العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

قانون أسرة لا ينصف الأبناء

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الزواج‭ ‬وتكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬وفي‭ ‬بناء‭ ‬وتطور‭ ‬وتقدم‭ ‬المجتمعات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الاسلامي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬باعتباره‭ ‬واجبا‭ ‬شرعيا،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬قواعد‭ ‬الزواج‭ ‬هي‭ ‬الديمومة‭ ‬والاستمرار،‭ ‬وأن‭ ‬الاستثناء‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬وقوع‭ ‬الطلاق‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الطلاق‭ ‬يُعدّ‭ ‬منفذاً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الزوجين‭ ‬أو‭ ‬أحدهما‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬وقبوله‭ ‬لأسباب‭ ‬عدّة،‭ ‬أسوأها‭ ‬هو‭ ‬سوء‭ ‬خُلق‭ ‬أحدهما‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الزوج‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الزوج‭ ‬هو‭ ‬رمانة‭ ‬ميزان‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية‭ ‬الذي‭ ‬يُحقق‭ ‬التوازن،‭ ‬فمتى‭ ‬ما‭ ‬ساء‭ ‬خُلقه‭ ‬اختل‭ ‬هذا‭ ‬التوازن،‭ ‬وسوء‭ ‬الخلق‭ ‬يشمل‭ ‬المعاملة‭ ‬السيئة،‭ ‬الاضطهاد،‭ ‬الاستغلال،‭ ‬الاستعباد،‭ ‬الكبر‭ ‬والتغطرس،‭ ‬التقتير‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬الزوجة‭ ‬وعلى‭ ‬الأبناء،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الذي‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬أصناف‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الزيجات‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬والخداع‭ ‬والاستغلال‭ ‬والاستغفال،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬يُكتب‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تدوم‭ ‬فتنتهي‭ ‬بالطلاق‭. ‬فيما‭ ‬ينتهي‭ ‬بعضها‭ ‬لأسباب‭ ‬أخرى‭.‬

فماذا‭ ‬بعد‭ ‬الطلاق‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أبناء‭ ‬بين‭ ‬الطليقين؟‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬الاساسي‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬هو‭ ‬تكوين‭ ‬أسرة‭ ‬وإنجاب‭ ‬الاطفال،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬مصير‭ ‬هؤلاء‭ ‬الاطفال‭ ‬إذا‭ ‬وقع‭ ‬الطلاق‭ ‬واقعياً‭ ‬وليس‭ ‬نظريا‭ ‬او‭ ‬تشريعيا؟‭ ‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬من‭ ‬المادة‭ ‬الخامسة‭ ‬منه‭ ‬قد‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ (‬الأسرة‭ ‬أساس‭ ‬المجتمع،‭ ‬قوامها‭ ‬الدين‭ ‬والأخلاق‭ ‬وحب‭ ‬الوطن،‭ ‬يحفظ‭ ‬القانون‭ ‬كيانها‭ ‬الشرعي،‭ ‬ويقوي‭ ‬أواصرها‭ ‬وقيمها،‭ ‬ويحمي‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬الأمومة‭ ‬والطفولة،‭ ‬ويرعى‭ ‬النشء،‭ ‬ويحميه‭ ‬من‭ ‬الاستغلال،‭ ‬ويقيه‭ ‬الإهمال‭ ‬الأدبي‭ ‬والجسماني‭ ‬والروحي‭. ‬كما‭ ‬تُعنى‭ ‬الدولة‭ ‬خاصة‭ ‬بنمو‭ ‬الشباب‭ ‬البدني‭ ‬والخلقي‭ ‬والعقلي‭).‬

أوضحت‭ ‬المادة‭ ‬أهمية‭ ‬وقيمة‭ ‬الأسرة‭ ‬وركزّت‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬المرأة‭ ‬الأم‭ ‬والطفل‭ ‬باعتبارهما‭ ‬الفئة‭ ‬ذات‭ ‬المراكز‭ ‬القانونية‭ ‬الاضعف‭ ‬فيها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬الدستور‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬للأمومة‭ ‬والطفولة،‭ ‬بل‭ ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬مواءمة‭ ‬القانون‭ ‬وكفايته‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬حماية‭ ‬حقيقية‭ ‬لا‭ ‬للمرأة‭ ‬ولا‭ ‬للأبناء‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬الاسرة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬وقوع‭ ‬الطلاق‭ ‬ونفقة‭ ‬الابناء‭ ‬من‭ ‬مسكن‭ ‬وملبس‭ ‬ومأكل‭ ‬وتطبيب‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬تقتضيه‭ ‬مواكبة‭ ‬التطور‭ ‬العصري‭ ‬وتغيّر‭ ‬احتياجات‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬هذا‭ ‬التطور،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬احتياجات‭ ‬الامس‭ ‬تختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬احتياجات‭ ‬اليوم،‭ ‬وكفالة‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬للأبناء‭ ‬قد‭ ‬اصبحت‭ ‬لها‭ ‬معايير‭ ‬مختلفة‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬القاضي‭ ‬الشرعي‭ ‬أخذها‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عند‭ ‬إصدار‭ ‬أحكام‭ ‬النفقة‭ ‬بكل‭ ‬انواعها‭ ‬لان‭ ‬أحكامه‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬بؤس‭ ‬للأبناء‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬بلوغهم‭ ‬سنّ‭ ‬التكسب‭ . ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬مواضع‭ ‬عدم‭ ‬الإنصاف‭ ‬للأبناء‭ ‬نص‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬من‭ ‬المادة‭ (‬47‭) ‬على‭ ‬أنه‭: (‬تقدّر‭ ‬النفقة‭ ‬بالنظر‭ ‬لسعة‭ ‬المنفق‭ ‬وحال‭ ‬المنفق‭ ‬عليهم،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والأعراف‭)‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬النفقة‭ ‬على‭ ‬سعة‭ ‬المنفق‭ ‬وهو‭ ‬نص‭ ‬يشرّع‭ ‬أبواب‭ ‬الحيلة‭ ‬أمام‭ ‬سيّئِ‭ ‬الخُلق‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬والذين‭ ‬يتكئون‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬زوراً‭ ‬وجوراً‭ ‬وبُهتانا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حياء‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬ومردّ‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬خلق‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬بعكس‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يضعون‭ ‬أبناءهم‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬اولوياتهم‭ ‬واهتمامهم،‭ ‬فيحرصون‭ ‬على‭ ‬كفالة‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬والاستقرار‭ ‬النفسي‭ ‬لأبنائهم‭ ‬اثناء‭ ‬استمرار‭ ‬الزوجية‭ ‬وبعد‭ ‬انفصام‭ ‬عُراها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬غالباً‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬نص‭ ‬الفقرة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬تقدير‭ ‬النفقة‭ ‬أيضاً‭ ‬بحال‭ ‬المُنفَق‭ ‬عليهم‭ ‬والزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والاعراف،‭ ‬كحال‭ ‬من‭ ‬فسّر‭ (‬ولا‭ ‬تقربوا‭ ‬الصلاة‭) ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬السبب‭ (‬وأنتم‭ ‬سُكارى‭).‬

لذا‭ ‬ضمانا‭ ‬لحقوق‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬النفقة‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬لهم‭ ‬الكفاية‭ ‬المتلائمة‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬العصر‭ ‬وتضمن‭ ‬لهم‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬فإنه‭ ‬يتوجب‭ ‬تعديل‭ ‬نص‭ ‬الفقرة‭ (‬أ‭) ‬من‭ ‬المادة‭ (‬47‭) ‬من‭ ‬قانون‭ ‬الاسرة‭ ‬والذي‭ ‬يقضي‭ ‬بأنه‭ (‬تقدّر‭ ‬النفقة‭ ‬بالنظر‭ ‬لسعة‭ ‬المنفق‭ ‬وحال‭ ‬المنفق‭ ‬عليهم،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والأعراف‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بوضع‭ ‬حدّ‭ ‬أدنى‭ ‬ثابت‭ ‬لنفقة‭ ‬الأبناء‭ ‬لا‭ ‬يُحكم‭ ‬ولا‭ ‬يُقبل‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬منه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بحث‭ ‬كلفة‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬للأبناء‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬أثر‭ ‬التغيرات‭ ‬الجسمانية‭ ‬في‭ ‬مراحلهم‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬الملبس‭ ‬وعلى‭ ‬احتياجات‭ ‬حديثي‭ ‬الولادة،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الوالد‭ ‬الذي‭ ‬أقبل‭ ‬على‭ ‬انجاب‭ ‬ابناء‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬تربيتهم‭ ‬والعناية‭ ‬بهم‭ ‬ذات‭ ‬كلفة‭ ‬محددة‭ ‬كحد‭ ‬أدنى‭ ‬وقد‭ ‬تزيد‭ ‬بحسب‭ ‬سعته،‭ ‬ولن‭ ‬تسقط‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬والدهم‭ ‬هو‭ ‬المُلزم‭ ‬بالإنفاق‭ ‬عليهم‭ ‬شرعاً‭.‬

hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا