رأي: المعلم فقد هيبته وصلاحياته.. ويشعر أن الجميع خصومه
رأي آخر: مكانة المعلم لم تتراجع.. وما حدث هو تغير في مفهوم العلاقة
في الجزء الأول من الموضوع طرحنا آراء عدد من قدامى الأساتذة المتقاعدين حول المنظومة التعليمية ومقارنتها في السابق مع الوضع الحالي.
وكانت خلاصة ما أجمعوا عليه هو أن المعلم فقد هيبته إلى حد كبير بعد ان كان يعتبر أبا ومربيا. كما أنه تم تجريده من الأدوات التربوية وهو ما حوله إلى مجرد موظف أكثر من مرب. أما المناهج فقد باتت تتسم بالحشو والطول الأمر الذي حول الطالب إلى اشبه بآلة مُرهَقة مهمتها الحفظ وليس الإدراك، وتبع ذلك تغير في نظام وآليات التقويم التي لم تعد كما يؤكد الأساتذة، تركز على قدرات الطلاب وتنافسهم بقدر التركيز على أنشطة تشترى جاهزة من المكتبات!
اليوم نواصل مشوارنا، ولكن هذه المرة مع أساتذة عاملين، لنطرح عليهم ذات المحاور ونقارن ما ذهب إليه أساتذتهم مع ما يرونه حول واقع المنظومة التعليمية بالمملكة.
تطورات تواكب الظروف
في المحطة الزمنية الثانية لموضوعنا هذا نتوقف مع عدد من الأساتذة الشباب أو الذين مازالوا في سلك التدريس لنقارن آرائهم بما طرحه الأساتذة المتقاعدون.
وننطلق في هذه الرحلة مع الأستاذ جاسم سرحان الذي يمتلك خبرة تمتد إلى حوالي 35 عاما، ومازال مواصلا عطاءه في مهنة التدريس. كيف يرى الأستاذ سرحان تطور المناهج بين الأمس واليوم؟.
يجيبنا بقوله: مرت المناهج بتحولات كثيرة يفرضها تزايد الكم المعرفي. واجمالا كانت المناهج تعتمد على مفاهيم ومعارف تقاس بقدرة الطالب على حفظها وادراكها واكتساب المهارات اللازمة.
ثم بدأ التغير في التسعينيات، ويمكن القول ان المناهج الحالية تركز على اكتساب المهارات الأساسية التي تمكن الطالب من الوقوف على أرضية صلبة للمراحل الدراسية المتقدمة. وهذا لا يعني انه المناهج في السابق كانت أقل مستوى، ولكن التطورات المعرفية المتسارعة تفرض مثل هذا التغيير. حيث أصبح هناك آلية واضحة تجعل المناهج تواكب الاحتياجات، بحيث لم يعد المنهج أو المعلم هو المصدر المعرفي الوحيد، بل تعددت المصادر. وأصبح الطالب اليوم يمتلك مصادر متعددة، ودور المعلم والمناهج هو تنمية المهارات الأساسية لاستقاء المعلومات.
* وماذا عن المعلم نفسه بين الأمس واليوم.
** في السابق ربما كانت مهمة تطور المعلم وزيادة كفاءته متروكة لجهوده الخاصة، في حين نرى الآن احتضانا أكبر من خلال البرامج التدريبية والتطوير المستمر للمعلمين.
وفي السابق كان المعلم هو المتحكم الوحيد في العملية التعليمية. في حين باتت هناك اليات واستراتيجيات لقياس أداء المعلمين، ثم ان هيئة جودة التعليم والتدريب شريك أساسي في تطوير المنظومة التعليمية، وساهمت في احداث نقلة نوعية في التعليم.
* ولكن ألا توافق ان مكانة المعلم الاجتماعية والتربوية تأثرت سلبا؟
** مكانة المعلم تبقى بنفس الدرجة العالية، لأنه لا يمكن ان تنهض الأمم إلا بمكانة المعلم. نعم ربما تغير مفهوم العلاقة. ففي السابق كانت اشبه بعلاقة السيد بالعبد، أو المسؤول بموظفه. وربما لم يكن هناك تركيز على بناء شخصية الطالب ومهاراته بالقدر المطلوب. في حين ان المعلم اليوم ولأنه قد فتحت أمامه آفاق أخرى فقد تغيرت ادارة وطبيعة علاقته بالطلاب، ولكن تبقى مكانته كبيرة مهما سمعنا من قصص أو حوادث.
* ماذا عن مستوى الطلاب وسلوكياتهم بين الماضي والحاضر؟
** في السابق كان هدوء الطالب والتزامه هو المقياس الأساسي للسلوك. واليوم باتت هناك مجموعة من القيم، منها الالتزام والتفاعل والمهارات والأنشطة وغيرها. وبالتالي فإن التغير كان للأفضل، مع الحفاظ بدرجة كبيرة بالانضباط والجدية.
* ما تفسيرك إذن لحاجة طلاب اليوم إلى إعادة الشرح والدرس في المنزل والمساعدة الكاملة لإعداد الأنشطة والمذاكرة، وهو أمر ربما لم يكن مألوفا بهذا الشكل في السابق؟
** إذا توافرت بيئة تحفيزية للطالب والمعلم فإن الطالب يحصل على المهارات الأساسية التي تمكنه من القيام بواجباته بشكل طبيعي. وإذا لم تتوافر هذه البيئة المتكاملة سيحتاج إلى مساعدة. وهناك نوعان من الدعم، الأول هو ما تقدمه الأم بشكل خاص مثل التأكد من اكتساب المفاهيم والمهارات الأساسية. وهذا دعم إيجابي لا بأس به. ولكن هناك دعما سلبيا وهو الاعتماد الكلي على الأم أو المدرس الخاص. وهذا ما يحول الطالب إلى اتكالي وغير جاد في المدرسة لأنه يضمن وجود البديل في البيت.
* بصراحة.. هل تفضل التدريس في الجيل السابق ام الوقت الحالي؟
** من الصعب التفضيل بقدر ما أركز على قاعدة ملخصها: إذا توافرت بيئة محفزة وآمنة وسليمة فإن التدريس سيكون هو الأفضل سواء في الجيل السابق او الحالي، حيث يفترض أن يستمتع المعلم وهو يقوم بدوره التربوي والتعليمي.
* وهل هذه البيئة التي تتحدث عنها كانت أفضل في السابق ام الوقت الحالي؟
** ربما كانت في السابق أفضل لأسباب منها ان الضغوط على المعلم كانت اقل. واليوم تزايدت هذه الضغوط والتحديات، وهذا ما يجعل البيئة التحفيزية في السابق أفضل.
المعلم.. فقد هيبته
«هل تفضل ان تدّرس في الجيل السابق أم الحالي ولماذا؟»
سؤال طرحناه على الأستاذ (ن غ) الذي فضل عدم ذكر اسمه كونه مازال في سلك التدريس. وهذا ما أجاب عنه، قائلا: باتت مهنة التدريس شاقة جدا. فعلى الرغم من أن كفاءة المعلمين حاليا ربما تكون أفضل وأكثر تخصصا وحصولا على الشهادات والتدريب، فإنني أؤمن أن مهمة التعليم في الجيل السابق كانت أفضل.
* أين المشكلة إذن؟
** لم تعد هناك هيبة للمعلم. لنبدأ من البيت. سابقا كان الأب يعلم ابنه بأن المعلم هو الاب الثاني والمربي في المدرسة. وهذا ما كان يرفع من قدر المعلم عند الطلاب. واليوم تمر علينا حالات يقول الطلاب انهم يخبرون آباءهم بأنهم «جننوا المعلم» فيضحكون معهم على ذلك!. وعندما يشكو الطالب معلما، يفزع ولي الأمر لأخذ الثأر!. وبالمقابل عندما يتعرض المعلم لإهانات لا يستطيع ان يفعل شيئا. وبات يشعر أنه خصم للطالب وولي الأمر أيضا. هل تصدق أن ولية أمر تصرخ على مدرس بحجة أنه طلب من طالب ان يحفظ جدول الضرب؟ والمشكلة ان الإدارات والمدارس والمسؤولين يراعون رغبات أولياء الأمور تجنبا لأي ضجة! وبالتالي فإن صلاحيات المعلم تقلصت 90% وزادت صلاحيات الطالب 90%. لذلك صار الطالب في موقع قوة، حتى بات المعلمون يخشون حتى توبيخ الطالب. في إحدى الحالات قالت ولية أمر المدرس نهر طالبا آخر في الصف، وهذا ما أخاف ابني وأزعجه. والنتيجة ان المعلم حصل على لفت نظر!. والأسوأ من ذلك ان أحد الزملاء حصل على لفت نظر بحجة انه صرخ على طالب مقصر، فأثر على نفسيته، والسؤال هنا: من يراعي نفسيات المدرسين؟
* ماذا عن المناهج بين الأمس واليوم؟
** هناك تطوير مستمر للمناهج، وهي أفضل بكثير من السابق في بعض المواد مثل المواد العلمية. ولكننا مازلنا متأخرين بعض الشيء. بدليل انه حتى المعلمين في المدارس الحكومية يحرصون على الحاق أبنائهم في مدارس خاصة. فعندما تفتح كتب العلوم مثلا في المدارس الحكومية، وعلى الرغم من التطوير، تجد أنها مازالت فقيرة وسطحية ولا تلبي الحاجة مقارنة بالتطورات العلمية.
وهناك مواد ربما كانت أفضل في السابق، مثل اللغة العربية والرياضيات. حيث بات من الصعب الاعتماد على الكتاب ولابد من دروس إضافية بديلة.
* هل يفسر ذلك حاجة الطالب إلى الدعم الكامل في المنزل سواء للمراجعة او الواجبات، لعدم الاكتفاء بالشرح في المدرسة؟
** المشكلة في نظري تكمن في جدية التعليم. فعندما تناقش الأمر مع أي ولي أمر او طالب تجد ان الهدف والمعيار لديهم صار المعدل، اما ماذا يتعلم الطالب فهو ليس بالأمر الأساسي. وبالتالي لم تعد العملية التعليمية والتحصيلية مهمة بقدر المعدل المرتفع، مما انعكس سلبا على جدية التحصيل والعملية التعليمية برمتها. بدليل أن من يحصل على معدل 92% مثلا لا يعتبر متفوقا، في حين كانت هذه النتيجة شبه مستحيلة في السابق.
أضف إلى ذلك ان الطالب في الثانوية مثلا كان في السابق يلاحق المعلم من أجل نصف درجة. واليوم الطالب لا يعبأ بشيء، تخيل ان الأمهات هن من يستفسرن عن مواعيد الامتحانات والدرجات وليس الطالب.
* باختصار.. ما الذي تحتاج إليه المنظومة التعليمية اليوم؟
** أولا أن تعود هيبة المعلم ومكانته بحيث يكون هو العنصر الأساسي المسيطر في الصف، بعيدا عن القسوة. كما نحتاج إلى أن يُعطى المعلم صلاحيات أكبر، وبالمقابل تكون هناك محاسبة أكبر للطلاب.
والامر الآخر تحتاج المناهج إلى مراجعة شاملة وإلى معلومات تواكب التطورات وتوازي المناهج العالمية.
كما أن المعلم بحاجة إلى الحوافز والتقدير حتى يكون متحمسا لمزيد من التطوير والعطاء. ولكننا نجد ان الكثير من الترقيات توقفت لأسباب عدة، وهذا ما يحبط المعلم ويحد من عطائه ورغبته في التطور. فالكثير من المعلمين الأكفاء استغلوا التقاعد الاختياري لان المعلم الذي يتعب لا يكافأ.
التكنولوجيا دمرت الطلاب
انتقلنا إلى الأستاذ (س ط)، وهو معلم لسنوات طويلة عايش خلالها تطورات المنظومة التعليمية ككل. توقفنا عنده لنسأله بداية عن رأيه في المناهج اجمالا ومقارنة ما درسه قبل ثلاثة عقود وبين ما يدّرسه اليوم.
يقول ضيفنا: المناهج في السابق كانت تركز على الكفايات الأساسية بشكل أكبر وأعمق. واليوم يقدم المنهج المواد العملية بشكل أكثر كثافة ولكن بعمق أقل. وكثيرا ما نجد مناهج مطولة لا يستطيع المدرس حتى تغطيتها أحيانا لكثرة ما تحويه من مهارات ومتطلبات، كما كانت هناك مواد ندرسها في المرحلة الثانوية، واليوم باتت تدرس في المراحل الأولى. ولكن في الأخير لا يكون الطالب قد خرج بنفس المحصلة التي كنا نحصل عليها في السابق، حيث كان الطالب يتخرج ولديه حصيلة علمية أكبر وأعمق.
* هل تؤيد القول إن المعلم فقد اليوم هيبته مقارنة بالماضي؟
** مكانة المعلم كانت أفضل بكثير. كان الطالب يهاب المعلم سواء في الصف او خارج المدرسة. ولكن اليوم فقد تلك الهيبة. يضاف إلى ذلك أنه تم تقليم أظافر المعلم وتقليص صلاحياته مما جعله لا يستطيع حتى الضغط على الطالب. وأحيانا هناك خلل حتى في تربية الطالب في المنزل، حيث لا يتربى على احترام المدرس ودوره التربوي. ما يعني أن الأسرة تلعب دورا كبيرا سواء إيجابيا أو سلبيا في هذا الجانب.
ثم أن نظام التقويم تغير وصار لصالح الطالب، وهذا ما ساهم في أن ترتفع المعدلات بالشكل الذي نراه اليوم، ولكن تبقى المشكلة في التحصيل.
* ماذا عن الطلاب بين الأمس واليوم؟ لماذا بات الطالب اليوم يعجز عن إنجاز حتى واجباته المدرسية من دون دعم من الام أو الدروس الخصوصية؟
** لهذا عدة أسباب، الأول هو طول المناهج بشكل غير مناسب، بحيث لا يستطيع المعلم أن يعيد الشرح أو يتوسع فيه. وبالتالي إذا لم يستوعب الطالب الدرس قد لا تكون هناك فرصة كافية للإعادة. وهذا ما يجعل المعلم في سباق مع الزمن.
الامر الثاني أن الكثير من الطلاب تعودوا على (الدلع) والاتكالية وعدم تحمل المسؤولية. أضف إلى ذلك اننا كنا نعتمد في السابق على السبورة وكتابة الأسئلة والأمثلة والحلول والنماذج، وهذا ما يرسخ المعلومات لدى الطالب. في حين أن القراءة والكتابة اليوم شبه معدومة في الصف. وكل شيء يأتي مطبوعا وجاهزا بما في ذلك الأنشطة والاسئلة والواجبات.
ومن الاسباب أيضا أنه على الرغم من امتلاك المعلمين اليوم أدوات ومهارات إيصال المعلومات بشكل أفضل من السابق، فإن المشكلة تكمن في المادة العلمية وفي عمق المعلومات، فمثلا كلية المعلمين تركز على استراتيجيات التعليم وليس على المادة العلمية خاصة في المرحلة الابتدائية. لذلك يواجه المعلم الجديد مشكلة في البداية.
ثم أنه عندما يتحول المعلم إلى ممثل في الصف وليس تربويا، تتفاقم المشكلة. فهناك نماذج جاهزة ومحددة تفرض على المعلم، في حين كان المعلم في السابق يمتلك مرونة وحرية في التعامل مع المنهج بحسب الوضع وقدرات الطلاب.
* ألم يخدم إدخال التكنولوجيا الحديثة العملية التعليمية بما يعوض ما أشرت إليه من مشكلات؟
** باعتقادي ان الطالب اليوم ليس بحاجة إلى التكنولوجيا. فطوال اليوم يستخدمها في المنزل وبالتالي يجب الا تفرض عليه في المدرسة. وانا اقولها بكل ثقة: التكنولوجيا دمرت التعليم وقدرات الطلاب. صار الطالب يعتمد على الحصول على كل شيء جاهزا ولا يتعب في التحصيل بدليل انه خلال الجائحة والاعتماد الكلي على التكنولوجيا، كان التحصيل صفرا عند الكثير من الطلاب. وهذه دراسات ومشكلات عالمية وليست محلية.
* هل أفهم من ذلك كله أنه لو كانت لك فرصة الاختيار بين التدريس في الماضي والحاضر سيكون خيارك الماضي؟
** بكل تأكيد اختار التدريس في الجيل السابق حيث الحرية والمكانة أكبر للمعلم، والضغوط اقل بكثير، في حين يشعر المعلم اليوم بأنه مراقب ومقيد وملزم بتنفيذ ما يملى عليه.
مكانة أكبر
نستمر في مقارنة التعليم بين الماضي والحاضر، وهذه المرة مع الأستاذ (ع ز) الذي يمتلك خبرة طويلة في التدريس ومازال يمارس هذه المهنة الراقية.
كانت انطلاقة حوارنا معه حول رأيه في مناهج الأمس حينما كان طالبا، ومناهج اليوم حيث يدرسها. وعليه يجيبنا: هناك تطور كبير في بعض المناهج. حيث إن المناهج القديمة كانت تعتمد في بنائها على الوحدة الصغيرة إلى الكبيرة، من الجزء إلى الكل. والمناهج الحالية تعتمد على العكس، وهذا تطور كبير يتماشى مع الكثير من المتطلبات ويواكب التطورات خاصة في مواد العلوم والرياضيات.
من جانب اخر، ما كنا ندرسه في الثانوية أصبح الان يدرس في المرحلة الإعدادية. وما كنا ندرسه في الإعدادية بات يدرس في المرحلة الابتدائية.
ولكن هناك مواد حدث فيها تغيير ولكنه عكسي، بمعنى أن مناهج بعض المراحل والحلقات تغيرت ولكن ليس بالتغيير المطلوب الذي يخدم العملية التعليمية.
ومن التطورات الجديدة أيضا هو إضافة مواد للمناهج، مثل التربية الاسرية والتقانة والحاسوب وغيرها. ولكن كانت إضافة هذه المواد على حساب نصيب مواد أخرى. فمثلا كانت مادة اللغة العربية تتطلب عشر حصص أسبوعية. ومع إضافة مواد جديدة تقلص العدد بشكل كبير، وهذا ما انعكس على كم المعلومات والتحصيل.
* وكيف تقارن المعلم بين الأمس واليوم من حيث الكفاءة والمكانة؟
** من حيث الكفاءة يمكنني التأكيد على ان المعلمين اليوم أكثر استعدادا وامتلاكا للمهارات التعليمية. واقل شهادة يحملها المعلمون هي البكالوريوس، وبعضهم يحمل شهادة الماجستير بل وحتى الدكتوراه.
وبالنسبة إلى الأدوار، كان تركيز المعلم في السابق على التدريس والأنشطة داخل الصف. في حين ان مسؤوليات المعلم اليوم تتوزع على عدة جوانب داخل الصف وخارجه، وبالتالي كانت إنتاجية المعلم في السابق أكثر.
ثم ان مكانة المعلم سابقا كانت أكبر وأكثر حظوة في المجتمع. ولعل أكبر مشكلة يواجهها المعلم الآن هو تقلص مكانته في المجتمع. كانت كلمة المعلم في السابق تمشي حتى على أولياء الأمور. ولكن تقلص الدور التربوي للمعلم بشكل كبير خاصة المعلمين الجدد، حيث لا يستطيع المعلم أن يمارس ادواره التربوية الا ما ندر.
* ماذا عن الطلاب أنفسهم من حيث التحصيل والقدرات؟
** هناك أزمة حقيقية تتعلق بالتحصيل. وأبسط مثال على ذلك ان الطالب خاصة في المراحل الأولى يعتمد بشكل كلي على التدريس والمساعدة داخل البيت. وهذا نتيجة لمفهوم خاطئ تتحمله جميع الاطراف، بدءا من المناهج التي تسبب الضغط على المعلم والطالب، حيث لا تراعي بعض المناهج مناسبة الكم بالوقت المتاح مما جعل المعلم يعتمد بشكل كبير على تدريس الأسرة، مرورا بأخطاء بعض المعلمين الذين يعتمدون على تعليم الاسرة للطفل في البيت، مرورا ببعض الاسر التي تعلم الأبناء على الاتكالية. فدور الأسرة يجب الا يتعدى متابعة الطالب ومراقبة تحصيله ومساعدته عند الحاجة وليس تدريسه بالكامل.
ومما ساهم في هذه المشكلة هو تحول التركيز على المعدلات أكثر من أي معيار اخر، وبالتالي باتت الاسر تحرص على أن يرتفع المعدل بأي شكل، ولكن هذه المساعدات تحول الطالب تدريجيا إلى الاتكالية والاعتماد على تدريس الام مثلا أو المعاهد. علما ان هذه الدروس الإضافية قد تسبب الضغط والارهاق للطالب.
* هل ساهمت التكنولوجيا في الارتقاء بقدرات طلاب اليوم وإمكانياتهم مقارنة بنظرائهم السابقين؟
** لا يمكن أن ننكر دور التكنولوجيا وفضلها في التعليم وتوسيع مدارك الطلاب. ولكن ما نحتاج إليه هو تقنين استخدام التكنولوجيا وقنوات التواصل الاجتماعي بشكل صحيح، فمثلا يعتبر البعض خاصة من المسؤولين عدم اقحام وسيلة تكنولوجية في الدرس بالصف أو في الأنشطة نقيصة، حتى لو لم يستدع الدرس استخدام التكنولوجيا. وهذا ما جعل هذه الوسائل تقحم اقحاما في بعض الأحيان بالعملية التعليمية من دون حاجة.
وبالمقابل ساهمت التكنولوجيا في تقليص التعامل مع الكتاب ومع القراءة المتنوعة. لذلك من الضروري أن تراعي المناهج التي تضعها الوزارة هذا الجانب وتتيح مجالا للمعلم في تقدير الحاجة إلى استخدام التكنولوجيا في التعليم بالشكل الصحيح والمفيد وليس اقحامها اقحاما،
ثم أن الحاجة إلى التطوير لا يكون في استخدام التكنولوجيا بقدر تطوير المناهج نفسها لتواكب التطورات. فليس من المجدي ان ندخل التكنولوجيا المتطورة في مناهج تحتاج أساسا إلى تطوير لتواكب التكنولوجيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك