد‭ ‬خص‭ ‬بالذكر‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬منعت‭ ‬مقاطعة‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬أيدوا‭ ‬المقاطعة‭ ‬وسحب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ (‬BDS‭) ‬على‭ ‬حركة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بسبب‭ ‬سياسات‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬دعموا‭ ‬‮«‬الرافضين»؛‭ ‬أي‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬رفضوا‭ ‬الخدمة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬احتلال‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

كما‭ ‬اشتكى‭ ‬ليفين‭ ‬بمرارة‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬قضائية‭ ‬تطالب‭ ‬بمعاملة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬جنيف‭. ‬أحد‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬التي‭ ‬خلصت‭ ‬إليها‭ ‬تقارير‭ ‬ياريف‭ ‬ليفين‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬‭??‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬منتقدي‭ ‬سياسة‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستيطان‭.‬

خطوة‭ ‬أخرى‭ ‬قال‭ ‬نتنياهو‭ ‬إنه‭ ‬يود‭ ‬تنفيذها‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬السماح‭ ‬لأغلبية‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬الكنيست‭ ‬بنقض‭ ‬أي‭ ‬أحكام‭ ‬للمحكمة‭ ‬العليا‭ ‬بإلغاء‭ ‬التشريعات‭ ‬باعتبارها‭ ‬غير‭ ‬متوافقة‭ ‬مع‭ ‬القوانين‭ ‬الأساسية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تمريرها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التسعينيات‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬الانتقادات‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬تيار‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬المتطرف‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬والممثل‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬اعتماد‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أحكامها‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أقامها‭ ‬المتشددون‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تملكها‭ ‬عائلات‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرون‭. ‬

على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬حكمت‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬لصالح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التسويات،‭ ‬مع‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬العثماني‭ ‬والبريطاني‭ ‬والدولي‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك‭. ‬فالقانون‭ ‬العثماني،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬سمح‭ ‬لدولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتولي‭ ‬ملكية‭ ‬الأراضي‭ ‬البور‭. ‬

على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬سمحت‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬للدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بإعلان‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬‮«‬أراضي‭ ‬دولة‮»‬‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مهمًا‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬محتلة‭ ‬تقوم‭ ‬بتوطين‭ ‬مواطنيها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬قد‭ ‬انتهكت‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭ ‬ونظام‭ ‬روما‭ ‬الأساسي‭ ‬لعام‭ ‬2002‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬كميثاق‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭. ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يحتج‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬صنفتها‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬مملوكة‭ ‬وأنها‭ ‬أرض‭ ‬بور‭ ‬هي،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬ملكية‭ ‬خاصة،‭ ‬وقد‭ ‬تمت‭ ‬زراعتها‭ ‬مؤخرًا‭.‬

لكن‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أراضي‭ ‬دولة‭ ‬رسميًا،‭ ‬تسمح‭ ‬المحكمة‭ ‬بالفعل‭ ‬للمواطنين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بالبناء‭ ‬عليها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬عليه‭ ‬معظم‭ ‬المستوطنات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وتعتبر‭ ‬المحكمة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬السكنية‭ ‬لليهود‭ ‬فقط‭ ‬‮«‬قانونية‮»‬‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المستوطنات‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تصويرها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬نشاط‭ ‬تطوعي‭ ‬وخاص،‭ ‬فإن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قدمت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬إعانات‭ ‬وحوافز‭ ‬أخرى‭ ‬للأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬ينتقلون‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المستوطنات‭ ‬منخفضة‭ ‬الإيجار‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬المتشددين،‭ ‬بتعليمهم‭ ‬المحدود‭ (‬ودخولهم‭)‬،‭ ‬عاطلون‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬فهم‭ ‬منفتحون‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭ ‬الواضحة‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قام‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬بتفكيك‭ ‬بعض‭ ‬المستوطنات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬بسرعة،‭ ‬فإن‭ ‬بعضها‭ ‬ظل‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬وقد‭ ‬راح‭ ‬اليهود‭ ‬المقيمون‭ ‬فيها‭ ‬يضغطون‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬للاعتراف‭ ‬بها‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬اتخذ‭ ‬الكنيست‭ ‬خطوة‭ ‬تعسفية‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬قانونًا‭ ‬يسمح‭ ‬للدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بمصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬متى‭ ‬شاءت‭ ‬واستخدم‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬لإضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬16‭ ‬مستوطنة‭ ‬عشوائية‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬سابقًا‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬صدمت‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬اليمينيين‭ ‬في‭ ‬الكنيست‭ ‬بإسقاطها‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬بالذات‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬السيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لا‭ ‬تنطبق‭ ‬ببساطة‭ ‬على‭ ‬فلسطينيي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويجب‭ ‬معاملتهم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بشأن‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكري‭. ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬المحكمة‭ ‬استشهدت‭ ‬بالمادة‭ ‬27‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة،‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬احترام‭ ‬الأشخاص‭ ‬المحتلين‭ ‬لكرامتهم‭ ‬وحقوقهم‭ ‬الأسرية‭.‬

وقد‭ ‬أثبت‭ ‬هذا‭ ‬الحكم،‭ ‬مع‭ ‬إنكاره‭ ‬الصريح‭ ‬للسيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬صدمة‭ ‬حقيقية‭ ‬للحق‭ ‬السياسي‭ ‬ويشكل‭ ‬أساس‭ ‬حملته‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬الكنيست‭ ‬لتحييد‭ ‬المحاكم‭. ‬كان‭ ‬المتطرف‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش،‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬الآن‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬والمسؤول‭ ‬عن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬غاضبًا‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬هذا‭. ‬

وقد‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬الوحيد‭ ‬المقبول‭ ‬سيكون‭ ‬تمرير‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬للكنيست‭ ‬بإلغاء‭ ‬المحاكم‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬منزله‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطينية‭ ‬خاصة‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬البلدية‭ ‬لمستوطنة‭ ‬كدوميم‭ ‬‮«‬القانونية‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬هآرتس‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ذات‭ ‬الميول‭ ‬اليسارية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬2020‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬البرلمان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬آنذاك‭ ‬ياريف‭ ‬ليفين‭ ‬وجه‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة،‭ ‬مدعياً‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬داست‭ ‬‮«‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬اليوم،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تقاليدها‭ ‬غير‭ ‬المقبولة،‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأساسية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الإسرائيليين‮»‬‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬فقد‭ ‬أدلى‭ ‬بدلوه‭ ‬واقترح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬لحل‭ ‬مشكلة‭ ‬المستوطنات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬هي‭ ‬ضم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭.‬

إن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬بها‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬سيادة‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬أثارت‭ ‬سخط‭ ‬أعضاء‭ ‬كتلة‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬بقيادة‭ ‬سموتريتش،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شريكها‭ ‬في‭ ‬الائتلاف،‭ ‬حزب‭ ‬القوة‭ ‬اليهودية‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬المتطرف‭ ‬إيتامار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ (‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الآن‭ ‬وزير‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭).‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬لن‭ ‬نندهش‭ ‬أو‭ ‬نستغرب‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬عندما‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬برنامجهم‭ ‬للانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬‮«‬السيادة‭ ‬والاستيطان»؛‭ ‬أي‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واستيطانها‭. ‬وبالفعل،‭ ‬فقد‭ ‬زعموا‭ ‬أن‭ ‬مشاريع‭ ‬الزراعة‭ ‬والبناء‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قراهم‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬توسعية‮»‬‭ ‬وتعهدوا‭ ‬بالعمل‭ ‬بسرعة‭ ‬للحد‭ ‬منها‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬انضموا‭ ‬إلى‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬الحاكم‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات،‭ ‬اكتسبوا‭ ‬الآن‭ ‬قوة‭ ‬كبيرة‭ ‬لمتابعة‭ ‬هدفهم‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬المتطرف‭ ‬سموتريتش‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬محو‭ ‬قرية‭ ‬فلسطينية‭ ‬من‭ ‬خريطة‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬تحت‭ ‬الضغط،‭ ‬فإن‭ ‬التطرف‭ ‬الخارج‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬وجزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليوم‭ ‬بات‭ ‬واضحًا‭ ‬للعيان‭.‬

ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬كون‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬خيانتها‭ ‬المتكررة‭ ‬لحقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فإن‭ ‬المتطرفين‭ ‬مصممون‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭. ‬فالأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬ممن‭ ‬ردوا‭ ‬على‭ ‬المظاهرات‭ ‬الحاشدة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ضد‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬نتنياهو‭ ‬بمظاهرات‭ ‬مضادة‭ ‬تم‭ ‬نقلهم‭ ‬بالحافلات‭ ‬من‭ ‬المستوطنات‭ ‬العشوائية‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬طائفة‭ ‬الحريديم‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬المتدينين‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدافع‭ ‬الأساسي‭ ‬لليمين‭ ‬لنزع‭ ‬سلطة‭ ‬المحاكم‭ ‬كان‭ ‬يتعلق‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬فإن‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬بالفعل‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يفكر‭ ‬فيها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬نتنياهو‭ ‬وطاقم‭ ‬العمل‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬المواطنين‭ ‬كذلك‭. ‬

علما‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭%‬‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬إسرائيل‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬فلسطينية‭ ‬وهم‭ ‬يسمون‭ ‬عادة‭ ‬‮«‬عرب‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬بالعبرية،‭ ‬وقد‭ ‬ضمن‭ ‬حوالي‭ ‬60‭ ‬قانونًا‭ ‬ومرسومًا‭ ‬إداريًا‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬‮«‬عرب‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬مواطنين‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬حرم‭ ‬الكنيست‭ ‬‮«‬عرب‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬السيادة‮»‬‭ ‬وجعلها‭ ‬حكرا‭ ‬لليهود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وحدهم‭ (‬بينما‭ ‬جردت‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬تصنيفها‭ ‬السابق‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭). ‬من‭ ‬المسلم‭ ‬به،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬حكمت‭ ‬لصالح‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬فلسطيني‭. ‬فقد‭ ‬سمحت،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بتمويل‭ ‬الحكومة‭ ‬للجماعات‭ ‬الدينية‭ ‬وإدارة‭ ‬المدارس‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحالات‭ ‬الأخرى،‭ ‬رفضت‭ ‬ذات‭ ‬المحكمة‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬مطالب‭ ‬‮«‬عرب‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬بالمساواة‭ ‬في‭ ‬المعاملة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون،‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬سبب‭ ‬تغيبهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬عن‭ ‬المظاهرات‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬هزت‭ ‬البلاد‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2023‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يشعر‭ ‬نشطاء‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بالقلق‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إزالة‭ ‬الكنيست‭ ‬لرقابة‭ ‬المحكمة‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬معقولية‮»‬‭ ‬التعيينات‭ ‬الإدارية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬تفويض‭ ‬مطلق‭ ‬لتكريس‭ ‬تمييز‭ ‬أكبر‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الإسرائيليين‭. ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬الاهتمام‭ ‬الواضحة‭ ‬بحقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فإن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬اليهود‭ ‬الوسطيين‭ ‬والعلمانيين‭ ‬لا‭ ‬يساورهم‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬بشأن‭ ‬التأثير‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لتأثير‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭. ‬

وهذا‭ ‬يفسر‭ ‬سبب‭ ‬مشاركة‭ ‬ربع‭ ‬سكان‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المظاهرات‭ ‬الضخمة‭ ‬المستمرة‭ ‬فيما‭ ‬يريد‭ ‬58‭%‬‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬تقليص‭ ‬سلطة‭ ‬المحاكم‭. ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬هآرتس‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬يخشين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬الحكومة‭ ‬اليمينية‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬النفقة‭ ‬وإعالة‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬المحاكم‭ ‬الحاخامية‭ ‬الذكور‭ ‬بالكامل،‭ ‬ومنع‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬اسطنبول‭ ‬لمنع‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬المرأة،‭ ‬وزيادة‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬الشواطئ‭ ‬والمتنزهات‭ ‬وحائط‭ ‬المبكى‭. ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬تتحرك‭ ‬لتقليل‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬لوجودهم‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬الهيئات‭ ‬الحكومية‭. ‬

تعرض‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬للملاحقات‭ ‬القضائية‭ ‬لقبوله‭ ‬رشاوى‭ ‬وهو‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬أي‭ ‬تتبعات‭ ‬ضده،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعين‭ ‬أرييه‭ ‬مخلوف‭ ‬درعي،‭ ‬الذي‭ ‬يتهم‭ ‬أيضا‭ ‬بالفساد،‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬نائب‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭. ‬يمكن‭ ‬لبنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬يمضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬بعد‭ ‬القانون‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬الكنسيت‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬

يمكن‭ ‬لحكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬غير‭ ‬المقيدة‭ ‬بالمحاكم‭ ‬أن‭ ‬تنخرط‭ ‬في‭ ‬المحسوبية‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬والتراخيص‭ ‬والتشريعات‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأنواع‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬28‭%‬‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عدد‭ ‬مفاجئ‭ ‬من‭ ‬المهنيين‭ ‬الشباب‭ ‬المتزوجين،‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأنهم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬مغادرة‭ ‬إسرائيل‭.‬

يزعم‭ ‬الكثيرون‭ ‬أنهم‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تأخذ‭ ‬الحكومة‭ ‬أموالهم‮»‬‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬إلى‭ ‬مليون‭ ‬إسرائيلي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬أو‭ ‬يدرسون‭ ‬أو‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬فإنهم‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يعودون‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

الآن،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تشير‭ ‬وكالات‭ ‬إعادة‭ ‬التوطين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العودة‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أيضًا‭ ‬انخفاض‭ ‬بنسبة‭ ‬20‭%‬‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬النقص‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬لولا‭ ‬اليهود‭ ‬الروس‭ ‬الفارين‭ ‬من‭ ‬بلدهم‭ ‬غير‭ ‬المستقر‭ ‬والمضطرب‭ ‬جراء‭ ‬الحرب‭.‬

تشير‭ ‬تقارير‭ ‬رويترز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المستثمرين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الفائقة‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬النابض‭ ‬بالحياة‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬حوالي‭ ‬14‭%‬‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬للدولة‭ ‬البالغ‭ ‬500‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬يحتفظون‭ ‬الآن‭ ‬بحوالي‭ ‬80‭%‬‭ ‬من‭ ‬شركاتهم‭ ‬الناشئة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬نقلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬أيضًا‭ ‬حساباتها‭ ‬المصرفية‭ ‬وبعض‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭.‬

في‭ ‬غضون‭ ‬ذلك،‭ ‬تتواصل‭ ‬الاحتجاجات‭ -‬مع‭ ‬خروج‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬مساء‭ ‬كل‭ ‬سبت‭- ‬حيث‭ ‬يعاني‭ ‬المتظاهرون‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬الشرطة‭ ‬المتزايدة‭. ‬يقوم‭ ‬رجال‭ ‬شرطة‭ ‬مقنعون‭ ‬بضربهم‭ ‬بشكل‭ ‬تعسفي‭ ‬ويوجهون‭ ‬خراطيم‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬رؤوسهم،‭ ‬مستخدمين‭ ‬أحيانًا‭ ‬‮«‬ماء‭ ‬الظربان‮»‬‭ -‬مادة‭ ‬كيميائية‭ ‬فاسدة‭ ‬تلتصق‭ ‬بالملابس‭ ‬والجلد‭- ‬لتفريقهم‭.‬

ذات‭ ‬مرة،‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التكتيكات‭ ‬لقمع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وها‭ ‬هي‭ ‬المعارضة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تكتشف‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعاملة‭ ‬الوحشية‭ ‬للقرويين‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬ارتدت‭ ‬وبدأت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عديمي‭ ‬الجنسية‭.‬

لنتمعن‭ ‬جيدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الجديد‭: ‬لقد‭ ‬عاد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الوحشي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬56‭ ‬عامًا،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحتل‭ ‬نفسها‭ ‬الآن‭ ‬أيضا‭.‬

 

 

كومونز‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا