العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

مقالات

«أوروبا... القارة الأكثر وحشية في التاريخ»

بقلم: سميرة رجب

السبت ١٤ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

كان‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬الفترة‭ ‬الأكثر‭ ‬وحشية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬حيث‭ ‬عاش‭ ‬العرب،‭ ‬والعالم‭ ‬الثالث،‭ ‬جميع‭ ‬صنوف‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والوحشية‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬فكان‭ ‬أكثر‭ ‬الفترات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬ظلمًا‭ ‬واضطهادًا‭ ‬لشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬وكان‭ ‬ذروة‭ ‬الابتزاز‭ ‬والنهب‭ ‬الاستعماري‭ ‬لثرواتها؛‭ ‬وأكثر‭ ‬فترات‭ ‬التاريخ‭ ‬ربحًا‭ ‬وإدرارًا‭ ‬للثروات‭ ‬على‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬وبتلك‭ ‬الثروات‭ ‬المنهوبة‭ ‬بنى‭ ‬الأوروبيون‭ ‬حضارتهم‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى،‭ ‬لتبقى‭ ‬للأزل‭ ‬ولا‭ ‬تغيب‭ ‬عنها‭ ‬الشمس‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬باعت‭ ‬أوروبا‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وخليفتها‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والصهيونية،‭ ‬شعارات‭ ‬المدنية‭ ‬والتحضر‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بهدف‭ ‬توطين‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستعمار‭ ‬فيها؛‭ ‬واستثمروا‭ ‬شعارات‭ ‬وادعاءات‭ ‬وردية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬يوما‭ ‬واقعية‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬فلم‭ ‬يجنِ‭ ‬منها‭ ‬العالم‭ ‬فائدة‭ ‬مادية،‭ ‬أو‭ ‬قيمة‭ ‬إنسانية،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬معرفي،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬انعكست‭ ‬بالفائدة‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

وعلى‭ ‬مدار‭ ‬تاريخ‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬عموما،‭ ‬لم‭ ‬تتطابق‭ ‬أفعال‭ ‬الأوروبيين‭ ‬الوحشية‭ ‬مع‭ ‬أقوالهم‭ ‬الوردية،‭ ‬فكان‭ ‬النهب‭ ‬والعبودية‭ ‬والعنصرية‭ ‬سلوكهم‭ ‬أينما‭ ‬حلّوا‭... ‬شعارات‭ ‬الحرية،‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي،‭ ‬ونزاهة‭ ‬وحياد‭ ‬الإعلام‭ ‬كانت،‭ ‬ومازالت،‭ ‬مجرد‭ ‬أوهام‭ ‬وأكاذيب‭ ‬غربية‭ ‬انطلت‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬عمومًا،‭ ‬والعرب‭ ‬خصوصًا‭. ‬

وبسذاجة‭ ‬شديدة‭ ‬آمنّا‭ ‬بتلك‭ ‬الشعارات‭ ‬الجميلة،‭ ‬وصدّقنا‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬إنسانية‭ ‬وتحضرًا،‭ ‬لنكتشف‭ ‬سريعًا‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬أمام‭ ‬خديعة‭ ‬كبرى،‭ ‬وإن‭ ‬الشعارات‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬أدوات‭ ‬تخدير‭ ‬لتمرير‭ ‬السياسات‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وفرض‭ ‬التبعية‭ ‬للنفوذ‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭... ‬ومازال‭ ‬الأمر‭ ‬مستمرًا‭ ‬مع‭ ‬الصراع‭ ‬القائم‭ ‬اليوم‭ ‬حول‭ ‬التحولات‭ ‬الدولية‭ ‬الجديدة‭. ‬

وهنا‭ ‬نستشهد‭ ‬بتصريح‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأسبق‭ ‬نيكولا‭ ‬ساركوزي،‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬أوروبا،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬قارات‭ ‬العالم،‭ ‬هي‭ ‬القارة‭ ‬الأكثر‭ ‬وحشية‭ ‬L‭'‬Europe,‭ ‬de‭ ‬tous‭ ‬les‭ ‬continents‭ ‬du‭ ‬monde‭ ‬est‭ ‬le‭ ‬continent‭ ‬le‭ ‬plus‭ ‬brutal‭ ‬https‭://‬youtu‭.‬be‭/‬JNhObi30Tho?si‭=‬XQ2rFVI‭- ‬Zr6JcNeL‭ (‬اليوتيوب‭ ‬لموقع‭ ‬أفريك‭ ‬ميديا‭ ‬Afrique‭ ‬Média،‭ ‬3‭ ‬يوليو‭/‬تموز‭ ‬2023‭).‬

وبعد‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬والسياسات‭ ‬الوحشية‭ ‬الغربية،‭ ‬وبعد‭ ‬زخم‭ ‬إعلامي‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬لمحو‭ ‬صورة‭ ‬أمم‭ ‬الغرب‭ ‬المتوحشة‭ ‬عن‭ ‬ذاكرة‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتي‭ ‬تأبى‭ ‬أن‭ ‬تُمحى؛‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الغربي‭ ‬يبالي‭ ‬بحضور‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬صورته‭ ‬القبيحة‭ ‬والوحشية،‭ ‬ولشكله‭ ‬وضميره‭ ‬الحيواني‭ ‬الذي‭ ‬افترس‭ ‬العراق،‭ ‬وعاث‭ ‬فيه‭ ‬نهبًا‭ ‬وقتلا‭ ‬وتدميرا،‭ ‬وحوَّله‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬كبير‭ ‬لتعذيب‭ ‬البشر‭ ‬وانتهاك‭ ‬إنسانية‭ ‬الإنسان؛

وقبل‭ ‬أن‭ ‬يسود‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬يخاف‭ ‬منه‭ ‬الغرب‭ ‬اليوم،‭ ‬لاعتقاده‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانية‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬على‭ ‬الكون‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬قرن؛

في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬عاد‭ ‬الغرب‭ ‬المتوحش،‭ ‬ووارثو‭ ‬تركته‭ ‬البشعة،‭ ‬ليثبتوا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أنهم‭ ‬مازالوا‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬وحشية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭.‬

عادوا‭ ‬ليصبوا‭ ‬وابل‭ ‬ذخائرهم‭ ‬النارية‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬المسجون‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬أرضه‭...‬

عادوا‭ ‬ليذَكِّروا‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬قوتهم‭ ‬الوحشية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬خططهم‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لأي‭ ‬قيمة‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭...‬

عادوا‭ ‬بكامل‭ ‬وحشيتهم‭ ‬ولا‭ ‬إنسانيتهم،‭ ‬ليعيدوا‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرة‭ ‬البشرية‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬الأشد‭ ‬قبحا‭ ‬لأوروبا‭ ‬وورثتها‭ ‬الصهاينة‭ ‬والأمريكيون‭ ‬الاستعماريون‭... ‬

عادوا‭ ‬بكل‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬ليُرجِعوا‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرة‭ ‬البشرية‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬لن‭ ‬يعيش‭ ‬حياة‭ ‬إنسانية‭ ‬كريمة‭ ‬مادام‭ ‬هناك‭ ‬سيادة‭ ‬لقوة‭ ‬غربية‭ ‬ظالمة،‭ ‬بشعة،‭ ‬تعتاش‭ ‬على‭ ‬مص‭ ‬دماء‭ ‬الشعوب‭ ‬الضعيفة‭...   ‬

عادوا‭ ‬معا‭ ‬كقوة‭ ‬واحدة،‭ ‬أوروبية‭ ‬صهيونية‭ ‬أمريكية،‭ ‬لقتل‭ ‬شعب‭ ‬أعزل،‭ ‬بعد‭ ‬فشلهم‭ ‬الصارخ‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كشف‭ ‬الروس‭ ‬عن‭ ‬عورتهم‭ ‬وضعفهم‭ ‬أمام‭ ‬القوة‭...‬

عادوا‭ ‬لاستعراض‭ ‬عضلاتهم‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتل‭...‬

وعادوا‭ ‬ليهددوا‭ ‬دولا‭ ‬عربية‭ ‬تنازلت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬عن‭ ‬قوتها‭ ‬واستسلمت‭ ‬إلى‭ ‬الإذلال‭ ‬الغربي،‭ ‬ليرعبوهم‭ ‬ويحيّدوا‭ ‬دورهم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬قتل‭ ‬الفلسطينيين‭...‬

عادوا‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬النار‭ ‬و«الصدمة‭ ‬والترهيب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رتبوا‭ ‬شؤون‭ ‬العرب؛‭ ‬وجعلوهم‭ ‬مجرد‭ ‬متفرجين‭... ‬

عذراً‭ ‬يا‭ ‬شعبنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فلسطين؛‭ ‬عذراً‭ ‬يا‭ ‬أطفالنا‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬غزة‭... ‬فلقد‭ ‬ضاعت‭ ‬الكلمات‭ ‬منا‭ ‬أمام‭ ‬هول‭ ‬المشهد‭... ‬

عذراً‭ ‬يا‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬المقدام؛‭ ‬نحن‭ ‬فقدنا‭ ‬القدرة‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬نظم‭ ‬الشعر،‭ ‬وقد‭ ‬منعتنا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حبنا‭ ‬لكم،‭ ‬فتركنا‭ ‬عواطفنا‭ ‬تنمو‭ ‬وتموت‭ ‬في‭ ‬داخلنا‭ ‬لأننا‭ ‬جبناء‭...‬

عذرًا‭ ‬يا‭ ‬أطفال‭ ‬غزة،‭ ‬أنتم‭ ‬ترعبون‭ ‬عدوكم،‭ ‬وهو‭ ‬يرعبنا،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬نحبكم،‭ ‬ولا‭ ‬نتعاطف‭ ‬معكم،‭ ‬ليمطروكم‭ ‬بقنابلهم‭ ‬النارية‭ ‬فوق‭ ‬رؤوسكم‭... ‬فنحن‭ ‬مجرد‭ ‬متفرجين،‭ ‬ممنوعون‭ ‬من‭ ‬مدكم‭ ‬بمرضعة‭ ‬حليب،‭ ‬أو‭ ‬قطعة‭ ‬حلوى‭...‬

عذرًا‭ ‬يا‭ ‬فلسطين،‭ ‬لقد‭ ‬كشفت‭ ‬أمامنا‭ ‬زيف‭ ‬الموقف‭ ‬العربي،‭ ‬فما‭ ‬عادت‭ ‬الشعارات‭ ‬لها‭ ‬قيمة،‭ ‬ولكننا‭ ‬واثقون‭ ‬بأنكم‭ ‬أنتم،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬سواكم،‭ ‬سيحرر‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬التي‭ ‬رويتموها‭ ‬بدمائكم،‭ ‬وذابت‭ ‬في‭ ‬ترابها‭ ‬أجساد‭ ‬أبنائكم‭ ‬وأحبائكم‭... ‬

وعذرا‭ ‬يا‭ ‬أمتي،‭ ‬فإننا‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نصلح‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬بشرًا‭ ‬بمشاعرنا‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬لشعب‭ ‬غزة؛‭ ‬إنه‭ ‬زمن‭ ‬البؤس‭ ‬العربي،‭ ‬وقمة‭ ‬الظلم‭ ‬العالمي‭...‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا