العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٧ - الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

الشركة الأمريكية التي أطاحت بسلفادور أليندي

الأحد ٠٧ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا،‭ ‬وفي‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬1973‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬أنهى‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬مدعوم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التجربة‭ ‬الاشتراكية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬تشلي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬تشيلي‭ ‬‭ ‬وأنهت‭ ‬كذلك‭ ‬حياة‭ ‬الرئيس‭ ‬سلفادور‭ ‬أليندي‭. ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬لعبت‭ ‬شركة‭ ‬الاتصالات‭ ‬الأمريكية‭ ‬العملاقة‭ (‬ITT‭) ‬دورًا‭ ‬غامضًا‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬الحكومة‭ ‬ومهدت‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬عمالقة‭ ‬وادي‭ ‬السيليكون‭ ‬اليوم‭.‬

بعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬سلفادور‭ ‬أليندي‭ ‬والديمقراطية‭ ‬التشيلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانقلاب‭ ‬الدموي‭ ‬الذي‭ ‬قاده‭ ‬أوغستو‭ ‬بينوشيه،‭ ‬تلقت‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬مكالمة‭ ‬من‭ ‬مجهول‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬الليل‭. ‬قال‭ ‬المتصل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬دونوا‭ ‬ما‭ ‬سأقوله‭ ‬لأنني‭ ‬لن‭ ‬أكرر‮»‬‭. ‬‮«‬لأنني‭ ‬لن‭ ‬أكرر‮»‬‭. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬سبتمبر‭ ‬1973،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الحدوث‭.‬

قال‭ ‬المتحدث‭: ‬‮«‬في‭ ‬غضون‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬دقيقة‭ ‬ستنفجر‭ ‬قنبلة‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الهاتف‭ ‬والتلغراف‭ ‬الدولي‮»‬‭. ‬كان‭ ‬المكان‭ ‬المستهدف‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الشركة‭ ‬المعروفة‭ ‬اختصارا‭ ‬باسم‭ (‬ITT‭)‬،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬اختياره‭ ‬عشوائيًا‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬انتقام‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬ITT‭ ‬ضد‭ ‬تشيلي‮»‬‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬تحولت‭ ‬شركة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العملاقة‭ ‬هذه‭ ‬إلى‭ ‬تكتل‭ ‬مترامي‭ ‬الأطراف‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬الشركات‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كان‭ ‬مجلس‭ ‬إدارتها‭ ‬يضم‭ ‬مديرًا‭ ‬سابقًا‭ ‬لوكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ (‬CIA‭) ‬ورئيسًا‭ ‬سابقًا‭ ‬للبنك‭ ‬الدولي‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬فريق‭ ‬مثالي‭ ‬لدفع‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬المتعاقدين‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬بين‭ ‬المستفيدين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭. ‬تعرض‭ ‬الشركة‭ ‬بفخر‭ ‬موقعها‭ ‬داخل‭ ‬المجمع‭ ‬الصناعي‭ ‬العسكري‭.‬

نشرت‭ ‬الشركة‭ ‬إعلانا‭ ‬يروج‭ ‬لأجهزة‭ ‬الرؤية‭ ‬الليلية‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1967‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬اغتيل‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬إرنستو‭ ‬تشي‭ ‬جيفارا‮»‬‭ ‬في‭ ‬بوليفيا‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬التجاري‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬لنرى‭ ‬في‭ ‬الظلام‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬ملكًا‭ ‬للمقاتلين‭. ‬ستبصرون‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬بفضل‭ ‬ITT‮»‬‭.‬

واجهت‭ ‬الشركة‭ ‬دعوات‭ ‬المقاطعة،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الموجهة‭ ‬ضد‭ ‬الخبز‭ ‬الصناعي‭ ‬الذي‭ ‬تنتجه‭ ‬شركة‭ ‬تابعة‭ ‬للمجموعة‭. ‬تصدرت‭ ‬أمثال‭ ‬هذه‭ ‬العناوين‭ ‬الصحف‭ ‬اليسارية‭: ‬‮«‬شراء‭ ‬الخبز،‭ ‬شراء‭ ‬القنابل‭: ‬ITT‭ ‬في‭ ‬فيتنام‮»‬‭.‬

انفجرت‭ ‬العبوة‭ ‬أخيرًا‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬5‭:‬40‭ ‬صباحًا‭ ‬في‭ ‬437‭ ‬شارع‭ ‬ماديسون‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬مقر‭ ‬فرع‭ ‬ITT‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ثالث‭ ‬هجوم‭ ‬يستهدف‭ ‬الشركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬بعد‭ ‬روما‭ ‬وزيورخ‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الأصوات‭ ‬المعادية‭ ‬اليوم‭ ‬لسيليكون‭ ‬فالي‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الهجمات‭ ‬تسببت‭ ‬لشركةITT‭  ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أضرار‭ ‬فادحة‭ ‬سنة‭ ‬1973‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لمنتقديها،‭ ‬لا‭ ‬تجسد‭ ‬الشركة‭ ‬فقط‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات،‭ ‬بل‭ ‬تجسد‭ ‬أيضًا‭ ‬قوة‭ ‬مستقلة،‭ ‬تتمتع‭ ‬بسياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬الخاصة،‭ ‬وخدمة‭ ‬التجسس‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬وحتى‭ ‬طاقمها‭ ‬السياسي،‭ ‬وتملك‭ ‬فريقا‭ ‬محنكا‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬السابقين،‭ ‬والأشباح،‭ ‬والدبلوماسيين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصحفيين‭ ‬الفائزين‭ ‬بجائزة‭ ‬بوليتزر‭ ‬الشهيرة‭ ‬والذين‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬ضباط‭ ‬علاقات‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الشركة‭.‬

تنهال‭ ‬الاتهامات‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الإقطاع‭ ‬التقني‮»‬Techno‭-‬feudalism‭) ) ‬اليوم‭ ‬على‭  ‬الشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬السيليكون‭ ‬اليوم‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تصويرها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أشبه‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬بأمراء‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭  ‬يقررون‭ ‬مصير‭ ‬مستخدميهم،‭ ‬وهي‭ ‬أوصاف‭ ‬تحيي‭ ‬ذكريات‭ ‬مظالم‭ ‬عمرها‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬مارستها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭. ‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نتمعن‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ITT‭ ‬لنفهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬مشغلا‭ ‬متواضعا‭ ‬لخطوط‭ ‬الهاتف‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬عالمية‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬الطفرة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬تلك‭ ‬الشركة‭ ‬تعود‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬والمالية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭. ‬فلا‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬‭ ‬ولا‭ ‬السيليكون‭ ‬فالي‭ ‬اليوم‭ ‬‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتمتع‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬النمو‭ ‬الهائل‭ ‬بدون‭ ‬الدعم‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬أسس‭ ‬الأخوان‭ ‬هيرنان‭ ‬وسوستينس‭ ‬باهن‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1920‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭.‬

عملت‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬كواجهة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬مرافق‭ ‬الهاتف‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬اللوبيات‭ ‬المالية‭ ‬والتقنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بورتوريكو‭ ‬وكوبا‭. ‬وُلِد‭ ‬الشقيقان‭ ‬هيرنان‭ ‬وسوستينس‭ ‬باهن‭ ‬في‭ ‬سانت‭ ‬توماس،‭ ‬فيما‭ ‬يُعرف‭ ‬الآن‭ ‬بجزر‭ ‬فيرجن‭ ‬البريطانية،‭ ‬وكانا‭ ‬يعرفان‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي‭ ‬جيدًا‭ ‬وعملا‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬الأمريكية‭ ‬هناك‭.‬

كان‭ ‬الرجلان‭ ‬يمتلكان‭ ‬ثروة‭ ‬عائلية‭ ‬صغيرة‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬طموحا‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬له‭. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقر‭ ‬في‭ ‬بورتوريكو،‭ ‬عمل‭ ‬سوستينيس‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬وول‭ ‬ستريت،‭ ‬حيث‭ ‬أقام‭ ‬علاقات‭ ‬مثمرة‭ ‬مع‭ ‬جي‭ ‬بي‭ ‬مورغان‭ ‬وما‭ ‬سيصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬سيتي‭ ‬بنك‭.‬

خلال‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬انتشرت‭ ‬فروع‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬إلى‭ ‬المكسيك‭ ‬وأوروغواي‭ ‬والبرازيل‭ ‬وشيلي‭ ‬والأرجنتين‭ ‬وإسبانيا‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1929‭ ‬أصبحت‭ ‬الشركة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬ثلثي‭ ‬الهواتف‭ ‬ونصف‭ ‬الكابلات‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

تم‭ ‬هذا‭ ‬التوسع‭ ‬بفضل‭ ‬القروض‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬الشركة‭ ‬بفضل‭ ‬علاقات‭ ‬الأخوين‭ ‬بأقطاب‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬في‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭. ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬جهود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬صعود‭ ‬صاروخي‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬وإزاحة‭ ‬المصالح‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

لقد‭ ‬أقر‭ ‬وزير‭ ‬الحرب‭ ‬السابق‭ ‬إليهو‭ ‬روت‭ ‬بذلك‭ ‬أمام‭ ‬لجنة‭ ‬بالكونجرس‭ ‬عام‭ ‬1921‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬هناك‭ ‬صراع‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬اتصالات‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭. ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬تفوز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بمساعدة‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬ITT‮»‬‭.‬

اعتبر‭ ‬تقرير‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1930‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬الأخوين‭ ‬باهن‭ ‬‮«‬قد‭ ‬فعلت‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬تسع‭ ‬سنوات‭ ‬لكسر‭ ‬الاحتكار‭ ‬البريطاني‭ ‬للاتصالات‭ ‬العالمية‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬فعلته‭ ‬جميع‭ ‬المجموعات‭ ‬والحكومات‭ ‬الأخرى‭ ‬مجتمعة‭ ‬في‭ ‬نصف‭ ‬قرن‮»‬‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬يغيرون‭ ‬مدلول‭ ‬حرف‭ ‬‮«‬I‮»‬‭ ‬في‭ ‬اسم‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬ليقصدوا‭ ‬به‭ ‬‮«‬إمبريالية‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬مخطئين‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

إجمالاً،‭ ‬اندلعت‭ ‬حرب‭ ‬التوسع‭ ‬وتعزيز‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬بكل‭ ‬شراسة‭. ‬سعيا‭ ‬منا‭ ‬لكسب‭ ‬ود‭ ‬واشنطن،‭ ‬بسطت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬السجاد‭ ‬الأحمر‭ ‬لشركة‭ ‬ITT،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬أعفتها‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭ ‬الباهظة‭ ‬المطلوبة‭ ‬عادةً‭ ‬من‭ ‬المشغلين‭ ‬الأجانب‭: ‬أي‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬أو‭ ‬تجنب‭ ‬أي‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭.‬

فقط‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬بدأت‭ ‬الروابط‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬وواشنطن‭ ‬تثير‭ ‬قلق‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات،‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأمن‭ ‬الاتصالات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تنامي‭ ‬القومية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وكان‭ ‬أكثر‭ ‬ممثليها‭ ‬حماسة‭ ‬خوان‭ ‬بيرون‭ ‬في‭ ‬الأرجنتين‭ ‬أو‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬فرانكو‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬رفضوا‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬دون‭ ‬دفع‭ ‬تعويضات‭ ‬كبيرة‭ ‬لها‭.‬

في‭ ‬غضون‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبحت‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬موردًا‭ ‬مهمًا‭ ‬للدفاع‭ ‬الأمريكي‭. ‬كانت‭ ‬الشركة‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬أيامها‭ ‬كمشغل‭ ‬لخطوط‭ ‬الهاتف‭ ‬معدودة،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬بيع‭ ‬أصولها‭ ‬بأفضل‭ ‬سعر‭.‬

أثناء‭ ‬انتظار‭ ‬وصول‭ ‬عرض‭ ‬مثير‭ ‬للاهتمام‭ ‬راحت‭ ‬الشركة‭ ‬تضغط‭ ‬وترفع‭ ‬أسعارها‭ ‬وتعيق‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬لتصبح‭ ‬الخدمات‭ ‬سيئة‭ ‬وأكثر‭ ‬كلفة‭ ‬عمدا‭. ‬كان‭ ‬السكان‭ ‬المحليون‭ ‬غاضبين‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المساس‭ ‬بالشركة‭. ‬

من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬تأميم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬القوية؟‭ ‬رجل‭ ‬لديه‭ ‬هذه‭ ‬الجرأة‭. ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قام‭ ‬محام‭ ‬كوبي‭ ‬شاب‭ ‬بجر‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬متهما‭ ‬إياها‭ ‬بالخيانة‭ ‬والتنكر‭ ‬لالتزاماتها‭.‬

لقد‭ ‬كسب‭ ‬المكتب‭ ‬التابع‭ ‬لذلك‭ ‬المحامي‭ ‬بالقضية‭ ‬المرفوعة‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬ضد‭ ‬الشركة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لكن‭ ‬الديكتاتور‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬زمام‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬فولجينسيو‭ ‬باتيستا‭ ‬تجاهل‭ ‬حكم‭ ‬المحكمة‭. ‬كان‭ ‬المحامي‭ ‬الشاب‭ ‬يدعى‭ ‬فيدل‭ ‬كاسترو‭.‬

لن‭ ‬ينسى‭ ‬كاسترو‭ ‬أبدًا‭ ‬هذا‭ ‬الإذلال‭: ‬ستكون‭ ‬الشركة‭ ‬الكوبية‭ ‬التابعة‭ ‬لـ‭ ‬ITT‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تأميمها‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ثورة‭ ‬كاسترو‭ ‬عام‭ ‬1959‭. ‬وستبدو‭ ‬الحركة‭ ‬بمثابة‭ ‬صفعة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬‭ ‬ومثل‭ ‬نذير‭ ‬شؤم‭.‬

عندما‭ ‬تولى‭ ‬حاكم‭ ‬ولاية‭ ‬برازيلية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1962‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬المحلية‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬حشدت‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ ‬سيعود‭ ‬إلى‭ ‬الظهور‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭.‬

أثبتت‭ ‬تلك‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬نجاحها،‭ ‬حيث‭ ‬عانت‭ ‬البرازيل‭ ‬من‭ ‬إذلال‭ ‬اضطرارها‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬تعويضات‭ ‬باهظة‭ ‬للشركة‭ ‬الفرعية‭ ‬المؤممة‭. ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الستينيات،‭ ‬أعادت‭ ‬إمبراطورية‭ ‬ITT‭ ‬استثمار‭ ‬الأرباح‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬بيع‭ ‬أصولها‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأنواع‭ ‬‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬والفنادق‭ ‬وحتى‭ ‬شركة‭ ‬تأجير‭ ‬السيارات‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬توطين‭ ‬أغلب‭ ‬ممتلكات‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬محليًا،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬بالتالي‭ ‬مهددة‭ ‬بالتأميم‭. ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬كانت‭ ‬شبكات‭ ‬الهاتف‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬بورتوريكو،‭ ‬القاعدة‭ ‬الخلفية‭ ‬التاريخية‭ ‬للشركة،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬تشيلي،‭ ‬حيث‭ ‬استقرت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1927‭.‬

كانت‭ ‬التزامات‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬تجاه‭ ‬الدولة‭ ‬التشيلية‭ ‬تتسم‭ ‬بعدم‭ ‬الدقة،‭ ‬بموجب‭ ‬عقد‭ ‬مربح‭ ‬للغاية‭ ‬للشركة‭. ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حاولت‭ ‬حكومة‭ ‬إدواردو‭ ‬فراي،‭ ‬وهو‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مسيحي‭ ‬تم‭ ‬انتخابه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬تسوية‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إحداث‭ ‬موجات،‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬خطة‭ ‬لإعادة‭ ‬شراء‭ ‬أسهم‭ ‬الشركة‭ ‬المحلية‭ ‬التابعة‭ ‬لـ‭ ‬ITT‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭.‬

لكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬خصوم‭ ‬فراي،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬غير‭ ‬كاف‭. ‬فاز‭ ‬الاشتراكي‭ ‬سلفادور‭ ‬الليندي‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬لعام‭ ‬1970‭ ‬بوعده‭ ‬بتأميم‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬واستبدال‭ ‬المديرين‭ ‬بمهندسين‭ ‬وتوسيع‭ ‬شبكة‭ ‬الهاتف‭ ‬لتشمل‭ ‬أفقر‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

كانت‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬تخشى‭ ‬رئاسة‭ ‬أليندي‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬بفترة‭ ‬طويلة‭. ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬بست‭ ‬سنوات‭ ‬ألقى‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬إدارتها،‭ ‬مدير‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬السابق‭ ‬جون‭ ‬ماكون،‭ ‬بكل‭ ‬ثقله‭ ‬لمنع‭ ‬انتخاب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬التشيلي‭. ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬اتصلت‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬بوكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬وعرضت‭ ‬عليهم‭ ‬المال‭ ‬لمنع‭ ‬فوز‭ ‬محتمل‭ ‬لليسار‭.‬

رفضت‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬ذلك‭ ‬العرض‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الرفض‭ ‬لم‭ ‬يثن‭ ‬الشركة‭ ‬عن‭ ‬إغراق‭ ‬خصوم‭ ‬أليندي‭ ‬بكثرة‭. ‬بعد‭ ‬الانتصار‭ ‬المفاجئ‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير،‭ ‬فإن‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬تتصل‭ ‬بشركة‭ ‬ITT‭.‬

ألم‭ ‬تكن‭ ‬الشركة‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬التشيلية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفض‭ ‬توفير‭ ‬قطع‭ ‬الغيار‭ ‬أو‭ ‬موظفي‭ ‬الصيانة؟‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬السي‭ ‬آي‭ ‬إيه،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون،‭ ‬‮«‬جعل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التشيلي‭ ‬يعاني‭ ‬وينهار‮»‬‭ ‬لإخراج‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬ثكناته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتاح‭ ‬لأليندي‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لتدشين‭ ‬ولايته‭.‬

فشلت‭ ‬تلك‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬فبمجرد‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬فضل‭ ‬أليندي‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الشركة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تأميمها‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬بينما‭ ‬طالبت‭ ‬قاعدته‭ ‬‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نقابات‭ ‬عمال‭ ‬ITT‭ ‬‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الراديكالية‭.‬

طلب‭ ‬أليندي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الشركة‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الميكروفونات‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬القصر‭ ‬الرئاسي‭... ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1971،‭ ‬غير‭ ‬أليندي‭ ‬رأيه‭ ‬وتولى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬التشيلية‭ ‬التابعة‭ ‬لـ‭ ‬ITT،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬قادتها‭ ‬لسرقة‭ ‬أرباح‭ ‬حصلوا‭ ‬عليها‭ ‬عبر‭ ‬شركات‭ ‬وهمية‭.‬

أجرت‭ ‬الشركة‭ ‬محادثات‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬آنذاك‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬واقترحت‭ ‬عليه‭ ‬استراتيجية‭ ‬تتضمن‭ ‬ثمانية‭ ‬عشرة‭ ‬إجراءً‭ ‬يجب‭ ‬اتخاذها‭ ‬لزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬الرئيس‭ ‬التشيلي‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭.‬

ظلت‭ ‬الشركة‭ ‬أيضا‭ ‬تشجع‭ ‬وكالة‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمويل‭ ‬El‭ ‬Mercurio‭ ‬وهي‭ ‬صحيفة‭ ‬المعارضة‭ ‬الرئيسية‭. ‬أما‭ ‬داخل‭ ‬الشركة‭ ‬نفسها‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬التساؤل‭. ‬نشرت‭ ‬الصحيفة‭ ‬اتصالات‭ ‬بين‭ ‬إدارتها‭ ‬وأعضاء‭ ‬إدارة‭ ‬نيكسون،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬جلسات‭ ‬استماع‭ ‬لتوضيح‭ ‬تأثير‭ ‬شركة‭  ‬ITTعلى‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬برمتها‭.‬

لم‭ ‬يفض‭ ‬التحقيق‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شي‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬اتهام‭ ‬أي‭ ‬مسؤولين‭ ‬أو‭ ‬إدانة‭ ‬أي‭ ‬شخص‭. ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬فقد‭ ‬أليندي‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬انقلاب‭ ‬دموي‭ ‬قاده‭ ‬بينوشيه‭. ‬بالنسبة‭ ‬لشركة‭ ‬ITT،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬التأميم‭ ‬صدمة‭ ‬قاسية‭ ‬للغاية‭: ‬فبعد‭ ‬الانقلاب‭ ‬بوقت‭ ‬قصير،‭ ‬تلقت‭ ‬الشركة‭ ‬مبلغ‭ ‬125‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬بينوشيه‭ ‬كتعويض،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬نيكسون‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬‭ ‬تقرير‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬غير‭ ‬الحاسم،‭ ‬نمت‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬في‭ ‬تشيلي‭ ‬بشكل‭ ‬مطرد‭. ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬تمثل‭ ‬الشركة‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬هدفًا‭ ‬جاهزًا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭.‬

اتضح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬المجهول‭ ‬الذي‭ ‬اتصل‭ ‬بصحيفة‭ ‬نبه‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬وحذر‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬قنبلة‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬زعم‭ ‬أنه‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬Weather‭ ‬Underground‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬يسارية‭ ‬متطرفة‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬السرية‭. ‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬أزعجت‭ ‬هذه‭ ‬الدعاية‭ ‬السلبية‭ ‬حتى‭ ‬بورتوريكو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬الموطن‭ ‬التاريخي‭ ‬للشركة‭: ‬في‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬قررت‭ ‬بوتوريكو‭ ‬شراء‭ ‬الشركة‭ ‬الفرعية‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تعويضات‭ ‬كبيرة‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬لتهدئة‭ ‬الأمور‭. ‬

في‭ ‬معظم‭ ‬فترات‭ ‬وجودها،‭ ‬كانت‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬مختبرًا‭ ‬لنموذج‭ ‬متنامي‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬القوية‭ ‬مع‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬والبنتاغون‭. ‬كانت‭ ‬أيضًا‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬العولمة‭ ‬برؤيتها‭ ‬العالمية‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬وإتقانها‭ ‬للتكتل‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬التآزر‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬الشركات‭ ‬التابعة‭ ‬غير‭ ‬المتجانسة‭ ‬يرجع‭ ‬أساسًا‭ ‬إلى‭ ‬الحيل‭ ‬المحاسبية‭.‬

لقد‭ ‬أضر‭ ‬الانقلاب‭ ‬في‭ ‬تشيلي‭ ‬بصورة‭ ‬الشركة‭ ‬لعقود‭ ‬قادمة‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭. ‬ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬قرب‭ ‬شركة‭ ‬ITT‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬تدين‭ ‬لها‭ ‬بنموها‭ ‬الأولي‭ ‬الهائل‭ ‬‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تراجعها‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬عمالقة‭ ‬وادي‭ ‬السيليكون‭ ‬الحاليين،‭ ‬المحاصرين‭ ‬بالمثل‭ ‬بين‭ ‬التجسس‭ ‬والتمويل،‭ ‬قد‭ ‬تعلموا‭ ‬كل‭ ‬الدروس‭.‬

لوموند‭ ‬دبلوماتيك

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا