مخزوننا الاستراتيجي لا يتعدى خمسة أشهر والمعدل الطبيعي عام على الأقل
مشروع خيرات البحرين بالسودان انتهى قبل أن يبدأ!
أكد النائب محمد المعرفي رئيس لجنة التحقيق النيابية بشأن الأمن الغذائي أن ملف الأمن الغذائي يعد من أهم الملفات الساخنة التي ارتأت السلطة التشريعية ضرورة تبنيه والتحقيق فيه عبر لجنة التحقيق التي تم تشكيلها، لافتا إلى أن هذا الملف بالغ الأهمية ويلقى رعاية ودعما كبيرا من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم عبر توجيهات جلالته في خطابات سامية متكررة وخاصة عندما وجه سموه في افتتاح دور الانعقاد العادي من الفصل التشريعي الخامس بتنفيذ مشروع استراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء بهدف تطوير القدرات الوطنية في مجال الصناعات الغذائية ورفع مستوى الإنتاج المحلي والحفاظ على خبرة أصحاب المهن.
وأشار رئيس لجنة التحقيق في حوار لـ«أخبار الخليج» حول طبيعة عمل اللجنة وما توصلت إليه من نتائج أن أعضاء اللجنة ركزوا على عدة محاور تمثلت في تقييم سياسات الحكومة بشأن الأمن الغذائي في المملكة، والقرارات والإجراءات المتخذة لاستقرار الأمن الغذائي وتقييم الخطط الاستراتيجية الموضوعة لتوفير الأمن الغذائي، التحقق من توفير السلع الأساسية، وتقييم سياسة الحكومة في السيطرة على أسعار السلع الغذائية الأساسية ومنعها من الارتفاع.. وفيما يلي نص الحوار:
** في البداية تطرقتم إلى توجيهات جلالة الملك بضرورة تحقيق الأمن الغذائي في المملكة قبل ظهور التحديات الغذائية التي ظهرت مع جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فكيف وجدتم هذه التوجيهات وإلى أي مدى تم ترجمتها على أرض الواقع؟
- ما شهدناه خلال الجائحة وآثارها التي انعكست على ارتفاع أسعار السلع وعدم استقرارها، ثم الدخول في مرحل الحرب الروسية الأوكرانية والتي أدت إلى صعوبة الإمدادات ووصول الشحنات والتي رفعت الأسعار بصورة كبيرة، يشير إلى الرؤية الثاقبة من قبل جلالة الملك بأهمية هذا الملف وبضرورة وجود اكتفاء ذاتي من السلع الاستراتيجية حتى لا نقع فريسة لظروف خارجية قد تؤثر في إمدادات الغذاء، ونحمد الله أن المملكة وعبر القرارات والتوجيهات الصائبة من لدن جلالة الملك وسمو ولي العهد رئيس الوزراء أدت إلى عبور هذه المحنة من خلال توفير السلع الأساسية سواء الغذائية أو الطبية والتصدي إلى هذه التحديات ولكن يبقى هاجس عدم توفر السلع وعدم استقرار الأسعار موجودا.
وبالتالي يجب العمل سريعا على تحقيق رؤية جلالة الملك بتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية، ويجب معالجة ما نراه من بطء وبيروقراطية في تحقيق تلك التوجيهات، وخاصة وأننا لمسنا أن ملف الأمن الغذائي مشتت بين عدة جهات من السلطة التنفيذية ما ينتج عن ذلك عدم التركيز.
** إذا تطرقنا إلى خطة عمل اللجنة ما الآليات التي تحركتم خلالها، ما أبرز مراحل تلك الخطة؟
- لجنة التحقيق النيابية مارست كل الطرق والوسائل المتاحة لها عبر الأسئلة والزيارات الميدانية واللقاءات المكوكية مع الجهات ذات العلاقة، وخرجنا بعدة ملاحظات وتوصيات ركزت على أن البحرين تفتقر بنسبة كبيرة إلى توفير احتياجاتها من الأمن الغذائي، كما تبين لنا أن المخزون الاستراتيجي لا يتعدى أربعة أشهر ونصف الشهر وهذا مؤشر ليس بجيد وأن المعدل الطبيعي لا يقل عن سنة بالإضافة إلى أهمية توفير الإنتاج الآمن من المنتج المحلي وهذا ما سعينا إلى إبرازه في صلب عملنا داخل اللجنة.
** وهل ترى من خلال عمل اللجنة أن مملكة البحرين قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير الأمن الغذائي المطلوب؟
- نتمنى ذلك في ظل ما نأمله من كون مملكة البحرين هي جزء من منظومة خليجية كاملة فإذا كان هناك ربط خليجي في هذا الملف نستطيع أن ننجح في ذلك، ونرى أن البحرين بدأت بالفعل في تحقيق هذا الأمر، ولكننا نرغب في أن يكون هناك نظام خليجي موحد وترابط بين دول الخليج تحت منظومة شاملة وتكاملية والاستفادة من خبرات وإمكانيات البحرين لتنمية الملف الغذائي في المنطقة، وأيضا الاستفادة من إمكانيات كل دولة من دول الخليج سواء عبر الإمكانيات المالية أو المساحة الجغرافية أو العنصر البشري.
بالإضافة إلى ذلك فأرى من خلال عمل اللجنة أن الحكومة جادة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وأن ملف الأمن الغذائي له أولوية لديها، فقد التقينا عديدا من المسؤولين ومختلف الجهات المعنية المرتبطة بالشأن الغذائي، وأود في هذا الجانب أن أشيد بمدى تعاون وتجاوب وزارة البلديات والزراعة التي اعتبر تعاونها مع اللجنة كان لأقصى درجة وفي مقدمتهم وزير البلديات والوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء التنفيذيين، وكانوا حريصين على مرافقتنا في الزيارات الميدانية بالإضافة إلى الاجتماعات المشتركة ولمسنا مدى الجدية في عملهم وتعاونهم مع اللجنة وهذه كلمة حق .
في المقابل واجهتنا خلال عمل اللجنة معوقات أبرزها شركة مطاحن البحرين للدقيق التي تنتج الخالة التي تمثل 70% من الغذاء الأساسي للقطاع الحيواني وبالتالي إذا أردنا استقرار أسعار المواشي وتربيتها وأسعار الألبان يجب أولا توفير غذاء المواشي وما تقوم به الشركة من إنتاج لا يكفي السوق المحلي وكان مبررهم في الشركة أن قلة الإنتاج بسبب نقص صوامع تخزين القمح والتي لا تسع سوى 4 أشهر ونصف الشهر وأنهم بحاجة إلى أراض أوسع لإنشاء صوامع أكثر، وتمثلت معوقات العمل مع الشركة في عدم تعاونها معنا على الإطلاق وكانت حجتهم أن المصنع كان في فترة صيانة بالرغم من أننا رأينا أن المصنع كان يعمل بصورة طبيعية، وأيضا لمسنا في اللجنة معوقات من قبل وزارة الصناعة والتجارة فقط طلبنا زيارة المصانع المرتبطة بالصناعات الغذائية ولم نر من الوزارة أي تجاوب وجاءت غالبية ردودهم أنهم غير مسؤولين عن هذه المصانع، وفي المقابل مَن تعاون بشدة في هذا الجانب هي غرفة تجارة وصناعة البحرين، فقد رتبت لنا زيارات خاصة لتلك المصانع وقامت بدور الوزارة في هذا الشأن.
** فيما يخص القطاع الزراعي والاستزراع السمكي كيف تقيمون المبادرات التي تقدمها وزارة البلديات والزراعة من أجل الارتقاء بهذين القطاعين؟
- أرى أن الوزارة تسير طبقا لمراحل وعمل مستمر ودؤوب، ووجدنا في القطاع الزراعي على سبيل المثال أن البحرين كانت تنتج من 19 إلى 20% من احتياجات السوق، وبعد المناقشات والبحث وجدنا أن الوزارة قائمة على مجموعة من المشاريع التي اطلعت عليها، وهذه المشاريع تحتاج إلى تضافر الجهود بين القطاعين الحكومي والخاص، ومتى ما غاب أحد الطرفين سيكون هناك خلل، ونرى أن الحكومة تقدم وتوفر الأراضي الزراعية بالرغم من أن المملكة تحكمها محدودية الأراضي إلا أن هناك بدائل يتم اللجوء إليها لحل هذه المعضلة ومن تلك البدائل الزراعة المائية دون تربة «الهيدوبونيك» والتي تحتاج إلى مساحات أقل وتوسع عمودي أو أحواض مائية ولا تتطلب مساحات كبيرة، والحكومة بالفعل اتجهت إلى هذا النظام وقد شاهدت بالفعل مساحة جغرافية في هورة عالي تم بناؤها وقد يتم افتتاحها في نهاية العام الحالي بالإضافة إلى مشروع آخر في منطقة الدراز في المنطقة الشمالية وهذان المشروعان يمكن أن يضاعفوا من إنتاج المملكة الزراعي.
وفيما يخص الاستزراع السمكي فنرى أن الشعب البحريني تعود الصيد منذ أزمنة طويلة ولكن الآن النظام جديد، ومن خلال زيارتي للمزارع السمكية في منطقة عالي أو رأس حيان نجد أن هناك بشائر ولكننا لم نصل إلى حد القبول فيما يخص الاستزراع السمكي ولابد من وجود المستثمر المحلي والخارجي للدخول في هذا النوع من الاستثمارات، والبحرين تشجع على الاستثمار في هذا القطاع.
** هل ناقشتم في اللجنة أرض السودان الممنوحة إلى المملكة والمتمثلة في مشروع خيرات البحرين؟
أرض السودان مشروع قديم وفي اللجنة لم نستطع الوصول إلى أي شيء بخصوصه، فعند سؤال وزارة البلديات قالوا إن المشروع لم يصبح تحت تصرفهم، وذهب إلى ممتلكات، وعند سؤال ممتلكات عن المشروع رأينا أننا نبحث عن شبح غير موجود ولا نستطيع التحقق منه سواء بالإيجاب أو بالسلب أو أي خطوات بشأنه، ولكن ما أردت التأكد منه هو معرفة المبالغ التي صرفت على هذا المشروع ولكن الجواب جاء بأنه لم يتم صرف أي شيء عليه، ولكن يحزنني أن هذا المشروع لم ير النور، وأعتقد أن الأمر يمكن أن يحتاج إلى لجنة تحقيق نيابية خاصة به.
** إذا ذهبنا إلى الاستنتاجات والتوصيات التي خرجت بها اللجنة، هل يمكن أن تحدثنا عن أبرز ما توصلتم إليه؟
أنهينا عمل اللجنة من خلال الخروج بعدد 14 استنتاجا و17 توصية، أبرزها ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والمواد الغذائية من خلال زيادة الإنتاج المحلي واستدامته وعدم الاعتماد على الاستيراد من الخارج لا سيما وأن حجم الاستيراد بلغ 90% مقابل الإنتاج المحلي الذي يبلغ 10% فقط وهو ما يعد تحديا خطيرا لملف الأمن الغذائي يجب مواجهته، كما أوصينا بضرورة إنشاء جهة وطنية للأمن الغذائي بهدف تركيز كل القرارات والإجراءات الخاصة بهذا الملف في جهة واحدة ما يسهل من العمل ويمنع البيروقراطية ويسرع في تنفيذ استراتيجيات الأمن الغذائي.
وأوصينا أيضا بأهمية سن تشريع مستقل ينظم كل ما يتعلق بملف الأمن الغذائي من أحكام بشكل محدد وواضح وملزم يتضمن كل الأحكام التي تنظم ملف الأمن الغذائي ويحدد القواعد الخاصة بالاحتياطي أو المخزون الاستراتيجي الآمن وهو ما لا يتعارض مع ما صدر من الحكومة من قرارات واستراتيجيات وآليات وتوصيات، ودعونا أيضا إلى العمل على توفير مخزون استراتيجي آمن وطويل المدى من السلع الاستراتيجية الأساسية يكفي لمدة عام على الأقل لمواجهة كل الظروف غير المتوقعة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو مناخية أو صحية.
القطاع الزراعي والنباتي
وطالبنا بأهمية السعي إلى زيادة الإنتاج بالقطاع الزراعي النباتي وذلك من خلال القيام باللجوء إلى التقنيات الحديثة في الزراعة، وإيجاد بدائل استثمارية دولية جديدة، وسرعة تنفيذ مشروعات الزراعة دون تربة، والعمل على إنشاء محطات تحلية للمياه الجوفية في أماكن عدة بالمملكة، وتوسعة شبكة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لري المحاصيل الزراعية دعما لترشيد المياه، وتنويع أصناف المحاصيل والعمل على تنشيط قطاع نخيل التمر والاستثمار في مجال فرز وتعبئة وتخزين التمور والصناعات التحويلية المرتبطة بالتمور.
قطاع الدواجن
بالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الدعم اللازم للشركات الوطنية العاملة في قطاع الدواجن بهدف الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الداجني وذلك من خلال توفير المزيد من مزارع الدواجن، وإعفاء صناعة الدواجن من الضرائب والرسوم ، ودعم أسعار شراء الديزل ورسوم الكهرباء والماء لتقليل التكلفة والحفاظ على ثبات الأسعار، وإعطاء الأولوية للمنتج المحلي وإبرام عقود إيجار طويلة الأمد للأراضي التي تحتاجها الشركة مع إعفاء هذه العقود من الإيجار في الخمس سنوات الأولى من العقد ودعم أسعار العلف الذي يمثل ثلثي كلفة الإنتاج بمزارع الدواجن ووضع بعض الضوابط على كميات الاستيراد كما هو الحال في بعض الدول بما يتناسب مع حجم الإنتاج الوطني المحلي.
الإنتاج الحيواني والسمكي
وأوصت اللجنة أيضا بضرورة العمل على توفير الدعم اللازم للشركات الوطنية العاملة في قطاع الإنتاج الحيواني بهدف الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء عبر وضع ضوابط للمتابعة الدورية ودعم الاستثمار طويل الأجل في مجال الإنتاج الحيواني ووضع خطة استراتيجية متكاملة تعدها الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص لدعم الاستثمارات والمشروعات في مجال الإنتاج الحيواني، ودعم أسعار الوقود والكهرباء والماء لتلك المشروعات، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال إنتاج اللحوم ودعم المشروعات للخمس سنوات الأولى عبر الإعفاءات والتسهيلات الائتمانية وتوفير أراضي شاملة البنية الأساسية بأسعار مدعمة وإعادة النظر في الرسوم والضرائب على المشروعات العاملة في إنتاج اللحوم ودعم مربي الماشية وتوفير مساحات إضافية للحظائر لاستيراد عدد أكبر من الماشية مع توفير العناية والإشراف البيطري وتوفير العلف بشكل مدعوم.
كما طالبنا بالعمل على إزالة كل العوائق أمام زيادة الإنتاج بالمصانع الوطنية التي تسهم في تصنيع وإنتاج المواد الغذائية بكل أنواعها مع منحها المزيد من الدعم للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الإنتاج، والعمل على زيادة إنتاج المخزون السمكي.
صوامع القمح وإنتاج النخالة
وأوصت اللجنة بضرورة توفير مخزون آمن من القمح وزيادة إنتاج الدقيق باعتباره من أهم السلع الاستراتيجية من خلال رفع الطاقة الاستيعابية لصوامع شركة البحرين لمطاحن الدقيق حيث إنها لا تسع لأكثر من 51 ألف طن بما يكفي لتأمين احتياجات السوق لفترة 4 أشهر ونصف فقط وهي مدة تقدرها اللجنة بغير الآمنة في ظل التوترات التي يشهدها العالم هذه الفترة ، كما أن زيادة مخزون القمح وزيادة إنتاج الطحين سيترتب عليه حل مشكلة قلة إنتاج نخالة القمح «الشوار» والتي تؤثر بالسلب في الثروة الحيوانية التي تعمد على نخالة القمح في غذائها بنسبة تصل إلى 70%، ومن ثم سيقلل الطلب على الاستيراد من الخارج لسد احتياجات السوق المحلي ، وضرورة إنشاء شركة مطاحن جديدة لإنتاج الطحين والشوار في شكل شركة مساهمة بحرينية مقفلة تكون مملوكة للدولة بنشبة 100%.
وأوصت لجنة التحقيق بأهمية تشجيع ودعم وتنويع الاستثمارات الخارجية والمحلية في مجال الأمن الغذائي وإيجاد البدائل الاستثمارية الآمنة والفاعلة لا سيما بعد توقف مشروع خيرات البحرين الذي كان من المقرر تنفيذه في جمهورية السودان الشقيقة، والعمل أيضا على بحرنة الوظائف بالنسبة إلى العاملين في الشركات والمصانع التي تسهم في تصنيع وإنتاج المواد الغذائية بكل أنواعها حتى تصل إلى 100%، والعمل على دعم وتدريب العاملين البحرينيين وتأهيلهم طبقا لأحدث الوسائل وبرامج التدريب والتأهيل وعلى أن يكون الدعم للشركات الخاصة مقابل البحرنة.
وطالبت بالعمل على تطوير ورفع كفاءة الأسواق المركزية وسوق المنامة المركزي باعتباره أكبر منافذ بيع المنتجات الغذائية في البحرين، والعمل على وضع استراتيجية خليجية للأمن الغذائي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكذلك وضع استراتيجية موحدة على المستوى العربي بين الدول العربية بشأن ملف الأمن الغذائي إذ لا تزال مثل هذه الاستراتيجيات قيد التنفيذ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك